صفحات سورية

اخوان سوريا : مراجعة أم تراجع

null
صلاح بدرالدين
جاء في اعلان عن أحد مواقعهم ولأول مرة باسم مكتبهم السياسي وليس مجلس الشورى أو مكتب المراقب العام أن ” إخوان سورية يعقدون ندوة مراجعات وتقويم في لندن بمشاركة شخصيات إسلامية عربية ” من أجل ” بلورة إستراتيجية جديدة للمرحلة القادمة، وفي هذا الإطار جاءت هذه الندوة التشاورية مع شخصيات إسلامية، وباحثين متخصصين في شؤون الحركات الإسلامية، … وشارك في الندوة نحو 40 من رموز الحركات الإسلامية والباحثين الإسلاميين المقيمين في أوروبا، من أبرزهم زعيم حركة النهضة الإسلامية بتونس الشيخ راشد الغنوشي، والباحث والناشط الإسلامي المصري كمال الهلباوي، والباحث الإسلامي البحريني سعيد الشهابي، إلى جانب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية المحامي علي صدر الدين البيانوني، والناطق الرسمي باسم الجماعة وعضو مكتبها السياسي الأستاذ زهير سالم وتم استعراض ” أهم المحطات في تاريخ علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالنظام السوري في الأعوام الثمانية الماضية ” وجاء في ورقة المكتب السياسي المقدمة للاجنماع ” أن للمعارضة الإسلامية في سورية بعدين اثنين، “الأول (..) استراتيجي نتشارك فيه مع بقية التنظيمات الإخوانية في المشروع الإسلامي العام. والبعد الثاني، هو البعد التكتيكي الذي يتم من خلاله التعامل مع معطيات الواقع المعاش، بكل أبعاده السلبية والإيجابية، على قاعدة درء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكثيرها “، لتؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية “تعلن معارضتها للسياسات والمناهج وليس للأشخاص أو الطوائف والأحزاب ” وأشارت الورقة إلى ” المفاوضات والمبادرات والوساطات السابقة للمصالحة بين النظام والإخوان…. وفي جولات المفاوضات ولاسيما الأخيرة منها كانت مطالب جماعتنا غاية في الموضوعية. وكانت تدور في مجملها حول حقوق المواطنة العامة. ولكن مات حافظ الأسد، دون أن يتم التوصل إلى أي اتفاق”. وخلال السنوات الخمس الأولى من حكم بشار الأسد “تحركت جماعتنا على أكثر من محور عربي وإسلامي (..) للوصول إلى مصالحة وطنية دون جدوى”، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ موقف سياسي أجمعت عليه المعارضة السورية، تمثل في الدعوة إلى تغيير النظام.” وفي سياق توصيفها للواقع السوري،” أشارت الورقة إلى استمرار هيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة العامة في سورية”، ورأت أيضاً أن “سياسة إشاعة الخوف بين الناس هي الأسلوب الأمثل” بنظر السلطة، على الرغم من إشارتها إلى خطوات إيجابية محدودة تمت في العهد الجديد، من قبيل إغلاق سجني تدمر والمزة “. أما حول الأولويات،” وهل على الحركات الإسلامية في العالم العربي أن تغلب مواجهة التحدي الخارجي، على الجهد لمواجهة التحدي الداخلي (الديمقراطية والحرية)، وهو أمر لم يلقَ اتفاقاً.” “وتساءل مشاركون عن تقويم الإخوان المسلمين لنتائج تحالفهم مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام وتأسيس جبهة الخلاص الوطني في سورية ” هذا ما ورد في اعلان الاخوان من مواقف رئيسية التي تحمل الكثير من التساؤلات وتحتاج الى التصويب والتوضيح والتقييم وهذا ما سأحاول تاليا :
أولا – من حيث الشكل فان التدقيق في هوية المدعوين الفكرية والسياسية وطبيعة توجهاتهم المعروفة اشارة واضحة على اصرار قيادة الاخوان في المضي بموقفها المعلن تجاه النظام لأن المشاركين وكما أعلن وعلم من مصادر أخرى هم اما من الموالين للقيادة الراهنة أو من ممثلي جماعات الاخوان المسلمين في بلدان المنطقة المعروفة بمواقفها الموالية للنظام السوري في خط الممانعة والتي كانت قد طالبت اخوان سوريا مرارا – بتعليق معارضتهم – ولو كانت النية متوفرة فعلا لمناقشة وتقييم ما حصل أو سلوك التراجع والاعتذار من الشعب السوري والجبهة والمعارضة لكنا وجدنا في الاجتماع ممثلين عن التيار الاخواني المعارض لنهج القيادة وكذلك من الشخصيات الاسلامية المستقلة أو التي غادرت صفوف الاخوان في السنوات الأخيرة لخلافها مع سياسات القيادة الراهنة وقبل هذا وذاك واذاكانت قيادة الاخوان مؤمنة الى درجة ما بالحواروحريصة فعلا على مصالح الشعب السوري ومسألة التغيير الديموقراطي لنظام الاستبداد وتعزيز المعارضة الوطنية والالتزام بتعهداتها واحترام تواقيعها والوفاء لحلفائها سابقا في جبهة الخلاص لبادرت أولا وقبل كل شيء الى التشاور قبل اتخاذ الخطوة المدانة أو دعوة ممثلي فصائل المعارضة السورية وخاصة الجبهة واعلان دمشق الى ” ندوة مراجعات وتقويم في لندن ” بدلا من أناس غير معنيين مباشرة بالقضية السورية .
ثانيا – أما من حيث مضمون اعلان ” المكتب السياسي ” الاخواني وقبل الولوج في ثناياه لابد من التوقف أمام مسألتين أولهما تفنيد الحجة الزائفة التي تختبىء قيادة الاخوان وراءها بتسويقها للرأي العام العربي والاسلامي وهي الادعاء أن موقفها الأخير كان من أجل غزة والقضية الفلسطينية وأن هناك موقف مغاير سلبي للآخرين في جبهة الخلاص أما الحقيقة الساطعة وكما هي مدونة في وثائق اجتماعات الأمانة العامة فان مواقف ممثليها ومنذ الخلاف بين حركتي حماس وفتح كانت ضد الشرعية الفلسطينية ومنظمة التحرير والرئاسة المنتخبة كما كانت راضية عن انقلاب حماس العسكري في غزة ومؤيدة لسياسة خالد مشعل تجاه النظام السوري وملتزمة بالكامل بأجندة الجماعات الاسلامية السياسية في العالم وعلى النقيض من سياسة جبهة الخلاص بمهادنة النظام السوري وتأييد حركة حماس واعتبار الارهاب في العراق مقاومة ورفض الدستور والنظام الاتحادي وفدرالية اقليم كردستان ومناوءة الحكومة الشرعية في أفغانستان والوقوف الى جانب النظام الحاكم في تركيا المدان باضطهاد الشعب الكردي وانتهاك حقوق الانسان ولو قيض لها لوضعت جبهة الخلاص وكل الشعب السوري تحت وصاية التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ولم يترشح عنهم أي اقتراح طوال الأعوام الثلاثة الماضية حول مشروع تضامني لنصرة القضية الفلسطينية ورفضه الآخرون فمن يكون موقفه بهذا المستوى لايجوز له المزايدة على الآخرين واستغلال القضية الفلسطية كما تفعلها أنظمة عربية لمآرب شريرة وورقة للتستر على أساليب الغدر والتضليل وهناك الكثير ما يمكن شرحه في هذالمجال اذا اقتضت الضرورة وثانيهما التحقق من مزاعم قيادة الاخوان حول تثمين خطوتهم من جانب دول وقوى وأطراف سياسية دون أن تسمى أما ما يتعلق بالمسائل الأخرى في الاعلان فنوجزها بما يلي :
1 – كانت قيادة الاخوان تنفي نفيا قاطعا خلال مفاتحتها بمدى صحة صلاتها واتصالاتها مع النظام في اجتماعات الجبهة وفي المناسبات وأمام وسائل الاعلام رغم أن الكثيرين كانوا في شك من مصداقيتها والآن وفي الاعلان هناك اعتراف صريح بعلاقات سرية منذ ثمانية أعوام في غفلة من الشعب السوري ومن وراء ظهر المعارضة السورية .
2 – يعترف ” المكتب السياسي الاخواني ” بأن للمعارضة الاسلامية السورية بعدان واحد استراتيجي يتعلق بالمشترك مع القوى الاسلامية في المنطقة والعالم وآخر تكتيكي يتعلق بالمطالب الوطنية في الداخل بمعنى أن قضية معارضة النظام لاتتعدى التكتيك السياسي القابل للتبديل كل ساعة وبمعنى آخر ليس في النية أي تغيير ديموقراطي والاتيان ببديل للنظام والمعارضة ليست للرئيس والحزب الحاكم بل ” على قاعدة درء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكثيرها ” أما مسألة تغيير النظام وتفسير طبيعته الاستبدادية فقد تقلصت في الاعلان ” إلى استمرار هيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة العامة في سورية” و “سياسة إشاعة الخوف بين الناس ” والاشارة ” إلى خطوات إيجابية محدودة تمت في العهد الجديد، من قبيل إغلاق سجني تدمر والمزة ” .
3 – كان باديا منذ مدة طويلة وأكد عليه الاعلان التردد وعدم الحسم من جانب قيادة الاخوان في مسألة تحديد الأولويات في توجهاتها الرئيسية بين الداخل والخارج وبين الانتماء الوطني السوري أو التبعية للبرنامج الاخواني العالمي والتفرغ للتصدي لمهام المعارضة السورية وانجاز الواجبات الوطنية أو الهروب الى الامام والتعاطي مع أمور خارج الحدود سعيا وراء السلطة في امارات اسلامية حتى لو كانت نتيجة الانقلابات العسكرية أو على حساب وحدة حركات الشعوب وانقسام المجتمعات .
4 – كما يظهر من الاعلان ومن مضامين كتابات وتصريحات منتسبي الاخوان منذ خطوة – التعليق – وما قبلها لم تكن حكايةالانتماء الى اعلان دمشق الا ادعاء باطلا خاصة منذ مجلسه الوطني ولم تكن عضوية جبهة الخلاص الا مظهرا مخادعا مرتبطا بشرط احتوائها أو اغراقها بالفتن والانقسامات واتهام قيادتها بمعاداة القضية الفلسطينية وهذا ما يدفعهم الى استثارة التيار القومي العربي من دون التيارات والمكونات الأخرى الكردية والليبرالية والديموقراطية للحاق بهم وهديه الى سواء السبيل بعد أن حصدوا الخيبة في اجتماع الأمانة العامة وقد حمل الاعلان رسالة واضحة الى النظام السوري حول وضع تحالفهم مع السيد عبد الحليم خدام في الميزان واستثماره في مساومات المفاوضات .
5 – على أطراف المعارضة السورية جماعات وأفراد اتخاذ جانب الحيطة والحذر أمام تكتيكات قيادة اخوان سوريا المستندة الى اسلوب المماطلة واطالة أمد ردتهم المتدرجة وذلك كسبا للوقت وطمعا في استجلاب آخرين الى صفوفهم فهل تهدف أنشطتهم الأخيرة الى ترقب ما ستؤول اليه المفاوضات مع النظام ؟ أم تسعى الى اطلاق المزيد من الرسائل في سائر الاتجاهات ؟ أم تحاول استيعاب الصدمة من جانب أتباعها ؟ وهل ستتصالح قيادة الاخوان مع النظام كما هو ممانع مرتبط بمحور طهران – حزب الله ؟ أم ستكمل المشوار مع النظام نفسه وهو سائر نحو الصلح مع اسرائيل والتبعية للغرب ؟ مهما كانت النتائج فان الأولوية لصيانة المعارضة الوطنية الديموقراطية وتعزيز وحدتها على أسس سليمة والحرص على نقاوتها ونزاهتها وشفافيتها وعلمانيتها وفي هذا السياق نجزم بأن الوطنيين السوريين لن يأسفوا على انحياز جماعات الاسلام السياسي لنظام الاستبداد ولن تعلن المعارضة السورية الحداد على من غدر بها ولن تلبس نساء الجزيرة وحلب وعفرين وحمص وحماة ودمشق والسويداء ودرعا السواد على فقدان الابن الضال وستتواصل الحياة ويستمر العمل الديموقراطي العلماني المعارض حتى تحقيق عملية التغيير ودحر نظام الاستبداد .
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى