إيران والحوار الأميركي – السوري
سركيس نعوم
التقى مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشرق الأدنى بالوكالة جيفري فيلتمان الاسبوع قبل الماضي سفير سوريا في واشنطن الدكتور عماد مصطفى. وتصافح بعد ذلك بأيام وزيرا خارجية اميركا وسوريا هيلاري كلينتون ووليد المعلم على هامش مؤتمر المانحين الذي عقد في شرم الشيخ لتقديم مساعدات لإعادة اعمار قطاع غزة الذي دمره الاعتداء الاسرائيلي الاخير عليه. كما تبادلا كلمات فيها شيء من المجاملة وتظهر نية للتحاور. ويوم السبت الماضي انتقل فيلتمان الى دمشق ولكن من بيروت التي زارها بمعية مدير دائرة الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي دان شابيرو. والهدف من الزيارة لقاء المسؤولين السوريين الكبار وتبادل لوائح القضايا التي تقلق كلّاً من واشنطن ودمشق والتمهيد لبدء حوار جدّي بين العاصمتين حول كل القضايا المختلف عليها وهي كثيرة ومعظمها يتعلق بالشرق الأوسط وتحديداً بعربه واسرائيلييه وايرانييه.
ما هي فرص نجاح هذا الحوار أو بالأحرى فرص نجاح التمهيد له؟
يقول باحثون كبار في واشنطن وبعضهم غير اميركي ان قرار الحوار متخذ من الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما وان سوريا بشار الأسد ترحب به لا بل انها رحبت دائماً بالحوار مع اميركا. لكنها كانت تصرّ على تكافؤ فيه وعلى “ندّية” لا تمانع فيها مع اميركا فيما هي ترفضها مع لبنان، الأمر الذي جعلها تقطع الحوار وحتى التعاون مع الرئيس السابق جورج بوش وادارته. لكنهم يقولون في الوقت نفسه ان الحوار بين اميركا وسوريا سيكون في الواقع حوارين. احدهما، يتناول العلاقات الثنائية بين الدولتين. والآخر الصراع السوري – الاسرائيلي ومحاولة احياء عملية السلام بينهما. ويقولون ايضاً ان للجمهورية الاسلامية الايرانية دوراً بارزاً في هذا الحوار يمكن ان يسهل له سبل النجاح أو يدفعه الى هاوية الفشل. ولئلا يبقى هذا الكلام عمومياً، وخصوصاً الشق الاخير منه يلفت الباحثون انفسهم الى ان الحوار السوري – الاميركي يمكن ان يتم في حال من اثنتين لايران في كل منهما دور مهم واساسي سواء مباشرة أو مداورة. الحال الاولى، هي ان يكون الحوار مشتقاً من حوار اميركي – ايراني يفترض ان يكون بدأ أو نتيجة له. وتعني هذه الحال ان احدى اولويات الرئيس اوباما يجب ان تكون وضع استراتيجيا ايرانية لادارته. وقد تختار اميركا وفق هذه الاستراتيجية إما مواصلة سياسة السلف بوش التي اعتمدت عزل ايران أو تصعيدها وإما محاولة استكشاف امكانات عقد صفقة كبيرة معها. وطبيعي ان اوباما سيختار الحوار لأنه “اختاره” اثناء حملته الانتخابية. وفي حال نجح هذا الحوار فإن صيغة جديدة ستتكوّن وستكون صالحة لمعالجة علاقات واشنطن ودمشق. وهذا يعني ان تفاهماً ايرانياً – اميركياً لا بد ان يغطّي، الى سوريا، العراق ولبنان وعملية السلام العربية – الاسرائيلية. ويعني ايضاً ان سوريا لن تبقى في نظر اميركا شريكاً صغيراً لدولة شريرة او شيطانية (ايران) وان الطريق ستعبّد امام تسوية اميركية – سورية ورعاية اميركية لعملية “سلام” سورية – اسرائيلية.
أما الحال الثانية، فهي ان يكون الحوار السوري – الاميركي نتيجة لاستمرار “العداء” بين واشنطن وطهران ومحافظته على وتيرته الحالية. وحال كهذه تعني ان مشروع التودد الى سوريا ومحاولة استمالتها سيخطر في بال الادارتين الاميركية والاسرائيلية وقد يتحول سياسة للتنفيذ في الوقت المناسب. والاستمالة تعني بالتأكيد ايضاً ابعاد سوريا عن ايران. وهذه فكرة غير جديدة، فقد استعملها ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل الذاهب الى بيته قريباً لتبرير مفاوضاته غير المباشرة مع سوريا. كما استعملها رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي قبل مدة حين قرر حوار الرئيس السوري بشار الاسد. طبعاً رفضت سوريا البحث في تغيير علاقتها مع ايران كشرط مسبق في أي محادثات أو مفاوضات مع اسرائيل أو مع غيرها. لكن مسؤولين فيها لمحوا اكثر من مرة الى ان تحالف بلادهم مع ايران ليس ثابتاً وانه كان نتيجة لرفض واشنطن سوريا واستعدائها اياها. طبعاً هذا الكلام لا بد من التدقيق فيه اثناء الحوار في ظل استمرار العداء الايراني – الاميركي بل لا بد من التحقق منه واختباره رغم ان ذلك لن يكون عملاً سهلاً. ذلك ان تاريخ سوريا الاسد والبعث يشير الى انها سعت دائماً الى حوار مع الولايات المتحدة أو انها لم ترفض حواراً معها. لكنه يشير في الوقت نفسه الى انها لم تلتزم يوماً وخصوصاً في المراحل الأولى للحوار تقليص علاقاتها الايرانية أو التشدد فيها او اي علاقات اخرى مزعجة لأميركا. فضلاً عن ان شخصية مؤسس النظام السوري الرئيس الراحل حافظ الاسد ثم شخصية خلفه ابنه بشار لم تظهرا يوماً ميلاً الى القفز من جهة الى اخرى مناقضة قبل ضمان موقع آمن عند هذه الجهة الأخرى. وهذا الواقع يضع اميركا اوباما أمام احتمالين بالنسبة الى العلاقة مع سوريا. اولهما، البحث جدياً في استعمال القوة ضد سوريا مباشرة أو عبر الحليف الأقوى في المنطقة. وهذا امر مستبعد. فضلاً عن ان سلف اوباما جورج بوش الذي استهدف سوريا لم يستعمل القوة معها رغم امتناعه عن التحاور معها. اما ثاني الاحتمالين، فهو الإهتمام مجدداً بسوريا والعلاقة معها وإحياء عملية السلام بينها وبين اسرائيل والعودة الى التركيز على عمليات السلام على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي. وتجدر الاشارة الى ان احتمالاً كهذا قد يدفع الموضوع السوري كله الى التردي بكل تشعّباته وخصوصاً الاقليمية. الأمر الذي يفرض على الادارة الجديدة وضع استراتيجيا لإدارة الصراع مع سوريا وتشعباته.
في اختصار، النيات عند واشنطن ودمشق ظاهرها طيب. والتعبير عنها يبعث على الاطمئنان بعض الشيء. لكن لا يمكن الحكم على حوار قبل ان يبدأ من خلال نيات ومواقف اعلامية وخصوصاً بعد تاريخ من الجفاء أو العداء. ولذلك قد يكون من الأجدى لأنصار الحوار أو للخائفين منه على انفسهم الانتظار.
النهار