ترقب نتائج الحوار الأميركي – السعودي مع سورية
هيام القصيفي
ما كادت القوى السياسية ترصد تداعيات زيارة رئيس الاستخبارات السعودية مقرن بن عبد العزيز لسوريا الاسبوع الماضي، حتى جاء مسلسل الزيارات الغربية لدمشق، والاميركية في مقدمها، ليزيد رصد هذه القوى واهتمامها بمفاعيل هذا الانفتاح وانعكاسه على لبنان.
وفي رأي مصدر وزاري مطلع ان زيارة المسؤول السعودي، كانت بتنسيق مع واشنطن، في اطار سعي البلدين الى اعادة التواصل مع دمشق على قاعدة ثوابت جديدة، تتناول كل ملفات المنطقة.
ويشير الى ان الرسائل بين سورية والسعودية انطلقت مجددا بعد قمة الكويت التي اطلق خلالها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز مبادرته حيال الرئيس السوري بشار الاسد. وادى اكثر من وسيط دورا في نقل هذه الرسائل، ومنهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اضافة الى دور اضطلع به وجه سعودي بارز وصولا الى الزيارة التي قام بها الامير مقرن لدمشق، بعدما حملت الرسائل السورية استعدادا لتعميق اسس المصالحة التي قام بها العاهل السعودي.
ولم يعد سرّا ان الهدف الذي تلتقي عليه السعودية ومصر (وان بحماسة اقل) مع الادارة الاميركية الجديدة، هو تغيير قواعد اللعبة مع دمشق من اجل تعديل سلوكها وانتزاعها من حضن ايران. وينطلق البلدان العربيان من النجاح الذي حققاه في حرب غزة وما خلصت اليه، ان لجهة دور “حماس” المستقبلي او لجهة نوعية شروط التهدئة مع اسرائيل.
وقد دفع النجاح المصري والسعودي المشترك، السعودية الى محاولة تطويق ايران من جهتين، الاولى بالتقرب من سوريا والثانية في حشد دعم خليجي بالتنسيق مع مصر دعما للبحرين في معركتها مع ايران حول الجزر المتنازع عليها. وبدا واضحا من جملة تقارير ديبلوماسية وامنية غربية ان دائرة التوجه السعودي المصري الجديد ستشمل العراق وفلسطين ولبنان. وتشير الى ان ثمة اصراراً سعوديا على الدفع في اتجاه تحقيق مكسب على ايران في كل الساحات المشتركة، وخصوصا ان الرياض سبق لها ان حاولت مرارا، جذب ايران والرئيس محمود احمدي نجاد الى جانبها، وعزل سوريا من دون طائل. وما ساهم في تعثر التحرك السعودي انكفاء ادارة الرئيس جورج بوش عن مقاربة ملفات الشرق الاوسط في الاشهر الاخيرة من ولايته والخلاف في وجهات النظر بين ادارة بوش والنظام السعودي حول اكثر من ملف، الامر الذي بدا واضحا في الانفتاح السعودي على روسيا ودول الشرق الاقصى، اضافة الى توجهها نحو اسواق عسكرية مختلفة. في حين ان ادارة الرئيس بارك اوباما سعت، حتى قبل الوصول الى البيت الابيض، الى وضع استراتيجيتها بالتعاون مع السعودية من اجل رسم مستقبل اوضح للمنطقة، وتأكيد مرجعيتها في مواجهة التطرف الاسلامي والدور الايراني الامني والنووي في المنطقة.
وقد بدا واضحا ان الرياض تعمل في شكل حثيث وعلى اكثر من خط لتطويق ايران والخط الاصولي السني الذي يمكن ان يتعاطف معها. من هنا جاء ابلاغ الرياض “الانتربول” بقائمة من 85 اسما من المنتمين الى “القاعدة”، ذكر ان منهم من هو موجود في ايران، اضافة الى التغييرات التي اجرتها اخيرا في هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن قيّض له ان يتصل بالسناتور الاميركي جون كيري في زيارته الاخيرة لبيروت، سمع كلاما مختلفا عن الرؤية الاميركية لملفات الشرق الاوسط، بما في ذلك الملف الفلسطيني، اذ انه ابلغ محدثيه انه سيبلغ بنيامين نتنياهو (قبل تكليفه رسميا بتأليف الحكومة الاسرائيلية) ان الادارة الاميركية لن تتصرف حيال الملف الفلسطيني تحت أي ضغط اسرائيلي، وان نتنياهو لن يحظى بدعم اميركي غير مشروط تحت طائلة أي ضغط يهودي او اسرائيلي. وهذا يعني ان الدخول الاميركي الجديد على الخط يمكن ان ينسجم مع التحرك السعودي والمصري من اجل فكفكة عقد الشرق الاوسط، بعيدا من أي ابتزاز ايراني في ما يتعلق بالورقة الفلسطينية.
وتراهن السعودية على ما تقوم به حيال دمشق، وخصوصا ان ثمة من يتحدث عن دعم لها في اكثر من مجال حيوي اقتصادي وسياسي، تمثل في المساهمة في فك عزلتها الاوروبية والاميركية، وفي دعمهما للحوار السوري مع واشنطن. في المقابل، فان ثمة مطالب سعودية ومصرية واميركية لا بد من تحقيقها لنجاح أي حوار.
فالوفود الغربية والسفراء الغربيون في مجملهم الذين يلتقون المراجع السياسية، يشددون في احاديثهم على اهمية الانتخابات النيابية المقبلة، ويستطلعون امكانات نجاح الاكثرية الحالية في العودة مجددا الى الحكم. وفي المقابل، فان المحور العربي المناوىء لطهران، يدرك احتمالات نجاح الموالين لسوريا، الا انه يعول على عدم زيادة حصة “حزب الله” بل يضغط جديا لتقليص حصته، ويعمل على الحصول من سوريا على دعم واضح للحد من قدرة “حزب الله” العسكرية، والحد من تحرك قيادات ” حماس” الموجودة في دمشق.
الى أي مدى يمكن ان ينجح التحرك السعودي الاميركي المشترك؟ يبدو من المبكر، بحسب المصدر الوزاري المطلع، ان تكون نتيجة هذا الحوار سريعة، وخصوصا ان هذه المحاولة تتم في مواجهة خصم قوي لا يمكن ان يسلم بسهولة. الا ان احدى اهم الثوابت في هذا التحرك، هي ان واشنطن متمسكة بخياراتها التي تنفذها بخطوات مدروسة ومتأنية في انتظار نتائج الانتخابات الايرانية، وفي انتظار خطوات سورية ملموسة، تترجم جديا النيات السورية، واول هذه الترجمات تعيين سفير سوري في بيروت، وامرار الانتخابات النيابية باقل اضرار ممكنة.
النهار