صفحات سورية

عبد الرزاق عيد …. الليبرالي الأحمر

null


د.عاطف صابوني*

قرأت باهتمام وحب مقالة (عبد الرزاق عيد) الأخيرة والتي شدني عنوانها ( الاتحاد الاشتراكي الناصري السوري بين التخوين والتدجين ), وهو الكاتب الذي أعرفه جيدا فهو ابن مدينتي التي أفخر بولادتي ونشأتي فيها _ حلب الشهباء _ والتي لم تهدأ يوما في تاريخها عن الهدير .. فاستحقت أن تأخذ دورها المعروف جدا بين الحواضر والمدن عبر التاريخ, وهو من جلست إليه كثيرا وتحاورت معه طويلا وجمعني وإياه العديد من اللقاءات والفعاليات.

وقبل أن أبدأ أجد من الواجب التوضيح بأنني هنا لا أمثل وجهة نظر الاتحاد الاشتراكي _ رغم اعتزازي بأنني كنت وما أزال أنهل من فكره وثقافته وانخرطت في صفوفه منذ نعومة أظفاري _ فأنا منقطع عن الحزب منذ خمس سنين لظروف خاصة بي .

وكم آلمني أن الدكتور ( عيد ) قد تعب من لفظ اسم الحزب كاملا , والأمر بالنسبة لي ليس مؤلما لو أنه لم يشر إليه وخاصة عندما كتبه كاملا وتعمد الوقوف عند كلمة الديمقراطي لأن الاسم في- رأيه- يذكره باسم الجماهيرية العظمى ولكنه لم يتعب حين سماه بحزب الاتحاد الاشتراكي الناصري السوري.

على أي حال فالتسمية ليست مجال سجالنا وان كنت أعرف أن ذكاء السيد (عيد) لم يكن محايدا عند اجتزاء بعض الكلمات من اسم الحزب كالاتحاد الاشتراكي وإضافة كلمات أخرى إلى اسمه لم تكن موجودة أصلا كالناصري السوري أي أنه حذف الكلمات التي أتعبته – العربي الديمقراطي – وأضاف نفس عدد الكلمات التي حذفها – الناصري السوري – دون أن تتعبه هذه العملية كثيرا ورغم العديد من الدلالات التي تتحملها .

وأبدأ من المسلمة التي ذكرها ( عيد ) في بداية مقاله عن حزب الاتحاد والذي أسسه ( أحد الصانعين الفاعلين للحراك السياسي في سوريا على مدى نصف قرن وهو الدكتور جمال الاتاسي).

وأذكره 0 وهو العارف جيدا بأن الاتحاد بزعامة الاتاسي كان أول من نقد الشمولية الناصرية وتخلى عنها وأول من رفع راية الديمقراطية ودفع الأثمان في وقت كان فيه ( عيد ورفيقه بكداش ) يهتفان مع الآخرين ( بالروح بالدم نفديك يا حافظ ).

على أي حال فان عيد – كما فهمت من مقاله- قد تخلى مؤخرا عن الهتاف وبالفعل صفقنا له لأنه كره الهتاف وشجعناه وقرأنا الكثير له وأذكر جيدا مقالته الجميلة جدا ( ثقافة الخوف ) التي طبعها له الحزب يومها ووزعها على كل أعضائه ومناصريه وأصدقائه وكأنها جزء من فكره ومن أدبياته وقدم كاتبها من خلال كل المنابر التي كان يشرف عليها الحزب بما فيها منتدى جمال الأتاسي, وأظن أن( عيد ) يعرف كل ذلك جيدا ولا حاجة لنا بين الحين والآخر أن نذكره به.

وعندما قرر( عيد ) ورفاقه ( المثقفون ) المتوقفون عن الهتاف أن يعبروا عن أنفسهم في الشارع نزل أعضاء الحزب وأصدقاءه ومناصريه يومها جميعا تحت رايتهم , ليس ذلك فحسب بل إن ( عيد ) ربما يعرف أكثر من بقية رفاقه جميع الأطر الشعبية والسياسية والثقافية التي خلقها الاتحاد ليعمل هو ورفاقه من خلالها بدءا بلجان نصرة فلسطين والعراق ومرورا بمنتدى الكواكبي وانتهاء بإعلان دمشق.

وحتى بيانات ربيع دمشق الأولى بيان المائة وبيان الألف فان ( عيد ) يعرف تماما من هم المائة ومن أين لهم الألف.

تحملنا النقد الشديد من أصدقائنا ومناصرينا بسببهم وانتقدت أنا شخصيا قيادة الحزب مرارا لأن هؤلاء الهتافون قد بدؤوا يجلبون لنا المتاعب وكان الجواب دائما أن نتحملهم وأن نحملهم وأن المهم اليوم وحدة العمل الوطني وتماسك الساحة حول المطالب الأساسية, وعبرت لهم عن استغرابي للاستهداف غير الموضوعي للموروث الديني الإسلامي الذي يمارسه بعضهم تحت شعار الديمقراطية والحوار والذي يمثل رغم العديد من الملاحظات عليه المرجعية الأساسية لنا ولمعظم القاع الجماهيري في بلدنا , اتهمني ( عيد وأصدقاءه ) يومها بأنني أخوض حربا لتكفيرهم وكأنهم كانوا في يوم من الأيام مؤمنين !!!.

وهنا لن أتوسع بالايدولوجيا رغم خوض( عيد ) المفرط فيها في مقالته تارة عبر اتهامنا بالشمولية وتارة بالجمود وتارة بوضعنا في صف واحد مع فكر أسامة بن لادن وتارة بتبنينا نهج الخطابات الجوفاء والشعبوية وغيرها من الألفاظ الكبيرة والاتهامات التي لا تخلو من الإسفاف وقلة الإدراك وقلة الأدب أحيانا, فالدكتور عيد ورغم تبنيه النهج الليبرالي وإعجابه المفرط واللامتناهي بالمنظومة الأمريكية المتزعمة حاليا له يمارس نفس الأسلوب الذي يتهم الآخرين بممارسته معه لأنهم غير مكترثين بما يتبنى وليسوا منبهرين بمن يعجب بفتح الجيم, وعند توجيه أية ملاحظة لهم يقطعون أيديهم ويبكون عليها ويتهموننا بالتكفير والتخوين .

على أي حال فان الاتحاد الاشتراكي – ولن أكمل الاسم – كي لا أذكر صاحبنا بالجماهيرية العظمى ورغم القصورات الكبيرة التي يعاني منها اليوم في الفكر والتنظيم والحركة نتيجة لظروف العمل السياسي التي تعاني منها جميع القوى السياسية في سوريا بمن فيها الحزب الحاكم منذ أكثر من نصف قرن فانه استطاع إلى حد كبير أن يجتاز هذا التاريخ دون أن يحرف البوصلة أو يغير الاتجاه وأن يضع دائما في مقدمة اهتماماته الأهداف العريضة التي ناضلت وما تزال شعوب الأمة لتحقيقها( وهذا الكلام طبعا شعارات جوفاء وشعبوية بنظر مثقفنا الكبير ).

فالحزب مازال مؤمنا بالحرية ويعتبر لها جناحان حرية الوطن وحرية المواطن ومازال يعتبر الحرية هدفه الأول يمارسها داخل مؤسساته وفي علاقاته بالآخرين وينادي بها ناظما عاما لحل كل المشاكل التي تعاني منها البلاد دون أن يجد نفسه مضطرا للتخلي عن كامل هويته من أجلها ولا أدري الحكمة من أن نكون جميعا ليبراليين كي نكون منفتحين كما انفتح عيد ورفاقه فخلعوا الثوب الأحمر وارتدوا الثوب البرتقالي وتحولوا من الفودكا إلى الشمبانيا.

وإيماننا بالحرية لايعني إطلاقا تخلينا عن الوحدة التي مازلنا نعتبرها كلمة السر الوحيدة لتحقيق نهضتنا واستعادة كرامتنا وحقوقنا ودورنا الإنساني, وإيماننا بالحرية والوحدة لايعني أبدا تخلينا عن الطبقات التي أساسا ننتمي إليها عن الفقراء والكادحين عن العمال والفلاحين وصغار الكسبة دون أن ننسى مصالح التجار والصناعيين والمستثمرين.

ونعود هنا للتساؤل عن المثقف العضوي وأهميته وحول الإسقاطات الموجودة اليوم على الواقع الثقافي السوري خصوصا والعربي عموما لنكتشف المحنة التي يعاني منها الخطاب الثقافي العربي الذي يضيف إلى الأزمات والمتناقضات الموجودة أصلا عاملا أساسيا ومهما إلى العوامل التي ساهمت وتساهم في الضعف والتأخر الذي تعاني منه الأمة.

يستطيع عبد الرزاق عيد أن يتغير كيف يشاء وعندما يشاء وأن يتبدل ويبدل حين يشاء ولكنه اليوم وطالما أنه قرر أن يكون ليبراليا ويؤمن بالديمقراطية بعد أن قرر سابقا أن يكف نهائيا عن الهتاف مع رفاقه البكداشيون كما فهمت من مقاله, فان عليه أن يتحلى بالديمقراطية وأن يؤمن بحق الآخرين أن يفكروا كما يشاءون وليس كما يشاء هو وإلا فإنهم شعبويون وجامدون وشموليون وعليه أن يحترم خياراتهم قبل أن يطالبهم بإتباع خياراته الطارئة والمتغيرة دون أن يسخر منهم لأنهم اختاروا أن يكونوا إسلاميين أو قوميين أو حتى من أبناء جلدته السابقين ( ماركسيين).

أمر آخر عليه أن يتذكره عيد دائما ولا ينساه عندما يكيل الاتهامات وهو أن حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي رغم قوميته وناصريته اختار الديمقراطية عندما كان عيد وسيده غير المأسوف عليه بكداش يركعون ويسجدون لماركس ولينين وستالين ويتلقون الأوامر والتعليمات والأموال من موسكو, وأن كوادر الاتحاد وقياداته التي يتطاول اليوم عليها دخلت السجون دفاعا عن الديمقراطية في وقت كان فيه عيد وبكداش يهتفون مع الهاتفين ( حافظ أسد رمز الثورة العربية).

ونعود إلى إعلان دمشق وأنا لن أقيم الآن موقف حزب الاتحاد من خروجه منه ولي رأي يخالف الحزب في بعض جزئياته ولكن عجبت من رأي الدكتور بأنه لم يشعر بدخول الاتحاد الاشتراكي في الإعلان ولم يشعر بخروجه منه لأقول له بأن الدنيا كلها تناقلت مالم يشعر به وعلى العموم فإنني والجميع يعلم بأنني لا أجافي الحقيقة ولا أتجنى عندما أقول بأن عبد الرزاق عيد في هذه الدنيا لا يمثل أيا كان , انه كان وسيبقى مجرد فقاعة هوائية منفصمة تماما عن كل ما يحيط بها لا وزن ولا قيمة لها في حين يعرف الجميع بمن فيهم هو مكانة الاتحاد ودوره ووزنه.

وإذا كان الاتحاد من وجهة نظره مفلس فكريا وسياسيا فان الإفلاس الذي يمثله الاتحاد أفضل ألف مرة من المراهقة السياسية والفكرية وضياع البوصلة والتهافت التي يمثلها صاحبنا وأمثاله والذين حملناهم طويلا على الأكتاف فذهبوا بعيدا مما أضر بهم وبالاتحاد وبالحركة الديمقراطية في سوريا بأسرها.

وأخيرا فان عيد يستطيع أن ينسلخ عن جلده مرات عديدة ولكنه لن يستطيع أبدا أن يشكل ولو ذرة صغيرة أمام الاتحاد الاشتراكي المعروف جيدا لأعدائه قبل أصدقائه بمواقفه وتضحياته وتاريخه.

و أذكره بان من يسخر منهم اليوم ويحاول تشويه حركتهم ونضالاتهم ربما هم الوحيدون الذين قرؤوا له ومازالوا يقرؤون.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى