أيها المثقفون العرب ليس لكم إلا المحاكم الدولية
حسن صبرا
هذا عصر المحاكمات الدولية او الجنائية او الخاصة او محكمة العدل الدولية او المختلطة.. فكلها انشئت في محاولة لمعاقبة المعتدي او المجرم او الجناة.. على شعب بأكمله او على مجموعة معينة او على خصوم سياسيين، سواء كان الجناة او المجرم من الشعب المعتدى عليه او المجموعة المضطهدة او المبادة، او من شعب آخر او من دين آخر او من قبيلة منافسة.. وسواء مرّت سنوات قليلة على هذه الجرائم المستمرة كما في السودان او مرّ ربع قرن عليها كما في كمبوديا او اكثر في تشيلي.
كل المحاكمات شكلت حتى الآن لمحاكمة جناة طالت عملياتهم الإرعابية مجموعات وليس افراداً كما في رواندا التي أبيد فيها مئات الآلاف او في كمبوديا التي أبيد فيها ملايين، او في دارفور التي قتل فيها عشرات الآلاف او في تشاد كذلك او في يوغوسلافيا او في تشيلي.
لكن،
محاكمة لبنان الخاصة شكلت في الأصل لمحاكمة قتلة شخصية واحدة هي الرئيس المظلوم رفيق الحريري ورفاقه الـ 22 وبينهم نائب ووزير سابق هو باسل فليحان ثم توسعت مهماتها بالتحقيق لتطال ما قبله من محاولة اغتيال لمروان حماده الى بقية الذين سقطوا من نواب ووزراء وشخصيات اعلامية وفكرية ووطنية عامة.. حيث ضم ملف هؤلاء جميعاً الى المحكمة الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
كل القصد بعد هذه المقدمة هو دعوة العرب جميعاً خاصة المثقفين والسياسيين والاعلاميين والكتاب الى حشد التأييد والدعم لهذه المحاكمات او لمثلها تحقيقاً للعدالة التي طالما شكونا جميعاً كعرب من غيابها خاصة في قضايانا السياسية القومية والوطنية بل والداخلية كذلك حتى لو طالت حتى الآن بلدين عربيين هما السودان وسوريا يحكمهما نظامان عسكريان برئاسة عمر البشير وبشار الأسد.
صحيح،
ان أول تعليق سيطلقه أي مثقف عربي تناديه دعوة تحقيق العدالة في كل مكان سيكون: قد يتم تحقيق العدالة في أي مكان وتجاه أي دولة.. لكنه من المستحيل تحقيقها في مواجهة العدو الصهيوني الذي يغطرس ويعتدي وهو أقام دولة غاصبة على أرض ليست أرضه فطرد أهلها منها واحتل أراضي دول مجاورة، وما يـزال يعتدي بالتفوق وهو يمتلك اسلحة الدمار الشامل ومدعوم من الغرب ومن الولايات المتحدة تحديداً، ويملك قنابل نووية كافية لتدمير 200 مدينة عربية، وارتكب مجازر فعلية ضد العرب (دير ياسين وغزة في فلسطين، السموع في الاردن، بحر البقر وأبو زعبل في مصر، قانا والمنصوري وصبرا وشاتيلا في لبنان..).
ولأجل هذا كله، وحتى لا تنجو اسرائيل من كل عقاب تستحقه بسبب جرائمها السابقة واللاحقة، فإن العرب أدعى للمطالبة بأن يسود منطق العدالة المجردة للنيل من اسرائيل.. والعرب يعرفون بأن زمن الهروب من الحساب قد ولّى، والزمن الذي كانت فيه اسرائيل تقدم نفسها للدنيا انها الضحية، وان العرب هم الجناة بدأ بالتغير منذ سنوات، ولولا سلوك حركة ((حماس)) تحديداً في فلسطين وعملياتها التي قتلت مدنيين في الكيان الصهيوني (بغض النظر عن تعريف المدني من غير المدني في هذا المجتمع..) لكانت اسرائيل مدانة، اكثر في كل اعلام الغرب نفسه.. ولنتذكر كيف هزلت سمعة هذا الكيان في اعلام الغرب حين سطر اطفال الحجارة بطولة مواجهة المعتدي المدجج بالسلاح بقبضاتهم الطرية وصدورهم العارية، وكيف فضح الاعلام الغربي – وليس العربي – نظرية اسحق رابين بسحق مرافق الاطفال حتى اضطر الى التراجع عنها، وكيف صنعت انتفاضة الحجارة محاولة تأسيس أول دولة فلسطينية في التاريخ بقيادة ياسر عرفات.
ولنتذكر ايضاً كيف كان مجرم الحرب ارييل شارون مهدداً بالمثول امام محكمة بلجيكية لمحاكمته على جرائمه في مخيمي صبرا وشاتيلا جنوبي بيروت، لولا مسارعة نظام الاسد الى قتل الشاهد المتهم في هذه المجزرة ايلي حبيقة خدمة للعدو الصهيوني، تماماً مثلما قتل عماد مغنية خدمة لاسرائيل نفسها.
العرب الآن مطالبون بتأييد المحاكم الدولية التي لا يتم انشاؤها عبثاً ولا ارتجالاً بل بعد بحث وتحريات وتدقيق يستمر سنوات يقوم بها اهم محققي العالم ويشرف ويحاكم بها اهم وأنـزه وأكفأ قضاة العالم.
وهم مطالبون بتأييدها بعد ان عجزوا كمواطنين من التخلص من ارعاب وجرائم وسرقات ونهب حكامهم، وبعد ان فشلوا في دفع هؤلاء الحكام الى تحسين ولو قليلاً من سلوكهم، وبعد ان عجزوا عن التخفيف من عمليات النهب المنظم والفوضوي لأموالهم ومصالحهم واقتصادهم ليصبح الوطن كله ملكاً للحاكم وأتباعه سواء في عائلته او حولها..
ولو كان هناك محاكم او مثال لها او قضاء لما تمادى صدام حسين في جرائمه ضد شعبه، ولما تمادى حافظ الاسد وابنه بشار فيما يفعله بالشعوب العربية في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق..
الآن،
هذه محكمة جنائية دولية لمحاكمة عمر البشير بعد ان تمادى في سياسة أدت الى مجازر في كل السودان، وها هي تهدد وحدته في انفصال قريب بين الشمال والجنوب، ثم بين الشمال والغرب، ثم انفصال آخر بين الشمال والشرق.. وتهدد الوطن السوداني بحروب اهلية.. وها هو يهدد بإشعال السودان اذا تمت ملاحقته للإعتقال بناء على طلب مدع عام دولي اسمه لويس اومانو اوكامبو.
لقد اعلن البشير ان هذه المحكمة تافهة.. تماماً كما قال فاروق الشرع ان القرار الدولي 1559 تافه ثم انسحب معلمه قسراً من لبنان بناءً على هذا القرار كما قال الأسد الإبن نفسه.
المحاكم الدولية بأي شكل من أشكالها يجب ان تكون مطلباً عربياً شعبياً يقوده المثقفون والمناضلون.. وكل ما عليهم هو جمع الأدلة والوثائق عن الجرائم التي يرتكبها حكامهم حتى يؤدبوهم او يدفعوهم للتراجع او تقديمهم للمحاكمة الفعلية على جرائم ارتكبوها.
وليتذكر المثقفون العرب للمرة الاخيرة ان اسرائيل واميركا وروسيا كانوا وما زالوا ضد انشاء المحكمة الجنائية الدولية التي ستحاكم عمر البشير بسبب خوف اسرائيل من المحاسبة على جرائمها وخوف اميركا من المحاسبة على ما ارتكبته ضد شعوب العالم وخوف روسيا الحديثة على جرائمها في الشيشان.
انهم يخافون من جرائم ارتكبوها.. والحكام العرب كذلك، فلماذا يخشى المثقفون العرب ذلك.. هل ينتظرون احتلالاً اميركياً لبلد عربي ما لينقذ أهله ويسبب المآسي التي سببها احتلال العراق.. مثلاً.
الشراع