خربوها . . ووقفوا على أطلالها
لم يحدث أن كانت التصدعات العربية بمثل ما هي عليه اليوم . ولا كانت الاختراقات الإقليمية والدولية للوضع العربي بمثل هذا الاتساع والعمق وعلى هذه الدرجة من البجاحة والسفور . ولافائدة من الجدال في من يستتبع من ، طالما المؤكد أن إحداهما تستولد الأخرى ، وكل منهما سبب ونتيجة في آن .
فعندما تصبح إيران وتركيا وإسرائيل العنوان الدائم والمحطة الأولى والمرتكز الأساس للسياسة الدولية في معالجة قضايا المنطقة ، تحمل بيدها مفاتيح الحرب والسلام ، ومن جعبتها تخرج مشاريع العقد والتسويات ، يحق للعربي أن يسأل : ما الذي فعله الحكام في هذا ” الجسد العربي الممدد بين المياه وبين المياه ” بحجم ثلاثمائة مليون وأكثر ، حتى صار عديم الوزن ، ضعيف الفعالية ، قليل الشأن إلى هذا الحد ، حتى فيما يتعلق بمصالحه ومصيره ومقدراته ؟ !
الكيانات متصدعة ، والوحدات الإقليمية ذات الجوار الواحد والمصالح المتشابكة ( بلاد الشام – الجزيرة العربية – وادي النيل – المغرب العربي ) متناحرة متعادية ، والنظام العربي برمته الذي تحلق حول جامعة الدول العربية ومؤسساتها يحتاج إلى غرفة عناية فائقة ، ولا تتوفر . والضحية باستمرار أمة مثقلة بالهموم ، وشعوب منهكة بالقمع والتسلط والفساد وانسداد الأفق .
نصف قرن من صعود مشاريع السلطات وانهيارها ، ولا مشروع لبناء وطن . نصف قرن من التجريبية الحمقاء في الانقلابات والانقلابات المضادة ، من تحكم العسكر أو الحزب الواحد أو العشيرة أو الطائفة بدول سلطانية مختلفة الاسم والشعارات والهوى ، متفقة وموحدة في الجوهر ” دولة التسلط الفئوية ” ، كل شيء فيها عدا المجتمع المتماسك والمواطن الحر والآمال بمستقبل أفضل .
يسوق الحكام العرب بلادهم ( ولا يسوسونها ) على هواهم ، حتى ولو كان إلى حتفها . يتصادقون قبل الظهر ويتعادون بعده . حتى صار فتح معبر حدودي بين المغرب والجزائر مدعاة للاحتفال ، ولقاء وزير من سورية مع نظيره من لبنان حدثاً لافتاً ، تنشره الصحف مانشيتاً رئيساً كحدث مثير للاهتمام . وغدت مؤتمرات القمة مناسبات للتناحر والاستعراضات الخاصة والشخصية وإبراز النفوذ . فهذا يعقد مؤتمراً هنا ، وذاك يدعو لآخر هناك . الأول يستدعي المساندة والاستقواء من هنا وهناك ، والثاني يلملم الحضور من أي مكان لملء الكراسي وإتمام النصاب . أما المشاكل المتفاقمة والقضايا المعلقة والأخطار الثي تدق الأبواب ، وكلها من فئة المصير المشترك ، فقد تركوها لغيرهم وتفرغوا للمنازعات .
معتدلون وممانعون ، أصحاب مشاريع مقاومة وأصحاب مشاريع تسوية ، لكنهم في الموقع نفسه . يغلقون الأبواب في وجوه بعضهم ، ويفتحونها للغير . لدرجة أنهم ظهروا كمن فقد البوصلة ، وضيع نقطة الارتكاز . وهي أن المطلوب والأساسي إعادة القضايا العربية إلى أيدي أصحابها في البيت العربي ، حيث ترسم خرائط مشتركة للتعامل مع الآخرين على أساسها ومعالجتها . والشعوب لا تقبل اللعب بمصيرها إلى حد وضع المصالح الوهمية والمؤقتة والزائفة مع الآخرين مكان المصالح الفعلية والحقيقية والدائمة بين الشعوب العربية . فوحدة المصالح والمصير ليست شعاراً ، فالأيام مازالت تقدمه كحقيقة وهدف .
ورغم انعدام الآمال مما يمكن أن يقدمه الحكام العرب لشعوبهم ، تبقى آمال الناس وأحلامهم معلقة بقرار تاريخي أو خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح ، تقدمها اللقاءات العربية ومؤتمرات القمة دعماً للقضايا المشتركة ، وتوفيراً لشروط أفضل لمستقبل الشعوب . ويمثل التضامن العربي في هذه المرحلة طموحاً شعبياً متواضعاً ، يضع حداً للاختراق وانعدام الوزن ، ويوقف حال التمزق والتدهور في العلاقات البينية العربية ، ويوفر طاقات الأمة لمواجهة أعدائها .
إن عجز الحكام عن حشد طاقات الأمة لخدمة قضاياها لا يعفيهم من حق التاريخ عليهم أن لا يبددوها .
هيئة تحرير موقع الرأي