واشنطن تحرص على مواكبة أي تحرك نحو سوريا بإشارة دعم لاستقلال لبنان
روزانا بومنصف
تُظهر الادارة الاميركية الجديدة حرصاً بالغاً وواضحاً في التشديد على الاستمرار في العناية بالوضع في لبنان من خلال تأكيد دعم استقلاله وسيادته.
فهذا الخطاب تكرر اكثر من مرة في المدة الأخيرة على ألسنة المسؤولين الكبار في الادارة، وخصوصاً في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الماضي، وذلك على رغم عدم اكتمال عناوين سياستها حتى اليوم.
لكن الأهم ان كل خطوات الانفتاح او المؤشرات الى الانفتاح، التي بدأتها واشنطن مع سوريا حتى الآن، بدءاً بزيارة اعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي للعاصمة السورية وصولاً الى استقبال مساعد وزير الخارجية الاميركية بالوكالة السفير جيفري فيلتمان للسفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى قبل يومين، تزامنت في شكل مدروس مع توجيه رسائل ذات مغزى الى لبنان تحتم على سوريا أخذها في الاعتبار. وكانت آخر هذه الرسائل الاتصال الذي اجراه الرئيس الاميركي باراك أوباما برئيس الجمهورية ميشال سليمان لشكره على التهنئة بانتخابه، في اليوم الذي شهد أول انفتاح حواري للديبلوماسية الأميركية في واشنطن على السفير السوري المعتمد لديها. وقد حمل مضمون الاتصال رسائل واضحة فحواها ان “واشنطن في صدد مراجعة لسياستها في منطقة الشرق الاوسط، ولا سيما حيال سوريا”، مكرراً في الوقت نفسه “تأكيد دعم استقلال لبنان وسيادته”. وهذا يترجم، على ما تكشف معلومات مصادر معنية، الموقف الأميركي الذي أبلغ الى لبنان على أكثر من مستوى، وكان آخرها الموقف الذي حمله رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي جون كيري ومفاده ان الحوار المحتمل مع دمشق لا يعني في أي شكل تبدلا في المواقف الاميركية حيال لبنان.
ولا تستبعد المصادر المعنية ان يشهد لبنان زيارة تكتسب معنى مهماً في الأيام المقبلة يقوم بها مسؤول أميركي رفيع. إذ أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي ستشارك في مؤتمر اعمار غزة الذي يعقد في شرم الشيخ مطلع الاسبوع المقبل وقد توفد احد مساعديها الى لبنان، يرجح ان يكون السفير فيلتمان في حال رافقها في جولتها في المنطقة التي ستشمل بعض الدول ايضا من بينها تركيا.
وزيارة فيلتمان المحتملة، في حال حصولها، تكتسب بعدا مهما من موقعه الحالي في الخارجية الاميركية، ومن الاهتمام الذي اولاه للبنان ودعم استقلاله وسيادته خلال عمله سفيرا لبلاده في الاعوام الثلاثة الماضية، فضلا عن توقيتها غداة فتح الابواب نسبيا امام سوريا ومحاولة استعادتها الى الاطار الدولي.
كما ان مضمون الزيارة، متى حصلت، لن يقل اهمية عن شكلها وتوقيتها، باعتبار ان فيلتمان يدرك جيدا هواجس اللبنانيين ومخاوفهم من اي امر قد يأتي على حسابهم مجددا، على رغم اعتقاد مسؤولين اميركيين ان هذا الامر قد يكون مبالغا فيه احيانا من جانب اللبنانيين.
وتقول المصادر المعنية ان المسؤولين الاميركيين يدركون جيدا امكان توظيف سوريا الانفتاح الاميركي عليها من اجل تحقيق مكاسب او نقاط لمصلحتها في وجه من تعتبرهم خصومها في لبنان ولتعزيز مصالحها فيه، ولذلك هم يحرصون على وضع كل ما يجري في الاطار الصحيح والدقيق. ولا يتركون مجالا لاي تفسير او توظيف من هذا النوع. وكان الزوار الاميركيون اخيرا لكل من بيروت ودمشق طمأنوا من التقوهم من المسؤولين اللبنانيين الى ان الحوار مع العاصمة السورية سيصب في خانة حماية لبنان ايضا، وعدم التفريط باستقلاله وسيادته، وان لا مساومة اطلاقا وفي اي شكل على موضوع المحكمة الدولية. في حين حملوا الى سوريا رسائل حازمة تشبه الى حد بعيد ما حمله وزير الخارجية السابق كولن باول الى دمشق عام 2003، ولاحقا ايضا من دون نجاح يذكر. وهذه الرسائل تتعلق بالمطالب الاميركية المزمنة من سوريا في ما خص دعم الاخيرة منظمات تعتبرها ارهابية مثل “حزب الله” وحركة “حماس” وسائر المنظمات الفلسطينية الراديكالية، والاستمرار في المحافظة على سلامة الحدود والامن مع العراق، الى جانب احترام استقلال لبنان وعدم التدخل في انتخاباته النيابية المقبلة، على ان تساعد واشنطن في تسهيل عودة سوريا الى الاسرة الدولية وتساهم مع العرب في تشكيل مظلة لها في حال مضت في اجراء مفاوضات سلمية مباشرة مع اسرائيل. كما ان القيادة السورية تبلغت ان الرئيس الاميركي الجديد عازم على التغيير وهو جدي جدا في شأنه ولن يحتاج الى سنتين من اجل ان يكوّن فكرة عما لديه بل ان كل العناصر موجودة امامه راهنا. وكان لافتا في المعلومات التي رشحت عن اللقاء مع الرئيس السوري انه تجنب الاشارة الى امرين مهمين احدهما المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والآخر هو الانتخابات النيابية اللبنانية. وهذا الامر تتوقف عنده المصادر المعنية من زاوية ان سوريا دأبت على القول لزوارها الاجانب ان لها نفوذا في لبنان ويمكنها استخدامه للتأثير ايجابا فيه، علما ان كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم على المحكمة اخيرا بدا اكثر هدوءا مما اعتاد المسؤولون السوريون قوله في هذا الموضوع.
النهار