صفحات سورية

التقارب السوري ـ السعودي: كلٌ يقرؤه على هواه!

null
عماد مرمل
أعاد النقاش حول مذكرة التفاهم بين وزارة العدل ومكتب المدعي العام للمحكمة الدولية في بيروت عقارب الساعة أشواطاً الى الوراء، وتحديداً الى المرحلة التي شهدت تجاذباً داخلياً حاداً حول اتفاقية إنشاء المحكمة ونظامها الاساسي، قاد في نهاية المطاف الى استقالة وزراء حركة أمل وحزب الله احتجاجاً على رفض الفريق الآخر مناقشة نصوص تشكيل المحكمة وإدخال تعديلات عليها، فكان ان ردت قوى الاكثرية بتأمين رافعة دولية للمحكمة تمثلت في مجلس الامن وفصله السابع الذي أخرج الملف من المؤسسات اللبنانية، ووضعه في عهدة المجتمع الدولي.
ومع بدء التداول في مشروع مذكرة التفاهم، عاد كل طرف الى المربع الاول والى أدبياته السابقة المثقلة بالهواجس، وكأن التاريخ يعيد نفسه، مع فارق وحيد يتمثل في أن الخلاف يخضع هذه المرة الى ضوابط سياسية من شأنها ان تحول دون تفاقم عوارضه وتسربها الى خارج حدود المؤسسات الدستورية.
بالنسبة الى المعارضة، حرّك مضمون المذكرة الذي يمنح مكتب المدعي العام صلاحيات واسعة جداً «جرح» التجاوزات القانونية والسياسية التي تنطوي عليها النصوص التأسيسية للمحكمة الدولية، بحيث بدا من بعض مضامين مسودة مذكرة التفاهم ان فريق 14آذار لم يتعلم شيئا من التجربة الماضية، وانه مستمر في استسهال تطويع السيادة لمتطلبات مجموعة من المحققين المتعددي الجنسية، إضافة الى كونه لم يتخل عن عادة اتهام كل من يحاول مناقشة أمر يتصل بالمحكمة الدولية، بأنه يثير الشبهة حوله ويضع نفسه في دائرة المساءلة، كما أظهرت بعض ردود الفعل على الملاحظات المثارة من قبل أوساط المعارضة على المذكرة.
في المقابل، تشعر قوى 14آذار، ان ما بدر من المعارضة حيال مذكرة التفاهم شكّل استنساخا لطريقة تعاطيها مع مشروع إنشاء المحكمة، في بداياته، حين جرى استخدام كل «الحيل» للالتفاف عليها، وبالتالي فان الضجيج الذي أثير حول المذكرة يدفع الى تحريك الهواجس مجدداً حيال النوايا المضمرة لفريق 8 آذار، ومدى مصداقية ما يعلنه في الظاهر عن ضرورة كشف حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري، بل إن أحد «الأكثريين» يذهب صراحة الى حد القول إن الأقلية ـ كما يرغب في أن يسمّيها ـ تواصل سياسة التغطية على قتلة الرئيس الحريري وأنها لم تغادر بعد هذا الدور، وليس أدل على ذلك برأيه من البرودة التي تعاطى بها إعلام المعارضة مع افتتاح اعمال المحكمة الدولية رسمياً في لاهاي.
ولعل ما ساهم في اكتساب النقاش بخصوص مذكرة التفاهم هذه الحرارة المرتفعة، انه جاء بالتزامن مع تداعيات إصرار القضاء على الاستمرار في توقيف الضباط الاربعة والاكتفاء بإخلاء سبيل الاخوين عبد العال والسوري ابراهيم جرجورة. هنا أيضاً، وجدت المعارضة في سلوك القضاء خضوعاً لتأثيرات سياسية مصدرها قريطم، وتهدف الى الحؤول دون الإفراج عن الضباط الموقوفين في هذا التوقيت الحساس، لئلا تؤدي خطوة كهذه ـ عشية الانتخابات النيابية ـ الى انهيار الاطروحة السياسية التي بنى عليها هذا الفريق أمجاده خلال السنوات القليلة الماضية، والمتمحورة حول اتهام النظام الامني اللبناني السوري السابق بالوقوف وراء جريمة اغتيال الحريري.
إلا أن مصادر قريطم تتحدّى أصحاب هذه المقولة أن يثبتوا أن تيار المستقبل يمارس ضغوطاً على القضاء لمنع إطلاق سراح الضباط، متسائلة كيف لهؤلاء ان يعرفوا ان هناك تدخلاً من هذا النوع، إذا صح حصوله، علما ان المصادر لا ترى حرجاً في التأكيد ان الاستمرار في توقيف الضباط هو إجراء قانوني ولو لم تتم مواجهتهم حتى الآن بتهم مباشرة، لأنه في حالة الجريمة الإرهابية لا سقف زمنياً للتوقيف المستند الى الشبهة.
إزاء هذا الاصطفاف الحاد الآخذ في الاتساع، مع دنو موعد الانتخابات، تبرز تساؤلات مشروعة حول أسباب عدم تأثر لبنان لغاية الآن، بالتحسن المتسارع الحاصل في العلاقة السورية ـ السعودية، في حين أن العدوى تنتقل اليه سريعاً متى تدهورت تلك العلاقة، كما أثبتت التجارب الحية في السنوات الماضية التي تلت اغتيال الحريري.
تعتقد أوساط مطلعة ان مفاعيل المصالحة بين دمشق والرياض لن تأخذ مداها إلا في أعقاب الانتخابات النيابية، حين يأتي أوان إعادة تشكيل السلطة وتأليف الحكومة المقبلة، وعندها لا بد من ان تصاغ المعادلات الجديدة على أساس التزاوج بين المعطى المحلي والمعطى الاقليمي. وحتى ذلك الوقت، ترجّح تلك الاوساط ان تنحصر انعكاسات التقارب السوري ـ السعودي في بعض جوانب الساحة السنية التي قد تفرز تحالفات او ائتلافات انتخابية مرنة، بينما ستظل الساحة المسيحية خارج تأثير هذا التقارب، خصوصاً أن العماد ميشال عون لا يخضع الى نفوذ أي من طرفيه.
وبينما يفترض أصدقاء دمشق في بيروت ان الصفحة الجديدة في العلاقة السورية ـ السعودية إنما تعكس واقعية مستجدة لدى الرياض، مستمدة من الحقائق التي أفرزها إخفاق الحرب الاسرائيلية على غزة، الامر الذي عبّر عنه الملك عبدالله بإعلانه عن ان مبادرة السلام لن تبقى طويلاً على الطاولة.. يعتبر أحد أصدقاء السعودية أن موقف عبدالله يجب أن يُقرأ من زاوية أخرى وهي ان الملك أراد ان يوجه رسالة الى من قال بأن المبادرة انتهت، فحواها انك لست أنت من تستطيع ان تحدد مصيرها لوحدك، لأن المبادرة ولدت بإجماع عربي ولا تلغى إلا بإجماع مماثل. ويرى صاحب هذه القراءة ان الهدف السعودي الاستراتيجي الكامن خلف الانفتاح على دمشق يتمثل في محاولة إستمالة سوريا مجدداً الى الحضن العربي والحد من النفوذ الايراني عليها، ومن خلالها على المنطقة، مضيفاً ان «مساعدة دمشق على استرجاع عروبتها ضرورة بل واجب في سياق السعي الى قطع الطريق على كل من يستثمر التصدع في العالم العربي للتغلغل فيه، على حساب مصالحه وقضاياه».
وما يعزز هذا «السلوك السعودي»، وفقاً للتحليل ذاته، وصول اليمين الى السلطة في إسرائيل، حيث ان بنيامين نتنياهو الذي هو بصدد تشكيل الحكومة حالياً، لا يميز في عدوانيته وغطرسته بين عربي وآخر، ما يتطلب ترتيب الصفوف وتحصينها في مواجهة الاحتمالات المفتوحة.
وماذا عن حسابات فريق 14 آذار الذي يقاطع سوريا، بينما تبادر حليفته وراعيته السعودية الى الانفتاح عليها بالتزامن مع انطلاق أعمال المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري؟
يشدد نائب في تيار المستقبل على ان المصالحة بين دمشق والرياض لا تعني تبرئة مسبقة لسوريا، وإنما هي تعكس فصل العلاقة الثنائية عن ملف التحقيق والمحكمة، وهذا بالضبط ما كان قد فعله النائب سعد الحريري عندما أكد مبكراً ضرورة إقامة علاقات طبيعية مع سوريا وعدم الربط بينها وبين مسار المحكمة الدولية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى