لغز المحكمة الدولية
داود الشريان
على غرار الحديث عن خطورة تسييس المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري، سعى بعض الاطراف اللبنانية، عشية الاعلان عن انطلاقها، الى استبدال ضعف الاجراءات القضائية والقانونية التي تتبعها، وغموضها، بقضية التسييس. وبين التحذير من تسييسها، واتهام إجراءاتها بالغموض، اقتربت المحكمة من صفة اللغز. ويمكن الاكتشاف لاحقاً ان «تلغيز» المحكمة صار مفيداً للجميع، حتى لا نقول مطلبا.
السياسيون والاعلاميون اللبنانيون، من الطرفين، يتحدثون عن المحكمة بحذر شديد. أصحابها، ان جاز هذه التعبير، يدركون انها اصبحت شعاراً انتخابياً، وتناولها يجب ان يكون تعبوياً وحماسياً وحاسماً. والطرف المقابل، يخشى الاقتراب منها بطريقة سياسية، لأسباب انتخابية ايضاً، فعدم الحماسة لها، وان شكلياً، يعني عملياً فقدان المستقلين والصامتين. لكن هل يمكن ان تستمر المحكمة شعاراً انتخابياً الى ما لا نهاية؟ هذا السؤال يثير الارتباك لدى شريحة كبيرة من السياسيين والاعلاميين اللبنانيين. وحين يحاول السائل الدخول الى تفاصيل هذا السؤال، يرتبك المسؤول، ويلتفت يمنة ويسرة، ويسألك بنفس ثائر «شو قصدك»؟
قصدي خير، اجبت احدهم. وخلال حوار دار بيننا في الحلم، بعد ان يئست من تطوير حوار واقعي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. سألت محدثي، ما هو الإشكال الحقيقي في الحوار بين اللبنانيين الآن؟ قال نزع سلاح «حزب الله»، ونقل الحزب الى ميدان السياسة. هل تتوقع ان تحل قضية السلاح قبل الفصل في قضية المحكمة؟ فاختصر صاحبي كثرة الأسئلة، ربما لشعوره بأن أحلامي قصيرة، وقال هل تعلم أننا في لبنان اصبحنا ننظر الى المعارضة والموالاة على أساس ان الاول يملك السلاح، والآخر يملك المحكمة. والمؤسف، ان وراء السلاح اطرافاً إقليمية تدافع عن وجوده، وللمحكمة اطراف دولية وإقليمية ترى في استمرارها على هذا النحو المعقد فوائد سياسية، وتسعى لتطويل اجراءاتها لتبقى ورقة تفيد في غير ملف. زادت حماستي للسؤال الصعب، وتوكلت على الله وسألته، هل تعتقد بأنه بالامكان شراء هذه بتلك؟ فشعرت بأن الرجل ارتبك وهو يحلم، وعبثاً حاولت العودة الى الحوار، لكنني فشلت. صحوت من الحلم. وقلت معزياً نفسي، يبدو ان لبنان ليس بحاجة الى الاحلام، بقدر حاجته الى زعيم سياسي يفكر على طريقة الرئيس الراحل انور السادات. زعيم يفكر بطريقة خارج المألوف.
الحياة