السلطان الخطير: السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط
نعوم تشومسكي وجلبير الأشقر
يوجد بالمكتبات بالمغرب منذ المعرض الدولي الأخير للكتاب بالدار البيضاء كتاب ناعوم تشومسكي وجلبير الأشقر بالعنوان أعلاه. الكتاب الصادر عن دار الساقي حوار بين الكاتبين يرسم لوحة شاملة للوضع بالشرق الأوسط. فيما يلي مقدمة ستيفن شالوم الذي أدار الحوار
تمهيد
ثمة سؤال معروف جيدا حول مقابلات القبول في الكليات، وهو: “إذا تسنت لك الفرصة لتناول العشاء مع أي شخصين في التاريخ فمن ستختار؟ “الآراء بلا شك ستتنوع عندما نأخذ في الاعتبار عدد الشخصيات التاريخية في جميع مجالات المعارف الإنسانية، ولكن إذا كان المرء مهتما بمعرفة الشرق الأوسط في الزمن الحديث من قبل محللين معاصرين، فإنني لا أتصور رفاق عشاء أكثر جاذبية و إطلاقا من نعوم تشومسكي وجلبير الأشقر .
لقد قابلت نعوم تشومسكي للمرة الأولى عام 1966، عندما كنت طالبا في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT . كان تشومسكي في ذلك الوقت مشهورا بما أنجزه من تثوير في مجال اللغويات، وكان في الحين نفسه قد أصبح معروفا كناقد جريء لحرب الولايات المتحدة في فيتنام، وعلى مدى أربعة عقود منذ ذلك الوقت، قرأت وتعلمت كثيرا من تحليله للسياسية الخارجية، والإعلام، ودور المثقفين في المجتمع. لكن الأكثر روعة حتى ذكائه الهائل، هو التزامه غير الاعتيادي بالتغيير الاجتماعي. وكطالب في مرحلة ما قبل التخرج، كنت دهشا من أن مثل هذا الأستاذ المتميز من الممكن أن ينضم إلى الطلاب في الاعتصامات و التظاهرات . وفي بدء السبعينات،عندما كنت أعد نشرة صغيرة للطعن في الأحكام العرفية في الفليبين، كان أول تجديد للاشتراك في النشرة نتلقاه في البريد كل عام يأتي من نعوم تشومسكي. وقد بات هذا نموذجا متسقا طوال معرفتي به فلقد ساعد في عدد لا يحصى من التنظيمات والمنشورات السياسية، ورد على عدد هائل من الرسائل الواردة من أنحاء العالم، وخصص الكثير من الوقت للتحدث وإسداء النصح والهام جميع من يناضلون من أجل عالم أفضل.
في مطلع السبعينات بدأ تشومسكي بالكتابة عن الشرق الأوسط، متحولا بذلك الى موضوع كان معنيا به منذ انضمامه في عهد الشباب الى الجناح اليساري من الحركة الصهيونية. لقد فكر هو وزوجته في بدء الخمسينات في الاستقرار في كيبوتس إسرائلي، ولكنهما قرار في النهاية الا يفعلا ذلك، وكان ليده دائما اهتمام ملحوظ بالمنطقة وقضياها المتصلة بالسلام والعدالة. عام 1974 نشر كتابه السلام في الشرق الأوسط، تأملات في العدالة والقومية Middle East; Reflections on justice and Nationhood Peace in the وكانت دراسته الثانية التي جاءت في حجم كتاب عن الشرق الأوسط قد كتبت عقب كارثة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982: المثلث المقدر: الولايات المتحدة، وإسرائيل ، والفلسطينيونthe Fateful Triangle: The United States,israel, and the Palestinians ويشتمل عدد كبير من كتب تشومسكي الأخرى على أجزاء، أو مقالات، عن أهمية الشرق الأوسط كشيء لابد منه من أي تناول لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، بناء على أهمية المنطقة وتقبلها. ولكن هذا هو أول كتاب له جديد كليا منذ “المثلث المقدر” يركز حصريا على ذلك الجزء من العالم.
وقد شارك جلبير الأشقر في التزام تشومسكي القوي بالسلام والعدل الدوليين واهتمامه الشديد بفهم سياسية الولاية المتحدة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فان للأشقر خبرة ذاتية ومعرفة أكاديمية بالشرق الأوسط. فقد نشأ وترعرع في لبنان سنوات عديدة، وكان منخرطا بعمق في سياسة المنطقة وعلى معرفة جيدة بالدوائر اليسارية في العالم العربي، وبعد أن انتقل الى فرنسا، استمر على نحو حثيث في متابعة أحداث الشرق الأوسط، أكاديميا أو ناشطا مناهضا للحرب.
قابلت جلبير للمرة الأولى في شباط / فبراير 2003، قبل الغزو الذي قادته أمريكا للعراق بفترة قصيرة، عندما كان يتحدث في إطار جولة توقيع كتاب في جامعة “ويليام باترسون” Wliam Paterson في نيو جوسي حيت درست وعلى مدى السنوات القليلة اللاحقة، وجدت تحليلاته للعراق والشرق الأوسط عامة تحليلات ثمينة جدا، تقوم على خبرته وقراءته الدؤوبة للصحافة الناطقة بالعربية . وكثيرا ما نشرت مقالاته وترجماته على موقع على الانترنت أعمل عليه يسمى znet آملا أن أستحضر كتاباته التنويرية إلى جمهور أوسع من الناطقين بالإنجليزية. وبرغم أن معظم اتصالاتنا كانت من طريق البريد الإلكتروني عبر الأطلنطي،فقد أصبحنا صديقين، وفي أواخر عام 2005 كتبنا معا مقالا يقيم خططا متنوعة وضعت من أجل “إعادة الانتشار” للجنود الأمريكيين في العراق وتعد كتابات الأشقر مفعمة بتقدير للاعتبارات الأوسع للعلاقات الدولية، خاصة المثلث الاستراتيجي بين الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والذي بلوره في كتابه la nouvelle guerre froide ( الحرب الباردة الجديدة) ( the Nue cold War ) ومن ثم في كتابه الآخر صدام الهمجيات: الإرهاب، الإرهاب المقابل والفوضى العالمية قبل 11 أيلول /سلتمبر وبعده ، 11 Sptember and the making of the Nue world Disorder: the clach of Barbarisme رسخ نفسه محلل ابصيرا، وناقدا لا يهادن لكل من سعي واشنطن الدؤوب للسيطرة العالمية الاسلامية،في الوقت تنفسه ، فانه كثيرا ما أظهر تفهما لبعض الانفعالات التي أشعلها الصراع الإسرائلي –الفلسطيني، حتى في وسط الدوائر التقدمية، مثلما بين في تحريره وسائل متبادلة بين اثنين من اليساريين اليهود. وكانت مقالات أشقر المتعددة التي جمع بعضها في كتابه الشرق الملتهب: الشرق الأوسط في المنظور الماركسيEastern Cauldron: Islam .afghnistan.Palestine.and Iraq in a Marxist mirror قد قدمت تحليلا صارما وحيويا، وإرشادا عمليا لمن يبحثون عن عدالة عالمية. وكانت مقالته في نسيان /ابريل2003، رسالة الى ناشط/ناشطة ضد الحرب مصاب /مصابة بقدر من الإحباط” lettre to a Slightly Depressed Antiwar Activist قد أصبحت من المأثورات.
أما هذا الكتاب، فهو ليس مقالات منفصلة لكتابين جمعت معا، بل هو يقوم على حوار بينهما، أحيانا يتفقان، وأحيانا يثني أحدهما على تحليلات الآخر بناء على منظورا تهما ومعلوماتهما، و أحيانا يختلفان. وهكذا فان الكتاب أكثر من مجرد جمع لأجزائه. فمن خلال محادثهما، نجد فهما أكثر ثراء يظهر من تعليقاتهما المشتركة كخبيرين لديهما خبرات متنوعة.
وقد قرر تشومسكي و الأشقر منذ البداية أنه سيكون من المفيد وجود شخص ثالث لإدارة حوارهما الذي يجري وجها لوجه. وكان لهذا المشروع أن يكون محادثة بين شخصين، لكن من شأن طرف ثالث أن يطرح أسئلة، وأن يحافظ على مسار النقاش، ويعتني بالعملية الفنية للتسجيل ، ويمكن المتناقشين من التركيز على تحليلاتهما وحججهما. وقد دعيت الى أداء هذا الدور . وبقدر ما أمكنني ، حاولت أن أكون خارج المحادثة، و أحركها عند الضرورة . وقد تضمن الإجراء الذي اتبعناه عدة خطوات.
بدأنا ببلورة قائمة من الأسئلة التي ينبغي تناولها . وكان الهدف هنا توليد أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بالرجوع إلى موسوعة ، بل أسئلة تحاول الكشف عن العوامل المؤسسة و ديناميتها في العمل ، فالأحداث في الشرق الأوسط تتحرك بسرعة كبيرة بحيث يمكن لأية محاولة تسعى إلى تقديم وصف حقيقي أن يتخطاها الزمن في وقت وجيز، ولكن تحليل القوى الرئيسية العاملة وطريقة مراقبة القضايا الحرجة ستمكن القارئ من تفسير الماضي وفهم تطورات الحاضر و المستقبل . ومع أن القصد الأول كان أن يدور هذا الكتاب حول الشرق الأوسط، فإن استيعاب ما يجري في هذه المنطقة غير ممكن بمعزل عن مصالح وتدخلات قوى خارجية، خاصة الولاية المتحدة في السنوات الأخيرة. لذلك فقد حاولنا إثارة مواضيع تتعلق بالشرق الأوسط و السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع التركيز على مناطق صراع معينة.
وقد اشتملت المواضيع على الإرهاب (ما الإرهاب؟ ومدى التهديد ، وكيف ينبغي التعامل معه ؟) والمؤامرات (الى أي مدى تساعدنا على فهم التطورات السياسية ؟) والأصولية ( ما يحركها ، أين تكون ذروة حالتها ؟) والديمقراطية (وضعها في الشرق الأوسط،كيف تأثرت بحرب العراق؟) وجذور السياسية الخارجية للولاية المتحدة في المنطقة (خاصة دور النفط وأهمية “اللوبي الإسرائيلي”) وقد كانت الصراعات المحددة التي ركزنا عليها في أفغانستان بعد الحادي عشر من أيلول /سبتمبر، والعراق بجميع أبعاده: دور الولايات المتحدة ، التطورات السياسية ، وضع الشعب الكردي (في العراق و أيضا في تركيا) ، بالإضافة إلى الصراعات المحتملة في إيران وسوريا ، وبالطبع أردنا تخصيص اهتمام ملحوظ بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي: جذوره التاريخية ، و الديناميات الحالية ، والحلول المحتملة، بالإضافة إلى مقاربة طبيعة المجتمع الإسرائيلي ،والقوى السياسية الفلسطينية المختلفة،و قضايا معاداة السامية ، ورُهاب الإسلام أو الاسلاموفوبيا، والعنصرية ضد العرب. ومع إتمام الأسئلة، اجتمعنا نحن الثلاثة في مكتب نعوم في معهد ماساتشوستس للتكنولاوجيا MIT ، في كامبدريج ماساتشوستس على مدى ثلاث أيام من المحادثة، من الرابع من كانون الثاني/ يناير 2006 الى السادس منه. وهذا ومن غاية الصعوبة انتزاع ثلاث أيام مع تشومسكي بوجه عام ، بسبب جدوله المزدحم دائم على نحو لا يصدق ،والحقيقة كان علينا أن نتوقف مرة واحدة لعقد مقابلة رتبت سلفا مع صحافية أجنبية. وبرغم ذلك، كنا قادرين على الدخول في المحادثة نحو أربعة عشرة ساعة ،وكانت جلساتنا ودودة وحيوية وحتى عندما كانت هناك اختلافات لم يكن نعوم ولا جلبير يتورعان عن ذكر رأيهما بقوة (كانت المناقشة مكثفة على نحو اضطررنا إلى تجاهل وجبة الغداء مرتين) . وقد تولت ميليسا جامسون وبمهارة ملحوظة إفراغ الساعات الأربع عشرة من التسجيلات ودونتها، وأعدت من المخطوطة التي نتجت من التسجيل مسودة للتحرير، أزالت عنها الأقوال المتكررة و المشتتة ، وعاودت ترتيب بعض أجزائها، وتحسين صياغاتها لتكون مقروءة، ثم راجعها كل من نعوم وجلبير سريعا وأضافا ملاحظتهما.
لم يكن الهدف هنا هو إنتاج نسخة طبق الأصل وأمينة من المحادثة، بل كانت الفكرة هي السماح لكل منهما بان يوضح ويشرح ملاحظاته (ولكن دون تغيير حجة رئيسية، كان قد سبق لأحدهما الرد عليها بالفعل) . وقد عملنا بالرؤية القائلة إن التعليقات الشفوية التي قدمت بدون الوصول إلى المصادر يجب ألا تقدم على أنها الكلمة الأخيرة أو الفاصلة . ومن ثم فقد تأكدنا من الحقائق وفحصناها وملأنا الإستشهادات وفق المقتضى. ولأننا نعتقد أن القراء ينبغي الا يأخذوا تلقائيا بما قاله المؤلفان فقد شعرنا أنه من الأهمية بمكان أن نضيف توثيقا لجميع المزاعم غير الواضحة أو المثير للجدل. وفي أي عمل من هذا النوع، كثيرا ما يواجهنا السؤال المتعلق بحديث المادة . وقد فكرنا في أنه سيكون من التضليل والتشويش أن نجعل من المحادثة راهنة اليوم عن طريق التدخل في عملية التحرير أو الصياغة . فلاشك على الإطلاق في أن أحداثا مهمة جديدة ستكون قد وقعت في الشرق الأوسط بعد صدور الكتاب، قبل أن يصل إلى قرائه . لذلك قررنا أن نبقي على النص الرئيسي كما هو كتسجيل لتقييم كل من تشومسكي و الأشقر في كانون الثاني / يناير 2006 . ولكن مع تضمين خاتمة منفصلة ، أعدت بعد ذلك بستة أشهر، أمكن كلا من المؤلفين التعليق فيها على تطورات مهمة في مسار الأحداث . و أني لأمل أن يكون هذا الكتاب بدعوته نعوم تشومسكي وجلبير الأشقر كريفقين إلى مائدة العشاء لمناقشة قضايا الشرق الأوسط، قد غذاء غنيا للأفكار.
ستيفن شالوم
السلطان الخطير: السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط
جلبير أشقر
مقتطفات
التهديد الإرهابي [ صفحات 24 الى 30]
شالوم: هل ثمة تهديد إرهابي حقيقي لأوربا أو أمريكا ام أن هذا كله اختلاق ليس إلا؟
تشومسكي: كلا، هناك تهديد جد خطير. والحقيقة أن التهديد قد تصاعد على نحو متعمد. وهو لم يبدأ في الحادي عشر شتنبر. فلو استعرضت التسعينيات بادئ ذي بدء لوجدت أنه كانت هناك محاولة لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، وهو ما كان قاب قوسين أو أدنى من النجاح، لو توفر تخطيط أفضل بقليل – أعتقد أنك، جلبير، قد سجلت هذا في كتابك «صدام الهمجيات» كان لهذا التفجير أن يقتل عشرات الآلاف. وقد انصرفوا بعد ذلك إلى تفجير الانفاق ومباني الامم المتحدة ومباني المباحث الفيدرالية وهلم جرا. وقد أوقفوا في اللحظة الاخيرة وكانوا في الاساس جهاديين دربتهم الولايات المتحدة في افغانستان وقادهم شيخ مصري جيء به إلى الولايات المتحدة تحت حماية المخابرات المركزية الامريكية. لقد كان عملا ارهابيا خطيرا.
وعلى مدى التسعينيات كان هناك تراث كامل من الكتب الفنية – نشرت على سبيل المثال بواسطة مطبعة معهد منسوتا للتكنولوجيا – تضاف إلى كتب الوصفات عن الارهاب، تقول ان الارهاب محتمل جدا وبالطبع منذ الحادي عشر من شتنبر بات هناك المزيد من تلك الكتب. إنه تهديد ارهابي كبير. فقد عرض كل من روبرت ماكنمارا وويليام بيري وزيري الدفاع السابقين تقديراتهما الشخصية لاحتمال وقوع تفجير نووي على هدف أمريكي في السنوات العشر المقبلة وكانت النسبة تفوق الخمسين في المئة. إنها نسبة عالية في الحقيقة، وتعتبر المخابرات الامريكية هجوما كهذا حتميا إذا ما استمر اتباع النهج الحالي وكذلك ثمة أنواع أخرى من الارهاب – ارهاب بيولوجي وغيره تعد ممكنة جدا وإن كان هذا في أسفل سلم الاولويات لدى الحكومة فهم لا يعبأون كثيرا و من ثم يتصرفون متعمدين، بطرق تزيد فعليا من التهديد وهذا ليس سرا، هو فقط ليس في عداد أولوياتهم العليا. ولعل أوضح مثال على ذلك هو غزو العراق. فقد تم الغزو في ظل وجود توقعات بأنه من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة التهديد بالارهاب. وهذه هي المشورة التي أسدتها أجهزة المخابرات الخاصة بالحكومة وغيرها.
وبواسطة كثير من المتخصصين في الارهاب، ذكروا أنه من المحتمل – بدرجة كبيرة – أن يزيد الغزو من الارهاب، وذلك لأسباب واضحة جدا أحدها أننا نقول للعالم بأننا سنغزو ونهاجم كل من يحلو لنا. وبالتالي، فإن أي هدف محتمل سيسعى إلى أن يطور رادعا أو حائلا. إذ لن يواجه أحد أمريكا في الميدان فالانفاق العسكري الامريكي يوازي تقريبا ما تنفقه جميع دول العالم الأخرى مجتمعة وترسانة الاسلحة الامريكية تعد أكثر تطورا من الناحية التكنولوجية. وعليك أن تمتلك رادعا ذا شكل آخر، وليس هناك سوى شكلين: الأول: هو اسلحة نووية. والآخر هو الارهاب وبهذا المعنى فإن ما تقوم به واشنطن في الواقع هو حث الأعداء المحتملين على أن يطوروا نظاما ارهابيا وأسلحة نووية.
عدا ذلك، فإن غزو العراق، ولا أعتقد أنه من كان من الممكن التنبؤ به، كان كارثة عسكرية شاملة ولدت بالفعل تمردا من دون علم خارجي. وهو أمر لم يحدث من قبل، فالأنصار في أوربا أثناء الاحتلال النازي لم يكونوا ليتمكنوا من العيش لولا الدعم الخارجي، اضافة إلى أن ألمانيا كانت في ذلك الحين تحارب عالما أوسع. لكن في العراق، نجد الولايات المتحدة قد أحدثت تمردا يصنع ارهابيين متدربين ويدرب الناس على الارهاب وهو أيضا يستقطب البعض من الخارج للتدرب على الارهاب. والحقيقة أن تقييمات ما بعد الحرب للمخابرات المركزية وغيرها، تقول تحديدا: إن الحرب قد أوجدت ساحات تدريب للارهابيين المحترفين الذين سينتشرون في العالم ويمارسون الارهاب. وكان هذا في عداد التكهنات وقد حدث على نحو يفوق ماتم التنبؤ به، ولكنه يعد من الاولويات الدنيا في واشنطن، حيث إن السيطرة على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط تفوقه أهمية بكثير.
وهذا ما يظهر بطرق أخرى كثيرة. فهناك هيئة في وزارة الخزانة هي «الاوفاك» مكتب ضبط الأصول الأجنبية يتولى مهمة رصد التحويلات المالية المثيرة للشك في العالم كله. وهذا جزء كبير مما يسمى الحرب على الارهاب. وقد أدلى مسؤولو «أوفاك» بشهادتهم أمام الكونغرس في ابريل 2004 في شأن ما يقومون به من عمليات. وقد تبين أنه كان لديهم أربعة موظفين يتعقبون تحويلات مالية يمكن عزوها إلى أسامة بن لادن أو صدام حسين، ونحو ستة أضعاف هذا العدد من الموظفين يرصدون السبل الممكنة للتملص من الحظر المفروض على كوبا. علاوة على أن هذا يرجع إلى عام 1990 إلى عهد كلينتون. فبين عامي 1990 و2003 أجروا 93 تحقيقا متعلقا بالارهاب وأكثر من 100 ضعف 10,683 تحقيق متعلق بكوبا. أي أكثر من 800 ضعف، غرامات تفادي الحظر على كوبا وهو الحظر الذي أعلنت عدم قانونيته كافة الجهات الدولية المعنية، باستثناء الولايات المتحدة واسرائيل. هذه هي الاولويات فمعاقبة الكوبيين هي نهج أكثر أهمية من قطع دابر الارهاب. وهذا ما يجري حالة تلو أخرى.
والوضع الراهن مع سوريا هو نموذج مثالي تماما. فأيا يكن ما تعتقده في شأن سوريا وهذه مسألة أخرى لكن الحكومة السورية كانت تمد الولايات المتحدة بمعلومات حقيقية عن الارهاب. فلدى السوريين اتصالات أفضل بكثير، ويمكنهم اختراق الجماعات الارهابية الاسلامية بطريقة لاتستطيعها المخابرات المركزية الامريكية. والنظام السوري لا يبدي أي ود للارهابيين الاسلاميين – فهو مسخ علماني وليس مسخا دينيا – فقد كان يمد امريكا بمعلومات مخابراتية ثمينة، لكن امريكا كانت مستعدة للتخلي عن ذلك كي تطمئن إلى عدم وجود من يعصي الأوامر في المنطقة فعصيان الاوامر جريمة لابد من المعاقبة عليها. والمنطق مفهوم، فأي رجل في المافيا يمكنه تفسير ذلك. لا يمكن السماح لما يسمى «العصيان الناجح» التهمة الموجهة لكوبا فيما يرجع إلى أربعين سنة مضت، خلال عهد كينيدي – جونسون، وفقا للتسجيلات الداخلية أن «عصيان (كوبا) الناجح» للسيطرة الامريكية – تلك السيطرة التي تعود إلى مئة وخمسين سنة، أي إلى مذهب «مونرو» (٭) لم يكن ممكنا التهاون معه. ولم يكن للأمر صلة بالروس، بل كان مرتبطا فقط بالعصيان الناجح لسياسات ترجع إلى مئة وخمسين سنة. وهو أمر غير مقبول، مثل صاحب المتجر الذي لا يسدد الاموال مقابل حمايته مسألة لا يمكن قبولها لأن الباقين إذاك سيرشدون الآخرين إلى الفكرة نفسها، ومن ثم سيتآكل نظام السيطرة والضبط. وهذا أمر خطير بالنسبة إلى صناع السياسة الامريكية، ربما أكثر خطورة من حماية البلاد ضد الإرهاب.
لقد عينت لجنة رفيعة المستوى للنظر في ما حدث في الحادي عشر من شتنبر وقدمت اللجنة سلسلة من التوصيات تم تجاهل معظمها.
وبعد انتهاء عمل اللجنة عينوا لجنة خاصة لمواصلة الرصد، ومازالوا يواصلون إصدار التقارير، ويواصلون التحسر لأن التوصيات لم تتبع. والسبب أنها ليست من الاولويات العليا.
فإدارة بوش لا تعبأ كثيرا بهذا. والحقيقة أن الحض على الارهاب مسألة جيدة أيضا مادامت تخدم بعض الأهداف العليا. هذا كله فضلا عن نوع الارهاب الذي نقوم به ضد الآخرين. لكن أن نقيد أنفسنا بالارهاب الذي يناسب تعريفنا الفعال – ما يقومون به ضدنا – وهو ببساطة ليس من الأولويات العليا. ولم يكن الأمر هكذا مطلقا.
الأشقر: الارهاب، كما عرفناه هو أكثر من تهديد. إنه واقع (تشومسكي: ويزداد سوءا) فهناك حرب مستمرة غير متكافئة على الاطلاق، غير متساوقة البتة، بين دولة شديدة القوة، كبيرة قادرة ومعها حلفاؤها في جانب وفي الجانب الآخر منظمات ارهابية غير حكومية بوسائل محدودة، لكن يمكنها أن توقع أضرارا جسيمة عندما تستهدف مدنيين. والمسألة قبل كل شيء أنه من المستحيل حماية أية دولة من الارهاب – وتعد اسرائيل المثال الرئيسي على هذا.
فليس ثمة دولة يمكن أن تفوق ما تقوم به اسرائيل من اجراءات لمنع الارهاب بغية تحقيق الامن ومع ذلك فالأمر ليس مجديا. ومن الواضح أنه على مستوى امريكا أو اوربا يعد هذا النوع من الوقاية جد مستحيل إذ لا يمكن أن نحيط امريكا بسور!
تشومسكي: لقد قيل إن الولايات المتحدة تخطط لبناء حائط على امتداد الحدود مع كندا.
الاشقر: حتى هذا لن يكون فعالا.
تشومسكي: كلا، إذا تصفحت الكتب الفنية المتصلة بهذا الموضوع أو الدراسات الحكومية، على سبيل المثال، فإنها – مثلما ذكرت – ضرب من كتب الوصفات. وأحد الأشياء التي تشير إليها هو أن معظم التجارة الامريكية المستوردة تحتوي على حاويات. فهناك عدد هائل من الحاويات الواردة التي يستحيل تقريبا تفتيشها. وهي قد تحتوي على مواد مشعة، على سبيل المثال. وليس بالامكان تفتيشها في مكان نشأتها. وقد تضمنت إحدى الدراسات بعض العمليات الحسابية التي تفيد بأنه إذا حاولت فحص الحاويات في «روتردام» على سبيل المثال، وهي إحدى نقاط الشحن الرئيسية من أوربا فسوف تتسبب بسكتة مرورية فعلية في اوربا كلها.
الاشقر: بعيدا عن ذلك حتى إذا افترضنا نظريا أنه كانت هناك طريقة لحماية بلد ما من الارهاب الاجنبي غير الحكومي، فستبقى لديك مشكلة الارهاب المحلي. فقد كان هناك على حال، وقبل الحادي عشر من شتنبر أو كلاهو ماسيتي، ثم حادثة الأنتراكس anthrax البارزة بعد الحادي عشر من شتنبر، والتي أصبحت ـ وعلى نحو غامض ـ نسياً منسياً.
تشومسكي: لقد جرى اقتفاء أثر الأنتراكس كما يبدو إلى أحد المعامل الفيدرالية.
الرد على الارهاب [صفحات 30 الى 33]
شالوم: ماذا نحن فاعلون؟ ما الذي يمكن القيام به حيال الإرهاب؟
تشومسكي: خفض الأسباب التي تفضي إليه. لنأخذ «القاعدة» مثلا، فقد كانت تنفذ أعمالا إرهابية في الاتحاد السوفياتي، من أفغانستان، في الثمانينيات. وهذه الأعمال كانت خطرة جدا.
والحقيقة أن «القاعدة» في مرحلة من المراحل كادت تتسبب بحرب بين الاتحاد السوفياتي وباكستان. وبعد أن انسحب الروس من أفغانستان، توقف الإرهاب. بالطبع مازال رجال «القاعدة» ينفذون أعمالا إرهابية من الشيشان، ولكن ليس من أفغانستان. فأيا يكن ما تعتقده في هؤلاء الناس ـ أسامة بن لادن والآخرين ـ فإن مواقفهم تعتبر صريحة على نحو كبير. كلماتهم وأعمالهم تعتبر إلى حد كبير متناغمة بعضها مع بعض فإن المتخصصين في هذا الموضوع يتفقون على هذا، أي أن بن لادن وغيره يرون أنفسهم كمدافعين عن أراضي المسلمين ضد الاعتداء. ومن ثم، فإذا أوقفت مهاجمة أراضي المسلمين، فسوف تقلل من تهديد الإرهاب. وكذلك أنواع الإرهاب الأخرى.
الأشقر: وثمة أيضا جانب اقتصادي في هذا، لأن هناك ارتباطا واضحاً جدا بين المنحى ا لنيوليبرالي للربع الأخير من القرن، وبين زيادة تلك الأشكال من العنف المسمى بالإرهاب، أو حتى العنف الحضري urban violence عموما. فقد تسببت العولمة النيوليبرالية بتفكيك النسيج الاجتماعي وشبكات الأمان الاجتماعية. ومن ثم، فقد زادت معاناة الناس من حالات الاختلال والقلق الاجتماعي، وهو ما يؤدي إلى أشكال من التوكيدات العنيفة «للهوية» identity سواء أمتطرفة دينيا كانت أم سياسيا وغير ذلك.
تشومسكي: هناك أبحاث وتصورات منتظمة تصدر عن المجلس القومي للاستخبارات National Intellingence Coucil، مجمع هيئات المخابرات الأمريكية، تقول إن العملية التي يدعونها عولمة «سوف تكون قاسية، يميزها تقلب مالي مزمن واتساع في الانقسام الاقتصادي… ديانات، دول وجماعات تشعر أنها قد تم تجاوزها، ستواجه ركودا اقتصاديا كبيراً، وعدم استقرار اقتصادي واغترابا ثقافيا. وإنها سوف تعزز التطرف السياسي والعرقي والإيديولوجي والديني، جنبا الى جنب مع العنف الذي كثيرا ما يصحب التطرف».
التصورات العسكرية تقول الشيء نفسه. وكذلك إذا نظرت إلى دراسات الشأن الفضائي في عهد كلينتون فستجد أنها تقول إننا سنكون في حاجة إلى تسليح الفضاء أو عسكرته ـ للسبب نفسه ـ وهو أن العمليات الاقتصادية في العالم، أي العولمة، ستلد انقساما أكثر حدة بين من يملكون ومن لا يملكون، وإن من لا يملكون ربما يكونون قادرين على تطوير أسلحة نووية ووسائل أخرى من هذا القبيل، وإننا سنكون في حاجة إلى أسلحة جديدة لحماية أنفسنا من الآثار المتنبأ بها للاجراءات الدولية التي ستتخذ.
ومن ثم، فإنك مرة أخرى تتخذ الاجراءات وأنت تعلم أية عواقب ستحل، ثم تطور وسائل أكثر وحشية وعنفا لقمع الآخرين. ولكنك إذا كنت بالفعل تريد كبح الإرهاب، فعليك ألا تقوم باجراءات من شأنها أن تدمر المجتمعات.
الأشقر: ومن ناحية أكثر عمومية، قد أقول: إن ترياق الإرهاب هو بالتحديد ليس في ما يسمى الحرب على الإرهاب، بل العلاج في العدالة: عدالة سياسية، حكم القانون، عدالة اجتماعية، عدالة اقتصادية. وهذا هو الترياق الحقيقي الوحيد للإرهاب.
تشومسكي: وإنهاء القمع. (الأشقر: بالطبع). في حالة الإرهاب الإسلامي، فإن الكثير منه يقوم على مجرد: إنك تهاجمنا، إذا فنحن سندافع عن أنفسنا.
شالوم: ثمة تظلمات أشارت إليها «القاعدة» تعد بالفعل أمثلة على العدوان. ولكن قائمة التظلمات الخاصة بـ «القاعدة» تشمل على سبيل المثال، تيمور الشرقية كحالة من الهجوم على الإسلام. أظن أنك لا تتفق مع ذلك، في حالة تيمور الشرقية.
تشومسكي: ليس علينا الاتفاق مع ما يظنون أن لهم الحق فيه. لقد دعموا غزو أندونيسيا لتيمور الشرقية، لأن دولة مسلمة غزت دولة إحيائية (.) animist مسيحية. وهذا لا يعني أننا علينا أن نوافق على ذلك. فهو عدوان صريح.
الأشقر: لم يكن هذا مطلقا هما رئيسيا لدى القاعدة أو لدى بن لادن، فهو أمر بالفعل جد هامشي بالنسبة إليهما.
تشومسكي: المسألة هي أن لديهم وجهة نظر. يمكنك أن تحاول فهمها. والحقيقة أن البنتاغون يفهمها، كما عندما أعلن بول وولفوفيتس، حين كان لايزال نائبا لوزير الدفاع، أن الولايات المتحدة كانت ستحاول نقل قواعدها العسكرية إلى خارج السعودية ـ وهذا كان أحد أسباب غزو العراق. وقال بصراحة: وهذا كان من شأنه أن يضعف من دعاية القاعدة القائلة أننا احتللنا بلدا مسلما مقدسا.
الأشقر: لأن المسؤولين الأمريكيين عرفوا أن أصل تحول بن لادن ضد أمريكا كان نتيجة إرسال جنود أمريكيين الى المملكة العربية السعودية. وكانوا يعرفون حق المعرفة جميع الأخطار التي يكتنفها مثل هذا العمل، حتى من وجهة نظر عسكرية لم تكن ذات شأن: كان من الممكن أن ينشروا هؤلاء الجنود في الكويت. كم عددهم 5000 جندي؟ عدد قليل جدا، كان يمكنك وضعهم في أي مكان في النقطة، في أماكن أكثر أمانا، لكنهم أرادوا إبقاءهم في المملكة العربية السعودية لأسباب واضحة تتعلق بأهمية ما تمثل تلك من احتياط هائل للنفط في الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.
فقد كانوا على استعداد لتسديد ثمن ذلك، إلى حد ما. لم يذكر أحد تلك الحقيقة في التسعينيات. فالمسؤولون الأمريكيون يفعلون أشياء يعرفون أنها ستُغذّي الإرهاب، لكنهم برغم ذلك يفعلونها، لأنهم يذعنون لاعتبارات أخرى تُعد، بحسب رأيهم، أكثر أهمية من حياة المدنيين.
مؤامرة 11 سبتمبر [صفحات 33 الى 41]
شالوم: هذا إذا يطرح سؤالا: كيف تقوّم المزاعم التي تقول إن هجمات الحادي عشر من شتنبر قد دبرتها إدارة بوش، أو الموساد، إلخ؟
تشومسكي: لديَّ مواد كثيرة جدا عن هذا الموضوع. لا أقرأ الكثير منها، لأنني عموما لا أعتقد أنها تستحق ذلك. لكنني قرأت بعضها من باب الفضول ليس غير، ومنها يبدو لي أن أولئك الذين طرحوا مثل هذه المزاعم هم فقط لا يفهمون طبيعة الحدث. فلماذا على كل حال، يقوم العلماء بالتجارب؟ لماذا لا يأخذون شرائط فيديو عما يحدث في الخارج؟ فالأشياء التي تمضي في عالم الظواهر تعد دراستها معقدة جداً. ولن تحصل على نتائج قاطعة إن درستها، إنما ستحصل على جميع أنواع الخلط والتشوش، وأشياء غريبة تحدث لا يمكنك فهمها، وهكذا. ومن ثم، فإن ما يمكن القيام به هو التجارب المضبوطة (.) ولكن حتى في التجارب المضبوطة بعناية، ثمة جميع أنواع الشذوذ: مصادفات غير متوقعة، مفارقات واضحة، وهكذا. وإذا قرأت عمود المراسلات لجريدة علمية فنية، مثل العلوم Science فستجد أن المراسلات تتألف وبشكل حقيقي من أناس يطرحون نقاطا مثل هذه حول التجارب المضبوطة بعناية، تتحدث عن هذه المصادفة التي لم تلاحظها، أو أن هذا الأمر قد شابه خطأ لم تلاحظه. وعندما تحاول عمل الشيء نفسه بالنسبة لظواهر من عالم الواقع. عندما تحاول تطبيق تلك المعايير عليها، نعم، ستجد جميع أنواع الغرائب. ومع نوع الدليل الذي يتم استخدامه، يمكنك إثبات أن البيت الأبيض قد فُجّر بالأمس.
