البور نو في سجن تدمر
حسن الهويدي
ليلة تشرينه من ليالي سجن تدمر ، سجن الموت ، سجن العذاب ، في الخامس عشر من تشرين الثاني من عام 1990الباحة الثانية المهجع الحادي عشر ، بينما كنت أدي واجب الدور في خفارة المهجع الليلية من الساعة الثانية ليلا حتى الساعة الرابعة صباحا ، كان الطقس باردا جدا، ثيابي مهترئة قميصي الداخلي ممزق،
سروالي الداخلي نصفه من القماش والنصف الأخر مرقع من أكياس النايلون الذي صنعته بيدي ، بنطالي لا تكاد ان تعرف قماشه الأصلي من الرقع التي أضفتها له احمر اصفر وازرق أصبحت ألوانه كقوس قزح ، أحببته جدا كان يداعب جسدي ويستر عورتي ، ويحمني بعض الشيء من سياط الجلادين ،كل صباح اجلس مستمتعا بما أضيف إليه من قطع القماش المهترئة المتوفرة بين يدي، والتي كنت اجمعها أثناء تنظيف الباحة والباحات المجاورة حيث كنت أضعها وأخبئها بفمي وأبتلعها خوفا أن يراني الشرطي وحراس السجن ورغم التعذيب الذي أتعرض له أثنائها بالسياط والرفس ومطارق الحديد وأغصان النخيل الصلبة ، انتظر يوم او يومين حيث يحين موعد دخولي إلى الحمام ،أتغوط فتخرج ,اغسلها بالماء فقط لعدم توفر الصابون كي أخفف عنها الرائحة آخذ منها حاجتي وأتبرع فيما تبقى منها لمن هو بحاجة إلى ترقيع ثيابه من السجناء ،و اصنع الخيط من أكياس النايلون والإبرة اصنعها من عظم الضان حيث كنت أتقن ثقب العظم بدقة فائقة مما جعلني متميزا بصناعتها .
لم اعد استطع تحمل سطوة البرد القارس التي تحطم عظامي ،كورت نفسي لعلي أحظى بشيء من الدفء والخوف يدب في جسدي المحطم من الشرطي الذي يمر بي في كل لحظة ، ينادي: ..ابن القحبة أبن الشرموطة ..حرس ليلي (تعا لهون )*– يا اخو الشلكة نايم مش هيك بحظي لدق في أمك وخيتك… سرعان ما ألبي النداء دون أي ممانعة وأكون تحت الشراقة بسرعة تفوق أي تصور ، أؤدي له التحية العسكرية … بحاضر سيدي ، أنا تحت امرك سيدي ، يأمرني الانبطاح أرضا وصب الماء البارد على جسدي بنفسي ثم يذهب، ويعود مرة أخرى يعاود الكرة معي ثانية وثالثة إلى أن ينهي وقتا من نوبة الحراسة ، كنت سريع الاستجابة معه خوفا أن ينادي رئيس المهجع ويعلمني ،بينما كنت ارتجف بردا وقبل نهاية خفارتي بنصف ساعة نادى بي وطلب مني الذهاب إلى الحمام ، ذهبت دون أي اعتراض ولم يكن بمقدوري أن اعترض ، الاعتراض لأوامره لا يعني الموت السريع فقط بل الموت ببطء شديد ويمارس بحقي كل أنواع التعذيب وفنونه لو كان الموت السريع يتحقق لرفضت أوامره دون أي تردد. حدثني بهمس شديد وتودد لي وطلب مني أن اخلع كل ثيابي، بدأت بخلع ثيابي وهي عبارة عن بنطال وسترة ثم خلعت سروالي الداخلي بهدوء خوفا أن يتمزق وأصبحت عاريا كما ربي خلقني ، أمرني الشرطي أن استلقي على ظهري وأغمض عيني وأن تكون ساقي مفتوحتين بزاوية منفرجة ، قال لي مدّ يدك وامسكْ به ..أمسكت به .. قال لي داعبه حتى ينتصب ،لم افلح من شدة البرد لم اعد اشعر به ولا بجسدي ا لمتجمد الخائف
قال لي : بحظي أزا ما فززتة وانتصب ، لخليك تموت على كيفي مفهوم يا عرصى
– مفهموم سيدي ..
– داعبته ..و داعبته إلى أن انتصب قليلا..
– قال : منبطحا…. واقفا .. نفذت الأمر دون ان أتفوه ببنت شفه فرحت كثيرا حينها ظننت أن أنجو من اللعب فيه ويكتفي بعقابي هكذا .. صاح وقف باستعداد يا شرموط ،.. وقفت وأنا ارغب أن أجعله يشعر أنني أنفذ أوامره بدقة متناهية أرضاء لغروره وما يعكسه فيما تربى عليه من قبل قادته العسكريين وشعوره بالذل أمامهم.. والشذوذ
– قال: ليك بدك تعمل وأنت عم تمسك فيه وبشرف أمي اذا بتتريكه راح اقطعه بالحربة نصين – نص أحطه في تمك (فمك) والنص الثاني في غوط أمك، يا..لنشوف منبطحاَ ………واقفاَ ……منبطحا أيري في غوط أمك يا أبن الشرموطة
– نفذت أوامره حرفيا ، إذا لم يكن أدائي جيدا لن يكون راضيا عني سوف ينفذ ما يقول، كثر هم من السجناء فقئت أعينهم وآخرون جدعت انفوهم وأذنيهم وقلع الأسنان والأظافر ، و يتم ذلك اثناء التعذيب بالحراب أو الملاقط الحديدية ك البانسة وشفرات الحلاقة (ناسيت) *
– صمت قيلا .. فذهب ..ثم عاد و قال: ارفع رجليك عاليا
– رفعتهما وأمرني أن ازحف وأنا في تلك الوضعية نحو حوض إسمنتي وطلب مني أن اسند حافة قدمي عليه بحيث تصبح وضعية جسدي من ناحية الخصر مرتفعة بعض الشيء
– العب فيه
– لعبت فيه حتى ..لم اشعر بصرخة جسدي المنتشي
– شو ارتحت يا عرص مش هيك ..بحظي بكرة بدي العب مع خيتك.. الناس نيام داخل المهجع صاح بصوت قوي رئيس مهجع يا ابن الشرموط ما عم تسمع
– سرعان ما حضر رئيس المهجع (خالد)*وقدم التحية
– حاضر سيدي أنا تحت أمرك ..تحت أمري يا أبن القبحة ماهيك ولك أنا سيدك خصبا عن اللي خلفك أيري في غوط أبوك شرموط ..اسمع ولاه هيدا الكلب (معلم *) شو… معلم.. سيدي بكرا لمن يفتح الرقيب الباب تطالعوا عل الباحة . تعرف لشو ..اعرف سيدي… عشان بدي اخلي كل البلدية يدقوه مفهوم
– مفهوم سيدي
– وبيتم هيك حتى الصبح ويا ويلك وسواد ليلك أز بجي وما بلاقيه على الوضعية
– انقلع عل المهجع أخو الشلكة
– يخاطبني ..وهنت ولا… حرس ليلي بحظي بكرة لخليك عبرة حتى تتعلم في المرة الجايه كيف تعمل هيك بشكل منيح
– انتهت نوبة حراسته .
أما انا ما زلت منبطحا على الأرض المبللة عاري الجسد ،وبرد الصبح يلفح الدموع التي تسيل من عيني لتعبر خدي إلى عنقي فتسقط على الأرض وتتجمد ، دروب الصحراء تمتد من حولي بشكل عشوائي
حزينة تناجي السماء ، كفني الأبيض بعيد عن جسدي ، انقبضت أحشاني وشعرت ان قرباع يضغط على قلبي بأصابع قوية ، ويتبدد حلم النهار على ضفتي الفرات ويرتطم بسيقان القصب وجذوع أشجار النخيل وأعمدة معبد بل ، وتضيع أحلامي مع الريح وسط كثبان الرمل المتحركة تصبغها الدماء حاملة على متنها جثة سجين فقئت عيناه وقص طرف لسانه ، مزمار الراعي خفيف الوقع كأنه يمتطي غيمة تحيط بها كوكبة من النجوم وتخترق المدى الشاسع أمامي في تصاعد تدريجي ،صمت الصراخ والموت يخيم على السجن، روحي ملجومة في جو ساحر من الأحزان ، للصوص الصحراء سرقوني من فراش أمي الحنون الدافئ ،من صباحاتي الجميلة ، وكوكو الفجرية من حنجرة فيروز، من جوادي ومهري الأصيل من شعلة الحب إلى صحراء تحرسها ذئاب مفترسة …
*(تعا لهون ) للمناداة تعال إلى هنا
*(ناسيت) ماركة عالمية لشفرات الحلاقة صنع انكلترا
*(خالد) خالد رحيم العبد من محافظة الرقة سجين ورئيس مهجع رقم 11 في الباحة الثانية سجن من عام 1987 ولغاية 1995 أصيب بمرض عضال وامتنعت السلطات السورية من تقديم العلاج له استشهد في رمضان عام 2007 بعد معاناة طويلة مع المرض
*(معلم) رقم يعطى للسجين من أجل تعذيبه من قبل السجان
يتبع ….
معتقل سياسي سابق
خاص – صفحات سورية –