لماذا تغفل سينما الحرب اللبنانية شخصية الفلسطيني: عربيد وسلهب ودويري وشمعون وحجيج يجيبون
نديم جرجورة
هل هي الشوفينية أم الإحراج.. أم أننا لم نعرف بعد مكان الفلسطيني في الرواية؟
لا يزال الموضوع الفلسطيني طاغياً في المشهد اللبناني، سلباً وإيجاباً. لا يزال حاضراً بقوّة، سواء شكّل الفرد الفلسطيني صورة مثالية (بطل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة العربية الرجعية)، أو كان ضحية احتلال إسرائيلي أو قمع ناتج عن قوانين وأنظمة تتحكّم بحياته، مانعة عنه البُعد الإنساني البحت. بينهما، تعاطى لبنانيون كثيرون معه كمُسبّب لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وكمسؤول عن الخراب الذي ألمّ بهم وببلدهم، اقتصاداً وعمراناً وأمناً وفضاءً إنسانياً. يكره اللبنانيون والعرب الفلسطينيين، لكنهم «يُقدّسون» القضية الفلسطينية، ويدافعون عنها بشراسة، تتفوّق، غالباً، على الدفاع الفلسطيني الشرس عنها. تبدّلت الصورة قليلاً، في الأعوام الفائتة: المجازر الإسرائيلية المستمرّة ضدهم، أعادت صورة الإنسان الفلسطيني إلى الواجهة، ولو بخفر وتواضع.
بعيداً عن الأنظمة العربية وقوانين تعاطيها مع الفلسطينيين المقيمين في بلدانها، يتفرّد لبنان بعلاقته المضطربة والملتبسة بهم: في المخيّمات، يعاني الفلسطينيون مآزق شتّى، لأن السلطات اللبنانية وقوانينها الجائرة لا تقيم وزناً للكيان الإنساني للفلسطيني. في الثقافة والفنون، يتجسّد الفلسطيني بطلاً وضحية ونموذجاً لمقاومة الذلّ ومقارعة الموت (وإن تعرّض لبؤس وشقاء فظيعين في مقاومته ومقارعته هاتين). في السياسة، هو أداة صراع خبيث بين أطراف متناقضة، لا تكترث بحضوره الإنساني، لأنه يبقى، بالنسبة إليها، خطراً دائماً على مصالحها، أو امتداداً لمصالحها (بحسب الجهة اللبنانية وأجنداتها المحلية والإقليمية والدولية).
يُجمع لبنانيون عديدون على أن القوانين المعمول بها بحقّ الفلسطيني جائرة. يُجمعون، أيضاً، على دوره السلبي الكبير في إشعال الحرب الأهلية اللبنانية، وتطوّراتها العنيفة في أعوامها الأولى. قليلون منهم يميّزون بين المقاتلين والمدنيين، وينتبهون إلى تعرّض المدنيين إلى أبشع أنواع الموت، حصاراً وتجويعاً وقمعاً وتعذيباً جسدياً ومعنوياً ومجازر. هؤلاء اللبنانيون ينتمون إلى تيارات سياسية ومدنية وفكرية» ثقافية مختلفة أحياناً، بينما يُصرّ النظام الطائفي» السياسي اللبناني على رفض أي تشريع يحترم إنسانية الفلسطيني. آخر المسائل «العنصرية» اللبنانية: قانون الجنسية. فقط رفض مشرّعوه منح الفلسطيني المتزوّج من لبنانية الجنسية اللبنانية، بحجّة الإجماع اللبناني (وهو إجماع سياسي/ طائفي/ مذهبي عنصري بامتياز) على «رفض التوطين»، ظنّاً من أصحاب هذا الإجماع أن «رفض التوطين» يدعم الفلسطينيين في مسألة «حقّ العودة».
انقسام سينمائي
هذا الانقسام اللبناني في التعاطي مع الفلسطيني المقيم في لبنان، فرداً وجماعة وقضية على حدّ سواء، انعكس على النتاج السينمائي اللبناني أيضاً: أفلام وثائقية وريبورتاجات تلفزيونية تتناول الفلسطيني الضحية والمقاتل والبطل، من دون أن «تتجرّأ» على معاينة تورّطه في الحرب الأهلية؛ وأفلام روائية طويلة اختارت الحرب نفسها، أو فصولاً وحالات ومراحل منها، مادة درامية لها، من دون أن تتطرّق إلى الفلسطيني ودوره فيها، سلباً أو إيجاباً. بمعنى آخر، نأى السينمائيون اللبنانيون عن هذه المسألة، في أفلامهم الطويلة المستلّة من فترة دموية لعب فلسطينيون عديدون فيها درواً خطراً ومهمّاً، إما خوفاً من التورّط بمسألة محتاجة إلى مزيد من التحليل والمناقشة النقدية، وإما ارتكازاً على المادة الدرامية المختارة في أفلامهم هذه (سيرة ذاتية، معاينة لبنانية صرفة لواقع مُعاش، تعمّق في بنية الصراع اللبناني وانعكاساته على الفرد اللبناني، إلخ.). وهذا كلّه، من دون تناسي مسألة قلّة الأفلام اللبنانية الطويلة المُنتجَة منذ النهاية المزعومة للحرب الأهلية، ما يعني أن التراكم غير موجود، وأن القدرة على اختيار مواضيع مختلفة شبه معدومة. تزداد المسألة التباساً وطرحاً لسؤال الغياب الفلسطيني في الأفلام الروائية الطويلة هذه، إذا أنجز المخرج اللبناني أفلاماً وثائقية تناول فيها الفلسطيني وعالمه وتفاصيل عيشه، في حين أن لا وجود لهذا الفلسطيني في فيلمه الروائي الطويل: تناقض ثقافي» أخلاقي، أم انفصام في شخصية اللبناني، أم قلق عميق إزاء التباس المسألة الفلسطينية كلّها؟
التقى سينمائيون لبنانيون على عدم معرفتهم السبب الحقيقي الذي أدّى بهم إلى تغييب («غير مقصود» بالنسبة إلى بعضهم، و»مقصود» بالنسبة إلى بعضهم الآخر، لأسباب عدّة أعود إليها لاحقاً) الشخصية الفلسطينية من أفلامهم. دانييل عربيد (معارك حبّ) وزياد دويري (بيروت الغربية) قالا إنهما استوحيا المضمون الدرامي من سيرة شخصية بحتة، وإنهما لم يلتقيا فلسطينيين في المرحلة العمرية التي شكّلت أساس البنية الدرامية: «أمضيت طفولتي في قرية في المتن، لم أشاهد فيها أي فلسطيني، ولم أتعرّف أثناءها على واحد منهم؛ خصوصاً في الثمانينيات، أي المرحلة التي اخترتها في كتابة السيناريو»، كما قالت عربيد، مضيفة أن جزءاً من فيلمها «سيرة ذاتية»؛ تماماً كما قال دويري، الذي أكّد على أن طفولته نشأت على القضية الفلسطينية، لأن والديه ناضلا من أجلها: «أما أنا، فلم أحتكّ بفلسطينيين عندما كنتُ صغيراً، بل التقيتُ شباباً منتمين إلى أحزاب لبنانية متفرّقة». ولأن فيلمه سلّط الضوء على «الحيّ الذي تربّيتُ فيه»، كان بديهياً أن يختفي الفلسطيني من المشهد. أوضحت عربيد أن فيلمين وثائقيين لها («وحدي مع الحرب» و»على الحدود») أظهرا الفلسطيني، واعتبر دويري أن الموضوع الفلسطيني كبيرٌ جداً و»يجب أن يكون مستقلاًّ في فيلم خاص به، وهو مهمّ جداً إلى درجة أني لم أستطع إدراجه في أي موضوع لبناني».
هذا ما ألمح إليه غسان سلهب (أشباح بيروت)، بقوله إنه يرغب في تحقيق فيلم له علاقة بالفلسطينيين المقيمين في لبنان «لكنّي لم أعثر على الطريقة الأنسب، فأنا لا أريد أن أنجز فيلماً سوسيولوجياً، لأني أودّ أن تكون الشخصية الفلسطينية أساسية، وليست عابرة. أي أن يكون لها دورٌ أساسي». قال دويري: «القضية الفلسطينية أكبر من «بيروت الغربية»، الذي ظهرت فيه شخصية أم وليد، وهي في الأصل فلسطينية، لكني جعلتها لبنانية. شعرتُ أن الموضوع الفلسطيني أكبر منّي، وأنه يحتاج إلى فيلم مستقلّ بحدّ ذاته، إن لم تكن عشرة أفلام». من جهته، قال جان شمعون (طيف المدينة) إنه لا بُدّ أن يكون هناك اهتمام أكبر بالقضية الفلسطينية في الأفلام اللبنانية، لأنها تعني اللبناني، تماماً كما تعني الفلسطيني، لأسباب عدّة، منها التواصل التاريخي والعائلي، والتعاطف القائم بينهما». مع هذا، لم يشأ سلهب أن يُبقي فلسطين خارج إطار فيلمه، وإن بشكل عابر: «هناك مشهد اللقاء بين الشخصية الأساسية (عوني قوّاص) وشقيقتها (دارينا الجندي)، اللتين تجلسان على شاطئ البحر أمام سكّة حديدية، فيقول عوني إن هذه السكّة كانت تمرّ في فلسطين، وإن فلسطين كانت تحمل أحلامنا».
لاوعي أو شوفينية؟
لم يتجاهل زياد دويري المسألة كلّياً، مع ان إظهاره الفلسطيني في «بيروت الغربية» مرّ سريعاً جداً، وهذا ما علّق عليه بهيج حجيج (زنّار النار) بقوله إن دويري أظهر أناساً يلبسون الكوفيات: «الكوفية هنا كانت زيّاً ولم تظهر كمعنى أو كفعل». واستعاد حجيج فيلم «المزوّر» للألماني فولكر شلوندورف: «العنصر الفلسطيني موجود في هذا الفيلم، لكن عن طريق الحوار وليس على الأرض، علماً أن ما هو ظاهر على الأرض متمثّل، فقط، بعلاقة البطلة هانا شيغولا بمقاتل فلسطيني (غسان مطر)». بالنسبة إليه، لا شيء يُبرّر السكوت عن الدور الفلسطيني والشخصية الفلسطينية في السينما: «يرى بعض السينمائيين أن الدور سلبي، ومع هذا فإنه لم يتحدّث عنه أبداً. هذا خلل في الموقف السينمائي، ومسألة مثيرة للجدل». قال حجيج إن هناك نوعاً من الانطواء على النفس، وأن هذا الانطواء «يؤدّي إلى ممارسة نوع من النفي للشخصية الفلسطينية، لأنها شخصية مُحرِجَة، ما يعني أن السينمائيين اللبنانيين يُفضّلون عدم التطرّق إلى هذا الموضوع، لعدم وقوعهم في الإحراج، أو ربما لعدم استيعابهم البُعد الذي يتخطّى لبنان»، مضيفاً إلى الانطواء سبباً آخر وصفه بـ»الشوفينية»: «هناك نوع من الشوفينية أيضاً لدى السينمائيين اللبنانيين، تدفعهم إلى التحدّث عن لبنان واللبنانيين فقط. هناك رغبة لاواعية في التعاطي مع الشأن اللبناني الخالص. وإذا رفضت الإيديولوجيا في بعض السينما اللبنانية الشخصية الفلسطينية لأنها سلبية، ولأن دورها سلبي في الحرب الأهلية، فإن أحداً من أنصار هذه الإيديولوجيا لم يذكر الفلسطيني، ولو بصورة سلبية». وانتهى إلى القول إن الفلسطينيين «يتحمّلون مسؤوليةً في اندلاع الحرب اللبنانية وفي تطوّراتها، لكن ما من فيلم حمّلهم هذه المسؤولية، وقال إن لديهم جانباً سلبياً». وردّ على سؤال غياب الشخصية الفلسطينية في «زنّار النار» بالقول إنه لم يدخل في كليشيهات الحرب اللبنانية (غربية/ شرقية، مسلم/ مسيحي، شمالي/ جنوبي، إلخ.): «الفيلم خارج الصُوَر المسبقة والمرسومة سلفاً والتقليدية. لذا، تتعارض الشخصية الفلسطينية وسياق الفيلم كلّه. غير أن مشروعي السينمائي الجديد يتضمّن شخصية فلسطينية، أفضّل عدم التحدّث عنها الآن».
ما قاله حجيج عن الانطواء والشوفينية، وصفه شمعون بـ»اللاوعي» الذي جعل السينمائيين اللبنانيين يتوجّهون إلى المواضيع اللبنانية: «إذا كان موضوع الفيلم لبنانياً، فهذا تأكيد على الهوية اللبنانية للسينما. أناس قليلون جداً أعطوا لمحات بسيطة ورمزية عن الوضع الفلسطيني، لأن التوجّه كلّه انصبّ على الواقع اللبناني. لماذا وكيف؟ هذه علامة استفهام. لا أعرف لماذا؟ لكن، بالنسبة إليّ، هناك حنين إلى الجنوب اللبناني والجنوبيّ اللبناني في «طيف المدينة». فالجنوب والجنوبي عانا كثيراً من الإسرائيلي» الصهيوني، اعتداءً واحتلالاً ومشاكل. تحدّثت عن الناس العاديين، وقلت إنهم ضحية الاحتلال الإسرائيلي. لا أعرف إلى أي مدى يُمكن لهذا الأمر أن يجعلك تتقرّب من القضية الفلسطينية. التغييب غير مقصود، ولاوعي أنا جعلني أتعامل مع معاناة الجنوبيّ اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. لم أفصل بين اللبناني والفلسطيني عنصرياً، لكني أعتبر في لاوعي أن لا حدود بين لبنان وفلسطين، وبالتالي فإن تناولي لبنان يعني تلقائياً تناولي فلسطين».
الفرد الفلسطيني
أراد سلهب أن يكون صريحاً في جوابه عن السؤال نفسه، فقال ببساطة: «لا أعرف»، مع أن علاقته بالقضية الفلسطينية وبالفدائيين ليست علاقة عابرة أو صغيرة: «بصراحة، لا أعرف. لكن، هناك مسألة تعود إلى العام 1982، وهو تاريخ مهمّ جداً، لأن الفدائيين، عندما غادروا بيروت، بدوا وكأنهم أخذوا القضية الفلسطينية معهم وتركوا المشكلة؛ وهي ليست مشلكة بالنسبة إليّ. ما أرغب في قوله إن المسألة باتت «مشكلة لاجئين». ثم إن «أشباح بيروت» مرتبط بنهاية الثمانينيات، أي بمرحلة ما بعد عام الاجتياح. لو وضعت أحداث فيلمي قبل العام 1982، لما استطعتُ التغاضي عن وضع شخصية الفلسطيني»؛ مضيفاً أن «هذا نقص»، لكنه حلّل المسألة من وجهة نظر أخرى: «ربما لأن لديّ أصدقاء فلسطينيين، بتّ أرى الفلسطيني إنساناً وليس فلسطينياً. أي إني أتعامل معه كإنسان، فلا أعود أهتمّ بمسألة الجنسية. صديق لي قال ذات مرّة: «تعبتُ من أن أكون فلسطينياً. لأن الفلسطيني إما شهيد وإما بطل. أريد أن أكون إنساناً عادياًَ». أنا لا أتعاطى مع الناس والأصدقاء على أساس الجنسية، مع أني كمخرج يُفترض بي أن أتعاطى مع «الفلسطيني»، ويجب أن يكون الفلسطيني موجوداً في الفيلم، بل أن تكون الشخصية الفلسطينية أساسية وجوهرية ومهمّة في الفيلم».
عاد زياد دويري إلى العام 1998 عندما كتب سيناريو «بيروت الغربية»: «يومها لم أفكّر بالموضوع أبداً. لم أقرّر حذف الفلسطيني، لأن المسألة كلّها مرتبطة بلاوعي أنا، وبالمادة التي اخترتها (أولاد الحيّ، والحيّ الذي عاشوا فيه). معك حقّ: الحرب الأهلية ممزوجة بالقضية الفلسطينية. واليوم، إذا أردت كتابة «بيروت الغربية» الجزء الثاني» لا أستطيع التغاضي أبداً عن هذه المسألة. صار هناك وعي أكبر ونضج أكبر، ومراجعة للنفس أيضاً. لديّ الآن مشاريع سينمائية، أحدها «الصدمة» (مقتبس عن رواية الكاتب الجزائري ياسمينا خضرا)، متعلّقة بالفلسطيني. لكن، دعني أخبرك أمراً: شعرتُ مراراً، وأنا أتحدّث عن المشروع مع فلسطينيين عديدين، أنهم حذرون. لم يقولوا شيئاً من هذا القبيل، لكنه شعور انتابني، مفاده أنهم قلقون من قيام مخرج لبناني بمعالجة موضوع فلسطيني، ربما لأنهم يخافون من أن تكون المعالجة غير موضوعية. أعتقد أن أكثر العرب قدرة على التعاطي السليم والموضوعي مع المسألة الفلسطينية هم اللبنانيون». هذا ما أشار إليه سلهب أيضاً: «الموضوع حسّاس جداً. المخرج الفلسطيني يتعامل مع الموضوع الفلسطيني بحرية، لكن المسألة تصبح حسّاسة أكثر إذا تناولها اللبناني. مثلاً: هل أستطيع، أنا اللبناني، أن أُظهر فلسطينياً مقيماً في مخيّم على أنه «شلمسطي»؟ وهو هكذا ليس لأنه فلسطيني، بل ربما لأن المخيّم يخلق ظروفاً معينة. في المخيمات، أمور مهمّة جداً يُمكن تناولها. أحبّ أن يُنجز أحدٌ فيلماً عنها ذات يوم، لا ليقول إن الفلسطينيين ضحايا، او أن يتعامل مع المسألة من منطلق أخلاقي. ليست القصّة أخلاقية، بل حياة أفراد. هناك فرد معيّن يعيش هذا الظرف أو ذاك». وانتهى إلى القول إن للفلسطيني مشكلة مع تساؤلات عدّة، منها: «أين هو مكانه في الرواية؟».
«إن تغييب الشخصية الفلسطينية في السينما يتناقض وحضورها القوي في السياسة، وفي فنون أخرى، أبرزها الموسيقى والأغنية، من الأخوين الرحباني وفيروز إلى مرسيل خليفة وأحمد قعبور وخالد الهبر وماجدة الرومي وغيرهم»: هذا ما خلص إليه بهيج حجيج، الذي اعتبر أن أحد الأسباب المهمّة التي دفعت السينمائيين إلى «تغييب» هذه الشخصية، كامنٌ في «الإحراج» الذي يُمكن أن يُسبّبه لهم تناولهم المسألة: «الإحراج في التعاطي مع الفلسطيني، سلباً أو إيجاباً. هناك نوع من عدم فهم الشخصية الفلسطينية وإدراكها، في مقابل نوع من التعميم لهذه الشخصية، المختزلة بلاجئ أو مقاتل، مع أن هناك عناصر فلسطينية فاعلة في الثقافة والفنون، ومختلطة بالمجتمع عبر الزواج مثلاً. حتى دوره في الثقافة والفنون لم يظهر في الأفلام. هناك من يعتبر أن الفلسطيني شخصية مثالية ولا دخل لها بالحرب الأهلية. علينا ألاّ ننسى أن مفهوم الحرب الأهلية نفسه محتاج إلى نقاش». غير أن لشمعون رأياً آخر: «الإنسان الفلسطيني يتعذّب. تهجّر من أرضه، وعانى صعوبات جمّة في المخيّمات، ولديه مشاكل عديدة. يعيش محتاراً أمام تحدّيات متفرّقة: كيف يعود إلى وطنه، كيف يُكمل حياته، أين يعيش. ألا يقيم الفلسطيني في أمكنة متواضعة، تكاد تفتقد الحدّ الأدنى من شروط الحياة؟». لا يتغاضى حجيج عن أن للشخصية الفلسطينية في لبنان وجهين: «سلبي وإيجابي. فالفلسطيني عنصر فعّال في الحرب الأهلية، وفي المقابل أعطى لهذه الحرب، بحضوره فيها، بُعداً دولياً/ عربياً/ (مستشهداً بفيلم شلوندورف). بينما رأى سلهب أن الفلسطيني بات «مثلاً أو نموذجاً»، وأن كثيرين «يخجلون من التعاطي مع الموضوع، خوفاً من التورّط فيه بشكل غريب. فالموضوع حسّاس جداً، والناس يخافون. ثم إن الأفلام الوثائقية تعاملت مع المسألة الفلسطينية بنبل، فبات الفلسطيني «لا يمسّ» تقريباً».
السفير