لغتان أميركيتان
سميح صعب
أوردت “النيوريورك تايمس” خبراً قبل يومين مفاده ان واشنطن تفتش عن طريق لايصال امداداتها الى افغانستان يكون بديلاً من قرغيزستان التي قررت اقفال القاعدة الاميركية، وبديلاً لممر خيبر في باكستان الذي تتزايد هجمات “طالبان” على القوافل التي تعبره.
الى هنا ليس من جديد في الخبر، إنما الجديد يكمن في ان وزارة الدفاع الاميركية تتجنب ان يكون البديل روسيا، لكن لا تستثني ايران.
وبصرف النظر عن عدم واقعية الطريق الايراني الى افغانستان، فإن الذي غدا هذه الايام خارج سياق المحرمات السياسية، هو الحديث الاميركي المتزايد عن الاخذ في الاعتبار الدور الاقليمي لايران الذي لم يعد في امكان واشنطن تجاهله. من هنا كانت دعوة طهران الى لاهاي لحضور مؤتمر البحث في الاستراتيجية الجديدة لافغانستان.
الكلام الجديد الذي يصدر في الولايات المتحدة لا يقتصر على ايران. فالكاتب في “النيويورك تايمس” روجيه كوهين يدعو ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى بدء حوار مباشر مع “حزب الله” و”حماس” وعدم إضاعة الوقت في فرض الشروط على هاتين الجهتين كي يبدأ الحوار معهما.
مثل هذه اللغة لم تكن مسموعة خلال عهد جورج بوش المشبع بالتطرف الايديولوجي. ومثل هذا التطرف لا يزال معشعشاً في أروقة الكونغرس وبقايا المحافظين الجدد في مراكز رسمية، او في مؤسسات اعلامية. وآخر “إنجاز” للمتطرفين هو ارغامهم تشارلز فريمان على سحب ترشيحه لمنصب رئيس مجلس الاستخبارات الوطني. وذنب فريمان انه يوجه انتقادات الى السياسة الاسرائيلية واللوبي اليهودي الذي يناصرها في الولايات المتحدة. كما ارتكب ذنباً آخر، في نظرهم، عندما عارض حرب العراق بقوة.
وبازاء ضراوة الهجوم على فريمان، لم يكن في وسع فريق اوباما الدفاع عنه لأنه على ما يبدو لا يريد الدخول في مواجهة مع قوى التطرف ومع اللوبي اليهودي. بيد ان ذلك يشير ايضاً الى ان حدود الضغط الذي يمكن ان تمارسه الادارة الاميركية الجديدة على اسرائيل، في حال تطلبت عملية السلام ذلك، ستكون ضئيلة.
وتتشكل في الولايات المتحدة جبهة من اليمين الجمهوري المتطرف المتحالف مع المحافظين الجدد تحاول بشتى الوسائل الوقوف في وجه الاجراءات التي يتخذها اوباما على صعيد معالجة الازمة الاقتصادية، وتتهمه بأخذ اميركا نحو الاشتراكية، لأنه قال انه سيقف في وجه اصحاب المصالح الخاصة وبأنه سيدافع عن الطبقة الوسطى.
وكما تتشكل جبهة داخلية ضد اجراءات اوباما الاقتصادية، فإن تيارات أخرى تعارض انفتاحه على ايران وسوريا، وتحاول إثقال هذا الانفتاح بالشروط التي تجعل الانفتاح مستحيلاً. وينسحب هذا الامر مثلاً على الشروط التي تضعها اللجنة الرباعية على “حماس” كي تتحدث الى الحركة، او حتى تتعامل مع حكومة وحدة فلسطينية تشارك فيها “حماس”.
ولا يعتبر هذا كله سوى هروب من مواجهة استحقاق السلام الحقيقي والشامل الذي يأتي في أساسه قبول اسرائيل بقيام دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي المحتلة عام 1967. أما الاستمرار في فرض الشروط فلن يوصل ألا الى مزيد من العنف والدماء.
واذا غرق اوباما في دوامة الشروط التي كان يضعها بوش، فإنه يحكم منذ الان على إجهاض أي محاولة لاعادة اطلاق عملية السلام. كما يقضي على امكان الانفتاح على سوريا وايران، وحتى على فكرة الترابط بين قضايا المنطقة بحسب ما يكرر الرئيس الاميركي نفسه.
ان مزيداً من الانتظار لبدء حوار مع ايران وسوريا ومباشرة عملية جدية لانهاء الصراع العربي – الاسرائيلي انطلاقا من إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لن يساهم إلا في مزيد من تعقيد ما هو معقّد أصلاً وفتح المنطقة على احتمالات التفجير مجدداً.