اجتماعات القاهرة والرياض…وتفاؤل حذر!
بعد أن جهدت السياسات العربية للتكيّف مع تلك التي سادت في واشنطن أيام إدارة بوش، من خلال الإرضاء والتماهي أو التمنّع والممانعة والعرقلة، سلباً وإيجاباً، كان لا بدّ من إعادة النظر في حالة النظام العربي المتهافت أساساً..
وعلى الأرض، تفرض ذلك أحداث غزة الدامية المدمِّرة، وتغيّر الحكومة الإسرائيلية وبرنامجها السياسي أيضاً، وأخيراً المذكّرة التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال الرئيس السوداني محمد حسن البشير بدلالاتها العملية والمستقبلية، والصعوبات التي تثيرها فعلياً للأنظمة الحاكمة جميعها، والحيرة التي تفرضها عليها، وخصوصاً مع اقتراب موعد القمة العربية ومسألة حضور البشير أو تجاوزه.
من أجل ذلك توجهت الأنظار إلى اجتماعات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، واجتماع القمة في الرياض الذي جمع الملك السعودي ورئيس مصر وسوريا وأمير الكويت. ورغم التجارب السابقة للشعوب العربية مع أنظمتها التي تعلّقت بأنانيتها ورأت فيما تفرضه المصالح من حد أدنى من الاتفاق العملي شيئاً زائداً لا تتوقف عنده، فإنها تعود إلى توقّع الخير، وخصوصاً حين يتكلّ القادة، في القاهرة والرياض، على الروح العملية وضرورة إنهاء حالة الشلل التي ترافق أيّ خلاف، والانتقال إلى إدارة الاختلاف والتحكم به بحيث لا يفعل ما كان يفعله مراراً وتكراراً من تفجير للتضامن العربي، فيجعلنا نخسر الكثير الكثير.
لا تقلّ أهمية اجتماعات القاهرة عن تلك التي عقدت في الرياض، وهي محاولة للخروج من عنق الزجاجة التي تخنق القضية الفلسطينية في هذه الأيام. ونحن في الوقت الذي نتفاءل به باحتمال جنوح الأطراف الفلسطينية نحو وعي الحالة الخطيرة التي لم توصلنا إليها العدوانية الإسرائيلية الجامحة وحدها، تلك المنفلتة من دون محاسبة ولا مراقبة، بل أيضاً تلك الحالة العربية الممزقة المشار إليها، وخصوصاً حالة الانقسام الفلسطيني الأساس في تشجيع النهوض الإيجابي حولها، أو تقليصه إلى الحد الأدنى من أيّ وقت في السابق. لذلك لا بدّ للأطراف الفلسطينية من الانطلاق من الشعور بالخطر الداهم على القضية، والاندفاع نحو المصالحة والتسوية والقبول بمبدأ التنازلات التي لا بدّ منها للمسير إلى الأمام.
وفي هذا الحقل، لا تستطيع السياسات الأنانية والمغامرة- على الشكل الذي مارسته السلطة في سوريا طويلاً- إلا تكريس الانعزال والانقسام. وقد أصبح ضرورة راهنة وملحة أن نتجه إلى تغيير الحالة العربية البائسة، مع التغيّرات الدولية العاصفة التي تحتاج إلى رصدٍ ومتابعة وسياسات ديناميكية لا تنسى المصالح من جهة، ولا تصطدم بالقطار العالمي الهائل من جهة أخرى.
والحروب، رغم ظلها القاتم في المنطقة، لم تعد الأساس في الحسابات السياسية. والقوة اللازمة لأي نجاح في تحصيل الحقوق لم يعد عمادها في هدير الدبابات والهتافات وحدها، بمقدار ما هو في التنمية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحرية التعبير وحقوق الإنسان ومشاركة المواطنين السياسية، ثم في الحكمة والتزام جانب الإصلاح والمصالحة.
لذلك، نقول لعلّنا نخرج من القاهرة والرياض بخير..
ونحن نمسك بقلوبنا إشفاقاً، لكثرة ما تعودنا على الإحباط والخيبة.
اعلان دمشق