العلاقات السورية – الأميركية … حفر كثيرة في الطريق
زين الشامي
مازال الغموض والضبابية يسيطر على ملف العلاقة السورية – الأميركية، رغم كثرة الوفود التي زارت دمشق في الآونة الأخيرة، ورغم قرار الحكومة الأميركية السماح بإعادة تعمير طائرتي «بوينغ» تملكهما الخطوط الجوية السورية، وأيضاً رغم لقاء السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى مع جيفري فيلتمان القائم بأعمال رئيس مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية، فما حصل إلى اليوم لا يعدو كونه جس نبض أميركي للنوايا السورية ورحلات استطلاعية تقوم بها الوفود الأميركية إلى دول المنطقة، وسورية واحدة من ضمنها.
وللحقيقة فإن جدلاً كبيراً ونقاشات جدية ومكثفة عن العلاقة مع سورية وخيارات التعامل معها، وإيران كذلك، تدور في أوساط مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية منذ وصول الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما إلى سدة الحكم في يناير الماضي. إن هذا الاهتمام كله يعود إلى الرؤية المختلفة للإدارة «الديموقراطية» الجديدة في التعامل مع مسائل السياسة الخارجية وفي مقدمتها قضايا الشرق الأوسط.
على هذه الخلفية ترى إدارة فريق الرئيس أوباما أن دمشق، ورغم الحصار الذي فرضته عليها الإدارة السابقة، مازالت مؤثرة في العديد من ملفات المنطقة، ومازالت أيضاً تملك أوراقاً مهمة في لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق، إضافة إلى علاقتها مع إيران، كما أن دمشق منخرطة بعملية مفاوضات سلام غير مباشرة مع إسرائيل، ربما تتطور الى مفاوضات مباشرة.
لكن ورغم هذه المعرفة بأهمية دمشق في عموم هذه الملفات، لوحظ، عموماً، في الدراسات والمقالات التي تناولت سبل تحسين العلاقة السورية – الأميركية، أن المشكلة ليست في خيار التعامل مع دمشق بقدر ما هو في كيفية التعامل معها. وفي هذا السياق، ثمة من أشار إلى أن خلافات جدية ستبرز وتواجه الطرفين، وهي خلافات واجهت إدارة الرئيس كلينتون وغيرها من الإدارات السابقة.
أولى هذه الخلافات، أو الحفر والمطبات التي ستواجه واشنطن – أوباما، تتمثل في العلاقة الوطيدة التي تربط دمشق بـ «حزب الله» اللبناني الذي يعتبر منظمة إرهابية بنظر واشنطن، وعلاقة دمشق بحركة «حماس» الفلسطينية وغيرها من الفصائل الفلسطينية، التي تعتبر أيضاً منظمات إرهابية بنظر الولايات المتحدة، وعلاقة دمشق بإيران
التي تمثل اليوم التهديد الأكبر والأخطر بنظر الولايات المتحدة، لأمن دول المنطقة وللمصالح الأميركية فيها. وفي النهاية، ثمة علاقة لدمشق مع أطراف عراقيين، ورغم أنهم لا يمثلون مركز ثقل في العملية السياسية، فإن واشنطن تعودت أن تكون حذرة من ارتباطات دمشق الإقليمية كلها.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل تستطيع الإدارة الأميركية الجديدة، التي تسعى إلى فتح صفح جديدة مع دمشق، أن تتخطى وتتجاوز الإرث الذي خلفته الإدارة السابقة، وهو إرث سياسي بنى وجهة نظره وقناعاته، على خلفية عدم الثقة بالنظام السوري، وعلى خلفية اعتباره أحد أضلاع محور الشر؟ أيضاً فإن ذلك الإرث لا يمثل مجرد آراء وخلاصات واستنتاجات سياسية، بل انتظم لاحقاً وتأطر وتقونن أميركياً ودولياً من خلال منظمة الأمم المتحدة، من خلال شبكة واسعة من القوانين والتشريعات التي قررتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، لعل أبرزها «قانون محاسبة سورية»، وغيره من القوانين الاقتصادية بحق مسؤولين ورجال أعمال ومؤسسات سورية.
على هذه الخلفية، وبسبب هذا الإرث، فإن خيار التعامل وتحسين العلاقة مع سورية، سيواجه أميركياً على مستوى الطبقة السياسية في الكونغرس، بقلة الحماس والتردد، إذ سيقف معارضو هذا التحسن في وجه أي محاولة للتقدم والذهاب بعيداً مع دمشق. طبعاً سيستند هؤلاء إلى قوانين وتشريعات سابقة من بينها «قانون محاسبة سورية»،
وسيستندون إلى سجل النظام السوري السيئ في لبنان، وسجله الأسوأ في مجال الإصلاح الداخلي، وملفه الأسود في قضايا حقوق الإنسان، خصوصاً أن النظام السوري لا يملك الخبرة والحنكة التي يملكها نظام مثل النظام المصري الذي سارع وأطلق المعارض أيمن نور، في إشارة إلى استعداده للتعامل الإيجابي مع المتغيرات التي حصلت في واشنطن بعد وصول الرئيس باراك أوباما.
أيضاً فإن السياسيين في واشنطن سوف يستندون في موقفهم المعارض إلى علاقة دمشق المريبة مع طهران التي أصبحت اللاعب الإقليمي الأقوى الذي يهدد المصالح الأميركية والغربية في العراق ولبنان والخليج العربي، ويطلق بين الفينة والأخرى تهديدات بإزالة اسرائيل من الوجود. إن ذلك مترافق مع إصرار سوري على الاستمرار والتحالف مع طهران، ما سيجعل فرص التقدم بين دمشق وواشنطن ضئيلة.
ولا ننسى ان لغة الصحافة السورية مازالت تفتقد لأصول الديبلوماسية واختيار الكلمات المناسبة في مثل هذه المرحلة الحرجة والدقيقة في العلاقات السورية – الأميركية، فخلال وجود جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي في دمشق، أخيراً، خرجت بعض الصحافة السورية الخشبية لتشن حملة وتهاجم الوفود التي زارت دمشق بالقول مطالبة أن يكون أولئك الوفود «تلاميذ في مدرسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وألا يأتوا إلى دمشق إذا كانوا سيأتون محملين بأفكار من سبقهم».
إن هذه اللغة المتأخرة عن إدراك اللحظة السياسية المفصلية تعبر عن جهل عام وقلة خبرة في التعامل مع دولة مثل الولايات المتحدة كان أجدى في هذه الصحافة أن تقدم ما يغري فريق الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة أوباما على الاستمرار أكثر والتفكير بزيارات جديدة، لكن ربما الصحافة السورية لم تعلم بعد أن انتخابات حصلت أخيراً في الولايات المتحدة فاز فيها «الديموقراطيون» ووصل بموجبها رئيس جديد اسمه باراك أوباما.
كاتب سوري
الراي العام