ما يحدث في لبنان

المقدمات والنتائج … والأخطاء

null

طلال سلمان : السفير 12/5/2008

بداية، نقولها صريحة: لا أحد سعيد بما جرى في بيروت ليل السابع من أيار، ولا أحد يقبل أو يقر «التجاوزات» التي وقعت، وبينها ما طاول حقوق المواطنين الآمنين في بيوتهم، وألحق الأذى الفاحش (معنوياً) ببعض المؤسسات الإعلامية والثقافية ذات الدور الحيوي في مجال الخدمة العامة، فضلاً عن التسبّب في سقوط بعض الضحايا، قبل أن تمتد النار إلى مختلف أنحاء لبنان مهددة بتفجّر كيانه السياسي، كنتيجة لخطر الفتنة المحدق بوحدته الوطنية، نتيجة قصر النظر والغفلة (؟) عند السلطة القائمة بالأمر، بالأمر!

لكن الأمانة والموضوعية والدقة تفترض عدم القفز من فوق الأسباب لمحاسبة النتائج واستصدار الأحكام بإدانة أوتوماتيكية لما حدث في بيروت ولأهلها في ذلك الليل الطويل بوقائعه الاستثنائية.

كانت المقدمات قد تكشفت مع فجر السابع من أيار منذرة بتخطي السلطة كل الخطوط الحمر، بما يهدد حالة «الهدنة بالإرغام» التي كانت قائمة في انتظار مساعي «التوفيق» بين الأطراف المعنية والتي تعثرت ثم صارت غير ذات موضوع بعد القرارين الهمايونيين اللذين شكّلا الصاعق اللازم لتفجير الأزمة… واللذين كانا بمثابة رصاصة الرحمة على المبادرة العربية ومترجمها الحاذق عمرو موسى، الذي حاول طويلاً تسويق ما لا يسوّق، ومع ذلك لم ييأس، وها هو عائد قريباً، ولكن من ضمن فريق.

ومع بداهة القول بأن اللجوء إلى السلاح في مجال العمل السياسي «تجاوز خطير» ليس من السهل تبريره، لا سيما إذا ما تبدى وكأنه يحمل صبغة طائفية أو مذهبية محددة، في بلد هش التكوين دقيق التوازنات المذهبية والطائفية.

ومع بداهة القول أيضاً إن اللجوء إلى السلاح لأسباب سياسية له ذكريات محزنة في عاصمة كبيروت استطاعت أن تكون الحاضنة للبنانيين جميعاً، تكبر بهم ويتعاظم دورها بجهودهم وتزدهر بنتاج عقولهم وكفاءاتهم وزنودهم، فتنسى وينسون مساقط رؤوسهم ويرون أنفسهم منها ولها وفيها، يعطونها وتعطيهم، حتى غدت درة هذا الشرق وصاحبة المركز الممتاز عربياً ودولياً

إلا أن المقدمات أولى بالاهتمام من النتائج، التي لا يمكن تفسيرها وتحديد الموقف منها إلا بالعودة إلى تلك القرارات التي تعرف السلطة التي اتخذتها ـ بالتحريض المقصود أو بالجهل أو التجاهل، سيان ـ أنها أخطر من أن تمر بغير ردود فعل تتجاوز الغضب إلى المواجهة المباشرة… وفي الشارع.

وهكذا كانت تظاهرة الاحتجاج بالسلاح التي شهدتها العاصمة، ذلك الليل، نتيجة هجوم صاعق ومباغت شنته السلطة البتراء على طرف سياسي أساسي في البلاد، له قوة تمثيله الراجحة (حتى من دون سلاحه)، من دون سابق إنذار، ومن دون مبررات مقنعة والأخطر: مع «الوعي» الأكيد بأن هذا الطرف السياسي لن يسكت ـ مرة أخرى ـ على استهدافه وإلقاء الحرم عليه، ومعاملته وكأنه «جماعة من الطفار»، خارجة على «الدولة» وقوانينها وقد ضبطت بالجرم المشهود وهي «تستولي» على المال العام بوجه غير شرعي.

ومع وقوع «حزب الله» وحلفائه في محظور شهر السلاح في الداخل، كان بديهياً أن تستعاد الاتهامات ذات المصادر المتعددة عربياً ودولياً، والتي تنكر عليه «لبنانيته» بالمطلق، فتجعله «إيرانياً» بدليل «شيعيته»، وتجعله طليعة مقاتلة لمؤامرة ضم لبنان إلى المحور الإيراني ـ السوري، وتحمّله المسؤولية عن الفتنة المذهبية التي ستحوّل لبنان إلى «عراق جديد» (مع تناسي الاحتلال الأميركي للعراق ومسؤوليته المباشرة عن المذبحة اليومية المفتوحة فيه منذ خمس سنوات، والتي أودت بحياة أكثر من مليون من أبنائه وشرّدت أكثر من خمسة ملايين في أربع رياح الأرض…).

لكن هذه «النتيجة» كانت متوقعة، بل ومؤكدة، فلماذا واصلت السلطة استفزاز هذا التنظيم السياسي الأكبر والأقوى في لبنان، والمعزز برصيده الجهادي كمقاومة ذات دور مجيد في تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي، في العام ألفين، والتي تصدت للحرب الإسرائيلية الباهظة الأكلاف ـ في الإنسان والعمران ـ صيف العام 2006؟!

لم يكن القرار الهمايوني الذي استصدرته السلطة بغير وعي لنتائجه، كما تدّعي الآن، مجرد إجراء روتيني ملح، ولا كانت له «ضرورات الدولة»، وحماية مصالحها

ثم إنه لم يسقط فجأة كصاعقة من سماء صافية، دولياً بالأساس، وعربياً بالتغطية لتوظيف «المذهبي» في طمس ما هو «سياسي».

وبالتالي فقد كان منطقياً أن يعتبر «حزب الله» هذا القرار مقدمة مطلوبة، تفرضها «ضرورة عربية» معلنة بتجريمه ومحاسبته بل «جرجرته» أمام ما يسمى «المجتمع الدولي»، والذي

تسهِّل الهيمنة الأميركية على «مجلس الأمن» تحويل قراره الشهير (1559) إلى «محاكمة» ومن ثم «إدانة دولية» تحظى بتأييد عربي واسع، يبرر «للسلطة» القائمة أن تقدمه إلى «العدالة» ليس فقط كعصابة خارجة على القانون تهدد السلامة العامة، بل أساساً بوصفه طرفاً في «معسكر الشر» جنباً إلى جنب مع إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وصرب البوسنة!

يغدو «حزب الله» هو مَن أفشل المبادرة العربية، والدعوات إلى الحوار، وانتخاب العماد ميشال سليمان المتوافق عليه عربياً (وحتى دولياً؟!!) رئيساً للجمهورية، وقانون الستين للانتخابات النيابية، وارتفاع أسعار النفط وكلفة الحياة اليومية في لبنان، وشلل الدولة المنذر بتفككها، وأزمة «السلطة» المنشقة على ذاتها في فلسطين، والأحوال الحرجة التي يعيشها عسكر الاحتلال الأميركي في العراق، وأزمة الحكم في إسرائيل التي تنغص عليها بهاء الاحتفال الخارق بالذكرى الستين لاغتصابها فلسطين وتمزيق «خريطة الطريق» ومقررات مؤتمر أنابوليس التي كادت تعيد إلى الشعب الفلسطيني كامل حقوقه في أرضه!!

كل هذا لا يعفي الطرف السياسي الذي حوصر وطورد بتهم تمس وطنيته (ودينه؟)، من المسؤولية عن «التجاوزات» التي وقعت خلال عمليته الاعتراضية على هجوم صاعق كان يستهدف إحراجه لإخراجه إلى حيث يغدو «مطلوباً للعدالة»…

لكن الأمانة تقضي أن تتم المحاسبة على المقدمات، قبل الشروع في إدانة النتائج، و«البادئ أظلم» دائماً… من دون أن يعني هذا تجاهل ما رافق عملية الاعتراض المسلح من ارتكابات أو أخطاء فادحة، ولكنها وقعت، وإن ظلت المسؤولية ـ بالأصل ـ على من فرض هذا الإجراء المكروه، مبدئياً، والذي أراد تحويل «حزب الله» من طرف وطني، مقاوم، شرعي وصاحب دور في الحياة العامة يتناسب مع حجم تمثيله الشعبي، فضلاً عن إنجازه الباهر الذي سيظل نقطة تحول في تاريخ هذه المنطقة من العالم… وبعنوان لبناني ـ عربي، كائناً ما كان حجم الدعم الإيراني فضلاً عن السوري له.

وفي مجال الدعم الخارجي هل من حاجة إلى التساؤل عمن يبقي هذه السلطة البتراء قائمة في لبنان الذي ينزف أهله وموارده وحقه في مستقبل يليق بقدرة شعبه على الإنجاز؟!

آخر الأخبار أن المدمرة كول ستسبق بعثة المساعي العربية الحميدة إلى بيروت، مرة أخرى!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى