لا حلول في غياب إيران… رغم “المصالحة”
سركيس نعوم
“لبنانيو سوريا”، وعذراً لاستعمال هذا التعبير رغم واقعيته، يتمنون ان تنجح سوريا بشار الاسد في “قمة المصالحة العربية” التي استضافتها الرياض امس في اقناع مصر حسني مبارك والمملكة العربية السعودية بقيادة عاهلها عبدالله بن عبد العزيز بجوانب من سياستها اللبنانية اعتقادا منهم ان من شأن ذلك تعزيز وضعهم داخل البلاد وفرص فوزهم في الاستحقاقات الكبيرة المقبلة وفي مقدمها الانتخابات النيابية. و”لبنانيو مصر والسعودية”، وعذراً ايضاً لاستعمال هذا التعبير رغم واقعيته، يتمنون ان ينجح قادة هاتين الدولتين الشقيقتين في اقناع سوريا بسياستهما اللبنانية وتالياً عدم التصدي لها في مقابل المحافظة على مصالح لها مشروعة في لبنان. اما اللبنانيون العاديون الذين يمكن ان يكونوا قريبين من اي من الفريقين السابقين، سواء بسبب ارتباطات او مصالح او انتماءات سياسية او طائفية او مذهبية، فانهم يتمنون نجاحاً لقمة المصالحة العربية لا يغلِّب فريقاً لبنانياً على آخر بل يفتح الباب للفريقين اللبنانيين الكبيرين المتصارعين كي يتحاورا او يتعاونا من اجل اشاعة اجواء من الاستقرار الامني والسياسي، وإن نسبياً، اذا كانا عاجزين عن التوصل الى تسوية نهائية لكل ما يفرقهما. وهما في الواقع عاجزان عن ذلك لأن مصيرهما لم يعد في ايديهما بل في ايدي الجهات الاقليمية المذكورة اعلاه وجهات اخرى اقليمية ودولية. وهذه الجهات تخوض صراعاً حاداً ودامياً احياناً هو في الواقع صراع سياسي وايديولوجي وديني ومذهبي ومصلحي واقتصادي وقومي… ولبنان كان احدى ابرز ساحات هذا الصراع وكان ابناؤه وقوداً له وأدوات. ولا يزال كل ذلك على حاله. الا ان الجديد اليوم هو ان هناك مناخات تَعِد بانفراجات دولية – دولية وانفراجات دولية – اقليمية، وعربية – اقليمية وعربية – عربية. وما كان لهذه المناخات ان تتكون لولا وصول باراك اوباما الى رئاسة الولايات المتحدة، بل لولا اخفاقات الرئيس الاميركي السابق جورج بوش وايصاله بلاده الى حافة الهاوية سواء في الموضوع المالي والاقتصادي او في علاقتها مع الخارج وفقدانها هيبتها الدولية وبلوغها حافة الخسارة في اكثر من معركة في الشرق الاوسط. فهذا الرجل بدأ يُعدّ لتنفيذ وعوده ومنها التخلي عن الاحادية في قيادة العالم، والاصرار على مشاركة الدول الكبرى لبلاده في هذا الامر. وهذا ما عكسته المواقف الايجابية بين واشنطن وكل من موسكو وبكين. وكذلك الرغبة في الحوار مع سوريا وايران وقد بدأت طلائعه تظهر في دمشق، وستبدأ في لاهاي آخر الشهر الجاري. ومنها ثالثاً استمرار التزام اميركا حل الدولتين لانهاء الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي المزمن ومباشرة العمل على توفير اجواء التوصل اليه بتعيين موفد رئاسي الى عملية السلام هو جورج ميتشل. ومنها رابعاً، الانسحاب من العراق بكرامة وفق جدول زمني محدد. ومنها خامساً، الاستمرار في محاربة الارهاب وخصوصاً في ملاذاته الآمنة، اي في باكستان وافغانستان ومناطق اخرى.
هل تتحقق تمنيات اللبنانيين، وربما العرب ايضاً، بانتهاء قمة الرياض المصغرة الى “مصالحة” حقيقية تفتح باب الحلول لكل القضايا المختلف عليها بين الدول العربية ولاسيما منها مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية؟
العارفون والمطلعون على التحضير لـ”قمة المصالحة العربية” لا يقللون على الاطلاق اهميتها في الظروف الصعبة الراهنة اقليمياً ودولياً. ولا يقللون شجاعة العاهل السعودي الذي تجاوز الكثير عندما فاجأ العالم اخيراً كله في قمة الكويت بدعوته الى المصالحة واعلانه ان صفحة الخلافات العربية قد طويت. كما انهم لا يقللون شجاعة الرئيسين المصري والسوري اللذين ابديا تجاوباً سريعاً. لكنهم في الوقت نفسه يدعون اللبنانيين والعرب الى عدم الافراط في التوقعات الايجابية، وعدم الغرق في بحر التشاؤم في الوقت نفسه. ذلك ان المعلومات المتوافرة لديهم تشير الى ان ناقل السرعة، اي “الفيتاس” في “السيارة العربية” كان موضوعاً في خانة الرجوع الى الوراء الامر الذي اوصل الى الصدامات الكثيرة المعروفة. وتشير ايضاً الى ان الهدف هو نقله الى خانة السير الى الامام. لكن ذلك مستحيل من دون المرور بما يُسمّى في لغة الميكانيكيين “النقطة الميتة” (Point mort) او “البومور” باللغة العامية. والعرب الآن، وتحديداً سوريا ومصر والسعودية، في “البومور”. ويفترض في قمة الرياض المصغرة ان تمهد لانعقاد ناجح لقمة الدوحة آخر الشهر الجاري. وبذلك ينتقل العرب الى السرعة الاولى. ويفترض في قمة الدوحة ان تبحث جدياً في كل الخلافات وان تضعها على سكة الحلول.
هل تتمكن قمتا الرياض والدوحة من انجاز كل ذلك؟
يرجح العارفون المطلعون انفسهم ان تنجح قمة الرياض في تطبيع علاقات اطرافها، وخصوصاً مصر والسعودية وسوريا، وفي تعبيد الطريق امام انعقاد ناجح لقمة الدوحة. لكنهم يستبعدون ان تتمكن الاخيرة من وضع حلول نهائية للمشكلات الكثيرة والمعقدة لاعتبارات كثيرة اهمها اثنان: الاول، عدم قدرة فريق عربي او اكثر على التخلي عن التزامات اقليمية له او عدم رغبته في ذلك لانتفاء اي مصلحة له فيه. والثاني، وهو الاهم، غياب ايران الاسلامية عن القمة، وهو امر طبيعي كونها دولة غير عربية. لكنها صارت طرفاً اساسياً ومباشراً، ربما اكثر من كثيرين من العرب، في قضايا العرب ومشكلاتهم. وتالياً لم يعد هناك امكان لحل اي قضية من دونها، وخصوصاً بعدما وضع عرب الاعتدال الذين دعوا الى المصالحة العربية مواجهة التحدي الايراني دافعاً من دوافع دعوتهم.
في اي حال كان الرئيس السوري بشار الاسد واقعياً حين قال في حديث الى صحيفة خليجية الاثنين الماضي ان ادارة الازمات او تنظيم الاختلافات قد يكون مهمة قمة المصالحة المصغرة ثم قمة الدوحة، وكان محقاً، علماً انه لم يكن محقاً في كلامه الذي خص به لبنان في الحديث نفسه. ذلك ان الحلول قد تتطلب سنوات من العمل. ومن الضروري اثناءها سيادة نوع من التعامل الاخوي العقلاني بين العرب على وجه العموم وبين اللبنانيين انفسهم وكذلك بين الفلسطينيين على وجه الخصوص، لان استعجال الحلول قبل اوانها يجعل المستعجلين يدفعون ثمنها. علماً ان ادارة الازمات او تنظيم الاختلافات يحتاج الى مهارة وبراعة قد تفوقان المهارة والبراعة اللازمتين لتنفيذ حلول او لوضع حلول اذا كانت ظروفها ناضجة.
النهار