بدر الدين شننصفحات سورية

بديل نقابي مطلبي ممكن

null


بدر الدين شنن

القيادات النقابية العمالية السورية ، أ سيرة ” النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي ” ، تكابد الآن آلام ساعة الحقيقة . فهي لاتستطيع ، بعد أن صار الفساد والغلاء المتصاعد والفقر المتزايد وتوجهات الخصخصة وآلام اقتصاد السوق حقائق ثابتة في الوضع الاقتصادي الاجتماعي ، وبعد أن بلغ الجوع أفواه أسرها وأطفالها ، لاتستطيع أن تستمر بالاستقالة من النضال المطلبي ،
ولاتستطيع أن تستمر بالالتزام بمخططات القيادة السياسية والسلطة المسؤولة عما جرى ويجري ، من انحدارات على الصعد المعيشية والخدماتية كافة ، ومن ضياع آفاق المستقبل الكريم للأجيال القادمة .

وهذا ما انعكس بشكل جلي في معظم مداخلات النسق الثاني فما دون من القيادات النقابية ، في المؤتمرات السنوية الدورية في المحافظات ذات الكثافة العمالية المتميزة ، وكذلك في طروحات ” اليسار الرسمي ” إن جاز التعبير ، التي ركزت على مجال الخصخصة لمؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية ، وعلى مجال تردي الوضع المعاشي ، والتدابير الجارية قدماً لتكريس الليبرالية الاقتصادية واقتصاد السوق .

على أن الأصوات النقابية المرتفعة الآن ، والأقلام اليسارية الرسمية التي تجتهد ، لم تحسم جدياً القطيعة مع النقابية السياسية والعودة إلى النضال المطلبي ، إذ أنها ، إذا تجاوزنا مسألة الحريات النقابية مؤقتاً ، تطرح تقييمات ومطالب عمالية مطابقة لمعظم الحاجات العمالية ، لكنها تقدمها ، على الورق فقط ، إلى الجهات التي قررت ونفذت وخلقت الحالات التي يشكو منها العمال ، ويعولون عليها في تحقيق تلك المطالب ، وتحاول حصر النقد والهجوم بالفريق الاقتصادي في الحكومة وعلى رأ سه النائب الاقتصادي عبد الله الدردري ، وتلبيسه مسؤولية الإثم الاقتصادي ، متناسية ، أن الحكومة كلها ، والنظام بكامله ، من ارتكب هذا الإثم الفظيع .. والمسؤولية يتقاسمها الجميع .

ولعل المداخلة النزقة ، التي ألقاها رئيس الاتحاد العام ، النقابي الأقرب إلى مركز قرار السياسة والسلطة ، في مؤتمر اتحاد عمال اللاذقية مؤخراً ، خير دليل على ذلك . فقد رد بتعابير لافتة على الأصوات والطروحات ، التي صرخت أمامه ” رواتبنا لاتكفينا لنصف شهر .. يجب العودة عن التدابير الاقتصادية ذات الطابع الليبرالي .. نرفض بيع حق الانتفاع بالقطاع العام لمدة 99 سنة ” بقوله ” إن اللهجة النقابية السائدة متناقضة مع الذات العمالية .. !! .. ما أ سمعه انقلاب على الثوابت .. !! .. ” وقال ” إن الفريق الاقتصادي لايقرر لوحده السياسة الاقتصادية ” وجاء بمثال على ذلك ” لقد وافقنا في الاتحاد العام على الخطة الخمسية العاشرة ( المتضمنة تطبيق اقتصاد السوق ) قبل أن توافق الحكومة عليها ” .

وإذا كان رئيس الاتحاد العام قد عبر بمثال الخطة الخمسية العاشرة ، عن اندماج وتكامل الاتحاد العام مع السلطة ، فإنه قد أخفق ببناء مفهم ” للذات العمالية ” على خلفية تمرير التطورات الاجتماعية اللاعقلانية والانحرافات الاقتصادية على حساب الطبقة العاملة ، بل وبقبول ” واع ” منها لأهمية هذه التطورات ، التي سمى انتقادها انقلاباً على الثوابت . وهذا ما يثير السؤال ، مع حفظ المصداقية للنقابيين المتضررين حقاً من المظالم المعيشية ، حول جدية وجدوى الطروحات المطلبية تحت سقف النقابية السياسية ، وما يثير الأسف الشديد لعدم إدراك واعتراض الأوضاع والتطورات ، التي جاءت في كنفها وبذريعتها النقابية السياسية الغريبة في منتصف السبعينات من القرن الماضي ، التي ألغت منذئذ النضال المطلبي ، والأوضاع والتطورات الجارية الآن ، التي قد تودي بالحركة النقابية إلى أ شكال من الممارسات النقابية الأكثر غرابة .

السؤال الآن .. هل إيجاد بديل نقابي مغاير ممكن ؟

قبل الإجابة على السؤال ، من الجدير التأكيد عليه هو أن ” النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي ، كانت انحرافاً نقابياً خطيراً ، بل كانت في حينه ، تواطؤاً بين التنظيم النقابي مع البورجوازية الحاكمة ، التي حزمت أمرها على تحقيق أكبر قدر من التراكم المالي لولوج حقل الاقتصاد وانتزاع الهيمنة على السوق المحلية بعد أن هيمنت على السلطة ، وذلك عبر آليات متعددة ، كان من أهمها تجميد النضال النقابي المطلبي وتجميد الرواتب والأجور . الآن .. وبعد تجربة مداها ثلاثون عاماً ونيف ، لاأحد قادر على إنكار هذه الخلفية لتجميد النضال المطلبي وا ستبداله بالولاء السياسي للحزب الحاكم وللسلطة . ولا أحد قادر على إنكار أن الثراء الذي استحوذت عليه البورجوازية الحاكمة قد تم مقابله إفقار منخفض إلى ما دون خط الفقر لمستوى معيشة الطبقة العاملة وكافة المنتجين وقطاع وا سع من المواطنين ، هذا الثراء اللامشروع والإفقار الإرادوي المتعمد يشكلان قطبي التمايز الطبقي الحاد الجديد ، الذي ا ستهلك شعارات الانقلاب ” وحدة حرية ا شتراكية ” وا ستهلك أيضاً المسوغات الشكلية النابعة من هذه الشعارات لطرح النقابية السياسية ، وا ستهلك أيضاً وأيضاً حقوق ومستقبل جيل كامل ، وقبض على مصير أجيال أخرى قادمة .

نكتفي بدلالة مثال بسيط واحد . كان متوسط أجر العامل الشهري في منتصف السبعينات من القرن الماضي 400 ل.س ( ليرة سورية ) ، أي نحو 13 ل.س في اليوم ، وكان هذا المبلغ يغطي نفقات أ سرة من خمسة أ شخاص مع إيجار السكن لشهر كامل . أما الآن مع بدايات القرن الواحد والعشرين ، فإن متوسط الأجر الصافي شهرياً حسب جريدة الاتحاد العام ( كفاح العمال الاشتراكي ) هو 6815 ل.س ، أي 240 ل.س في اليوم ، وهذا المبلغ الشهري لايغطي نفقات الأسرة المذكورة بأ سعار هذه الأيام سوى لأسبوع واحد مع التقشف الشديد ، والجزء اليومي منه لايشتري نصف كيلو من اللحم . بمعنى ، أن ما يطلق عليه إعلامياً ” تسونامي ” الأسعار ، تعبيراً عن وحشية الغلاء القاتل ، لم يترك للطبقة العاملة ومعها الطبقات الشعبية سوى أ سوأ وأضعف مقومات الحياة ، وبالمقابل ، تحول بورجوازيو العهد إلى أثرياء دولة وأمراء اقتصاد بكل ماتعنيه كلمة أمير من معنى طبقي اجتماعي سيادي .

ومن خلال عملية حسابية بسيطة ، نجد أن مئات وآلاف المليارات من الليرات السورية ، التي حرمت منها الطبقة العاملة وكافة العاملين براتب وأجر ، هي بالضبط ، القسم الأعظم ، من الثروة التي يتمتع بها أهل الحكم ، الذين ا ستحوذوا بالقوة على القرار السياسي والقرار الاقتصادي ، وباتوا أغنى أغنياء البلد .

إزاء هذه المفارقة الاجتماعية السياسية بات المطلوب اختراق النقابية الراهنة ، وذلك بعزل السياسي ( سواء كان الولاء طوعاً أو كرهاً ) عن النقابي ، لإنطلاق النضال النقابي المستقل ، والتمسك به للوصول إلى الحد الأدنى من مقومات البقاء الإنساني الكريم لكل الكادحين ، ورهن السياسي للمطلبي وليس العكس .

يعود السؤال يكرر نفسه .. هل هذا ممكن ؟ .. أعتقد أنه ممكن . لأنه وحده الذي يجب أن يكون . إن مواجهة الخصخصة واللبلرة في الاقتصاد ، التي ستطلق العنان للمنافسة الجشعة وارتفاع الأسعار والإفقار والبؤس الاجتماعي السيء والأسوأ ، تستدعي المبادرات والنضالات العمالية الشجاعة المتعددة ، وهذا يتعارض مع ا ستمرار حالة الاستنقاع النقابي المزمنة .

الذات العمالية المكافحة ضد القهر الاجتماعي الاقتصادي السياسي سوف تغتني من خلال النضال النقابي المطلبي ، الذي هو مرشح للارتقاء بحكم الظروف التي تمر بها البلاد إلى مستويات أعلى فأعلى ، ليشمل السياسي .. الوطني .. الديمقراطي .

نعم .. بديل نقابي مطلبي ممكن .. وهذا متروك لمبادرات وكفاءات الكادرات النقابية .. التي تتطلع إلى آفاق نقابية جديدة .. تتسم بالاستقلالية والمصداقية والإلتزام بمصالح الطبقة العاملة الاجتماعية والوطنية والديمقراطي

الحوار المتمدن

2008 / 4 / 5

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى