مشروع المهمات البرنامجية المرحلية
تجمع اليسار الماركسي في سوريا
معايير و نواظم إستراتيجية للأهداف و التوجهات البرنامجية المرحلية:
في السياق التاريخي الذي نناضل فيه لتحقيق مستقبل إنساني مزدهر لشعبنا السوري ووطننا العربي و البشرية ككل، يداً بيدٍ مع كل الشعوب و القوى المعنية بهذا المستقبل، حيث يتمتع البشر بأوسع إطار من الحرية، و من الثقافة و الرقي المعرفي و المسلكي والأخلاقي، كما يتمتعون بإشباع حاجاتهم المادية و الروحية، عبر إقامة النظام الذي ينهي استغلال الإنسان للإنسان ،و ينهي اغترابه عن شروط وجوده و عن عمله، و استلابه لحاجات الحياة الأساسية و المسيطرين عليها عبر تملكهم و سيطرتهم على قوى ووسائل الإنتاج،. و نعني إقامة النظام الاشتراكي، نظام الحرية الأعلى، و الثراء الأوفر، و التطور المفتوح الآفاق.
في هذا السياق الذي يشكل بالنسبة لنا التزاماً أعلى لا محيد عنه، لا بد من وضع تصور للمهام البرنامجية المرحلية التي تنطلق من الواقع الملموس اليوم، بكل تخلفه و مصاعبه و تعقيداته، و تهدف إلى نقله خطوة أو خطوات إلى الأمام في سياق استكمال مهام المرحلة الوطنية – الديمقراطية، و بهدي و اتجاه الأهداف العليا لشعبنا و طبقتنا العاملة.
لقد بينت التجربة الملموسة خلال القرن العشرين في بلادنا وسائر البلدان العربية(إن لم نقل في عموم أو معظم بلدان العالم التابع أيضاً)أن البورجوازية المحلية ،التي تكوَنت بعد ظهور الإمبرياليات الغربية،عاجزة بقواها الخاصة عن انجاز المهام التي أنجزتها البورجوازية الأوروبية في بلادها خلال عصر صعودها و نهضتها(التنمية والنهضة الصناعية-تطوير قوى الإنتاج الوطنية بصورة مستقلة-العلمانية وفصل الدين عن الدولة-إقامة الدولة القومية على كامل التراب الوطني-تحقيق الاندماج الاجتماعي الداخلي وبناء الأمة/الدولة- إقامة النظام الديمقراطي التداولي)وذلك لأسباب باتت معروفة ولا لزوم لإعادة سردها هنا،وأنه لابد بالتالي لإنجاز تلك المهام من دور فاعل ورئيسي للطبقة العاملة والطبقات الشعبية وأحزابها بالتشارك والتعاون والتحالف(إذا أمكن)مع طبقات وفئات اجتماعية أخرى وأحزابها ضمن تحالف وطني عريض يسعى للتغيير الوطني الديمقراطي لدفع مسار التطور التاريخي في البلاد نحو انجاز هذه المهام،والحيلولة دون انحراف المجتمع والوطن في طريق التطور التابع والملحق بالبلدان الإمبريالية،والذي لا يحل أياً من المهام التاريخية المنشودة بالكيفية التي تخدم الشعب والبلاد بل بما يخدم مصالح المراكز الإمبريالية وبعض البورجوازية المحلية حصراً ويخلق قدراً هائلاً من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لا مخرج منها إلا بتجنبه وإعادة مسار التطور إلى الطريق الذي يعالج المشاكل والتحديات المطروحة على الوطن ككل وعلى قوى المجتمع كافة بما فيها شرائح البورجوازية المعنية بالإنتاج المادي الوطني وليس بالسمسرة والوساطة والتطفل.
و في هذا السياق، لا بد من التأكيد على جملة من المبادئ و المهام التي تحكم هذا النضال و توجهه، و تكسبه صفات و خصائص ضرورية، توضح بعض جوانب ماهيته، و تؤسس لإنجاح مشروعه التاريخي و تحقيق أهدافه في الارتقاء بحياة الشعب و الطبقة العاملة و حلفائها، والوطن ككل، و إغناء هذه الحياة بكل ما هو ضروري لها مادياً و معنوياً، في صيرورة يقرر التاريخ و البشر الذين يصنعونه، مداها الزمني و متطلبات نجاحها و تكاليفها، بكل المعاني.
1. إن الهدف الأساسي للاشتراكية هو سعادة الإنسان المادية و الروحية، و لأن مشروع الطبقة العاملة التاريخي هو المشروع الأكثر إنسانية، فإن ذلك يحتم النضال من أجل حماية و احترام حقوق الإنسان على طول الخط و بصورة دائمة.
2. يحتل العمل و النضال لنشر و دعم الثقافة الديمقراطية الوطنية و القومية و الاجتماعية موقعاً مبدئياً ملزماً على طول الخط،و بالمقابل فإن محاربة الجهل و التعصب و التزمت و الانغلاق هو مسؤولية أكيدة و شرط لازم لارتقاء المجتمع و تجاوز تخلفه التاريخي، ومثل ذلك الكفاح ضد الوعي و الممارسة التي تكرس أو تخدم الطائفية أو العشائرية أو التعصب القومي أو الديني أو العرقي.
3. إن العمل الدؤوب لنشر ثقافة المواطنة، و مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات، مساواة حقيقية يحميها القانون و الدولة بصرف النظر عن القومية و الدين و الطائفة و العرق و العشيرة… الخ، كما يحميها الوعي الديمقراطي للمواطنين و دفاعهم عن حقوقهم الديمقراطية، هو مسؤولية مبدئية واجبة على كل مواطن.
4. تشكل إقامة دولة القانون و المواطنة المتساوية، أحد الأهداف العليا للمهام البرنامجية المرحلية، و هي الدولة التي يمكن وصفها بأنها دولة المجتمع الديمقراطية، التي يكون الشعب فيها مصدر السلطات، و التي يحكمها مبدأ فصل السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية عن بعضها، و منع طغيان بعضها على بعضها الآخر، و التي يتم فيها خضوع الأقلية السياسية لإرادة الأكثرية السياسية، و تملك الأقلية فيها فرصاً حقيقيةً للتحول إلى أكثرية، تبعاً لوسائل النشاط السياسي المشروعة التي يكفلها الدستور، و يقرر نتائجها صندوق الانتخاب الذي يسمح بالتداول السلمي للسلطة بصورة دورية.
إن تنمية القاعدة المادية للإنتاج و تطوير قوى الإنتاج و وسائله، و الاستثمار الأمثل للثروات الطبيعية و البشرية و العلمية، و تحقيق تنمية بشرية مستدامة، هو هدف آخر من الأهداف العليا للمهام البرنامجية المرحلية، يهدف إلى زيادة الثروة الاجتماعية العامة و تجاوز الفقر و التخلف الاجتماعي و الاقتصادي و العلمي. و يتعين تدعيم و تعزيز هذه التنمية، بصرف النظر عن من يملك وسائل الإنتاج (دولة، قطاع خاص، تعاوني، غير ذلك).
5. 0إن للدولة دور مركزي في المرحلة التاريخية الراهنة و المنظورة في بلادنا، اقتصادياً و تنموياً و اجتماعياً، ولا بد من العمل لتحمل الدولة مسؤولياتها في ضمان مستوى معيشة و صحة و تعليم و سكن الطبقات الشعبية، قانونياً و فعلياً. إن التنمية الرأسمالية المنفلتة العقال، رأسمالية السوق غير المضبوطة، و التي تضرب عرض الحائط بمصالح و حقوق الطبقة العاملة و الطبقات الشعبية، و حقوق الإنسان عموماً، هي تعميق للتخلف و التبعية، و انتهاك متفاقم للسيادة الوطنية يلحق البلاد بالسوق العالمية و يسلب المجتمع حقه في سيطرة ضرورية ضرورة مطلقة، على مقومات وجوده، و حتى لو أدت هذه التنمية إلى زيادة رقمية كبيرة في أرقام الإنتاج و الأرباح، فإن المستفيد الأساسي و شبه الوحيد منها، هو شرائح ضيقة جداً في قمة الهرم الطبقي، بالتزاوج و التشارك مع أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة (سواء كانوا عرباً أم غير عرب) فيما يدفع الشعب ثمنها مزيداً من المآسي و الفقر و التخلف.
كذلك لا بد أن يكون توجيه السياسات الاقتصادية و التنموية لتنمية القاعدة المادية للإنتاج الصناعي و الزراعي و العلمي و تطويرها باستمرار هو أحد المسؤوليات العليا للدولة، و يتعين على كل قوى التطور الوطنية حقاً، الاجتماعية و السياسية، أن تراقب و تنقد و تحرض و تمارس كل ما هو ضروري لتحقيق هذه التنمية و جعلها بنداً ثابتاً ذا بعد استراتيجي، لكل سلطة تحكم البلاد، أياً تكن طبيعتها الطبقية و السياسية.
ويصدق الأمر نفسه على ضمان و حماية المقومات الإستراتيجية العليا للمجتمع و الوطن، كقضية المياه و قضية الاكتفاء الغذائي الأساسي و قضية صون وحدة التراب الوطني و السيادة الوطنية،ودحر الصهيونية ومشروعها، و قضية الحريات السياسية، و الديمقراطية عموماً، و غيرها من القضايا الكبرى.
6. يشكل رفض و مناهضة المشاريع الإمبريالية الهادفة إلى التحكم بالعالم و الهيمنة عليه، و النضال من أجل إقامة نظام دولي عادل سياسياً و اقتصادياً، هدفاً و سياسة إستراتيجية يتعين الالتزام بها على طول الخط. كذلك الأمر فيما يخص رفض الحروب العدوانية و الدعوة للسلام بين الشعوب و الأمم، وحل الخلافات الدولية عن طريق الحوار و الوسائل السلمية، و تعزيز دور الأمم المتحدة و تخليصها من هيمنة الإمبريالية الأميركية، بحيث تغدو هيئة تحمي السلام العالمي و تنصف شعوب الأمم المستضعفة في سبيل تنميتها و صوغ مستقبل عادل للبشرية، و مثل ذلك الدعوة لنزع أسلحة الدمار الشامل، و السعي لتضامن الشعوب ضد مستغلّيها و تعاونها من أجل تنميتها المتبادلة.
