صفحات الناس

مؤامرة غربية أخرى على أسرتنا:تريد لنا أن لا نضرب أبناءنا

null


دلال البزري

«سمع الجيران صوت صرخات متتالية وتأوهات لا تنقطع. لم يستطع الجار تحمل كل هذه الاصوات (…) فقرر ان يفعل شيئا (…) رنّ جرس باب جاره الذي تخرج من عنده الاصوات. بعد لحظة فتح شخص طويل وعريض تبدو عليه علامات عامل حرفي. فقال له الجار المتضرر «لو سمحت، عندي ولد في الثانوية العامة. من فضلك الاصوات مزعجة جدا». فقال له العامل «أعمل إيه؟ ما هي بنت كلب مش عاوزة تتربى». فقال له الجار»لو سمحت ربّيها من غير صوت».

لكن ما ان اغلق الجار عليه باب شقته حتى عادت الاصوات اكثر مما كانت عليه. فلم يجد بدا من ابلاغ النجدة. فجاءت كعادتها متأخرة خمس ساعات. دخل الضابط شقة العامل فوجد طفلة عمرها 9 سنوات معلقة بجنزير بسقف الصالة، وقد تدلت يداها وقدماها من فرط الاعياء وجسمها يتدلى من السقف.

انزلها الضابط ومن معه من عساكر في حين جلس الاب يدخن (…) استفاقت البنت، وما ان رأت الضابط حتى صاحت في وجهه وقالت «عايزة خالو!». سألها عن تلفونه، فاخبرته به، ثم انطلق الجميع الى قسم الشرطة.

هناك، اخذ الضابط تعهدا من الخال بعدم التعرّض للأب الحرَفي، ثم تركوا البنت يسحبها والدها مذعورة تنظر الى خالها والى الضابط الذي ظنت انه جاء ليحميها. فاذا به يسلمها طواعية للمعتدي ويحذر «الخال» الحنون من الاقتراب من منزل الطفلة.

كيف حدث هذا؟ لأن الاب قال للضابط «انا بربّيها يا باشا… دي بنت، وحضرتك عارف يعني ايه بنت». فهز الضابط رأسه المنكس اشارة للفهم» (الفجر.7/4/2008).

القصة عادية. تحصل في البيوت. والأقل منها في الساحات. لكن المهم ان العنف واحد. الاطفال يُضربون من غير حساب. آباء وامهات كثيرون ضالعون. كذلك ارباب العمل من اصحاب الورش والبسطات والمحاجر والكسارات وفي الزراعة (مركز الارض لحقوق الانسان).

الاطفال معنّفون في اولى دوائر حياتهم. في العائلة. «أطفال الشوارع» تضيق بهم الازقة والجسور. ويتباكى عليهم نجوم الفن والمسؤولون ورئيسات اندية الخير الراقية. هؤلاء الاطفال هم الهاربون الاول من العنف الاسري؛ من الضرب والتعذيب الاسرييين… بذريعة «التأديب».

صفحات الحوادث لا تغطي الا نهاية حياة هؤلاء الاطفال على يد جلاديهم من الآباء او الامهات (نعم الامهات). انه عنف معمّم. عنف منذ نعومة الأظافر. عنف يؤدّب من سيكون اعنف واعنف. وهكذا.

المجلس القومي للامومة والطفولة استشعر هذا الخطر. فتقدم بمشروع «قانون الطفل»، يتضمن بندا هو البند السابع يجرّم الآباء الذين يضربون ابناءهم ويعاقبهم بالسجن ستة اشهر. هكذا كان نقاش في اللجنة التشريعية التابعة للبرلمان؛ وحدث في داخلها ما لا يحدث عادة: اتفق نواب الحزب الوطني الحاكم ونواب «الاخوان المسلمين» المعارضين على رفض تجريم ضرب الاطفال. فسحبوه من البند، وافرغوا هذا الاخير من مضمونه؛ وحوّلوه عمليا الى موعظة حسنة عن حسن معاملة الاطفال.

بل كان من ابرز المحتجين على تجريم ضرب الاطفال نائب «مستقل»، معروف بغوغائيته. وقد اكد انه سيضرب ابناءه «لتربيتهم»؛ موضحاً: «من يستطيع سجني فليفعل، لأنني أربّي ابني!». وكان منتظرا مثلا من النائبتين في اللجنة ان تحركهما غريزة الامومة، ان تشجّعهما على «الضرّيبة». لكن شيئا من ذلك لم يحدث. القلوب الحنونة وقفت مع الضرب.

اما «الاخوان المسلمون»، فقد شن موقعهم الالكتروني حملة على المادة 7. فحاور شيوخا من الازهر وقد استند بعضهم الى احاديث شريفة لإجازة الضرب. برأيهم ان «الاسلام اعطى للوالدين الحق بتأديب الابناء وتعنيفهم وضربهم بغية مصلحتهم وصلاحهم». دافعوا عن ضرب الابناء. لكنهم «حذروا» من «الضرب المبرح الذي يفقد الطفل احد اعضائه او يحدث فيه عاهة دائمة او يترك فيه أثرا يحتاج الى علاج».مجرد تحذير من الحدود القصوى للعنف. بعد العاهة المستديمة، لم يذكروا مآلا آخر لهذه الحدود، أي الموت.

ثم بعد ذلك، نسب الشيوخ التعديلات المقترحة في مشروع «قانون الطفل» الى «هجمة العولمة ومؤتمر السكان، واهدافها صبغ مجتمعنا بالصبغة الغربية»؛ متابعين ان بند تجريم ضرب الابناء «يُصدر الينا من الغرب بعد ان طبّقه وافسد ابناءهم تماماً». فالمقصود من وراء هذا البند «هدم بنيان الاسرة المسلمة».

ماذا نلاحظ؟ اولا: ان العداء البدائي للغرب تحول عندنا الى قلعة حصينة للدفاع عن اقوى ما يعتري مجتمعاتنا وثقافتنا من نقاط ضعف وهوان. وأكثر هذه النقاط تحصّنا وحصانة هو ذاك التصور للقوة المقتصر على الايذاء الجسدي المباشر. القوة بالصراخ، بالضرب، بالقتل. في هذه الحالة شيء من الهستيريا. شيء من التخبّط خلف قلعة حصينة من الهوان، مطمئنة الى هوانها وهستيريتها.

ثانياً: الذين نجحوا بإزالة عقوبة التجريم في البند 7 من مشروع الطفل هم من الد الاعداء في السياسة: أي نواب من «الاخوان المسلمين» و نواب من «الحزب الوطني» الحاكم. أضف اليهم «المستقلين».

لكن الصراع السياسي لا يفسد لودّ العنف قضية. لا اتهام الحكومة لـ«الإخوان المسلمين» بأنهم مجموعة محظورة تستغل العواطف الدينية للوصول الى السلطة؛ ولا إتهام «الاخوان» للحكومة بأن ممارساتها «قمعية واستبدادية». كلهم اجمعوا على ضرورة تعنيف الابناء من اجل تأديبهم. وعبروا بذلك عن البنية الذهنية الثقافية نفسها. بنية القهر والعنف والتسلّط. هؤلاء هم نواب الأمة. الموالون منهم والمعارضون، فضلا عن النساء و»المستقلين». متشابهون، متطابقون. هذا هو الذنب الحقيقي للطفولة.

الحياة – 13/04/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى