رحلَ المعارض السوري(كبرو تازة) وحسرة”التغيير الديمقراطي” في قلبه
سليمان يوسف يوسف
من غير كلمة وداع،غادرنا الى العالم الآخر،الى حيث ترقد الآلهة،الشخصية الوطنية والقيادي في حزب العمال الثوري العربي وهيئة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض (فرع الحسكة) والعضو في اللجنة لوطنية لقوى إعلان دمشق في المحافظة،المرحوم(جبرائيل ماروكي) المعروف بـ(كبرو تازة- أبو بسام)، الذي وافته المنية صبيحة يوم الاثنين الواقع في الرابع من تشرين الأول الجاري 2010.
الكلمات وحدها، مهما كانت بليغة ومؤثرة،لا تفي الراحلين الكبار حقهم، وانما تبقى الحد الأدنى من واجب الوفاء لهم، فكيف إذا كان الراحل بقامة ومكانة المرحوم (كبرو تازة) الذي عرفه الكثيرون على مدى عقود، سياسياً ومناضلاً لا يكل ولا يتعب، ومربياً ناجحاً. ظلت هموم الوطن والمواطن شغله الشاغل وهاجسه الأول، لازمهما بمبدئية وثبات ونكران ذات حتى رحيله.
فقيدنا الغالي(أبا بسام)،عذراً من روحك الطاهرة،بسبب المحاذير الأمنية والخوف من سلطة قمعية تلاحق معارضيها حتى وهم أموات في طريقهم الى مثواهم الأخير، لم يقام لك حفل (تأبين سياسي) يليق بمقامك وبمكانتك الوطنية الرفيعة.عذراً من كل الذين جاءوا وتحملوا مشقة السفر للمشاركة في مراسيم التشييع والدفن،ومن كل الذين أرادوا التحدث عنك وعن خصالك الحميدة وعن مناقبك الوطنية الكثيرة وعن أخلاقك الانسانية العالية.
نم قرير العينين يا (أبا بسام). فالحشد الجماهيري الكبير،الذي سار خلف نعشك المسجى بـ(العلم الوطني) وضم من كل الطيف السوري(عرباً وأكراداً،آشوريين وأرمن،مسلمين ومسيحيين وايزيديين، ومن كل الاتجاهات السياسية)، كان أعظم تأبين وطني لك وأقوى من كل الكلمات التي كانت ستقال وتتلى في مجلس العزاء المزين بالصلبان وأكاليل الورد وبطاقات التعازي.
المرحوم (كبرو تازة)، ابن أسرة سريانية فلاحية كادحة.ينتمي الى جيل الأربعينات.من قدامى لاعبي “نادي الرافدين” السرياني، الذي تأسس عام 1936 وتألق على المستوى الوطني والإقليمي،الأمر الذي أغاظا العقلية الشوفينية العربية حتى أغلقته عام 1962.منذ أن كان شاباً يافعاً انشغل الفقيد كبرو في الشأن العام وانخرط في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي.شارك في انتفاضة الفلاحين ضد الإقطاع وملاكي الأراضي في الجزيرة السورية في ستينات القرن الماضي.وقف مع الجناح البعثي الماركسي بزعامة المرحوم (الياس مرقص)،والذي انشق عن حزب البعث لاحقاً وشكل حزباً جديداً باسم(حزب العمال الثوري العربي)، يقوده اليوم الاستاذ عبد (الحفيظ حافظ).حزب العمال هو عضواً في (التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض منذ تأسيسه عام 1980.بقي المرحوم(كبرو) مخلصاً لمبادئه التي آمن بها وناضل من أجلها.تعرض أكثر من مرة للتوقيف والاستجواب من قبل الفروع الأمنية على خلفية نشاطه السياسي.كان بحق جندياً مجهولاً يعمل بعيداً عن الأضواء بين الناس وللناس.تميز بحسه الوطني والإنساني وبأخلاقه العالية وبنفس متواضعة.كان كبيراً مع الكبار وصغيراً مع الصغار.حتى أصبح نموذجاً ومثالاً يحتذى به في مختلف المواقف والمناسبات.بسلوكه القويم كسب ود واحترام وثقة الجميع.شكل الفقيد حالة وطنية ونقطة التقاء جامعة لا بل كان مدرسة وطنية متميزة.حيث كانت دارته ملتقى مفتوحاً لكل المنخرطين في الشأن العام ومن كل الطيف السياسي السوري. وقد خاطبته زوجته السيدة (هدى) في كلمة الوداع التي ألقتها في رحيله “سيبقى باب بيتك مفتوحا ً للجميع…ستظل مكتبتك مرجعا ً للجميع…. لقد عشت و مت و أنت محكوم بالأمل.. سأبقى قوية يا أبا بسام كما كنت تريد…و لن أنحني مهما حصل”.
لعب الفقيد دوراً كبيراً ومؤثراً في تعزيز الروح الوطنية لدى أوساط شبابية وشعبية كثيرة في مدينة القامشلي التي نشأ وترعرع فيها،خاصة في الأوساط السريانية(الآشورية) والمسيحية عموماً.كان معلماً ومربياً ومديراً في المدارس الحكومية. تميز بنظافة اليد والفكر واللسان ونقاوة القلب والإخلاص والتفاني في العمل. لم يترك مالاً ولم يبن قصوراً لأبنائه. لكنه ترك لهم رصيداً وطنياً كبيراً من حب الناس وتقديرهم لهم، لا يقدر بثمن.
كان الفقيد من دعاة التعايش السلمي بين مختلف القوميات والثقافات والأديان..ومن دعاة احترام الحقوق الديمقراطية والقومية لكل السوريين من غير العرب، إيمانا منه بأن سوريا يجب أن تكون وطناً لكل السوريين.كان ينبذ العنف والتعصب.. لا مكان للطائفية والعنصرية في قاموسه الشخصي وفي ثقافته الوطنية… فرغم انخراطه في الحركة القومية العربية، كان صديقاً وفياً لكل الناشطين في الحركتين الآشورية والكردية. يبحث عن المشتركات الوطنية معهم ويبتعد عن الخلافات الآيديولوجية والفكرية.لهذا،رحيل (أبو بسام) شكل خسارة كبيرة ليس لأسرته وحزبه فحسب، وانما للحركة الوطنية السورية عموماً وللحركتين (الآشورية والكردية) خصوصاً،لما كان يمثله المرحوم من جسر للتواصل وعامل حراك سياسي وساحة تلاقي بين هذه الحركات الوطنية.لقد أثبت في أكثر من موقف ومحطة بأنه كان أكثر حرصاً، على وحدة وتماسك الحركتين(الآشورية والكردية)، من بعض القائمين على هذه الحركات،التي تعصف بها من حين لآخر أزمات داخلية.فهو كان ينظر الى كلتا الحركتين وتعاطى معهما على أنهما جزء من الحركة السياسية الوطنية، أو هكذا أراد أن تكونا…
رغم قسوة الاستبداد وعسف النظام بالمعارضين لنهجه وسياساته ورفضه للقاعدة الديمقراطية في (تداول السلطة)،بقي الراحل صامداً لم يعرف التعب واليأس،محكوماً بالأمل والتفاؤل بقرب التغيير الديمقراطي في سوريا.الحلم الذي ناضل وناضل الكثيرون من أجله، ولأجله زج بالكثيرين في السجون… في ثمانينات القرن الماضي،حيث كان النظام السوري على أشد قوته،عاتبني الفقيد العزيز (كبرو تازة) على اختياري لكلية الفلسفة وعلم الاجتماع، بدلاً من كلية الحقوق،قائلاً:”البلد بحاجة لمحامين وقضاة أكفاء ومبدئيين يُعتمد عليهم في المستقبل للدفاع عن حقوق المحرومين والمظلومين من الشعب السوري”.أجبته متسائلاً: ” هل برأيك يا أبا بسام ثمة فرصة لمحام أو قاض جيد أن يأخذ دوره ويمارس مهنة المحاماة كما يملي عليه ضميره وواجبه الوطني والأخلاقي في ظل نظام شمولي مستبد، لا فصل فيه بين السلطات الثلاث وخضوع الجهاز القضائي لأوامر وهيمنة الأجهزة الأمنية..” فرد الراحل كبرو:” هل تفكر أن يدوم هذا النظام الى حين تنهي دراستك الجامعية وتتخرج محامياً…أضاف: اذا ما بقي، فعليك وعلى شهادتك وعلينا جميعاً السلام”….!!!.ها قد غادرتنا يا أبا بسام وبقي التغيير الديمقراطي حسرة في قلبك!..رحلتَ،والنظام باق، وقد جدد نفسه وأعاد ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية مع رئيس شاب(الدكتور بشار الأسد)،غالباً سيحكم سوريا عقوداً. عذراً من روحك الطاهرة، ومن روح كل السوريين الذي حلموا بالديمقراطية وسبقوك الى العالم الآخر. لأننا قد نموت ونرحل جميعاً ويبقى “مشروع التغيير الديمقراطي” مجرد “حلم” نورثه لأبنائنا وأحفاد أحفادنا من بعدنا…
برحيلك فقدت مدينة القامشلي الشامخة رمزاً من رموزها الوطنية. وتركت فراغاً سياسياً واجتماعياً يصعب ملئه في هذا الزمن السوري الصعب…
ودعنا يا أبا بسام،كنت أنساناً قبل كل شيء،وصديقاً عزيزاً.ستبقى ذكراك حية خالدة في أفئدتنا وعقولنا و نفوسنا، وستبقى المثل والقدوة.. وشعلة متقدة في تاريخ الحركة الوطنية السورية عموماً وفي منطقة الجزيرة السورية خصوصاً.
نعم يا أبا بسام،العزاء عزاءنا جميعاً. فموتك ترك حزناً عميقاً في نفوسنا…..لكن أخلص العزاء لزوجتك الكريمة السيدة (هدى ملكون) التي وقفت الى جانبك في كل الظروف والمحن والتي سهرت على صحتك بعد مرضك.. وأخلص العزاء الى أبنائك وأسرتك المكافحة.. والى كل أصدقائك ومحبيك ورفاق دربك في حزب العمال الثوري العربي وفي الحركة السياسية الوطنية السورية… وألف تحية إلى روحك الطاهرة…
القامشلي – سوريا
ايلاف
ياسيد سليمان يوسف يوسف – أنا لا أعرفك ولا أعرف وجهتك السياسية والإيديولوجية — ولكن أخاطبك من منطلق جميع الأديان السماوية – أولاً : لايوجد آلهة ولكن هو إله واحد – هكذا جاء على لسان جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ثانياً : الله الواحد الأحد لايرقد ولاينام كما جاء في السطر الأول من مقالتك – ونجمل هاتين النقطتين بقول الله تعالى : الله لاإله إلا هو الحي القيوم لاتأخذه سنة ولا نوم له مافي السماوات وما في الأرض ……… إلى آخر الآية الكريمة 255 – البقرة – هذا ما أردت بيانه — للفقيد الرحمة ولكل أهله وأصحابة جميل العزاء – والسلام على من اتبع الهدى