هذا بالإضافة الى طريقة تقديم الدليل. فالناس الذين لا يعرفون شيئا عن الهندسة المدنية، عدا ما التقطوه من مكان ما على الأنترنيت، يقدمون أطروحات متعمقة عما يجب أن يكون قد حدث: كيف يمكن لمبنى أن يفعل هذا وذاك، وغير ذلك؟ وهذه ليست مسائل نافلة. فأنت لا يمكنك مجرد النظر في الأنترنيت والقول: «إنني مهندس مدني ماهر»، إذا، فأولئك الذين يقدمون مثل تلك المزاعم هم فقط لا يفهمون طبيعة الدليل.
النقطة الثانية هي أن الفكرة القائلة إن إدارة بوش من شأنها أن تقوم بشيء من هذا القبيل، تعد بلاشك متجاوزة للاستيعاب. أولا، لم يكن واضحاً على الإطلاق ما الذي سيحدث ـ لم يكن يمكنك التنبؤ بالنتيجة. والحقيقة، لنلاحظ ما حدث عندما أوقفت إحدى الطائرات في بنسلفانيا: لنفترض أن هذا حدث لسائر الطائرات؟ فأي شيء كان من الممكن أن يحدث؟ إذا أنت تقوم بعملية غير مضمونة النتائج. كثير من الناس كان من شأنهم أن يكونوا مشاركين في التخطيط. من المؤكد أن تسريبات ستحدث. (الأشقر: بالطبع). لو كان هناك أي تسريب على الإطلاق، لكانوا مثلوا جميعا أمام طاقم الإعدام رميا بالرصاص من دون محاكمة، ولكانت هذه هي نهاية الحزب الجمهوري الى الأبد. لكي يجنوا ماذا؟ حسن، هناك حجة «من يربح»، ولكن هذا أيضا لا معنى له. فكل نظام قوة في العالم ربح من هجمات الحادي عشر من شتنبر. قد يمكنك البرهنة على أن الصين هي الفاعل، لأن تلك الهجمات أعطتهم الفرصة لتحطيم الإيغور (.) Uighurs في غرب الصين. في المقابلة الأولى التي أجريتها بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر بساعتين، كان من الأمور التي ذكرتها أن كل نظام قوي في العالم سيغتنم هذه الفرصة لزيادة العنف والقمع. وهذا تحديدا ما حدث في كل مكان ـ الروس في الشيشان، إسرائيل في الضفة الغربية، أندونيسيا في آتشيه (.)، الصين في غرب الصين، نصف حكومات العالم سنت قوانين حماية ضد الإرهاب لتجريبها والسيطرة بشكل أفضل على شعوبها. وبفضل حجة «من يربح»، يمكنك القول إن كل نظام قوي قد ربح.
ولكن النقطة الأخيرة، والأكثر أهمية في رأيي، أن هذه المزاعم عن الحادي عشر من شتنبر هي مجرد ألهية. فحتى لو كان صحيحا أن إدارة بوش قد خططت ونفذت الهجمات، فإن هذا سيكون نقطة ثانوية مقارنة بالجرائم التي ترتكبها ضد الشعب الأمريكي والعالم. فمجرد تحريضها على الإرهاب يعد أمرا أخطر كثيرا على الشعب الأمريكي من تدمير مركز التجارة العالمي. فهي تزيد خطر الحرب النووية، على نحو كبير. هذا مهم جدا. فهي مسألة لم تناقش إلا في الأدبيات الفنية، لكنها خطيرة، ويمكن أن تفضي الى عواقب أكثر مأساوية من تدمير مركز التجارة العالمي. ومن ثم، فإن كل هذا التركيز على هذا السيناريو غير المحتمل، والذي لا يصدق، هو محاولة تشتيت الانتباه عن الجرائم والتهديدات الحقيقية. وأعتقد أن هذا أيضا هو السبب في كون هذا التنظير قلما انتقده المعلقون أو الحكومة. أظن أنه محل ترحيب لدى الإدارة. فإنْ حاولت ذكر أي شيء عن حقيقة أن أمريكا قد غزت العراق للحصول على نفطه، أو أي شيء جاد، فستُقابل بسيل من الانتقادات والأكاذيب التي سيتم استخلاصها في الحال. والحقيقة الساطعة حول نظريات المؤامرة المتصلة بالحادي عشر من شتنبر، هي أن هناك نقدا قليلا جدا لتلك النظريات. بعضهم قد يطلق نكاتا أو شيئا من هذا القبيل، لكنها لا تأتي في إطار النقد الجاد. والسبب في رأيي أنها محل ترحيب كنوع من الأُلهية.
ولقد اطلعت أخيرا على وثيقة تتعلق بهذا. وهي تتضمن اقتراحات حول رفع السرية عن وثائق حكومية للبنتاغون و يفيد أحدها أن موظفي وزارة الدفاع ينبغي أن يقدموا دوريا معلومات عن اغتيال كينيدي لإبقاء صناعة اغتيال جورج كينيدي على قيد الحياة، بالتركز على محاولة اكتشاف مؤامرات. وماداموا مستمرين في هذه المطارة العبثية فلن يطرحوا أسئلة جادة. وأتوقع أن الأمر نفسه ينطبق كثيرا على حالتها هذه.
الأشقر: ثم تجد من يقولون لك: أنت تقول إن هذه «نظرية مؤامرة» وهذا عار من الصحة، ولكن رواية الحكومة هي أيضا نظرية مؤامرة – مؤامرة من قبل تنظيم القاعدة والمختطفين التسعة عشر. وهذا ما يضفي نوعا من البناء الوهمي المتخيل phantasmagoric على المستوى نفسه كشيء تم من خلال تحقيق شاركت فيه بلدان وهيئات كثيرة. وهذا سخيف لا يعقل.
ومع ذلك هناك من ناحية أخرى ما يسمى الرواية الضعيفة التي تقول إن إدارة بوش برغم أنها لم تخطط للحادي عشر من شتنبر، ولم تسع سعيا جادا لمنعها، فقد كانت لدى هذه الإدارة عدة إشارات لم ترغب في أخذها في الاعتبار.
تشومسكي: ولكن لدينا مأخذ أقوى من ذلك. فهم كان لديهم أكثر من الإشارات الى مزيد من الأعمال الإرهابية. مثلما استشهدت به من قبل، على سبيل المثال، فإن مصادر موثوق بها كثيرا تعتبر أن هجوما إرهابيا نوويا أمر محتمل جدا. هذا خطير. هل يفعلون أي شيء حياله؟ هم فقط يزيدون من احتمال حدوثه(*!).
الأشقر: بالضبط، هذه الطريقة في عرض الأشياء هي ما يمكن المرء أن يقبله.
تشومسكي: إنها ليست نظرية المؤامرة، إنها مجرد تراتبية للأولويات.
الأشقر: هناك بالفعل حالتان واضحتان جدا، حيث عملت الهجمات ضد المصالح الأمريكية بطريقة حاسمة لصالح مخططات الإمبريالية الأمريكية: غزو العراق للكويت عام 1990 وقد أدى ذلك إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بعد الحرب الباردة، وأحداث الحادي عشر من شتنبر التي أفضت إلى إطلاق مجموعة من السياسات الهادفة إلى توسيع السيطرة الأمريكية على مناطق إنتاج النفط في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق الاستراتيجية. فقد كان الهجوم على مركز التجارة العالمي حاسما جدا بالنسبة إلى الحالة الثانية.
وسواء أمقصودا كان أم غير مقصود، فقد كان صناع السياسة الأمريكية في حاجة إلى نوع معين من الأحداث، ولم يقدموا على فعل جاد لمنع هذا النوع من الأحداث. لذلك هناك تفسير أعتقد أنه مشروع أن تصدقه الناس، وهو أكثر مشروعية من نظريات المؤامرة التي تزعم أن إدارة بوش قد نظمت هجمات الحادي عشر من شتنبر.
تشومسكي: مازلت أشك في هذا. لا أعتقد أن المخططين هم أذكياء الى هذه الدرجة. أعني أنهم بحسب الحالات التي اطلعت عليها، لا يعرفون في الغالب ماذا يجري. وعندما تنظر نظرة دقيقة الى المخططين، تجد أنهم لا يعرفون ما يجري في العالم. والفكرة أنهم بإمكانهم وضع خطط دقيقة.
الأشقر: أنا لم أقل ذلك. هناك فرق كبير بين إعداد خطط دقيقة وإدراك أنك لا تفعل.
تشومسكي: شيئا ما بإمكانك أن تفعله.
الأشقر: بالضبط، إنك لا تفعل ما ينبغي عليك عمله لمنع حدث ما، لأن وقوع ذلك الحدث سوف يخدمك في الواقع. هذا ليس على الإطلاق تخطيطا ذكيا.
تشومسكي: هذا يذكرني بالمرة الوحيدة التي أدليت فيها بشهادتي أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ برئاسة ويليام فولبرايت وكان فولبرايت سناتورا محافظا جدا، وقد سئم بشدة حرب فيتنام، ورأى ضرورة انسحاب الولايات المتحدة.
قد حول جلسات لجنة العلاقات الخارجية إلى نوع من حلقة النقاش الأكاديمية حول الحرب. وقد دعيت الى التحدث، وكان الشخص الذي يدلي بشهادته معي هو آرثر شليزنغر الصغير الذي خدم في البيت الأبيض أوائل الستينيات. إذا كنا نحن الاثنين هناك. وكان هذا تقريبا عام 1970. وقد تحدثت في معظم الوقت عن إدارة كينيدي، وهو من كان الجاني الرئيسي بحسب اعتقادي آنذاك، وقد اختلف مع ما كنت أقوله، ثم عند إحدى النقاط التفت إلي قائلا شيئا ما مثل: «تعرف أن المشكلة في تحليلك هي أنك تبخس تقدير غباء المخططين». وقد كنت ميالا إلى القول: «حسنا لقد كنت بينهم».
لكني أعتقد أنه لم يكن مخطئا في تلك النقطة. فهم غالبا لا يعرفون ماذا يفعلون. عندما تقرأ في السجلات الموثقة داخليا، ستدهش من أنهم لا يفهمون. (الأشقر: بالطبع). إني فقط غير مبال إلى أن أعزو إليهم القدرة على إعداد خطط معقدة.
الأشقر: كلا، أنا موافق. هذه هي النقطة تحديدا، الأمر لا يتعلق بالخطط المعقدة، بل يتعلق بأنك تتصرف بطريقة ما تسمح للحدث الذي تتمناه أن يحدث. فعدم منعه ليس مثل التخطيط له.
تشومسكي: لو كان الأمر كذلك لجازفوا بالفعل بمخاطر كبيرة. فعدم إيقاف الحادي عشر من شتنبر كان من الممكن أن يدمر البيت الأبيض. لقد كان هذا على وشك الحدوث.
الأشقر: صحيح. لا أعتقد أنهم عرفوا أي شيء عن تفاصيل ما سيحدث.
تشومسكي: إذا كانت لديك أية فكرة عن أن هذا سيجري، فعليك أن تحاول إيقافه لأن العواقب ستكون غير متوقعة.
الأشقر: ولكن من جهة أخرى، دعني أشير إلى تناقض. لقد كررت القول إنه لا يحاربون الإرهاب محاربة جادة، والآن أنت تقول إنهم كانوا يجازفون بمخاطر كبيرة، إذا كانت لديهم إشارات ولم يتحركوا. في الحقيقة أنهم كانوا يجازفون بمخاطر كبيرة، أي أنهم لم يكونوا جادين في محاربة الإرهاب، كما ذكرت، إذ بإمكان وسيلة نووية، أو قنبلة إشعاعية (*) أو «قذرة» dirty bomb، أو مخطط بيولوجي، أن تحدث، ويكون هذا أخطر من الحادي عشر من شتنبر.
تشومسكي: لاحظ الفرق في الأهداف. إنهم لا يقومون بجهود جادة لحماية المدنيين لكنهم يقومون بجهود جادة لحماية نظم القوة. (الأشقر: قطعا) إذن هذا فرق كبير. نوع الهجوم الذي كان سيحدث في الحادي عشر من شتنبر كان سيشتمل نظم القوة.الأشقر: بالتأكيد). وبهذا المعنى فقد تضمن الحدث: البنتاغون ومركز التجارة العالمي. لا أعتقد أنهم أرادوا لهذا أن يحدث. فهو هجوم على مركز القوة.
الأشقر: النقطة هي أنهم حتما لم يكونوا واعين بما جرى إعداده بالضبط. بالطبع، لقد اتخذوا جميع الإجراءات الممكنة لحماية ما تسميه «نظم القوة»، ولكن كما أشرت فهم اهتموا علي نحو قليل جدا بالناس عامة.
تشومسكي: إذا افترضنا أن لديهم دليلا على تهريب «قنبلة قذرة» إلى أمريكا فلا أعتقد أنهم كانوا سيدعون شيئا كهذا يحدث. الفكرة في عدم اتخاذهم الاحتياطات ضد القنبلة المشعة هي مسألة ذات بعد عالمي كبير. فهم لا يقومون بالسياسة العالمية التي من شأنها منع صعود الإرهاب الذي قد يفضي إلى هذا – حسن، ذلك ليس هينا. ولكن معرفة أنه سيكون هناك هجوم بالطائرة على مراكز رئيسية، أو أن هناك قنبلة مشعة هربت الى نيويورك – هذا، بحسب اقتناعي، ما كانوا سيحاولون إيقافه. المسألة جد خطرة.
الأشقر: نعم، لكن هناك اعتبارات كثيرة تؤيد الأطروحة القائلة إنهم تمنوا وقوع حدث إرهابي يمكن أن يقتنصوه ذريعة. ففي استطاعة المرء أن يقدم قائمة كاملة من منافع الحادي عشر من شتنبر لإدارة بوش. منافع جمة. فقد كانت هذه الإدارة الى حد ما غير شرعية قبل ذاك، بسبب الطريقة التي وصل بها بوش إلى الرئاسة، وفجأة بعد الحادي عشر من شتنبر كان هناك إجماع واسع جدا، وطني ودولي، على تأييد تلك الإدارة. وقد شعرت فجأة أنها ممكنة من تنفيذ سياسات كانت تعتبر مستحيلة قبل الهجمات، مثل تأسيس وجود عسكري في قلب الاتحاد السوفياتي السابق، في وسط آسيا، مقتنصة في ذلك حجة الحرب على أفغانستان، ثم غزو العراق، وهكذا. ومن الناحية الأخرى، تأمل في الكتلة المهمة جدا من الأشخاص الموجودين في الإدارة و من كان منهم في عداد الخمسة وعشرين مؤسسا لمشروع القرن الأمريكي الجديد (PNAC) الذي نفذت أجندته بعد الحادي عشر من شتنبر – ومن هؤلاء ديك تشيني، ودوناد رامسفيلد، وبول وولفويتش، وزلماي خليلزاه، وغيرهم كثر من الأعضاء الأقل شأنا في إدارة بوش الحالية، والذين ينبغي أن نضيف إليهم جيب بوش شقيق الرئيس.
تشومسكي: في الحقيقة، إن السياسات التي يتبعونها ليست مختلفة كثيرا عن سياسات إدارة كلينتون.
الأشقر: ما أحدث فرقا هو بالتحديد الحادي عشر من شتنبر. ففي أدبيات مشروع العصر الأمريكي الجديد، هناك مرجع يتم الاستشهاد به كثيرا لدى ذكر هذه الفكرة، وهو أننا كنا في حاجة إلى شيء ما مثل بيرل هاربور Pearl Harbor لمتابعة السياسات الضرورية لمشروعنا.
غزو صدام حسين للكويت [صفحات 41 الى 48]
شالوم: جلبير، قضية الغزو العراقي للكويت عام 1990. في رأيك ما الدور الأمريكي في ذلك الغزو؟
الأشقر: الولايات المتحدة لم تفعل أي شيء جاد لمنع صدام حسين من غزو الكويت عام 1990. ومن ثم إذا كان أحد يريد القفز الى استخلاص أن الولايات المتحدة كانت تريد فعليا أن يغزو صدام حسين العراق، فإن هناك خلفيات جادة وراء ذلك الاعتقاد، لكنك لن تكون قادرا أبدا عل إثباته، لأنه مسألة نية – إلا إذا كتب بوش الأب في مذكراته أنه في مرحلة ما أراد لذلك أن يحدث. و من الواضح لي أنه كان من مصلحة السياسة الأمريكية الإمبريالية أن يغزو صدام حسين الكويت في تلك المرحلة. وقد كان هذا هدية من السماء لإدارة بوش الأب، تماما مثلما كانت هجمات الحادي عشر من شتنبر نعمة من السماء لإدارة بوش الابن. لدينا إذا أسباب جدية للتوصل – من حقيقة أنهم لم يحاولوا جديا منعها، مع أنهم عرفوا أن شيئا ما كان يخطط له سرا – إلى الشك بأنهم كانوا فعليا يتمنون له أن يحدث.
تشومسكي: أنا متشكك. علينا أن ننظر الى هذه القضايا بحذر حقيقي. لقد نظرت الى حد ما في تلك القضية. ولدينا بعض الوثائق. وقد قضيت بالفعل بعض الوقت في الحديث الى أبريل غلاسبي، سفيرة أمريكا في العراق بين عامي 1989 و1990. وقد كانت تمثل نوعا من الإحراج للحكومة الأمريكية بعد غزو الكويت، لذلك أرسلوها الي حيث مشيت إليها، في سان دييغو، وتحادثنا بعض الوقت. ثم قرأت الوثائق. وأعتقد – وهذا مجرد تخمين – أنهم في الواقع لم يكونوا على علم بالأمر. فالولايات المتحدة على سبيل المثال، كانت تقدم دعما لصدام حسين استمر عمليا حتى يوم الغزو، وبريطانيا كذلك، أعتقد أنهم اعتبروا صدام حسين صديقا.
وقبل الغزو بشهرين، إن كنت مازلت تذكر، أرسلت إدارة بوش وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ. النسخة المحررة عن اللقاء هي نوعا ما مضحكة. فقد كان هؤلاء الشيوخ يعبرون فعليا عن إعجابهم بصدام حسين، وحبهم له. وكانوا يفصحون عن مزيد من الدعم، وكان بوش يتخطى قرارات وزارة الخزانة لتقديم مزيد من الدعم الى صدام حسين. واستمر هذا الى يوم الغزو تقريبا.
حقا، ان غلاسبي قد نقلت الى صدام حسين، إذا شئت تعليمات غامضة الى مدى كبير. وقد أشاروا الى أن الولايات المتحدة لن تعترض إذا فعل شيئا لتصحيح الحدود، وهذا ما يعني أخذ حقول نفط الرميلة من الكويت وربما الحصول على منفذ ما على البحر او شيء من هذا القبيل. او أن يرفع أسعار النفط. ولم يكن لدى أمريكا اعتراض على رفع أسعار النفط. ولدي شك في أن صدام حسين قد أساء تفسير ذلك. أعني أنه كان ديكتاتورا، والديكتاتوريون يكونون في وضع سيء جدا عند اتخاذ قرار ما: لا أحد يمكنه التحدث إليهم، لا أحد يخبرهم أي شيء، ويعتقدون أنهم يفهمون كل شيء. وقد تلقى هذا التعبير عن الاتجاه او التعليمات، من البيت الابيض، وقال حسنا لن يعبأوا إذا أخذنا الكويت. والحقيقة أنه ما إن رأى العراق مدى قوة رد الفعل، حتى بدأ في غضون أيام قليلة يقترح الانسحاب. وفي الثامن او التاسع من غشت كانت هناك مفاوضات، ومقترحات، وظلوا يتوافدون، خلال أيام محدودة، حالما رأوا ما كانت عليه ردود الفعل. وهنا أعتقد أنه من الممكن الإشارة، وعلى نحو أكثر إقناعا، الى أن الولايات المتحدة أرادت ان يبقوا، والحقيقة، ان هناك دليلا على ذلك.
الاشقر: نعم، ولكن ما تقوله، نعوم ، لايعارض ما قلته أنا. لأنه إذا كانت الحكومة الامريكية قد أرادت حقا ان يفعل صدام حسين ما فعل – وأكرر: لا أحد يستطيع إثبات ذلك – لما تصرفت حياله على نحو طبيعي حتى اللحظة الاخيرة، طبعا. لم يكن عليها ان توحي له بأنها قلقة حقا. هذا ما أعنيه. (تشومسكي: هذا ممكن) هل تظن للحظة واحدة أن الحكومة الامريكية أرادت فعليا ان تمنع هذا الرجل؟ (تشومسكي: لكانت منعته). كان في إمكانها فقط ان تخبره بأنه إذا أقدم على غزو الكويت، فستعتبر هذا إعلان حرب عليها. نقطة وإلى أول السطر. حينئذ كان حتى على ديكتاتور في مثل جنونه ان يفكر مليا قبل الاقدام على أمر كهذا.
تشومسكي: مثلما قلت، أعتقد أنه فوجىء برد فعل الولايات المتحدة. ولكن هذا يترك الباب مفتوحا لسؤال لن يجد جوابا حتى نحصل على وثائق داخلية. والى ذلك الحين، قد لانجد جوابا. فهناك خلفيات للاعتقاد بأن هذا كان سوء تفسير مزودجا. فقد بدت غلاسبي مخلصة جدا في وصف الامر. حتى إني أستطيع القول إنها لفتتني الى أنهم قرروا فعليا إخباره بما هو مسموح تحديدا: يمكنك تصحيح الحدود، يمكنك رفع أسعار النفط، لكن لا تفعل أكثر من هذا. وقد فسر هو هذا وكأنه القول: إنك تستطيع ان تغزو.
الاشقر: لكن، مهلا. لقد عرفت الحكومة الامريكية من كان صدام حسين، إنه رجل مجنون على نحو يكفي لغزو جزء من إيران.
تشومسكي: ولكن ذلك كان قبل عشر سنوات، وقد أضعف حينذاك. والآن اصبح صديقا لأمريكا. لا أدري. سيظل هذا سؤالا مفتوحا الى أن يوجد دليل أفضل مما لدينا. فما نعرف – ولديها هنا دليل – هو أنه بعد الغزو مباشرة، تردد ان كولن باول، على سبيل المثال (كان وقتئذ رئيس أركان القوات المشتركة)، قال في اجتماعات داخلية ان النتيجة الاسوأ ستكون عندما ينسحب صدام حسين من الكويت مخلفا وراءه حكومة تابعة له. ذلك ما يمكن ان نمنعه. وهذا سبب رفضنا أي تفاوض او أي نوع من الترتيبات.
شالوم: لقد ذكر وزير خارجية العراقي طارق عزيز، ان الخطة التي اعتمدها القادة العراقيون اقتصرت على فرض تصحيح الحدود. ثم قرر صدام حسين في اللحظة الاخيرة القيام بغزو كامل .
تشومسكي: ربما. هذا أكثر انسجاما مع إحساسي بالامر، وذلك في ضوء الطريقة التي يمكن ان يتصرف بها ديكتاتور مهووس. أعني ان هؤلاء الرجال يعملون وحدهم. ونحن نعرف ان الاخطاء التي يفعلها الديكتاتوريون هي مذهلة. أنظر الى ستالين وغزو الاتحاد السوفياتي. لقد كان لديه دليل مفحم من جميع الجهات على أن هتلر سوف يغزو. لكنه كان واثقا بغريزته، فلم يفعل شيئا.
الاشقر: أميل الى الاعتقاد بذلك، حتى لو كان الجيش العراقي قد أوقف عند مستوى ما يسمى تصحيح الحدود، كان التدخل الامريكي سيحدث . (تشومسكي: هل تعتقد ذلك؟) نعم، لأن تلك اللحظة كانت حاسمة في تاريخ العالم، في الحقيقة، لمرحلة مابعد الحرب الباردة. لدفن أعراض فيتنام، مثلما قال بوش الاب في ذلك الوقت، ليستعرض قدرة التسليح الامريكي المتراكم في ظل ريغان، وليبين ان الاتحاد السوفياتي برغم أنه كان يتفكك، فقد كان هناك حاجة كبيرة الى أمريكا في العالم، خصوصا حيث كان الشركاء معنيين بهذا – والشركاء هم أوربا الغربية واليابان اللذان يعتمدان على نفط الشرق الاوسط أكثر من الولايات المتحدة، وهما غير قادرين بالطبع على إطاحة طموحات صدام حسين ودرء جيشه عنهما. لهذا السبب احتاجا الى الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة في الغرب التي تستطيع فعل ذلك. علاوة على أنها كانت فرصة ممتازة لأمريكا بغية عكس وضع أرادت إبطاله منذ حدوثه عام 1962، وهو انسحاب الجنود الامريكيين من المملكة السعودية. في ذلك الحين، كانوا مجبرين على الانسحاب نتيجة ضغوط القومية العربية على المملكة العربية السعودية، ومنذ ذلك الوقت، أرادت امريكا العودة عسكريا، لتعيد تأسيس وجود عسكري مباشر في ذلك الجزء من العالم.
إذا أخذت حصيلة ذلك كله فستفهم لماذا كان عليهم ايجاد الذريعة المناسبة. فإن لم يكن صدام حسين موجودا في ذلك الحين، لكانوا اخترعوا صداما. كانوا في حاجة الى حجة مثل تلك التي زودهم إياها، من أجل تنفيذ هدفهم. وأنا اعترف بغباوة صدام، لكن ينبغي ان نتذكر ان الولايات المتحدة، بعد انتهاء الحرب الباردة، كانت تواجه أناسا على جميع المستويات يقولون إنه ينبغي ان يحدث خفض كبير في الانفاق العسكري، وهذا ما سمي ريع السلام. إذا كنا حقيقة ماضين الى عهد تحل فيه المنافسات الاقتصادية محل الحروب، فإن أحد الامتيازات الرئيسية للولايات المتحدة في النظام العالمي – وهو القدرة العسكرية – سيفقد قيمته.
تشومسكي: لقد تألفت إدارة بوش الاب بشكل أو بآخر من المحافظين التقليديين. (الاشقر: صحيح) ولم يكن لديها هدف اجتماعي لإثارة مواجهة دولية كبيرة. في الحقيقة كانوا الى حد ما خائفين منها. ولكي نبين أنهم أرادوا ان يقوم العراق بتصحيح الحدود، فهذا ليس شديد الصعوبة، لأنهم ذكروا ذلك. وقد ذكرت غلاسبي كثيرا في حديثها مع صدام حسين: إننا لانمانع إذا ما قمت بتصحيح الحدود. وإذا كان هذا كل ماحدث، فما كانوا سيقدرون على تعبئة المملكة السعودية من أجل السماح بحد الجنود. لقد جعلوا الحكام السعوديين يوافقون بعدما أقنعوهم بأن العراقيين كانوا يتكاثرون على الحدود وسوف يغزون بلادهم. ولو توقفوا وقتذاك بالقرب من الحدود العراقية الكويتية لما كانوا قاموا بهذا البتة. لا أستطيع إثبات ذلك، لكن شكوكي ان المسؤولين الامريكيين قد فوجئوا بما حدث.
شالوم: في المخطوطة المحررة لمحادثة غلاسبي مع صدام حسين، تقول: «ليس لدينا رأي في الصراعات العربية – العربية مثل خلافاتكم مع الكويت على الحدود»، ولكنها أيضا ذكرت ان النزاع ينبغي ان يفض سلميا. (تشومسكي: نعم)، ورد صدام بأنه يأمل هذا، لكنهم، أي الامريكيين إذا كانوا غير قادرين على إيجاد حل، «فإن العراق لن يقبل الموت»، و تقول غلاسبي إنها قد فكرت في تأجيل رحلتها «بسبب الصعوبات التي نواجهها، ولكني الآن سأطير يوم الاثنين». وبالفعل ذهبت.
تشومسكي: هذا معناه إنك تستطيع ان تصحح الحدود. وأعتقد أنه أخذ هذا الامر على أن ذلك يعني أنك تستطيع غزو الكويت. الولايات المتحدة قالت: «لن نقدم على فعل شيء إذا كنت ستصحح الحدود.
الاشقر: بعد نهاية الحرب مع إيران، انتهج صدام حسين موقفا عدوانيا ازداد حدة على نحو تدريجي مع جيرانه العرب. (تشومسكي: خاصة محاولته رفع أسعار النفط، وقد رفعها بالفعل). وكانت المملكة السعودية قلقة قلقا كبيرا. وعلى عكس ماتقوله، فإنني أعتقد ان الحكام السعوديين كانوا حتما سيرحبون بتدخل الولايات المتحدة، حتى لو كان الجيش العراقي قد توقف عند حد معين داخل الاراضي الكويتية، لأنهم عرفوا ان صدام حسين كان يسعى الى وضع يده على مزيد من مصادر الدخل من أجل الابقاء على الجيش الضخم الذي بناه أثناء الحرب على إيران. بعد تلك الحرب، كان مواجها بخيارين: الخفض الحاد لهذا الجهاز الذي بناه لأغراض الحرب والتركيز على إعادة البناء والشؤون المدنية. والخيار الآخر هو المحافظة على جيشه بغية الحصول على مصدر إضافي للدخل من أجل ذلك الغرض. وقد كان يبتز جيرانه الاغنياء بتهديدات سببها الديون التي كان يدين لهم بها.
تشومسكي: المسألة هي أنه كانت هناك طريقة مباشرة لفعل ذلك، ولم تكن الولايات المتحدة تعترض عليها: رفع أسعار النفط، وإقناع الدول العربية بإلغاء ديونه. لقد كانت محاجته، اسمعوا، لقد خضنا الحرب مع إيران، للدفاع عنكم، والآن عليكم ان تدفعوا لنا، وان تتنازلوا عن ديونكم لنا. وعليكم ان ترفعوا سعر النفط. والحقيقة أنه اتهم الحكومة الكويتية بالمحافظة على سعر النفط منخفضا بغية خنق العراق.
الاشقر: ولكن واشنطن لم تكن لتريد ذلك، ولم تكن تؤيد ذلك.
تشومسكي: هذا ليس صحيحا، لقد أخبروه أنهم لايكترثون لذلك. والحقيقة أنني لا أعتقد ان الحكومة الامريكية كانت مكترثة. فالولايات المتحدة لاتريد بالضرورة أسعارا منخفضة للنفط. إنها تريد الاسعار في معدل معين، وعندما تكون الاسعار منخفضة جدا فليس هذا جيد بالنسبة إليها.
الاشقر: لا منخفضة جدا ولا مرتفعة جدا، يريدون أن يحافظوا عليها عندما يسمونه المستوى الافضل، وهذا معروف. ولكني أعتقد أنهم في تلك المرحلة، لم يكونوا راغبين في أن يحدث ماحدث على ذلك النحو، إذ أملى صدام حسين ما يجب ان يكون عليه مستوى سوق النفط.
تشومسكي: حسن، في تلك المساجلة مع غلاسبي، ليس ثمة إشارة الى أنهم يعارضون قيامه بشيء من قبيل التلويح بقبضته لرفع أسعار النفط. وهو ما يعد تسامحا أكيدا بالنسبة الى أمريكا والى جميع الشركات الساعية الى الربح.
شالوم: حتى ان غلاسبي تقول: هناك أمريكيون كثر (مثل الرئيس) يريدون رؤية النفط يرتفع لأنهم قادمون من ولايات منتجة للنفط.
تومسكي: المسألة فقط ان غلاسبي كانت تنطق بلسان الخارجية، وتقول: إننا لا نأبه. وهو ما قد يكون صحيحا، فهم لا يأبهون. إذ عندما ترتفع الاسعار، ترتفع أرباح شركات الطاقة، وتكون أمريكا وبريطانيا التي تنتج نفطا عالي التكلفة، قادرتين على جلب نفطهما الى السوق من البحر الشمالي وآلاسكا، والى معاودة تدوير التمويل – الذي يذهب الى السعودية – الى عائد الى أمريكا بطريقة او بأخرى: سندات الخزينة، عقود بناء بيكتل، الى آخره.
الاشقر: نعم، صحيح، ولكن لعل واشنطن لن تكون سعيدة اذا جعل صدام الدول العربية – من خلال ابتزازه العسكري – توافق على رفع سعر النفط والتنازل عن ديونه لهم، والسماح له بالاستمرار في بناء قوته العسكرية. أضف ان العراق بالنسبة الى اسرائيل كان هما رئيسيا بعد الحرب العراقية – الايرانية، فمادامت إحدى الدولتين تدمر الاخرى، فالجميع سعداء – اسرائيل كانت سعيدة، أمريكا كانت سعيدة. وكان وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في عداد الذين قالوا صراحة : مصلحتنا ان تستمر احداهما في تدمير الأخرى أطول وقت ممكن. ولكن بعد انتهاء الحرب كان لدى إسرائيل وأمريكا سبب حقيقي لأن تكونا مهمومتين بالقوة العسكرية الضخمة التي بناها صدام. والأكيد انهما استخدما التهديد العسكري العراقي وسيلة دعاية لتبرير الحرب. فقد كانت الحرب ستشن على «رابع اكبر جيش في العالم» كما سموه، وهذا كما نعرف كذبة دعائية محض كالعادة، ترفع من أهمية ذلك الجيش، خصوصا في ما يتعلق بالتكنولوجيا التي امتلكها في ذلك الوقت. لكنني مقتنع بأن القوة العسكرية العراقية كانت برغم ذلك هما حقيقيا بالنسبة الى أمريكا، وبأن ادارة بوش الاب كانت في حاجة الى ذريعة للقيام بما فعلته آنذاك. (…).
الاصولية [صفحات 53 الى 65]
شالوم: الى أي مدى تعد الأصولية الاسلامية مهمة كمصدر للاضطراب في عالم اليوم؟
تشومسكي: الأصولية الاسلامية هي بشكل رئيسي رد فعل لقوى الاضطراب في العالم، فعلى مدى سنوات طويلة كانت هناك قوى علمانية على مستوى العالمين العربي والإسلامي. لقد كان جمال عبد الناصر في مصر قوميا علمانيا. والعراق ايضا كان ذا تراث طويل في القومية العلمانية يعود الى قرن من الزمن، صاحبته جهود دمقرطة، وهكذا في بلدان عربية أخرى. إيران ايضا كان لديها برنامج قومي علماني قبل نصف قرن مضى، في الوقت الذي اطيحت حكومة محمد مصدق عام 1953 وقد كان لإخفاق القومية العلمانية داخليا وخارجيا والتي هوجمت بقوة من الخارج، ان يترك فراغا كبيرا الى حد أنه، في رأيي، ملئ بالاصولية الاسلامية. أعتقد ان هذا هو ما تراه انت ايضا جلبير؟
الأشقر: حتما، ولكن دعني أولا أؤكد أمرا فحسب، هو حقيقة أن النمط الأصولي الاسلامي من الإرهاب غير الحكومي ليس سوى الأكثر ظهورا للعيان هذه الايام. فالإرهاب غير الحكومي لا يعد سوى جزء صغير من إرهاب عالمي، حكومي في أحيان كثيرة، تمارسه في الغالب الولايات المتحدة الامريكية. وفي ما يتعلق بالمصدر الرئيسي للاضطراب في عالم اليوم، أرى أنا وأنت أن سلوك الحكومة الامريكية على جميع المستويات هو هذا المصدر.
تشومسكي: هل نتفق إذا على أن صعود الاصولية الاسلامية هو انعكاس لانحدار القومية العلمانية داخليا وخارجيا؟
الأشقر: بل قد أكون أكثر مباشرة وصراحة من ذلك، فأقول إن قوة الاصولية الاسلامية اليوم هي نتاج مباشر لسياسات أمريكية مباشرة جدا. وما ذكرته أنت صحيح تماما، ولكن مع إضافة شرط أن القومية العلمانية قد أضعفتها ودمرتها الولايات المتحدة بصفتها عدوها الرئيسي. ففي ستينيات القرن العشرين كان التيار السائد في العالم الاسلامي عامة، هو القومية العلمانية، وكذلك في العالم العربي، إذ كانت القومية العربية مجسدة في الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وقد حاربت الولايات المتحدة هذا النمط من القومية، مستندة في ذلك الى أكثر أنماط الأصولية الاسلامية رجعية تلك التي تنفذها وتروج لها المملكة العربية السعودية.
وهذا ما لبثت أذكر به جمهورنا في الاحاديث العامة: إن الحليف الرئيسي والأقدم لأمريكا في الشرق الاوسط ليس إسرائيل، وإنما هو المملكة السعودية التي وُجدت حتى قبل ان تولد دولة إسرائيل بزمن طويل. إن الولايات المتحدة قد استخدمت الاصولية الاسلامية على نحو مقصود من خلال المملكة العربية السعودية في مواجهة القومية العلمانية، أو الشيوعية، أو أي أنواع أخرى من تيارات الجناح اليساري العلماني أو التيارات التقدمية التي وجدت في أنحاء المنطقة. وقد تواصلت هذه السياسة من خلال الحرب السوفياتية في أفغانستان. ففي تلك الحرب ساندت الولايات المتحدة الاصولية الاسلامية ممثلة في المجاهدين. ومن كان المجاهدون؟ كانوا جماعات من الاصوليين الاسلاميين، بعضهم شديد التعصب، وقد استُخدموا ضد الاتحاد السوفياتي.
تشومسكي: هكذا بالضبط يبدو الامر بالنسبة إليّ. والحقيقة أنه يمكننا، فضلا عن ذلك، إضافة المزيد، فدعم الولايات المتحدة لانقلاب الجنرال محمد ضياء الحق ضد ذو الفقار علي بوتو في باكستان عام 1977 مثّل حالة أخرى من دعم الاصوليين الاسلاميين ضد القومية العلمانية.
الأشقر: بل لقد دعمت الولايات المتحدة طالبان في البداية، عندما أتوا الى السلطة في أفغانستان عام 1996.
تشومسكي: طبعا، كان عبد الناصر العدو الرئيسي، ولكن السياسة نفسها امتدت لتنسحب على عبدالكبير قاسم في العراق بعد أن أطاح النظام الملكي عام 1958، وذلك لأن الولايات المتحدة افترضت أنه كان انقلابا لمصلحة حركة قومية علمانية، ذلك أن الرئيس دويت د.إيزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دلاس (كما أصبحنا نعرف الآن من السجلات الداخلية للحكومة الامريكية) قد خشيا كثيرا من أن تسيطر تلك الحركة على النفط في الشرط الاوسط، وتستخدمه لأغراض إقليمية. وهو ما كان من شأنه أن يصبح كارثة مروعة للولايات المتحدة. فالولايات المتحدة لم تستخدم نفط الشرق الاوسط في ذلك الوقت، لكنها أرادت أن يكون النفط لحليفتها أوربا واليابان. ذلك أنه لو أصبح النفط تحت سيطرة عبد الناصر، ومن تم تحت تأثير قاسم في العراق، كما ظنوا، لكانت المنطقة قد استخدمت النفط لسكانها، وتنميتها، وهذا كان سيضعف على نحو كبير قبضة أمريكا القوية على إمداد أوربا سيضعف على نحو كبير قبضة أمريكا القوية على إمداد أوربا واليابان به. ومن ثم، كان يجب القضاء على القومية العلمانية فعليا، وكانت السعودية ـ الدولة الاصولية الاكثر تطرفا ـ هي الطريق الى هذا الهدف، وفي ما بعد ساعدت الولايات المتحدة في عهد ريغان باكستان على المضي قدما نحو الاصولية. بل لقد سمحت لها بتطوير أسلحة نووية وادعت أنها لم تكن تعرف. وفعلت إسرائيل الامر نفسه الى حد كبير، فقد أرادت القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت وطنية علمانية، وفي سبيل ذلك ساعدت على تطوير جماعات أصولية حتى أواخر الثمانينات. (الأشقر: هذا صحيح)، فقد كانت إسرائيل في الحقيقة تدعم على نحو واضح الجماعات الاسلامية لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية في الاراضي المحتلة. وفعلت الأمر نفسه في لبنان. ربما من دون قصد، لكن هذا ما حدث. فقط غزوا لبنان لتقويض منظمة التحريرالفلسطينية العلمانية، وانتهوا الى «حزب الله».
الأشقر: فعلا، لقد نزعوا السلاح عمدا من جميع الجماعات التي قامت على إيديولوجيات علمانية ذات عضوية متعددة الديانات (شيوعيون وقوميون أو سوى ذلك). ولم ينزعوا سلاح الجماعات الطائفية أكانت شيعية أم درزية فضلا عن حلفائهم المسيحيين.
تشومسكي: هل كان هناك ظهور لحزب الله قبل الغزو الاسرائيلي؟ هل نما حزب الله من شيء ذي جذور أصلية في لبنان، شيء كان موجودا بالفعل؟
الأشقر: نعم، لقد خرج من «حركة أمل»، حركة طائفية شيعية لم تجردها إسرائيل من سلاحها، تماما مثلما فعلت مع الميليشيات الدرزية، أو ميليشيات الجناح اليميني المسيحي، لكنها جردت منظمة التحرير الفلسطينية واليسار اللبناني منه.
تشومسكي: هل كانت «أمل» أصولية؟
الأشقر: كلا. لقد أسستها شخصية دينية، لكنها ظلت دائما تنظيميا طائفيا شيعيا أكثر منها حركة دينية، ولبثت في منأى عن الأصولية.
تشومسكي: كيف إذا تم التحول من أمل الى حزب الله؟
الأشقر: بفعل تحول راديكالي. كان الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 عاملا مساعدا على تحفيزه.
تشومسكي: وهو بدوره حفز ولادة الأصوليين؟
الأشقر: بالطبع. وأصبحت هناك جماعات منشقة تطورت الى «حزب الله»، دعمتها إيران، وتلك هي القصة التقليدية لصبي الساحر ويمكنك أن تجد العشرات من هذه الحالات في المنطقة، ترتبط بشكل أكثر تحديدا بقضية الاصولية الاسلامية. وذلك لأن معظم الحكومات في الحقيقة ـ كنمط عام في المنطقة ـ عندما بدأت الناصرية وما شابهها من تيارات تضعف في السبعينيات، استخدمت الاصولية الاسلامية أداة لمواجهة فلول باقية من اليسار أو من القومية العلمانية. والمثال الآخر الذي يسترعي الانتباه للظاهرة نفسها يتمثل في الرئيس المصري أنور السادات الذي دعم الاصولية الاسلامية لمواجهة فلول الناصرية بعد أن تولى الحكم عام 1970، وانتهى به الحال الى أن اغتيل على يد الأصوليين الاسلاميين عام 1981. إنها القضية القصة نفسها مرة أخرى: الحكومة الامريكية تستحضر الجني ولا تستطيع أن تصرفه، وبعد مدة من الزمن يصبح ضدها. إن قمع تلك الحكومات للأيديولوجيات التقدمية أو العلمانية من ناحية، والإفلاس الذاتي لتلك الإيديولوجيات، الذي تفاقم لدى انهيار الاتحاد السوفياتي من ناحية أخرى، هما اللذان تركا الساحة خالية للأصولية الاسلامية لكونها القناة الإيديولوجيات الوحيدة المتوافرة للاحتجاج ضد الغرب. إن الأصولية الاسلامية لكونها القناة الإيديولوجية الوحيدة المتوافرة للاحتجاج ضد الغرب. إن الأصولية هي أيديولوجيا دينية، جرى التسامح معها وحتى استخدامها وتشجيعها من قبل الانظمة المحلية والولايات المتحدة، ثم أصبحت قناة آل إليها في النهاية الانتقام من الولايات المتحدة والانظمة المحلية نفسها.
تشومسكي: بدون محاولة الإمعان في المقارنة، أعتقد أن هناك شيئا مشابها ـ ولو على نحو جزئي ـ في الوضع الاصولي المسيحي في الولايات المتحدة. فـ «الأصولية» مصطلح بروتستانتي ولد في برنستون في مطلع القرن المنصرم. أما الاصولية المقصودة هنا فلها جذور عميقة في الولايات المتحدة منذ المستعمرين الاوائل.
وقد كانت موجودة دائما، فقد كان هناك دائما عناصر دينية شديدة التطرف، نوعا ما أصولية، تشهد فترات انتعاش تتكرر مرات بعد أخرى، شهدنا واحدة منها في خمسينيات القرن العشرين. لهذا السبب تجد لدينا عبارات مثل في «الله نثق» «أمة واحدة يرعاها الله» الى آخر ذلك النمط من العبارات، إلا أنه في السنوات الخمس والعشرين الاخيرة تحولت الاصولية ـ للمرة الاولى ـ الى قوة سياسية رئيسية. وهذا، كما أعتقد استغلال مقصود مشابه لما تصفه، يسعى في هذه الحالة الى تقويض سياسات اجتماعية تقدمية. ليست سياسات جد راديكالية هي التي تتعرض للهجوم، إنما السياسات الاشتراكية الديمقراطية المعتدلة الخاصة بالفترة السالفة هي التي تتعرض لهجوم خطير من الليبراليين الجدد والمحافظين الجدد. فالأصوليون المسيحيون الذين كانوا موجودين طوال الوقت تمت تعبئتهم للمرة الاولى كقوة سياسية ليكونوا قاعدة لهذا الغرض، وأيضا ـ وبقدر تأدية النظام السياسي وظائفه، وهو محدود ـ لتحويل اهتمام كثير من الناخبين من القضايا التي تؤثر على نحو حقيقي في مصالحهم (مثل الصحة، التعليم، والقضايا الاقتصادية، الأجور) الى حملات صليبية دينية لعرقلة تدريس نظرية النشوء والارتقاء وحقوق الممثلين، وحقوق الإجهاض. هذه كلها قضايا، على سبيل المثال، لا يأبه بها كبار المسؤولين التنفيذيين. بل يأبهون على نحو كبير بقضايا أخرى. وإذا أمكنك تحويل بؤرة الجدل والانتباه والسياسات الرئاسية… إلخ الى مسائل جد هامشية بالنسبة الى الاثرياء ـ من قبيل حقوق المثليين ـ فسيكون هذا رائعا لمن يريدون تدمير الاتحادات العمالية، وبناء نظام اجتماعي / سياسي لمصلحة الاغنياء ذوي الثراء الفاحش، في حين بصعوبة يبقى الآخرون على قيد الحياة.
وقد حدثت هذه التعبئة الاصولية أثناء فترة فريدة في تاريخ الاقتصاد الامريكي ـ فترة لا سابقة لها ـ إذ أنه، على مدى خمس وعشرين سنة ماضية، تعرضت الاجور الفعلية للأغلبية، إما لحالة ركود أو تدن. فقد ثبتت المداخيل الفعلية للأسر المتوسطة، أو ربما انخفضت، وهذا ما لم يحدث البتة من قبل. لقد كانت هناك أشياء من قبيل الانهيار الكبير في حين أنه لم تكن هناك البتة فترة من خمسة وعشرين عاما من الركود بالنسبة الى غالبية الناس من دون اضطرابات اقتصادية حقيقية. فقد زادت ساعات العمل، وانخفضت المنافع الاجتماعية، في حين زادت الديون زيادة هائلة.
هناك أزمات اجتماعية وثقافية حقيقية. والطريقة التي عولجت بها تلك الأزمات كانت الى مدى كبير، بتعبئة القطاعات المسيحية الاصولية التي كانت موجودة دائما، وتحويلها الى قوة سياسية فاعلة. وفي الفترة نفسها، حول الخطاب وبؤرة التركيز وما الى ذلك، نحو تلك القضايا التي تعني الاصوليين، ولا تعني من يملكون المجتمع ويديرونه إلا بدرجة هامشية. والحقيقة أنك قد تنظر الى اتجاهات كبار التنفيذيين، فتجد أنهم، هم من يسمون الليبراليين، ليسوا مختلفين كثيراعن أساتذة الكليات. فإذا ما أصبحت نظرية النشوء والارتقاء وحقوق المثليين وغيرها مستحوذة على المجتمع، فهذا يروقهم ماداموا يديرون السياسات الاجتماعية والاقتصادية. ومن ثم فإنه بعد الانتخابات الاخيرة على سبيل المثال، كانت الصحف التجارية تصف «السعادة القصوى» ـ كما سموها ـ في غرف الادارة، ولم يكن ذلك لأنهم كانوا ضد زواج المثليين، فبعضهم أيده، وبعضهم الآخر لا، بل إن الكثيرين منهم أو من أبنائهم مثليون على أية حال. لم يكن هذا هو سبب سعادتهم، وإنما ما أدركوه وقتذاك من أن الاعمال التجارية قد تحررت من أية قيود وإذا استطعت إدارة ذلك، فسيكون إنجازا عظيما، إنها إحدى الطرائق التي يمكن السيطرة بها على الناس، بالإضافة الى الخوف، وهي وسيلة نموذجية.
إنه أمر مثير للدهشة، ولكن انطباعي أنه كان هناك تحول حقيقي مع إدارة جيمي كارتر. فقبل كارتر لم يكن هناك من يهتم اهتماما حقيقيا بما إذا كان الرئيس متدينا أم لا. هل اهتم أحد بما إذا كان ليندن جونسون يذهب الى الكنيسة أيام الآحاد؟ لكن كارتر الذي ربما كان مؤمنا قد علم مديري الاحزاب ـ بطريقة ما ـ أنك إذا بدوت ورعا وتحدثت عن كيف أنك شهواني في داخلك، وتشعر بالذنب، ويتراءى لك المسيح، الى آخر ذلك فسيكون هذا طريقا الى أن تصبح مفضلا لدى كتلة كبيرة من الناخبين. الآن، ومنذ كارتر، أعتقد أن كل مرشح للرئاسة قد زعم أن لديه خبرة دينية. حتى بيل كلنتون الذي ربما تدينه مثل تديني، كان حريصا على أن يُرى كل أسبوع يرنم في الكنيسة المعمدانية. كان ذلك موازيا نوعا ما لتصفه بصعود الأصولية الاسلامية واستخدامها.
الأشقر: الحقيقة أنك تشير هنا الى ملاحظة مهمة جدا، لأنه علينا أن نسأل: لماذا أصبح هذا الامر، بداية من كارتر، رابحا سياسيا؟
تشومسكي: لقد شهدت سنوات كارتر أيضا انطلاق السياسات النيوليبرالية. نعم إنها الفترة ذاتها.
الأشقر: وهنا تحديدا نقع على المصادفة التي ذكرتها آنفا. فلدينا أزمة منتصف السبعينيات ـ أزمة اقتصاد ية عالمية، أزمة كبيرة شاملة أوجدت حالة من اختلال النظام، وفقدان نقاط استدلال مرجعية، وانتشار ما يسميه علماء الاجتماع «فقدان النظم» لدى جميع الناس. وهذا ما جعل الارض خصبة جدا للإحياء الديني أو الاصولية، لأن الناس في مثل تلك الاوضاع يميلون الى البحث عن ملاذ في رموز الهوية. فقد شهدنا في العالم أجمع، ومنذ التحول الذي جرى في الربع الاخير من القرن العشرين، صعودا هائلا لجميع أنواع الهوية أو السياسات القبلية، سواء أعرقية كانت أم قومية أم دينية، أم طائفية، أم أصولية إلخ… وهو ما ينطبق كذلك على المجتمع الامريكي منذ ظهور ذلك النوع من جاذبية كارتر التي ذكرتَ. والسبب في أن هذا الاستهواء الديني لم يستخدم من قبل بالطريقة نفسها، هو أنه لم يكن مؤثرا. فالواقع أنه كان لظهور السياسيين في مراحل معينة من التاريخ الحديث، بوجه شديد التدين، مردود عكسي.
شالوم: ربما ينبغي هنا توضيح المصطلحات. فهناك بعض المسلمين المتديين التقليديين يقولون إن: «الأصولية» هي موقف حيال الدين، وإنها لا تعني أنك تريد أن تفرض هذا على أحد آخر. لذلك، لدينا في الولايات المتحدة على سبيل المثال، الأميش، وهم تقليديون متدينون لكنهم لا يحاولون تفجير غيرهم ممن ينتمون الى ديانات أخرى. ووفقا لهذه الرؤية ينبغي للمرء ألا يستخدم مصطلح «الاصولية» كمصطلح نزدريه سياسيا، فما ندعوه أصولية يجب أن يكون شيئا آخر، مثل الاصولية المتطرفة، أو ما شابه. هل تقبل بهذا التمييز؟
تشومسكي: أعتقد أن المسلمين المتدينين من شأنهم أن يقوموا بهذا التمييز، تماما كما حدث عندما تم توقيف الاصوليين اليهود قبل أن يفجروا مسجدا، فقد تنصل منهم اليهود المتدينون. أعتقد أن هذا منطقي، لكنني أعتقد أيضا ان جلبير يتحدث عن شيء آخر، هو الظاهرة العامة لصعود الجاذبية الاصولية مع انهيار القومية العلمانية والمشكلات الفعلية التي يواجهها الناس. لابد أن يكون لديهم طريقة ما من التمييز في ما بينهم من أجل مواجهة هذه المشكلات. وكان منهج القومية العلمانية، والشيوعية وغيرهما التي جرى سحقها جزئيا من الخارج، وتآكلت في جزء آخر من الداخل، قد تركت فراغا. وقد حصل شيء شبيه في الولايات المتحدة، فقد شهدت سبعينيات القرن العشرين بداية ارتكاسة شديدة ضد البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي كان قد جرى إقرارها في ظل «الاتفاق الجديد» للرئيس فرانكلن روزفلت واستمرت حتى المجتمع الكبير للرئيس جونسون والتي أفادت أغلبية السكان. ومنذ انهيار النظام الاقتصادي الدولي المعروف باسم نظام «بريتون وودز» أصبح رأس المال محررا على نحو متزايد من القيود وتمأسست برامج نيوليبرالية لم تسبب بمعاناة مستفحلة أو كوارث، بل بأوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة لم يشهد مثلها التاريخ الامريكي.
وأصبح من الممكن ـ أعتقد أن كارتر هو من استهل ذلك من دون قصد ـ تعبئة العاطفة الدينية الموجودة، وتحويلها الى قوة سياسية رئيسية في مركز الخطاب السياسي، بمقدار وجوده المحدود، لتحل محل القضايا الاجتماعية والاقتصادية. ولنأخذ ما هو حادث الآن: يعتبر معظم الناس القضايا الرئيسية أشياء من قبيل الارتفاع الهائل في تكاليف العناية الصحية، ولكن لا يوجد من الحزبين من يريد التعامل مع ذلك، فهما واقعان بدرجة كبيرة في جعبة شركات التأمين والمؤسسات المالية وسواها، ومن ثم فبدلا من التعامل مع تلك القضايا نجدهم يتجادلون جميعا في معارك حول نظرية النشوء والارتقاء والتصميم الذكي. في الوقت الذي يمضي الأثرياء في طريقهم مديرين البلاد. والارتباط بين هذه البرامج الاجتماعية والاقتصادية من النوع النيوليبرالي، التي أدت الى ظروف تتسم بالخطورة لمعظم السكان من ناحية، وبين إحياء واستغلال وتعظيم الاصولية الدينية كظاهرة سياسية للمرة الاولى ـ كمادة أساسية للجدل السياسي ـ من الناحية الاخرى، يعد ارتباطا وثيقا جدا لا يمكن في رأيي تجاهله.
الأشقر: لتناول سؤالك، ستيف، لابد لنا من الدخول في نقاش حول علم المفردات والمصطلحات ومعانيها، إذ يمكن المرء أن يختار مصطلحات مختلفة. على سبيل المثال، قد يتحدث المرء عن «الأرثوذوكسية» ليبين تفسيرا ضيقا أو تفسير حرفيا للدين، بقدر ما تمارَس فقط على المستوى الشخصي أو على المستوى الأسري.
ومصطلح «الاصولية» عموما لا يشير الى التفسير الحرفي للنصوص الدينية فحسب، بل أيضا الى الرغبة في فرضها على المجتمع والحكومة وجعل الجميع يمتثلون للقواعد. وذلك كثيرا ما قصد بـ «الاصولية». وبهذا المعنى، يمكننا ان نرى، وللأسباب التي ذكرناها، أنها ظاهرة، عالمية وليست مرتبطة بالاسلام وحده. فالاصولية اليهودية، والاصولية الهندوسية والكاثوليكية والبروتستانتية، إلخ ـ جميعها مسميات أصولية دينية صعدت في ربع القرن الاخير. وهي ظاهرة متميزة على مستوى العالم.
تشومسكي: أعتقد أن الاصولية الهندوسية نموذج جيد، فهي موجودة منذ العشرينات، ولكنها أصبحت ظاهرة قوية وخطيرة جدا في العقدين الاخيرين فقط أو نحو ذلك.
الأشقر: تماما، وذلك للأسباب نفسها، والمكونات الاساسية نفسها. الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثها التحول الرئيسي في الاقتصاد العالمي بعد السبعينات، من ناحية، ومن ناحية أخرى، إفلاس جميع أنواع الايديولوجيات التقدمية بسبب الفشل الاجتماعي والسياسي للدول المجسِّدة لهذه الأيديولوجيات سواء القومية أو الشيوعية أو سواهما. كل هذا مجتمعا أدى الى فراغ تم ملؤه بالأداة الايديولوجية الوحيدة الباقية للتعبير عن نقمة جماهيرية، وهي الدين. وذلك أيضا لأن البعد غير العقلاني، بعد الإيمان الموجود في الدين يجعل الايديولوجيات الدينية أكثر صعوبة على الدحض من الايديولوجيات التي تجسدت في نماذج تابعة للدولة وتجارب سياسية بلغت نهايتها. ومن ثم، أقول: نعم، هذه ظاهرة تاريخية على مستوى العالم وليست مقصورة بالطبع على الاسلام.
تشومسكي: الأصولية اليهودية مختلفة قليلا. إنها مرتبطة في جزء منها باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي جزء آخر، هنا في الولايات المتحدة، بالتطورات التي حدثت في الستينيات. ومما يثير الانتباه أن الجماعات اليهودية المتطرفة قد انطلقت في أواخر الستينات بمحاكاة واعية أحيانا لحالات مثل القومية السوداء وببعضهم أصبح اتحاد الدفاع اليهودي أسوة بالقوميين السود. ولكن كان هناك أيضا صعود كبير في عدد الراغبين في العيش وفقا لصورة معينة في القرن السابع عشر. ومن ثم فبينما كنت تجد شبابا في أواخر الستينيات يذهبون الى معتزل هندي كان آخرون ينضمون الى الحاخامية اللوبافيتشية وهو ما تفجر في الوقت الراهن. وقد أٌعملت بطرق تبرر الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
الأشقر: وقد استخدمت لأغراض توسعية على غرار غوش إمونيم، الحركة الاستيطانية الدينية في الاراضي المحتلة. وقد أشار سيمحا فلابان، الزعيم السابق لحزب مابام إسرائىل، الى هذه النقطة في كتابه ميلاد إسرائيل: أساطير وحقائق أن ييغال آلون من حزب العمل هو من شجعهم على تأسيس أول مستوطنة في الخليل
That is very fruitful subject , but nothing mentioned about thr Kurds and why America abandoned them ? and i see that Turkish issue is very important in the game .
I published the interview in my blog .
Thank you