الغزل الأمريكي السوري يتطور
بدأت الادارة الأمريكية الجديدة تبلور ملامح سياستها الخارجية تجاه سورية من خلال اعتماد استراتيجية حوار متدرج، بدأ بلقاءات مع السفير السوري في واشنطن، وزيارات لأعضاء في الكونغرس للعاصمة دمشق، وقد يتطور الأمر إلى حوارات على مستوى القمة اذا سارت الأمور مثلما يشتهي البيت الأبيض.
السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية عبرت بوضوح عن توجهات ادارتها في المؤتمر الصحافي الذي عقدته في القدس المحتلة يوم أمس بالاشتراك مع رئيس الوزراء الاسرائيلي أيهود أولمرت، عندما أعلنت انها سترسل مبعوثين اثنين إلى دمشق لاجراء ‘محادثات تمهيدية’ حول ما وصفته بـ ‘قضايا القلق الاقليمية’ التي تثيرها سورية.
وزيرة الخارجية الأمريكية لم تحدد هذه القضايا، ولكنها معروفة لا تحتاج إلى أي شرح أو تحديد، فهناك قائمة من الطلبات تريدها واشنطن من سورية، يتصدرها طلب بالخروج من المحور الايراني، وقطع العلاقة كلياً مع حركات المقاومة مثل ‘حزب الله’ اللبناني و’حماس’ و’الجهاد’ الفلسطينيتين، والتعاون بالكامل مع الاحتلال الأمريكي في العراق في الفترة المتبقية، ريثما يكتمل سحب جميع القوات الأمريكية، بمعنى آخر تريد السيدة كلينتون ان تعيد سورية إلى محور الاعتدال العربي، وأن تصبح ضلعاً فاعلاً في مثلثها القديم مع كل من مصر والسعودية، وهو المثلث الذي حكم المنطقة طوال الثلاثين عاماً الماضية، وشكل العمود الفقري في دعم السياسة الأمريكية في المنطقة واخراج القوات العراقية من الكويت.
وليس من قبيل الصدفة ان يتزامن هذا الغزل الأمريكي النشط مع سورية مع تحرك ملف المصالحات العربية، وحدوث انفراج في العلاقات السورية مع كل من المملكة العربية السعودية ومصر. فقد أدركت الدولتان الأخيرتان ان استمرارهما في سياسة عزل سورية قد تصبح بلا معنى، وخارج سياق المنطق في الوقت الذي يتوافد المسؤولون الأوروبيون الكبار على دمشق فرادى وجماعات، مثل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، وتوارد أنباء عن توجيه حكومة الأخير دعوة للرئيس بشار الأسد لزيارة لندن.
وهناك من يقول بأن تحريك ملف المصالحة السعودية – المصرية مع سورية الذي بدأ أثناء القمة العربية الاقتصادية في الكويت في مطلع هذا العام جاء بإيعاز من الادارة الأمريكية الجديدة، وما يعزز هذا القول التغير الفجائي الذي طرأ على موقف الحكومتين المصرية والسعودية تجاه سورية، رغم أن القضايا التي قيل انها سبب الخلاف ما زالت على ما هي عليه، لم تتغير مطلقاً.
وما زال من غير المعروف كيفية تعامل الحكومة السورية مع المطالب الأمريكية المذكورة، والشيء نفسه يقال عن الصفقة التي يمكن ان تعرضها واشنطن في حال وجدت تجاوباً ايجابياً من الطرف السوري.
اعادة هضبة الجولان إلى سورية في اطار معاهدة سلام تقود إلى التطبيع بأشكاله كافة، والسياسية والاقتصادية منها على وجه الخصوص، هي ‘الطعم’ الذي قد تعرضه الادارة الأمريكية الجديدة على دمشق، مقابل ادارة ظهرها لايران وحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
سؤال الستين مليون دولار الذي يبحث عن اجابة هو عما اذا كانت حكومة دمشق مستعدة لابتلاع هذا الطعم، وتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل واجراء تغيير كامل في مواقفها وتحالفاتها الاستراتيجية؟
الأيام المقبلة كفيلة بالاجابة عليه سلباً أو ايجاباً.
القدس العربي