قضية فلسطين

المأزق والمنزلق

سعد محيو
فتح وحماس، كلاهما معاً، في مأزق استراتيجي ومنزلق مفهومي أو فكري (إذا جاز التعبير).
الأولى لا تستطيع التقدم إلى أمام نحو الدولة الفلسطينية وفق أوسلو، على رغم الدعم الأمريكي والأوروبي الهائل لها، بسبب الرفض “الإسرائيلي” لذلك. والثانية لا يمكنها التراجع (حتى الآن على الأقل) إلى ما قبل انتخابات 2007 التي جعلتها تتذوق طعم السلطة (وإن كانت هذه سلطة مغمسة بمرقة أوسلو المسمومة).
هذا على الصعيد الاستراتيجي. أما على المستوى المفهومي، فواضح أن كلا الطرفين، أو على الأقل أحدهما، في حاجة إلى تغيير “أنموذجه الفكري” كي يستطيع الإمساك (حماس) أو إعادة الإمساك (فتح) بمقاليد قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
الأنموذج الفلسطيني الجديد يجب أن يتخطى مشروع الدولتين الذي سيطر على جدول الأعمال الفلسطيني طيلة نيف ونصف قرن، والذي تبنته فتح علناً وحماس ضمناً، كما يجب أن يتجاوز استراتيجيتين متباينتين ثبت عدم نجاعتهما معاً: الكفاح المسلح (عبر الصواريخ أساساً) للتحرير، والكفاح التفاوضي لتحقيق التسوية.
مشروع الدولتين مات وانقضى الأمر، وبات لزاماً دفن كل مفاهيم الأنموذج الذي انبثق منه هذا المشروع، بما في ذلك استراتيجيتي الكفاحين المسلح والتفاوضي اللتين استهدفتا إقامة دولة فلسطينية وفق حدود 1967.
والبديل؟
إنه يتلخّص في ثلاث: الهدنات، والبناء، والتعبئة:
1 الهدنات أو التهدئات مطلوبة هنا بكل أنواعها، وليس فقط مع “إسرائيل” بل مع الذات أيضاً، أي بين الفلسطينيين أنفسهم. وهذا ممكن إذا اعترفت حماس وفتح بالأمر الواقع المتعلق بوفاة مشروع الدولتين، وتحركتا نحو تجاوزه.
2 والبناء المقصود هو بث الروح مجدداً في منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها المؤسسة الوحيدة التي أثبتت منذ تأسيسها العام ،1964 ثم منذ انتقال زعامتها سلماً من أحمد الشقيري ويحيى حمودة إلى ياسر عرفات، أنها قادرة على لم شعث الشعب الفلسطيني في الداخل كما في المنافي.
3 أما التعبئة فهي تتعلق ليس فقط بإعادة حشد وتوحيد فئات الشعب الفلسطيني، بل أيضاً بإعادة حشد وتعبئة الشعوب العربية وراء القضية الفلسطينية، استعداداً وانتظاراً لبزوغ موازين قوى دولية جديدة ستغيّر كل معايير ومستويات الصراع في الشرق الأوسط. وهي موازين آتية لاريب فيها، وقريباً.
هل يعني كل ذلك دعوة إلى إدارة الظهر للمقاومة على أنواعها؟
كلا، البتة. لكن هذه المرة ستندرج هذه المقاومة في إطار استراتيجية عليا تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الفلسطينية والعربية والدولية الراهنة، وتكيّف أشكال المقاومة (من العمليات العسكرية إلى الانتفاضات السلمية) على أساسها.
“إسرائيل”، بكل أحزابها من اليمين والوسط واليسار (أوما تبقى من اليسار)، دخلت بنجاح مرحلة ما بعد مشروع الدولتين، وبلورت خططاً للمرحلة الجديدة تترواح بين الترانسفير (ليبرمان)، وضم نصف الضفة إلى الأردن ونصف غزة إلى مصر (ليفني)، وإقامة بانتوستات اقتصادية لفلسطينيي الضفة (نتنياهو).
وإذا لم تنجح الفصائل الفلسطينية (عدا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) في دخول هذه المرحلة الجديدة بنجاح مماثل وواصلت التقاتل على سرابات سلطة أوسلو، فسيكون على قوى حركة التحرر العربية التي تعيد تشكيل نفسها الآن أن تأخذ زمام المبادرة لإنقاذ فلسطين من الفلسطينيين.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى