صفحات العالمما يحدث في لبنان

نقلات نوعية

حسام عيتاني
ليس لنا الا ان نحصي الأيام التي تفصلنا عن انتصار تحقق وانتظار آخر آتٍ. عشرات المقالات والتحيات والذكريات المنشورة، لا تفعل سوى التشديد على «النقلات النوعية» التي قطعتها المقاومة في اعادة بناء قوتها المسلحة بعد حرب صيف 2006 بما يجعل حرب صيف 2010، على ما توقع احد سياسيينا، مجرد مسيرة واضحة الطريق نحو هزيمة أخرى تمنى اسرائيل بها.
لكن ثمة ما لا يستقيم في فكرة ان لبنان سيشهد القضاء النهائي على المشروع الصهيوني – الأميركي، على ما تنبأ السيد علي خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد. ثمة عبء كبير يلقى باستسهال مخيف على اكتاف ملايين قليلة من البشر، هم مواطنو الجمهورية اللبنانية وخصوصاً سكان «المناطق الحاضنة للمقاومة» وهؤلاء، في المناسبة، ليسوا كلهم من الرافضين لفكرة خوض حرب جديدة.
يشي الاستعداد السعيد لاستقبال انتصار آخر، بين ما يشي، «بنقلات نوعية» من طراز مختلف تحققت في وعي اللبنانيين في اتجاه تجذير وعي مرتكز الى الديموغرافيا والسلاح، العدد والقوة هما عدة السياسة اللبنانية وأداتها. وعلى النحو الذي يوجه السلاح فيه الى الخارج دفاعاً عن لبنان، على ما يقال ويعلن، الا انه قابل للانتقال تحت راية حفظ المقاومة وحمايتها، الى الداخل بسهولة نسبية على ما بينت احداث السابع من ايار (مايو) 2008.
سيكون من السذاجة المؤذية قراءة احداث العام 2006 بصفتها انتصاراً عسكرياً حققته المقاومة في معزل عن نصب مخيم المعارضة في قلب العاصمة بعد ثلاثة اشهر من وقف اطلاق النار في الحرب مع اسرائيل، وإعلان خروج شرائح كبيرة من الطوائف اللبنانية من مؤسسات الدولة او مصادرتها، وما اعقبه من وصول العلاقات الداخلية اللبنانية الى حدود الانفجار.
وسيكون من مستوى اخطر من السذاجة الاعتقاد ان آثار أي حرب مقبلة على لبنان ستنحصر في البنى التحتية والمرافق العامة، بحسب ما يتوعد المسؤولون الإسرائيليون، وبأعداد كبيرة من الضحايا المدنيين والممتلكات الخاصة، بحسب ما تدل التجارب.
ولئن راهنت اسرائيل على مساهمة اضطراب السياسة والاجتماع السياسي اللبنانيين في حصار «حزب الله» والحد من قدراته الميدانية والسياسية، على ما يطالعنا الكتاب الإسرائيليون، فإن ذلك لا يعفي الحزب ومؤيديه من التمعن في الأرضية الطائفية والسياسية التي يقفون عليها وفي المعادلات المحلية قبل تلك الإقليمية والدولية التي تستظل الممانعة بها.
الأرجح ان بعض القيادات في «حزب الله» يدرك هشاشة الواقع اللبناني وأنه يسعى الى عدم الانجرار صوب صدام مفتوح مع بقية المكونات اللبنانية حول اعادة النظر في مواقع الطوائف من تركيب السلطة في لبنان، وهو ما فتح الطريق امام انهاء الحرب الأهلية في 1990، بمعنى المطالبة بتفكيك وإعادة تركيب صيغة الحكم لتتواءم مع معطيات العدد والسلاح من الجهة الشيعية ولتلبي الرغبات في استعادة الموقع السليب، من الجهة المسيحية، بيد ان ذلك يحمل القيادات هذه مسؤولية مضاعفة في سياق صوغ استراتيجية دفاعية تأخذ عوامل الانهيار اللبناني الماثلة أبداً، في عين الاعتبار عند التفكير في أي خطوة على مستوى الصراع مع اسرائيل.
لقد سلّم قادة الطوائف المجتمعة على مائدة الحوار بأهمية التوصل الى استراتيجية دفاعية تأخذ في الاعتبار وجود جيش مواز للجيش الوطني يسمى المقاومة، من دون ان يتقدموا اكثر صوب تعريف الاستراتيجية تلك او تحديدها. بيد ان السؤال ينهض هنا عن سعة «النقلات النوعية» التي سيضطر اللبنانيون الى التعايش معها طالما ظل امر وجودهم او فنائهم معلقاً بحسابات لا يدرك سرها الا الراسخون في العلم.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى