سوريا وأمريكا: القطار انطلق ولكن
سعد محيو
عجلة الحوار الإيراني – الأمريكي الأصعب على وشك الانطلاق بعد أن أكدت واشنطن أنها ستدعو طهران إلى مؤتمر دولي حول أفغانستان. لكن قطار الحوار الأمريكي الأسهل مع سوريا، حليفة إيران الوحيدة في الشرق الأوسط، انطلق وبسرعة فائقة أيضاً.
فهيلاري كلينتون “طبّعت” علناً علاقاتها مع وليد المعلم. والدبلوماسيون السوريون بات لهم حضور شبه دائم لدى مراكز القرار في واشنطن. والوفد الأمريكي عالي المستوى الذي وطأ أرض دمشق قبل يومين برئاسة دان شابيرو، العضو البارز في مجلس الأمن القومي، وجيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، سينجح على الأرجح في بلورة جدول أعمال الحوار وأولوياته.
لكن علاَمَ الحوار السوري، وما آفاقه المحتملة بعد تسع سنوات عجاف من علاقات وصلت أحياناً إلى شفير الحرب العسكرية (2003 و2004)، ثم تدهورت إلى الحضيض العام 2005 مع إخراج القوات السورية من لبنان؟
واشنطن الأوبامية تعرف ما تريد: مواصلة التعاون السوري معها في العراق، وهذا بات أسهل بكثير الآن بعد تحديد موعد سحب القوات الأمريكية “المقاتلة” منه؛ تغيير سلوك سوريا من كونها حليفة لإيران إلى وسيط معها؛ الحد من دعم حزب الله وحماس على الأقل عسكرياً، إضافة بالطبع إلى مواصلة التعاون الأمني ضد الإرهاب والبحث في تحويل المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب إلى خواتيم سلمية.
ودمشق الأسدية تعرف ما تريد: إلغاء بند “تغيير النظام” نهائياً من جدول الأعمال الأمريكي المتجسّد في قانون محاسبة سوريا؛ رفع العقوبات وشطب الفيتو الذي تضعه واشنطن على اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية؛ الاعتراف بدور سوريا الإقليمي، جنباً إلى جنب مع احترام قراراتها الخاصة بعلاقاتها مع الدول الأخرى، خاصة إيران وروسيا.
التوصل إلى اتفاقات أو قواسم مشتركة حيال هذه المطالب لم يعد صعباً، فإدارة أوباما لم تعد تريد أن تكون سوريا أردناً جديداً، كما كان الأمر مع إدارة بوش. والحكومة السورية تدرك، في المقابل، أن أمريكا اوباما لن تكون، حتى في أفضل العوالم، حليفة لها كما إيران. ثمة منطقة وسطى من بين الأردنة (من أردن) والأرينة (من إيران). كما ثمة مصالح مشتركة عدة يمكن تحقيقها في إطار أقل استراتيجية لكن أكثر نجاعة تكتيكياً، على غرار الأمن والاستقرار في العراق ولبنان، ومنع الوضع الفلسطيني من الانفجار، وتطويع المتشددين الإسلاميين سواء بجزرة الإقناع أو العصا الأمنية.
بالطبع، لن يكون هذا حواراً بين ملائكة. فكل طرف سيستخدم ما يملك من أسلحة: واشنطن المحكمة الدولية في لايشندام، والتسهيلات الاقتصادية الدولية (والخليجية) التي تحتاجها سوريا لمواجهة أزمة جفاف طاحنة، وفتح الاقتصاد السوري على الاقتصاد العالمي، والضغط العسكري “الإسرائيلي”. وفي المقابل تمسك سوريا بأوراق قوية مثل تحالفها مع إيران، ووجود قادة حماس على أراضيها، ونفوذها على حزب الله، ودورها الكبير والمعترف به أمريكياً في مجال مكافحة الإرهاب.
وبالتالي، كل ورقة ستقابلها ورقة، وكل ضغط سيكون في موازاته ضغط، إلى حين الوصول إلى تسويات أو صفقات حلول وسط.
بيد أن السؤال الكبير هو: هل سيكون بإمكان القطار السوري الأمريكي مواصلة التحرّك إذا ما فشل القطار الإيراني الأمريكي في الانطلاق أو، خصوصاً، إذا ما “فجّر” “الإسرائيليون” ومتشددون شرق أوسطيون هذا القطار حتى قبل أن يدير محركاته؟
هذا السؤال سيبقى هو ال”سؤال” من الآن وحتى إشعار آخر.
الخليج