لٍمَ لا يعترف لبنان بجارته الشقيقة سوريا؟!
بسّام حجّار
1
لكثرة ما شاهدنا وسمعنا، عبر شاشات التلفزيون، وقرأنا في الصحف، من المواقف المنتصرة، بحنان بالغ، لنجاح أسرة الأسد وأجهزتها الأمنية والسياسيّة، في عقد القمّة العربية بدمشق، والتصريح أحياناً والتلميح دائماً بأنّ الأكثرية في لبنان حاكت المؤامرات ودبّرت الدسائس لإفشال هذه القمّة، وضرب “قلب العروبة” المقيم في قصر المهاجرين،
هذه الآونة، آمنّا أنّ في المسألة خطأ ما قد نتحمّل نحن جزءاً وفيراً منه. لعلّ بعضنا أساء الفهم، عامداً أو غير عامد؛ ولعلّ بعضنا الآخر استهوته المؤامرة على ما تبقّى في بلاد العرب من شعور بالصمود والمقاومة.
وأفحمنا، أخيراً وليس آخراً، دفاع الجنرال المؤثر، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي الأخير، عن وجاهةٍ مؤكّدة في خطاب “السيّد الرئيس” الأسد في افتتاح القمّة.
خيّل إليّ أننا نحيا حكاية حبّ افتراضية بين لبنانيين ونظام الأسد البعثي في سوريا. وكدنا نصدّق أنّنا روّجنا، فيما شهدناه وذقناه طيلة ثلاثين عاماً من الاحتلالين الإسرائيلي والسوري، لخطيئة لن تغفرها لنا السماء.
مَن يُثابر على مشاهدة التلفزيونات الإيرانية في لبنان، يحسب أنّ هذا البلد، ممثّلاً بأكثريّته السياسية، ارتكب خطأً مميتاً جرّاء قرار حكومته عدم المشاركة في القمّة العربية الأخيرة المنعقدة في دمشق.
ومَن يُثابر على مشاهدة التلفزيون البرتقالي يحسب أنّ جوهر المشكلة بيننا وبين النظام البعثي في سوريا يكمن في عدم اعترافٍ وقحٍ، وغير مسبوقٍ بين دولة ودولة، طبعاً من قبل لبنان بسوريا، وليس العكس.
فمن يسمع السيّد وليد المعلّم بكلامه الودود الدافئ يحسب أن اللبنانيين، أو جلّهم، بلا قلب، كمدن عبد المعطي حجازي بالضبط.
لا أدري إذا كان لدى مشاهدين آخرين انطباعٌ مختلف، أو إذا كانوا يشاهدون التلفزيونات الإيرانية في لبنان لكي يكوّنوا انطباعاً.
فالانطباع التلقائي ممنوع في التلفزيونات الشمولية. كما هو ممنوع على مشاهديها.
أو ربّما لا تكون شمولية بل جاذبة للرأي العام. للرأي العمومي. للرأي الشعبي. الشعبوي الذي نعرف أنّه موجود، أكثر مما ينبغي في بلدٍ صغير مثل لبنان نُفاجأ اليوم أنّه يتجرّأ على عدم الاعتراف بسوريا. خصوصاً أنّ سوريا، وبفضل الترتيب الأبجدي الذي يقتضيه بروتوكول ما، سوف تكون “رئيسة العرب”، بحسب أحد ضيوف التلفزيونات الإيرانية في لبنان، لمدّة عام.
حمانا الله، أقصد نحن العرب، سحابةَ هذا العام.
2
لا يتحدّث أحدٌ من العرب أو حتّى العجم عن معارضة وموالاة في لبنان.
العرب والأعاجم، معاً، يرون الصراع في بلد ديمقراطي على أساس الأكثرية والأقليّة، في المعنى التمثيلي السياسي، ما يعني على المستوى الشعبي أيضاً.
أسرة النظام البعثي في سوريا ابتكرت مصطلحات جديدة من قبيل: الممانعة (لا المقاومة)، وحدة المسار والمصير، المشاركة، المعارضة، الموالاة، وخلال القمة الأخيرة: العمل العربي المشترك. المشترك بين مَن ومَن؟.
إذا كانت الأقلية “ممانعة” على النمط السوري، وخاصّة لقيام الدولة اللبنانية، فهي مقاوِمة من دون تمييز. وإذا كانت مُقاوِمة فهي لا تنتمي حتماً إلى أخلاق المجتمع “المستسلمة” الذي تنتمي إليه. وهي، بحكم الشراكة في أخلاق الممانعة، سورية (أي عروبية) الهوى.
في النظم السياسية المعروفة في العالم هناك “أكثرية” وهناك “أقلية”. غير أنّ هذا لا يعني أنّ الأقلية هي المعارضة والأكثرية هي الموالاة. خصوصاً في بلد مثل سوريا حيث الأقليّة هي في موقع الموالاة المغالية، والأكثرية هي في موقع التهميش المغالي.
ثمّ ما هذا اللبنان الذي استحقّ أن يصبر عليه السيّد وليد المعلّم كلّ هذا الصبر:
أليس هو الذي جعل للحدود مع البلد الشقيق سوريا بوابّة سحرية تُقفل بحسب المزاج ولأغراض القصاص والتأديب أحياناً؟
أليس هو من اعتقل وأخفى وغيّب آلافاً من السوريين؟
أليس هو من تدخّل حتّى في تعيينات الحجّاب والحرس الليليين في أصغر مؤسّسات سوريا؟
أليس هو من افتعل انقلاب حماس على السلطة واستيلاءها، بالحديد والنار، على قطاع غزّة؟
أليس هو من يفعّل العمل العربي المشترك بفرض رسم المازوت الباهظ على شاحنات النقل بالعبور من سوريا إلى لبنان ؟
أليس هو من قاطع قمّة العمل العربي المشترك؟
أليس هو… لا ندري ماذا أيضاً.
3
على اللبنانيين إذا كانوا عرباً بمعيار عروبة بعينها الاّ يرسّموا حدودهم السائبة مع سوريا.
على اللبنانيين أن يكفّوا عن تهريب المقاتلين والإرهابيين والسلاح والصواريخ الخفيفة والثقيلة إلى سوريا.
على اللبنانيين أن يمنعوا مواطنيهم من التسلل بأعداد كبيرة إلى سوريا للعمل فيها.
على اللبنانيين أن يوقفوا عمل أجهزتهم الاستخباراتية في سوريا.
وعلى اللبنانيين أن يقرّوا بسيادة واستقلال سوريا.
تبدو لي هذه مطالب محقّة عندما يردّدها بخجلٍ أصدقاء سوريا في لبنان، عونيين وفرنجيين ووئاميين وأرسلانيين وقنديليين ويَكنيين وحزب اللهيين وأمليين وسواهم، وأحسدهم أحياناً على صبرهم الخرافي، ولا أدري حقّاً لِمَ لم يبادر أحد منهم حتّى الآن إلى احتلال الوسط التجاري للعاصمة، أو إلى العصيان المدني، أو إلى تعطيل الحياة، أو إلى رفع المتاريس وتخزين السلاح وتشحيم الصواريخ المتوافرة، وحرق الأخضر واليابس في هذا اللبنان الذي إلى اليوم لا يعترف بجارته وشقيقته، التي لا حول لها ولا قوّة، سوريا.
4
عنوان العمل العربي المشترك لهذا العام:
مزيد من تخريب السلطة الفلسطينية المستقلّة تحت عنوان: حماس الممانعة.
مزيد من تخريب لبنان تحت عنوان حزب حزب الله والمعارضة.
مزيد من الدم العراقي المُراق تحت عنوان الاحتلال الأميركي.
مزيد من الاعتقالات في سوريا لحماية نظام الحكم تحت عنوان: ممانعة البقاء.
علماً بأنّ هذه كلّها سببها لبنان.
المستقبل – الاحد 6 نيسان 2008