7. البيئة هي الحاضنة المادية – الطبيعية للحياة بكل مظاهرها، و من ضمنها الإنسان. و لقد أدى التطور الكبير للقدرات المادية للإنسان لا سيما في الدول الصناعية الكبرى (الآلات ذات القدرات الهائلة في حفر الأرض و تجريفها و في قطع الأشجار و في الصيد البحري و البري، وكذلك استخدام الفحم الحجري و النفط كمصادر للطاقة، و الصناعات الكيميائية الكبرى التي تطلق غازات و فضلات سامة متنوعة في البيئة… إلخ). و في ظل نهم الرأسمالية الأعمى إلى الربح دون أخذ العواقب الخطرة على البيئة للكثير من الصناعات و الآلات و النشاطات الاقتصادية. أدى كل هذا إلى تدمير خطير للتوازن البيئي الحساس و إلى الاستنزاف الأعمى للموارد الطبيعية المحدودة التي جرى التعامل معها و كأنها لا نهائية، ووصل الخطر إلى حد حدوث إخلال حقيقي بتوازنات المناخ و البيئات البرية و البحرية و الجوية. باتت تهدد بتغييرات شاملة لصورة الحياة على الأرض، بل و أدت إلى انقراض العديد من مظاهرها النباتية و الحيوانية، و إلى تزايد أعداد الضحايا البشرية لتسمم الأجواء و المياه و التربة. لكل هذا فإن اليقظة الحذرة تجاه الإضرار المتفاقم بالبيئة، و آثارها الكارثية على الحياة، وتطوير ثقافة بيئية حقيقية فاعلة، و تبني قضايا الدفاع عن البيئة و حمايتها من الاستنزاف المتوحش لمواردها و النضال ضد تلويثها و تسميمها بفضلات الصناعات المتنوعة و بنتائج الاستخدام المجنون للأسلحة الكيماوية و الشعاعية و المتفجرة، بات واجباً و مسؤولية حقيقية، يجب أن تشكل جزءاً ثابتاً ودائم الحضور من المعرفة و الثقافة و السلوك البشري، و بات النضال ضد المصادر و الوسائل الكبرى للتلوث واجباً إنسانياً أممياً لا يعفي أحداً من مسؤوليته، بحكم كونية المناخ و البيئة و عدم اعترافهما بالحدود السياسية التي اخترعها الإنسان.
على ضوء كل ما سبق ذكره من أهداف عليا و مبادئ ناظمة للتوجهات السياسية و البرنامجية، يرى التجمع ضرورة صوغ المهمات البرنامجية المرحلية كما يلي:
تتعرض سوريا و المنطقة العربية، بشعوبها و قواها الوطنية الديمقراطية، لثلاثة مخاطر داهمة في المرحلة الراهنة، تهدد حاضرها و مستقبلها، و هي:
المخططات الإمبريالية التي ترسمها للمنطقة مراكز النفوذ الإمبريالي، راعية المشروع الصهيوني.
الأنظمة الاستبدادية التي تخنق الشعوب، و تعيق تطورها في شتى المجالات، تحت هذه الذريعة أو تلك.
القوى التكفيرية المعادية للمجتمع بأيديولوجيتها و ممارساتها الدموية المدمرة.
و تتداخل هذه المخاطر و تتشابك بحيث لا يمكن الفصل بينها، بل و بحيث تغذي بعضها بعضاً في حالات عديدة، رغم تصارع أطرافها في هذا الموقع أو ذاك، و هو صراع يمكن فهمه على أنه صراع من أجل الهيمنة على الشعب و البلاد، لاستغلال خيراتها، كل طرف لصالحه، رغم قول كل منها بلغته و خطابه أنه يصارع من أجل الشعب و حريته و سيادته على مصيره و مستقبله.
أولاً: إن المخرج الوحيد من هذا المأزق التاريخي المستعصي، لا يكون إلا بالتغيير الوطني الديمقراطي، الذي يُعتبر الهدف الأعلى للمهام البرنامجية المرحلية، و جسر الانتقال إلى وضع سياسي تاريخي جديد، رغم استمرار النظام الاقتصادي الرأسمالي خلاله و بعده، فمثل هذا التغيير لا يهدف إلى قلب النظام الرأسمالي، أو استبدال الطبقة السائدة (وهي الطبقة الرأسمالية) بغيرها، بل يهدف إلى تحقيق التحول السياسي الديمقراطي، الذي نرى أنه سيخدم مصالح الغالبية الساحقة من المجتمع بكل طبقاته، لاسيما الطبقة العاملة التي نناضل من أجل مصلحتها أولا ومعها الطبقات الشعبية {، و لن تتضرر منه إلا قلة ضيقة من البورجوازية البيروقراطية الفاسدة و الرأسماليين الطفيليين، فيما ستستفيد منه سائر القوى و الشرائح الرأسمالية لاسيما منها الناشطة في ميادين الإنتاج الصناعي و الزراعي.
بناءً على ما سبق، فإن الانتقال السلمي و التدريجي من الاستبداد إلى الديمقراطية، هو المدخل الأساسي لمستقبل شعبنا و بلادنا، وهو النقلة التي ستحرر قوى المجتمع و الشعب من قيود هائلة تكبل مبادرتها و تعيق طاقاتها، و تفتح الأبواب بالتالي لمستوى نوعي جديد من الفاعلية التاريخية الشاملة.
و لا يعني هذا أن النضال الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي لخدمة أهداف الطبقة العاملة و المجتمع ككل، بما في ذلك قضيته الوطنية، غير مجدٍ في المرحلة الراهنة، و أنه يتعين تجميد كل نضال حتى تحقيق الانتقال أو التحول المنشود، و إنما يعني أن تحقيق أي إنجازات كبرى أو رئيسية، سواء في المسألة الوطنية أو في مسألة الاقتصاد و التنمية و معالجة الفقر و البطالة و التخلف، أو في محاربة التعصب و الطائفية و النزعات التكفيرية و الإرهاب، أو في دحر المشاريع الإمبريالية و الصهيونية، أو غير ذلك من القضايا الرئيسية لمجتمعنا و شعبنا، مرهون بالظفر بالحريات السياسية و النقابية و الإعلامية قبل كل شيء، و أن النضال في الظروف الراهنة من الاستبداد يظل محدود الجدوى رغم ضرورته القصوى. و لا يمكن أن يحقق أكثر من بعض التحسينات هنا و هناك في مختلف القضايا، في حين سينقل التحول الديمقراطي فعالية شعبنا و قواه الواعية إلى مستوى نوعي جديد من الجدوى و سرعة التطور في كافة الحقول. و هو ما يستوجب إعطاء قضية النضال من أجل الحريات و الديمقراطية موقعاً محورياً بين سائر القضايا، كما يستوجب ربط النضالات الاجتماعية و الوطنية بقضية النضال من أجل الحرية ربطاً عضوياً في وعي النخب السياسية و الطبقة العاملة و كل حلفائها، بل و المجتمع عموماً، بحيث يكون كل تحرك من أجل تحسين الظروف المعيشية و الأوضاع الاجتماعية عموماً، رافعة لوعي الجماهير بضرورة الظفر بالحريات السياسية، و ضرورة التقدم على طريق تحقيق التحول الديمقراطي للمجتمع و البلاد.
• ثانياً: تشكل مناهضة و دحر المشاريع الإمبريالية و لاسيما الأمريكية منها، و التي تستهدف السيطرة على المنطقة و على وطننا السوري ضمناً، لتشديد نهب ثرواتها و تعميق ضعفها و تخلفها عبر تفتيتها القومي و الديني و الطائفي (وهو ما جسده ” مشروع الشرق الأوسط الكبير” بكل وضوح) – شرطاً لازماً لحماية حق الشعب بالسيادة على بلاده و مقومات وجوده و مشروع نهضته المنشود. و لا نشك أبداً في أن مواجهة و هزيمة المشاريع الإمبريالية و بقدر ما هي مطلوبة و ضرورية، تظل غير كافية بحد ذاتها، إذ لا بد من ربطها بصورة عضوية بالتحول الديمقراطي المنشود، بحيث يعزز كل منهما الآخر. فهزيمة المشاريع الإمبريالية لا تعني أن الشعب قد بات سيّداً على بلاده و مقومات وجوده المادية و المعنوية، ما دام الاستبداد مستمراً، و ما دام الشعب محروماً من حقوقه الديمقراطية في اختيار حكامه و محاسبتهم و استبدالهم بالآليات الديمقراطية عندما يريد ذلك، ناهيك عن أنه محروم من حقوقه في قبول أو رفض السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية و التعليمية… الخ، التي تقررها السلطة الاستبدادية حصراً في دوائر قرارها الضيقة. و بالمقابل، فإن مناهضة الاستبداد و السكوت عن المشاريع الإمبريالية أو تجاهلها، ناهيك عن التواطؤ معها مثلاً، أو (العمل بالتعاون؟ معها) بحجة ضرورة ذلك لتحقيق التغيير الديمقراطي المنشود، ليس إلا خداعاً للجماهير، (وربما للنفس بالنسبة للبعض)، لن يؤدي إلا إلى إغراق بلادنا و شعبنا في مخاضات من الدمار و الدماء، و سيعيد مجتمعنا في حال تمكنت الإمبريالية الأمريكية من السيطرة على بلادنا، قروناً إلى الوراء، إلى زمن التفتت الديني و الطائفي و المناطقي، مما سيدمر كل إمكانية لبناء المجتمع الوطني الديمقراطي الحديث، و يسلب الشعب تماسكه ووحدته التي دُفعت دماء غالية لصونها عبر التاريخ (في مواجهة الاستعمار الفرنسي ثم المشروع الصهيوني و المشاريع الأمريكية اللاحقة)، و يصادر كل إمكانية محتملة للنهضة و للحداثة و للديمقراطية المعاصرة. و لم يعد الأمر بحاجة لأي برهان فكري أو نظري بعد ما كشفته
• ثالثاً: ربطاً بما سبق فإن مهمة دعم الحركات الوطنية المقاومة للاحتلال، و تأكيد حق الشعوب في مقاومة المحتلين بكل الوسائل المتاحة لها، هي مهمة واجبة حكماً، و يتعين تجسيدها على الأرض بكل الوسائل الممكنة، لاسيما في ما يتعلق بنضال الشعب الفلسطيني في سعيه من أجل تحرير أرضه و تقرير مصيره، و عودة اللاجئين إلى أرضهم، وإقامة الدولة العلمانية الديمقراطية، دولة كل المواطنين، على كامل التراب الفلسطيني، دون تمييز بينهم لا في الحقوق و لا في الواجبات و لأية أسباب دينية أو عرقية أو قومية.
و كذلك في دعم الشعب العراقي في نضاله لتحرير وطنه من الاحتلال الأمريكي و النفوذ الأجنبي (سواء أخذ صورة اتفاقيات إذعان أو غير ذلك)، و إقامة دولته الوطنية الديمقراطية الموحدة و السيادة على مقومات وجوده السياسية و الاقتصادية بكل أبعادها.
• رابعاً: تعتبر مهمة تحرير كافة الأراضي السورية المحتلة، و لاسيما الجولان، بكافة الوسائل و الطرق الممكنة مسؤولية وطنية عليا تتعين تلبيتها بشتى السبل الممكنة، و التي تضمن استعادة السيادة التامة على هذا الجزء من التراب السوري بثرواته و مياهه، و تعيد النازحين إلى أرضهم و تعزز السيادة الوطنية، و تقوّي نضال الشعب الفلسطيني و اللبناني لاستعادة أراضيهما و حقوقهما المستلبة كاملة غير منقوصة.
• خامساً: سوريا جزء من الوطن العربي و الشعوب العربية، التي تشكل امتدادها القومي الطبيعي و التاريخي. و لا يتنافى هذا مع وجود و حقوق القوميات الأخرى، وخاصة الكردية، و التي تشكل بمجموعها مع العرب النسيج الوطني السوري. يجب العمل من أجل إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا ضمن إطار وحدة الوطن السوري أرضاً و شعباً، يحترم ما تقرّه الماركسية في هذا الصدد من الناحية المبدئية.كما يجب العمل لمكافحة وإلغاء التمييز بين المواطنين السوريين بسبب الدين أو الطائفة أو الجنس أو العرق، سواء كان معلناً أو مستتراً، و ضمان المساواة الحقيقية و التامة لكافة المواطنين في الحقوق و الواجبات، كما يجب العمل لتمتين اللحمة الوطنية وتعميقها على كل مستويات المجتمع.
• سادساً: إن الطبيعة الطبقية الرأسمالية للنظام، و شكل حكمه الاستبدادي، و سياساته المعتمدة التي يتحمل مسؤوليتها وحده (مع حلفائه الملحقين به)، و استغلاله للدولة و المجتمع لصالح سلطته و المنتفعين منها، و تسببه في نخر الدولة و قوانينها بآليات الفساد و القمع و مصادرة الحريات السياسية ، و إلحاق السلطات القضائية و التشريعية بالسلطة التنفيذية، كل هذا يؤدي (بالتكامل مع دور البورجوازية السورية المتحالفة معه، رغم تضرر بعضها منه) إلى انسدادات و أزمات اقتصادية و اجتماعية و سياسية مستفحلة.
لهذا فإن النضال من اجل إنهاء احتكار السلطة، و إقامة النظام الديمقراطي التعددي الذي يقوم على فصل السلطات و التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، و هو ما نصفه بأنه التحول الديمقراطي المنشود، يشكل المهمة المفتاحية للإنجاز الشامل و الفعلي للمهمات البرنامجية المرحلية، و من اجل ذلك يتعين النضال و العمل من أجل:
أ. رفع حالة الطوارئ و الأحكام العرفية المستمرة منذ أكثر من أربعين عاماً، و تفعيل العمل بالدستور و القوانين المدنية العادية.
ب. إطلاق الحريات الديمقراطية، بما فيها حرية التعبير عن الرأي و حرية النشر و الإعلام و التنظيم و التظاهر و الإضراب.
ج. إلغاء المحاكم و القوانين الاستثنائية، و إصدار قانون ديمقراطي للأحزاب و استبدال قوانين الجمعيات و المطبوعات بأخرى ديمقراطية.
د. إلغاء كافة مواد الدستور التي تكرّس احتكار السلطة و تمنع تداولها السلمي بين مختلف القوى السياسية و تحالفاتها في الوطن، وفق ما تراه صناديق الاقتراع الديمقراطي الحر قولاً و فعلاً.
هـ. إصدار قانون جديد للانتخابات يعتمد سوريا دائرة انتخابية واحدة، ومبدأ النسبية، بهدف تعزيز اللحمة الوطنية و تقديم أهمية الانتماء السياسي و الطرح البرنامجي على كل انتماء آخر، على أن تشارك كافة القوى السياسية و الفعاليات الاجتماعية و الثقافية في صياغة هذا القانون و إقراره.
و. إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين، و سجناء الرأي و الضمير، و إعادة الاعتبار و الحقوق المدنية و المادية لهم، و للملاحقين السياسيين السابقين و للسجناء السابقين، و إنهاء ملف المفقودين و عودة جميع المنفيين دون مساءلة، و إلغاء القانون /49/، و اقتصار المحاسبة على مرتكبي العنف السياسي بحق المواطنين، أياً يكن انتماء أو موقع هؤلاء المرتكبين.
• سابعاً: على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي: أدت جملة التطورات و السياسات الاقتصادية – الاجتماعية التي رعتها رأسمالية الدولة و بورجوازيتها البيروقراطية خلال العقود الأربعة الماضية، إلى تركيبة اجتماعية – طبقية جديدة، و تندفع السلطة إلى التحول نحو ارتكاز اجتماعي – اقتصادي جديد، تتنكر فيه لقطاعات واسعة من الطبقات و الفئات الشعبية التي كانت تأخذ بعض مصالحها و حقوقها بعين الاعتبار، و تعتمد عليها كقاعدة شعبية، تتحاشى غضبها، و تهتم باستمالتها و كسب ولائها، عبر لحظ تلك المصالح و الحقوق و لو باليسير الذي يكفي لاستمرار العيش دون فقر مدقع أو حرمان شديد. و في حين بتسارع هذا التنكر لتلك الطبقات و الفئات و يشتد إفقارها و سحق مستويات معيشتها (طبقة عاملة، فلاحين صغار، شرائح و فئات وسطى عديدة) يزداد الاعتماد و الترابط مع فئات و شرائح من البورجوازية الكبيرة السورية، المستقرة في البلاد و المهاجرة خارجها، كما يزداد التشابك و الترابط مع قوى الرأسمال الكبيرة، العربية و العالمية، الأمر الذي يهدد بتحويل بلادنا إلى بلد تابع كلياً لرؤوس الأموال الخارجية ،و بأزمات عميقة، معيشياً، صحياً، تعليمياً، و حتى غذائياً، للطبقة العاملة و سائر الفئات الوسطى.
لذلك، يتعين العمل في المرحلة الراهنة على ما يلي:
أ. حماية مستويات معيشة الطبقة العاملة و صغار الفلاحين و الموظفين و كل العاملين بأجر في قطاع الدولة و خارجه، ووقف تدهورها المستمر، بل و النضال لتحسينها وضمان نيل المنتجين و الشغيلة جميعاً لحصة مقبولة من ثمار عملهم و من الثروة الوطنية العامة، تكفل لهم و لأسرهم العيش الكريم، و الضمانات الضرورية في مجال التغذية و التعليم و الصحة والسكن.
ب. محاربة الإفقار المستمر بآليات التضخم و ارتفاع الأسعار. ووضع سلم متحرك للأجور (ربط الأجور بالأسعار) يستند إلى دراسات فعلية و دورية لنسب التضخم الموجود.
ج. مناهضة و محاربة الفساد و النهب البيروقراطي للثروة الوطنية العامة، و كل أشكال المحاباة الاقتصادية و التهرب من الضرائب الذي يمارسه بشكل رئيسي أصحاب الثروات الكبيرة.
د. مناهضة البورجوازية البيروقراطية و الكومبرادورية و النشاطات الطفيلية في الاقتصاد، و تشجيع العملية الإنتاجية في كل الحقول، بغض النظر عن مالكيها (قطاع دولة أو قطاع خاص).
هـ. النضال من أجل قطاع دولة اقتصادي قوي و متطور، مستقل عن تدخلات أجهزة السلطة المختلفة فيه لحساباتها و مغانمها الخاصة، و مكافحة الفساد المستشري في ما هو موجود من هذا القطاع، و مقاومة خصخصته المراوغة التي تتم تحت ذرائع مختلفة، و مقاومة مساعي خنقه و منع تطوره و إفشاله، لتبرير التخلي عنه، أو خصخصته. بحيث يكون قطاع الدولة الاقتصادي ضامناً و موجهاً موضوعياً لعملية التنمية، و ضابطاً عبر المنافسة بالجودة و الأسعار لكل أشكال التحايل و الغش في المواصفات و الأسعار و الاحتكار التي تمارسها عادة الكثير من قوى السوق.
و. إن تحقيق تنمية مكثفة وجدية للاقتصاد السوري أمر ضروري و ممكن فعلاً، بحكم تنوع وغنى بلادنا بالثروات المختلفة ( و أهمها القوى البشرية الماهرة)، بحيث تتحقق تنمية رأسمالية فعلية و بمعدلات نمو تفوق كثيراً ما هو محقق في ظل النظام القائم بكل سياساته و أمراضه المستعصية (استبداد، فساد، تخلف و مصادرة للمبادرة، هدر كبير… الخ). و يشترط ذلك تحرير قوى المجتمع من مختلف الطبقات المعنية بالعملية الإنتاجية و الاقتصادية، و محاصرة و إزاحة القوى الطفيلية و البيروقراطية الفاسدة و المعطلة، ومن ثم وضع خطط استثمار صائبة تشترك في تنفيذها كل قوى المجتمع الحية عندما تشعر و تقتنع بان مصلحتها تكمن فيها، و أن ثمارها لن تحتكر لصالح قلة ضيقة، بل ستنعكس مصلحة وطنية عامة، و مصلحة اجتماعية واسعة، تتجسد على الأرض نمواً أو تحسناً ملموساً في مستويات المعيشة، و ازدهاراً عاماً.
ز. إن النضال من أجل الحريات النقابية للطبقة العاملة و لكل قوى المجتمع، و لحرية التنظيم و التعبير و الاحتجاج و الإعلام و التظاهر و الإضراب، يشكل الرافعة الأساسية لتعبئة قوى الشعب الحية و استعادتها لحقوقها في الدفاع عن مصالحها و مستوى معيشتها و ازدهار بلادها. و سيظل النضال المطلبي، كما ستظل كل الطروحات الاقتصادية – الاجتماعية، رغم ضرورتها القصوى التي لا بديل لها، ضعيفة المردود بل و ربما عديمة المردود في بعض الحالات، ما استمر الاستبداد.
ح. المرأة: يلعب التمييز الجنسي ضد المرأة في مجتمعنا و سائر المجتمعات البشرية، لاسيما المتخلفة منها، دوراً كبيراً في التخلف الاجتماعي و الحضاري للمجتمع. و ليس ثمة ما يكشف درجة تخلف المجتمع و ثقافته و قيمه، أكثر من موقفه من قضية تحرر المرأة و مساواتها بالرجل في الحقوق و الواجبات، مساواة فعلية، لا لفظية، و ما تزال المرأة في العالم هي الشغيل الأشد اضطهاداً، إذ يضاف إلى كل ما هو موجود من عوامل الاضطهاد و الظلم القومي أو العرقي أو الطبقي الذي تتعرض له القومية أو العرق أو الطبقة في مجتمع ما، و التي تطال الرجال و النساء على حد سواء. يضاف لها الاضطهاد و الظلم الموجه ضد النساء بشكل خاص، بسبب كونهن نساء ينظر إليهن بصفتهن الجنس الأضعف (حتى في بلدان الرأسمالية المتطورة لا تزال أجور النساء أقل من أجور الرجال للعمل نفسه! و كانت مجتمعات “الاشتراكية” في أوروبا الشرقية هي أول المجتمعات التي ضمنت للمرأة مساواة فعلية بالرجل في فرص العمل و التعلم و سائر الحقوق و الواجبات).
وفي مجتمعنا السوري ، فإن اضطهاد المرأة القانوني و الاجتماعي هو أكثر من مخجل (وهو أسوأ من هذا في معظم البلدان العربية)، رغم أن النساء يتولين فعليا مسؤوليات في الحياة الطبيعية و الاجتماعية (و الاقتصادية أيضاً في حالات عديدة) أكبر مما يتولاه الرجل و أشقّ. و لن يتحرر المجتمع من تخلفه (رجالاً و نساءً و أجيالاً جديدةً)، ما لم تتحرر المرأة من كل ما يعيق انطلاق و تحرر إنسانيتها و شخصيتها، قانونياً و ثقافياً و اجتماعياً و اقتصادياً.
لكل ما سبق فإن النضال من أجل تحرر المرأة في مجتمعنا، و مساواتها بالرجل في الحقوق و الواجبات، وفي فرص التعليم و العمل، كما في المكانة الاجتماعية و الثقافية و السياسية. هو مهمة أساسية من مهام النضال الاجتماعي و الوطني، لتجاوز التخلف من جهة و التقدم نحو مجتمع أكثر حضارة و عدالة و فعالية لكل قواه البشرية. وهو مسؤولية ملقاة على عاتق الرجال و النساء معاً، و لاسيما على عاتق النخب و الشرائح الطليعية في كل الطبقات.
ط. الشباب: يشكل الشباب في مجتمعنا(كما في كل المجتمعات) خزان طاقة التغيير الأهم و الأكبر، و هم طاقة يمكن أن تكون ثورية و بالغة الفعالية حين تتوفر لها الشروط المناسبة (الوعي و التنظيم). كما يمثلون من ناحية أخرى قوى المستقبل التي ستشغل مواقع الإنتاج في شتى الحقول، و مواقع السلطة بمختلف مقوماتها أيضاً.
ويعاني الشباب في بلادنا (كما تعاني الأجيال الكهلة من موقعها و بطريقتها) من مشكلة (الفجوة بين الأجيال) التي تنشأ عن سرعة التطور العلمي وسرعة تغير القيم و المفاهيم و العلاقات الاجتماعية جرّاء التأثير المتزايد للعولمة الإمبريالية للإعلام و الثقافة و الفنون التي تحرص الطبقات السائدة في البلدان الإمبريالية كما في البلدان المتخلفة على ترويجها خدمة لمصالحها (ومعظم ما يروّج هو منتوج استهلاكي مبتذل، يهدف للإثارة و التشويق و الترفيه و عبر هذا لتكريس الرؤية و المنظور المنشود إمبريالياً للحياة و المجتمع و القيم)، و تسهم الديكتاتورية عبر منعها لحرية الإبداع و النشاطات الثقافية و السياسية و الاجتماعية الحرة، كما عبر تسهيل نشاطات القوى الخاضعة لها، السلطوية و الدينية، (وهي بدورها ذات محتوى زائف و تضليلي، أو ذات محتوى رجعي و متخلف)، تسهم في إفراغ الساحة الاجتماعية من أي نشاط ذي محتوى جاد أو إبداعي خلاق، و تركها بالتالي نهباً للتأثيرات السلبية و الاغترابية لقوى الإعلام و الثقافة الإمبريالية، كما لقوى التخلف و الرجعية في الآن نفسه. هذا في حين ينحسر باطراد تأثير الأسرة و المدرسة و المجتمع في عملية التربية و الثقافة و تكوين القيم الوطنية و الاجتماعية، لاسيما في ظل اهتراء أيديولوجيا النظام و تحول طروحات البعث و حلفائه إلى منظومات لفظية فارغة من المحتوى لا علاقة لها بالواقع المعاش.
كما يعاني الشباب لاسيما الجامعيون منهم من البطالة الناشئة من السياسات الاقتصادية للنظام و الطبقة السائدة عموماً. و المتجسدة بتخلي الدولة عن مسؤولياتها في توفير فرص العمل لهم، و إقامة أو حتى تشجيع المشاريع الصناعية و الزراعية الكبرى التي تؤمن فرص عمل واسعة تستوعب قوة العمل المتنامية في المجتمع، مما يوقع نسباً متزايدة في بحر البطالة بكل أمراضه و تأثيراته السلبية الخطرة، و يدفع نسباً أخرى إلى الهجرة. و في الحالتين يخسر المجتمع طاقات أساسية و بالغة الأهمية لنموه و تحضره، بل و تزداد بنيته تشوهاً و اضطراباً.
و في حين لا يلغي كل ما سبق نزعات التغيير العميقة لدى الشباب، و حلمهم بحياة أفضل و أغنى بكل المعاني، فإن ما ينجم عنه هو اغترابهم و عدم قدرتهم على تصور و معرفة الطريق الذي يمكن أن يقودهم إلى تحقيق أحلامهم (الفردية و الاجتماعية)، فنراهم يلجؤون إما إلى سلوك الطرق المتاحة، عبر الخضوع للآليات السائدة اجتماعياً و المسموح بها سلطوياً، أو إلى الهجرة و الانسلاخ عن المجتمع و همومه.
و يفاقم من المشكلة أن جزءاً مهماً من الهجرة لأجل العمل تتم إلى بلدان النفط الخليجية بتخلفها الاجتماعي و الثقافي، و ثرائها الفاحش في الآن نفسه، و هو أمر له نتائجه العميقة على الوعي و القيم و الثقافة، في حين يتم جزء آخر منها إلى بلدان الغرب الإمبريالي الحريصة على استقطاب أفضل الكفاءات المهنية و العلمية بصورة انتقائية (هجرة الأدمغة) حيث الإغراءات كثيرة للاستقرار و هجر الوطن و المجتمع كلياً.
بمحصلة ما سبق يعاني جيل الشباب من مجموع أزمات عميقة و مترابطة تتحكم بحياتهم و شروط وجودهم كبشر. و تضاف بهذا إلى مجموع أزمات المجتمع و البلاد أزمة أخرى تسيطر مفاعيلها على أحد أهم قطاعات المجتمع و أكثرها حيوية و حاجة للتغيير الوطني الديمقراطي. و أكثرها قدرة على المساهمة في صنع هذا التغيير. و لا بد بالتالي من تشخيص هذه الأزمة و مكوناتها و عواملها بصورة علمية، ووضعها في دائرة الضوء و الاهتمام. و من ثم إيجاد اللغة و الأدوات المسموعة و المفهومة من قطاع الشباب، للوصول إلى عقولهم و أرواحهم، بهدف ترسيخ و تنمية بذور الوعي الاجتماعي و الفكري – الثقافي و السياسي الوطني و الطبقي في صفوفهم، في شتى مجالات الحياة. و من ثم تأطير طاقاتهم و مساهماتهم في بناء الوطن و المجتمع و الثقافة و النظام السياسي الكفيل بفتح أوسع الأبواب لمستقبلهم، و تحقيق حريتهم في بلادهم و سيادتهم عليها، و لعب دورهم في صوغ تطورها و مستقبلها، ربطاً بكل أهداف هذا البرنامج.
ثامناً: يعمل التجمع على إقامة أوسع تحالف بين كافة القوى الوطنية و الديمقراطية و العلمانية لتحقيق الأهداف الوطنية و الديمقراطية المشتركة.
• تاسعاً: يحدد التجمع موقعه من شتى القوى و الطروحات السياسية، و إمكانيات لقائه معها أو معارضته لها، على ضوء القضايا الأساسية الثلاث التي يناضل لتحقيقها:
1. التحول الديمقراطي و الموقف من الاستبداد.
2. المسألة الوطنية و الموقف من المشاريع الإمبريالية و الصهيونية.
3. المصالح الاقتصادية و الأوضاع المعيشية للطبقة العاملة و سائر الفئات و الشرائح الشعبية (الوسطى).
ورغم أن نهج التجمع و سياساته تضعانه في موقع المعارضة للنظام، إلا أنه يدعو في الوقت نفسه للحوار الشامل مع كل الأطراف داخل الوطن، و هو سيلحظ و يُقيم في حينه أي خطوة أو فعل سياسي أو مبادرة قد تأتي من أي طرف، مهما كان موقعه، على ضوء القضايا الأساسية المذكورة آنفاً، و منطوق المهمات البرنامجية المرحلية و الوثيقة التأسيسية للتجمع.
خاص – صفحات سورية –