ما يحدث في لبنان

وليمة الدوحة

null

غسان شربل

لا داعي للتشاطر. ولا للأكاذيب. ولا للتمويه. ورش السكر على الموت. الخلاف جوهري. المخاوف عميقة. الكراهية موجودة. الحقد حاضر. اللغات متباعدة. العجز عن الطلاق هو السبب في التئام الشمل حول الطاولة بعد كل وجبة دموية. بعد كل مجازفة يرتكبها هذا الفريق أو ذاك.

البند الأول في الانقاذ يجب أن يكون وقف التكاذب. لا تجوز تغطية بقع الدم بالكلام الخجول. لا يجوز اخفاء الخناجر تحت المصافحات. يجب أن يكون الكلام صريحاً وواضحاً وعارياً. يجب الاعتراف بأن البلد يشهد أزمة غير مسبوقة بين مكوناته الرئيسية. ما شهده في الأيام الأخيرة ليس حادث سير عابراً. لم يكن وليد خروج قطار عن خطه بفعل خطأ تقني. البلد برسم الانهيار. البلد قيد التأسيس أو الإلغاء.

يجب أن يعترف المتحلقون حول الطاولة في الدوحة بما يعرفون. لبنان يعيش بدايات نزاع سنّي – شيعي حول مستقبله. وحول التوازنات الداخلية والموقع الاقليمي والدولي للبلاد. بين الشيعة من يعتبر المعادلة اللبنانية التقليدية قفصاً يمنع الاعتراف بالوقائع الجديدة. بين السُنة من يعتبر أن هالة المقاومة تستخدم لتقليص حصة طائفتهم. يشعر المسيحيون بخوف عميق على مستقبلهم. المعادلة السكانية ليست في صالحهم. يخشون من عدم التسامح المتزايد في المنطقة.

مهمة المجتمعين في الدوحة ليست سهلة. ثمة من يعتقد بأنها شبه مستحيلة. انها محاولة لاستكشاف امكان اختراع وطن يتسع للسيد حسن نصرالله وسعد الحريري ووليد جنبلاط وامين الجميل وسمير جعجع. كل منهم يمتلك صفة تمثيلية لا يمكن التشكيك فيها. التمثيل الشعبي أو تمثيل عمق المطالب والمخاوف لدى طائفته. لا اقلل أبداً من حضور نبيه بري. لكن مشكلة الآخرين ليست معه هذه المرة. لا اقلل أبداً من الصفة التمثيلية للعماد ميشال عون. لكن الجميل وجعجع اكثر قدرة منه على التعبير عن المخاوف القديمة والمستجدة لطائفتهما تماماً كالحريري وجنبلاط وان كانت الصفة التمثيلية للأخيرين أوسع وتكاد تبلغ حد وحدانية الزعامة في الطائفة.

من هنا على الحريري وجنبلاط والجميل وجعجع ان يستمعوا بانفتاح ورحابة الى ما يقوله ممثل «حزب الله» محمد رعد. ان يستمعوا الى مطالبه ومخاوفه كممثل لشريك كبير لا يمكن بناء الوطن من دون فهمه وتفهمه وموافقته. ان استنادهم الى أكثرية برلمانية لا يعطيهم في التركيبة اللبنانية حق املاء صوتهم وصورتهم وخياراتهم على كامل الوطن. هذا واجبهم وبغض النظر عن مشاعرهم ومفردات قاموسهم.

ومن واجب رعد ان يستمع الى مطالب الآخرين ومخاوفهم ليفهمهم ويتفهمهم. ليس من حق «حزب الله» وبغض النظر عن تضحياته ان يفرض لونه على البلاد بعيداً عن رغبات المكونات الأخرى فيها. اكثرية 14 آذار لا تعطيها تفويضاً بفرض دولتها على المقاومة من دون تسوية تاريخية. هالة المقاومة لا تعطي «حزب الله» تفويضاً لفرض دولته أو تحويل الدولة اللبنانية دولة معلقة على حبل مستقبل النزاع المفتوح في الاقليم. انها بديهيات لبنانية. بديهيات مهما أثارت من مرارات وبدت أحياناً كأنها تأخذ من القوي لتعطي الضعيف لإنقاذ القفص الذي لا قدرة للمعادلة اللبنانية على العيش خارج قضبانه.

لا يمكن إعادة اختراع الوطن اللبناني من خارج منطق التسوية. منطق منتصف الطريق أو أقرب نقطة اليه. لا يمكن تجاهل عناصر القوة. لا يمكن أيضاً الاستسلام لها وترجمتها بصورة آلية. يمكن القول ان التاريخ سيراقب أداء نبيه بري. انتفاضته الشهيرة في 1984 علمته حدود الانتفاضات وادخلته لاحقاً نادي الحكماء. سيراقب التاريخ أيضاً اداء ميشال عون. قبوله بأي صيغة لحكومة تعجز عن القرار وإدارة البلاد سيكون كارثياً على صورته قبل رصيده.

لا بأس بأن يستدعى لبنان عارياً الى طاولة الدوحة. وأن تظهر عروقه وما تكدس فيها. وعظامه واضطرابات قلبه واختناقات رئتيه. اعرف أن أمير قطر ورئيس وزرائها والوزراء المشاركين سيشاهدون ما يثير الاستغراب والاستهجان والاحباط لكن عليهم ان يحاولوا. انقاذ لبنان انقاذ للأمة. ومن يعجز عن التعايش في لبنان لن ينجح خارجه.

لا خيار غير التسوية. من دونها لن تبقى الدولة. ولن تبقى المقاومة. ستهب رياح العرقنة. وستفيض النار عن مسرحها وان تأخرت. لا خيار غير التسوية وان بدت مثقلة بالمرارات. لا خيار غير التسوية ولو شعر كل مدعو اليها بأنها تشبه الوليمة المسمومة.


الحياة – 18/05/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى