مفهوم وغاية المعارضة..
جلال/ عقاب يحيى
ـ أسئلة بالجملة تطرحها أوضاع المعارضة، بتباينات برامجها، ومواقفها، وتموجات تكتيكاتها، وحساباتها، ومراهناتها، وعوامل الضعف والتذري، والخلاف المفتوح بقابلياته على إطلاق التهم والأحكام، والتشكيك، واختلاف التقدير ..
لقد سبق لي أن كتبت مجموعة مقالات حول أزمة المعارضة وإشكالياتها، وحاولت، قدر المستطاع، الابتعاد عن الدخول في التفاصيل، والشخصنة، والسجال التناحري، للاعتقاد بأن البحث عن المشترك والالتفاف حوله أجدى، وأهم من التناحر، ومطاردة المواقف الخاصة بكل طرف، خصوصا وأن المرحلة مرحلة جزر، ولدى المعارضة ما يكفيها من المشاكل والصعوبات، وضعف الحضور، والفعالية .
على هذه الأرضية، مثلاً، لم يجر التعرَض ل”جبهة الخلاص” ب: ظروف تشكيلها، وحسابات الموقعين عليها، ومراهناتهم، وميثاقها، وأطرافها، ودواعيها، ودوافعها، وموقعها من الفعل المعارض، للاعتقاد بأن الأهم هو الجانب الإيجابي، وعلى قاعدة : أن التطورات هي الامتحان والكاشف، والشعب هو الحكم الفصل ..
هذه الفترة، وعلى ضوء” مبادرة حركة الإخوان المسلمين” بتوقيتها، وأبعادها، وانعكاسها على العمل المعارض، وعلى الحركة بالذات، وما أثير حولها من نقاشات، ولغط، واتهامات، وتوضيحات تفتح الشهية للخوض في هذا الخضمَ الحار.. صار من المفيد الوقوف عند بعض المفاصل، والنقاط المحورية حول فهم ومضمون وغاية المعارضة .
1 ـ يفترض بالموقف المعارض ـ أصلاً ـ انطلاقه من اختلاف بيَن في البرامج والرؤى والأهداف، وليس من اعتبارات ذاتية، أو مزاجية ، أو لحظية، ولا حتى ثأرية ـ إرثية . وهذا يعني أن فعل المعارضة يهدف إلى بناء البديل، وهو يملك برنامجاً مختلفا في جميع الميادين . امتلاك البديل يعني شرعية ومشروعية الفعل المعارض طالما كان الشعب هو الهدف، والوطن هو الغاية .
2 ـ المعارضة الدائمة / على طول الخط/ ليست قانونا، أو دليلاً على الثبات، وصوابية المعارضة، أو تمسكها بالثوابت . ذلك، وكما يفترض، أن يكون الفعل المعارض موجهاَ إلى شيء بعينه : نظاماً . موقفاً . قضية .. إلخ . لأن عملية الممارسة تفرض العديد من الأشكال التي قد لا تختارها المعارضة بحرية، بل قد تلزمها بها موازين القوى، وطبيعة المرحلة، والقابلية الشعبية، وحالة المد والجزر، ورؤاها لمستوى الحراك الشعبي وتوجهاته، وقابلياته في لحظة معينة، وتقاطع تلك اللحظة مع البرنامج العام، والأهداف الرئيس، والوضع العربي والجواري والعالمي .
يمكن للمعارضة في أوضاع معينة أن تتوقف عن فعل ما، محاولة إلزام النظام والضغط عليه لتحقيق مطالب بعينها، ووضعه أمامها . كما يمكن أن يتمَ ذلك إبَان الحروب الحقيقية التي تشنً على الوطن، أو حين يكون معرضاً فيها لمخاطر جدَية وليست اصطناعية، ووهمية، وتسويقية . عندها يكون مشروعا، وربما واجباً أن تكون لها مساهماتها في الدفاع عن الوطن، وأقله : إقرار حالة من الصمت، بانتظار استجابته، في الحالة الأولى، ومرور الخطر في الحالة الثانية .
3 ـ بالوقت نفسه، وانطلاقا من ذلك، يكون التكتيك جزءاً من الفعل، وليس بديلاً عنه، ذلك أن التطورات، والمناقلات وغيرها يمكن أن تفرض تغييرات في المواقف والأساليب . وهذا لا يعيب القوى المعارضة عندما يكون الموقف نابعا من الفهم الدقيق لموجبات التكتيك، أو التغيير، وبهدف تحقيق الأهداف التي تؤمن بها، وعبر وعي عملي لسيرورة الفعل، وصيرورة الأوضاع التي تحاول موضعتها . لكن المشكل، الإشكالية عند تحوَل التكتيك إلى ثابت يتم اللجوء إلى طليه، وتبريره بكثير من الموجبات الذاتية ، وهنا لا يعود تكتيكاً، وإنما حالة ذاتية يشتمَ منها الدروشة السياسية، أو المصالح الذاتوية الضيًقة، والعرج في الوعي والحصائل، وفي دروس التجارب، وفي تقويم الخصم وبناه، ودواعيه، وخلفياته، وتكتيكه، ومقتضياته في اتخاذ هذا الموقف أو ذاك .
لا بدَ من الإشارة للفرق الكبير بين التكتيك المستمد من رؤية استراتيجية، وبين حالات التقطع، والقطع، والرغبوية، والانتهازية، والتكتكة، وعمليات الخلط المقصود، أو من حيث النتيجة بينهما، بما يغيَب التخوم، ويخلط الأوراق والمواقف ويدخل الحابل بالنابل .
4 ـ للأسف.. فإن المعارضة عندنا، وأقصد به في نظم الاستبداد، لا تملك هوامش كبيرة للتراجع، أو ما يعتبر تكتيكاً، ومهادنة وهدنة، وتراجعا، وتعايشا، وصولا إلى ما يسمى بالمصالحة ، أو بالاتفاق بينها وبين النظام الذي تعارضه حول المرحلة، أو حول خطر يهدد الوطن، لأن طبيعة نظم الأحادية، الشمولية، الاستبدادية، الأقلوية لا تعترف أصلاً بمعارضة لها مهما تكن ” لطيفة”، و” عاقلة” و” متفهمة” وسلمية، وناعمة، وحتى ضعيفة، وهامشية مهمَشة . وهذا أمر تأسيسي في جوهر تلك النظم ونهجها، وبنى ارتكازها، وتفكيرها، وممارساتها .
الحال مختلف نوعيا عمَا هو قائم في الأنظمة الديمقراطية التي تتعايش وتتناطح وتتصارع فيها البرامج المختلفة بالأساليب السلمية، الديمقراطية، الحوارية، وحتى الصراعية المقوننة، وعند الحسم يأتي صندوق الاقتراع، صوت المواطن ليختار ويقرر الحزب، والبرنامج، والأديولوجيا . كما أن الاعتراف بالآخر، أيَاً تكون شقة الخلاف جزء صميمي من الوعي والثقافة والممارسة، ومن تركيب الدولة، والنظام . لهذا يمكن التهدئة إذا ما كان الوطن يواجه مرحلة استثنائية، ويمكن الاتفاق على حكومة وحدة وطنية في حالات الخطر التي تهدد البلد . لذلك أيضاً يمكن للتحالفات المؤقتة، والمرحلية، وحتى الطويلة أن تأخذ مداها في النظم الديمقراطية، وأن يتحول أعداء البارحة إلى حلفاء، أو العكس . كل ذلك يجري بعيداَ عن المساس بفكرة حق الاختلاف، وبحريات المواطن الفردية، وحقوقه الطبيعية، ومنزلته ومكانته في القوانين المعمول بها على الجميع .
لكن ماذا نقول عن أوضاعنا والاستبداد الشامل . القمع المعمم . الاعتقال، والملاحقة والتصفية . التهم الثقيلة بالعمالة والخيانة.. و” تهديد الوحدة الوطنية”، وإضعاف الشعور القومي” ااا، والمحاكم الخاصة المضبوطة، المربوطة..؟؟..ماذا نقول والممنوعات هي النهج، والقانون، والدستور . والمواطن مسحوق، مهمَش، والمعارضة محرَمة بالقانون والمحاكم، والتصفيات، والاعتقالات، وفعل الأجهزة الأمنية الفالتة من كل عقال وحد ؟؟ااا ..
هنا تنعدم الهوامش لما يسمى بالمصالحة، والتعايش، وحتى التكتيك الذي أشرنا إليه.. لأن المعارضة في مواجهة وضع شمولي على طول وجوده، يمنع ويلسع ويقمع، ولا يسمح بالحد الأدنى من الفعل المعارض الحقيقي، ومن التعبير عن الرأي الحر، وليس الرأي المدهون بالسوريالية، وزبدة الخوف، وصباغات التحسَب . وهو رأي يسبح في تهويمات فضائية، ومنخور، وغير واقعي، ولن يحقق أيَا من قضايا الشعب الاجتماعية والوطنية ، ناهيك عن آثاره الضارة على أصحابه أولاً، وعلى المعارضة عموماً، وموقعه من مستوى الوعي المنتشر في قوى المعارضة، ومستوى فهمها لماهية المعارضة ومبرراتها الرئيس .
المعارضة الفعلية مضطرة لأن تكون في موقع التغيير الجذري(بغض النظر عن التسميات والطرق) لأنها لا تملك سبيلا آخر لتحقيق وجودها، وتطبيق برنامجها، ووضع رؤاها موضع التنفيذ ، أو حتى لحرية التعبير، وإبداء الرأي الآخر المخالف. وطالما أن المنافسة مغلقة، والانتخابات مختومة بالشمع الأحمر.. فهي ملزمة بممارسة فعل التغيير(السلمي، والتدرجي، والانتزاعي، والتراكمي، وكل المسميات المعروفة)، وليس شيئا آخر يمكن المراهنة عليه .
المعارضة في نظم الكل الأمني . نظم الأقلوية المسيطرة بقوة القوة، والقمع.. ليست لديها خيارات للتهدئة والمصالحة، حتى لو أبدت النيَة، وقدَمت كل المطلوب( وقد فعلت عديد أطرافها ذلك ولم تحصد سوى الريح)، وكثيرها مضى في التفاؤل بعيداً بعد فعل التوريث، و” خطاب القسم”، فزيَن الأمور كما يرغب، لا كما هي، ومدَ اليد حتى الإبط.. وماذا كانت النتيجة ؟؟اا ..
5 ـ في مقال لي بعنوان ” الهارس والمهروس” حاولت تناول العلاقة المختلة بين القومي والاجتماعي، حين أكلت رايات، أو أمواج القومي المركوبة كل البعد الاجتماعي، فاختنقت الحريات، وصودرت يالشمع الأحمر، وتأبَد الاستبداد تحت نعال شعارات كاذبة، مغشوشة، للتدليس، وعلقت المشانق للرأي الآخر، والتعبير الحر، وصندوق الاقتراع، والتداول السلمي على السلطة .
وحين انهار المشروع القومي، ولم يبق منه سوى قفص فارغ أجوف يتغطَى الاستبداد به ويتمطَى، هُرس القومي تماما، وأصبحا : القومي والاجتماعي مهروسان، إلا في الخطابات المبرمجة، والمواسم الساخنة ( خاصة لجهة الأول) . عملياً : أسقط الاستبداد المشروع القومي النهضوي، ومعه دفن كل الاجتماعي، وأهم مفاصله : التوزيع العادل للثروة، وحقوق التعبير، والرأي، والمشاركة، والعمل، والانتقال، والتحزب، والقضاء المستقل.. وصولاً إلى الانتخابات التشريعية التي يقرر فيها الشعب البرنامج والقوى التي يختارها .
على فرض أن إشكالية القومي ـ التحرري، التحريري محلولة لدى النظام الحاكم . أي أنه يمارس فعلاً نهجاً مبلوراً لتحرير الأرض المحتلة فيفتح جبهة الجولان الصامتة( وفقا للظروف الممكنة)، ويدعم فعليا المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية وغيرها، ويدخل بجيوشه، أو صواريخه غزة لفك الحصار عنها، ويرفض مشاريع التسوية والاستسلام، ويسير خطوات صادقة، مبرمجة على طريق العمل التوحيدي، ويثمًر الدخل الوطني في مشاريع إنمائية، ويبني اقتصاداً وطنياً عصرياً مستقلاً يكون قاعدة وارتكاز ذلك النهج ..إلخ ..وعلى فرض أن سياسته الخارجية هي انعكاس سياسته الداخلية، وترجمة صادقة لها، وليس عكس ذلك كما يعرفه القاصي والداني، والذي يسم تلك السياسة الخارجية بالانفصام، واللفظية، والتدليس، والقابلية للعب، والمقايضة ..
على فرض أن ذلك موجود، ومجسًد ( والفرضية لا وجود لها) هل تقف المعارضة عن فعل المعارضة ؟ . هل تنتهي مهامها فتضبَ حقائبها( بقجتها بالأصح)، وتعلن انتهاء مهامها ، وتغلق ” دكانتها” وكفى المعارضين اختلافاً ، وشقاء، ومرمرة ..؟؟؟ااا …
هل فعل المعارضة فعلاً محصور في الحيَز القومي، وبالتالي فكل الأحاديث عن النهج الديمقراطي . الحاضنة . الطريق . المخرج . السبيل الوحيد للخروج من الأزمات والاختناقات . مشاركة الشعب . التداول السلمي على السلطة، تطوير مجتمعاتنا لتكون مهيأة عملياَ لدخول العصر، وانتزاع حقوقها، وممارسة فعل الحضور في الساحة الدولية ااا..
هل يمكن أن يكون كل ذلك نوعا من اللغط والغش والتكتيك..حتى إذا ما رفع رأس النظام وتيرة الكلمات إلى مستوى ما من السخونة، ومحرقة غزة مستمرة( رُفع) عنا حجاب المعارضة، وبات الواجب( تغليب الاستراتيجي على التكتيكي) ااا؟؟، دون أن أدري حقيقة ما هو التكتيكي وما هو الاستراتيجي، وأين تخومهما وحدودهما ..
في هذا الجانب الحيوي، والأمانة الواقعية تقتضي منَا التواضع، والمصداقية، هل كانت المعارضة على أبواب دمشق جاهزة للانقضاض على الحكم حتى تبادر إلى إعلان ” هدنة” بينها وبين النظام بدواعي الأهم ؟ .. ذلك أن مفهوم الهدنة . الإيقاف . التجميد له معناه المحدد، وهو غالباَ ما يكون في حالة حرب مفتوحة بين طرفين، وليس في حالة معارضة تعمل على لملمة صفوفها، وإثبات حضورها ولو بالحد الأدنى، وهي أبعد : موضوعياً وذاتيا، وحتى سياسياً(فيما تعلن) عن ممارسة فعل الحرب، أو الكفاح المسلح، أو العمل العنفي. إن سلاحها الأكبر ساحة الشعب لممارسة نوع من الضغط على النظام بحثاً عن حرية الرأي، والتعبير، والتحزب، وحتى التواجد الفيزيولوجي . وإن من تكون أساليبه هكذا، ومستوى حضوره كما هو واقع المعارضة لا يحتاج لا إلى هدنة، ولا إلى توقيف، ولا ما يحزنون .
6 ـ لا أريد الدخول في مهاترات التفلسف حول الموجبات والخلفيات . حول الرئيس والثانوي ..لأن الحقائق واضحة . وبعيداَ أيضاَ عن الاتهامات التعليبية للنظام ( بالتآمر والخيانة، وكثير التوصيفات الرائجة) فألف بائه التي نعرفها، ويعرفها غيرنا( جميع الأخوة في المعارضة، وهي حصيلة أربعة عقود من المعاناة، والتعامل، والتعاطي، والكتابة، وادعاء فهمه، ومعرفة تركيبته وبناه وقوى ارتكازه)، بأنه خارج تلك الحسابات التي بنى عليها الإخوان حساباتهم، أو تلك التي أخذوها بعين الاعتبار في قرارهم ب “إيقاف المعارضة” . هم يعلمون أنه نظام أقلوي( في أفضل صوره)، ومن يكون كذلك لا يستطيع أن يذهب إلى أي مدى في أي مجال، لأن الحسابات والتحسبات أقوى من أي اعتبار آخر، وهي هنا تتصل مباشرة بوجوده واستمراره، والكل يعرف ما يعني ذلك بالنسبة إليه .
الإخوان يعلمون، مثل غيرهم، أن تحمية الخطاب وتلوينه بالرائج لا يعني الكثير ما لم تتوفر مقوماته على الأرض : في البنية، والنهج، والممارسة، وإلا يجب صنع تمثال لأمير قطر طالما أنه يخطب بشكل يثير العواطف، ويكاد ينزع الدموع من مقل محروقة متهيَجة ااا ..
إذا بلعنا كل إشكالية الاستبداد . كل المصادرة للحريات الديمقراطية . كل العسف والقمع، والنهب والشلع والبلع . كل الموبقات التي تمارس يوميا، وحاولنا أن نفهم منطقهم، هل الإخوان واثقون بأن هذا النظام سيقود، أو سيسهم في ركب تحرير فلسطين انطلاقا من غزة، أو الجولان أو لبنان ؟؟..بما يدعوهم إلى إيقاف المعارضة ؟؟اا( آخذين بالاعتبار فعلها المجموعي والفردي بكل واقعية ) ؟ااا..
7 ـ وهناك قضية مركزية طالما يجب التذكير بها والتوقف عندها، وتخصً : موقع الديمقراطية من وعي وإيمان وفهم وممارسة قوى المعارضة داخلها، وفيما بينها، ومع الآخرين .
المعارضة منذ سنوات(على الأقل) لا تكلً ولا تملً الحديث عن الديمقراطية والحريات العامة . عن البديل الديمقراطي . عن النهج الديمقراطي. عن التداول السلمي للسلطة .عن صورة النظام الذي تسعى للوصول إليه ….
الشعارات كثيرة، وأكثرمنها اليافطات، والمقالات . لكن، وبكل واقعية، نسأل : إلى أي مدى هذه المعارضة ديمقراطية داخلها ؟..أي : هل تعيش حياة ديمقراطية داخلية فتبنى شخصية العضو وتتكامل في حاضنة ديمقراطية من الحوار، والنقاش ، وحرية الرأي والاختلاف ؟. وإلى أي مدى تمارس الفعل الانتخابي لاختيار القيادات من قبل القواعد؟ .وهل تأخذ القيادات رأي قواعدها عندما تتخذ قراراتها؟، وبأي مساحة وأشكال ؟..ناهيك عن فعل المحاسبة ، وممارسة النقد والنقد الذاتي ….
هل تمارس الديمقراطية مع الآخر : الفصيل المختلف فتعترف بحقه في الاختلاف، وفي اختيار البرنامج والإديولوجيا التي اختار، فلا تكال الاتهامات من كل عياراتنا المعروفة؟، أو لا تحدث القطيعة ، والحروب البدوية الطويلة ؟ . أم أن الظروف هي التي تفرض بعض العلاقات والتحالفات ؟..
إلى أي حدً تؤمن قوى المعارضة بالتعددية، وحسنات التنوع والاختلاف لتكون بمستوى البديل النوعي للنظام التي تطرح التغيير فيه، وعليه، أو من خارجه ؟؟..
هذه المسألة المفصلية تطرح تساؤلات جدَية على مسار ومواقف وتعامل المعارضة داخلها، وفيما بينها. وإذا كان الاعتراف بالحقيقة فضيلة، وبأننا جميعاً نتعلم وعي وممارسة الديمقراطية، فإنها تقتضي أيضاً الاعتراف بما تجرًه القرارات غير المحسوبة على داخلها، وعلى الآخرين، وضرورة وحيوية ممارسة النقد الذاتي بدءاً، حتى إذا ما مورس نقد الآخر كان ذلك جزءاً من نهج، وليس تعبيراً عن العصبوية المغلفة بالشعارات الرائجة، وعن ردود أفعال التشقق والمباهاة بتسجيل النقاط، أو ب”الصوابية” الأبدية التي تركب عقول الكثيرين ااا .
8 ـ وكي لا يصبَ المزيد من الزيت على رماد المعارضة، ورماد مثل هذه الرهانات، ومع التذكير بأنها ليست اللدغة والمراهنات الأولى، خاصة تلك التي تكاثفت بعد ما يعرف ب” خطاب القسم” ..وقبله، وبعده . وقد سبق تناول ذلك في عدد من المقالات، والتي عبًرت، في جانب منها على الأقل، عن اختلال المعادلة، وضعف وهزال المعارضة الباحثة عن قشًة للتعلق بها كأمل يضخمه مخيال رغبوي ـ ذاتوي لم تعلمه العقود، ودروس التجارب المؤلمة فشل المراهنات على اللارهان .
هنا أسئلة مشروعة تتسلل لوحدها عن موقع : العجز . الانسداد . أثر الانتظار الطويل . الرهانات المرهونة، وتأثير الآخر : الحركة العالمية، أو وساطة من هنا، ومناورة من هناك، وتجميل لهذا، وتوريط من ذاك .. والنتيجة : أن النظام هو المستفيد الأول . هو الرابح في جميع الحالات، حتى لو أن الذي حدث مجرد زوبعة في فنجان المعارضة الصغير .
مع ذلك، فإن الحوار الصريح، البعيد عن لغة الاتهام، والتشكيك، سيبقى النهج الأفضل في التعامل، والعلاقات، إذ يكفي المعارضة ما فيها من متاعب وصعوبات . الحوار وحده هو الذي يجب أن يتكرَس مهما كانت المسافات بعيدة في المواقف والتقديرات . الحوار لا يعني عدم النقد، والتعامل الواضح مع المسائل المطروحة، وتخطيء الخاطئ، وتدعيم الصائب . وعلى كلً سيكشف المستقبل القريب فحوى كل رهان وتكتيك .
*الجزائر