بيانات وتقاريرصفحات سورية

حالة الطوارئ: المؤقت الذي يريدونه دائماً

null
هيئة التحرير موقع اعلان دمشق
هذا الأسبوع، في الساعة السابعة صباحاً من يوم الثامن من آذار، يكون قد مرّ على بلادنا ستة وأربعون عاماً تحت حالة الطوارئ والأحكام العرفية بشكلٍ مستمرٍ ومن دون انقطاع. وغير معروف لدينا ما إذا كان النظام الحاكم في سورية يستطيع التقدم إلى موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية لتسجيل هذا الإنجاز باسمه!
تخالط الابتسامة أمام هذا الأمر مرارةٌ عميقة يشعر بها أبناء شعبنا. فهم يتملكهم إحساس بالكرامة الوطنية الجريحة، لأنهم كانوا ومازالوا عرضة لأوضاع تشلّ تقدّمهم، بما يختلف عن شعوب الأرض الأخرى، ويسيء إلى عزتهم، بفعل موقف النظام الغريب العجيب، الذي يصرّ على استمرار معاملتهم من خلال قانون الطوارئ وأجهزة تنفيذه التعسّفي الكيفي، وليس على أساس سيادة القانون وحكمه.
لم تهتم السلطة حتى بإعادة قوننة حالة الطوارئ في أوائل السبعينات، وتابعت الاعتماد عليها في تعزيز هيمنتها، وهي عرضة للطعن فيها واعتبارها من قبل أهل القانون كأنها لم تكن من الناحية التشريعية. فضربت بذلك أيضاً سمعة البلاد وقدرة المجتمع على إعادة البناء والنمو والتطور.

يدعم هذا الاتجاه المدمّر سلسلة من القوانين الاستثنائية التي فات زمان بعضها منذ قرن على الأقل، مثل قانون مناهضة أهداف الثورة، الذي تصل عقوباته إلى مستوى الأشغال الشاقة المؤبدة – بل الإعدام- تشديداً لمن يخالف النظام الاشتراكي بالقول أو الفعل،والمرسوم رقم 109 للعام 1969 القاضي بإحداث المحاكم الميدانية، والمرسوم التشريعي رقم /14/ لعام 1969:  المتعلق بأحداث جهاز أمن الدولة الذي أطلق يد هذا الجهاز في التعدي على حقوق المواطنين وحياتهم , ومنع المضرور والنيابة العامة من تحريك الدعوى العامة بحق عناصر جهاز أمن الدولة إذا ارتكبوا جرائم في معرض قيامهم بوظيفتهم إلا بتحريك الدعوى عليهم من قبل مديرهم، ( وبدلاً من إنهاء هذه الأوضاع الشاذة، صدر مؤخراً المرسوم رقم 64 للعام 2008 الذي يضمن أن تشمل الأجهزة الأمنية كلّها) والقانون رقم 53 للعام 1979 المتعلق بأمن الحزب الحاكم؛ والقانون 49 للعام 1980 الذي يجرّم ويعاقب بالإعدام كل منتسب إلى تنظيم الإخوان المسلمين.. وغيرها.
لا يمكن لدولة ومجتمع أن يسيرا في طريق التقدم الطبيعي في ظلّ هذه الحالة، فالسلطة التي تلجأ إلى النواظم الاستثنائية لتبرير حالة دائمة، إنما تطغى بذلك على الدولة نفسها وتحولها إلى مجرد أداة لها، لأن الدول الحديثة لا تعيش إلاّ على سيادة القانون والمجتمع المدني ومبدأ المواطنة، في حين لا يمكن للاستبداد إلاّ أن يقوّض إمكانيات الدولة والمجتمع ويعوّق فاعليتهما.
ويبدو أن استدامة حالة الاستثناء هي الشغل اليومي لهذه السلطة، لا يسعفها فيها احتماؤها بالظروف الوطنية والقومية الضاغطة. وإلاّ فهل كانت تلك الحكومة السورية التي فرضت حالة الطوارئ لستة أشهر فقط مع نكبة فلسطين عام 1948حكومة تفتقر إلى الوطنية، ورجالها من الطينة التي استطاعت وقادت عملية الاستقلال الوطني أساساً؟
وهل كانت الحكومات التي حكمت سوريا منذ عام 1954- والتي وقف رجالاتها مع مصر في عدوان 1956 ثم اندفعوا لتحقيق الوحدة معها- حكوماتٍ تفتقر إلى الشعور القومي لأنها لم تفرض حالة الطوارئ، أم أنها كانت قوية بثقتها بنفسها وبشعبها الذي انتخبها بشكل حرٍ، فلم تلجأ إلى الالتفاف على العقل السليم، ولم تفرض حالة الأحكام العرفية أجيالاً لتستديم سلطتها؟!
فلتُرفع حالة الطوارئ عن أكتاف شعبنا وأيدي مواطنينا، وليُفرج عن جميع معتقلي الرأي في سوريا الحبيبة، لعلها تعود حرةً.. وطناً ومواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى