صفحات سورية

تانغو لأكثر من راقصين

null
حسام عيتاني
الترحيب، هو رد الفعل الاول والبديهي، على أي تقارب او مصالحة عربيين. والاتصالات السعودية ـ السورية الاخيرة اشارة ايجابية الى امكان تجاوز المآزق التي تعيشها العلاقات العربية منذ اعوام عدة.
الرسالة التي نقلها رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الى القيادة السورية وتوجه وزير الخارجية السوري الى الرياض والانباء عن قرب قيام وزير الخارجية السعودي بزيارة مشابهة الى دمشق، من البوادر التي يمكن ارجاعها الى الاجواء التصالحية التي سادت قمة الكويت العربية. وبيسر نسبي، يمكن اضافة الجولة المرتقبة من الحوار الوطني الفلسطيني والاتصالات المباشرة وغير المباشرة الرامية الى ترميم النظام الرسمي العربي، وعلاقات دوله الرئيسية ببعضها، في سياق التعافي من آلام وامراض المرحلة السابقة، حتى لو كانت التمنيات تغلب الوقائع هنا.
بيد ان أبعاد الصورة لا تقتصر على لاعبين عربيين او ثلاثة لاعبين. يجب النظر، في الوقت ذاته، الى زيارة رئيس لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي الى العاصمة السورية وتوجيهه الدعوة الى دمشق للمشاركة «في رقصة التانغو» التي تقول العبارة السائرة انها تحتاج الى راقصَين لادائها، واعلان عدد من المتحدثين الاميركيين عن دور لسوريا في امن واستقرار المنطقة، من منطلق الادراك الذي تبديه الادارة الاميركية الجديدة لموازين القوى الاقليمية. يضاف الى ذلك، اللقاء المقرر بين مساعد وزيرة الخارجية الاميركية والسفير السوري في واشنطن للبحث في مستقبل العلاقات بين الجانبين. وللتذكير، فإن المسؤول الاميركي كان سفيرا لبلاده في لبنان اثناء واحدة من اكثر مراحل التوتر في العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة. لكن السياسة، على ما يقال، لا تعترف بأعداء دائمين ولا بأصدقاء دائمين. المصالح في هذه المرحلة تتجه نحو التأني في الخطوة المقبلة، وهذا على ما يبدو، حكمة مشتركة عند اكثر من طرف.
في المقابل، ثمة ما ينقض هذه الصورة الوردية. تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن وجود آثار مواد تُستخدم في بناء المفاعلات النووية ما يفترض متابعة التحقيق في الموقع الذي تعرض لغارة اسرائيلية في العام 2007، وضع في سياق مختلف عن سياق الايجابيات وتبادل اظهار حسن النيات. كما ان مصادرة السلطات القبرصية سفينة آتية من ايران، كان قد اعتلاها جنود المارينز الاميركيون في وسط البحر واقتادوها الى الجزيرة المتوسطية، حيث قيل انها كانت تحمل اسلحة لمصلحة الجيش السوري وحزب الله في لبنان، من المؤشرات التي يتعين ادراجها في جملة الاتصالات واللقاءات المذكورة.
العلامات السلبية لا تتناقض، في العمق، مع الاشارات الايجابية. بل يمكن القول ان تراكم السلبيات الى جانب الايجابيات، هو في الواقع ما يرسم خريطة الطريق نحو تجديد العلاقات الاميركية السورية والعربية ـ العربية، على السواء.
ويجوز الاعتقاد ان الاميركيين الذين اكتشفوا قصور سياسة ادارتهم السابقة عن حماية مصالحهم الحيوية في المنطقة، يرمون الى اعادة صياغة للعلاقة مع سوريا شرط الا يُفهم من سلوك كهذا أي انكسار او استسلام. فهم لا يمانعون في ارسال موفدين رفيعي المستوى، من جهة، وتحريك ملف تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسفينة الآتية من ايران، والاستفادة سياسيا من المسألتين. من الجهة الثانية، تهتم الولايات المتحدة بعدم الاقدام على ما يعرقل انسحابها المرتقب من العراق، لكنها لا تريد التخلي عنه كليا او الخروج منه مهزومة. بين هذه الحدود وحدود أخرى مماثلة، تسير السياسة الاميركية الجديدة في المنطقة.
بكلمات أخرى، يريد الاميركيون ان يرقصوا التانغو مع سوريا ومع ايران، ربما في مرحلة لاحقة، لكنهم يريدون ان يتأكدوا من انهم هم من يحدد الايقاع والموسيقى وارتفاع الصوت وسرعة الخطوات. الاهم انهم يعلمون ان العلاقات العربية ـ العربية تشكل جزءا حيويا من تطور في العلاقات بين الدول العربية والغرب، لاسباب لا تبدأ مع استقرار سعر النفط ولا تنتهي مع امن العراق.
إذاً، قد يكون الاميركيون يحضّرون لرقصة تانغو بالفعل، لكنها تانغو يشارك فيها اكثر من راقصَين ما يستدعي توسيع حلبة الرقص. عليه، من المهم مراقبة ما يجري من استعدادات للانتخابات الرئاسية في ايران بعد اشهر قليلة (اكثر من الاهتمام بالانتخابات اللبنانية، حكما)، خصوصا ما ينشر عن تحالفات جديدة بين قوى كانت على ضفتي صراع مضمر ومعلن في التسعينيات، والمقصود هو طبعا التوطئة للتحالف بين الرئيسين السابقين اللذين قادا ايران في مرحلة بالغة الحساسية بعد الحرب مع العراق واثناء الحرب الاميركية على «الارهاب».
ليست الاحادية او المباشرة من سمات المشاهد السياسية في هذه المنطقة، بل تبدو الحسابات السياسية فيها، في كثير من الاحيان، كأنها تتبع نموذج «حسابات قانون الفوضى»، المتداخلة فيه معطيات لا تعد ولا تحصى والذي يقبل المفاجآت والتغيرات الجذرية وغير المبررة، كأحد العناصر المكونة للطبيعة ولحركتها. وهذا دأب منطقتنا منذ قرون.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى