صفحات سورية

سورية قبل المصالحة وبعدها

null
ثائر الناشف
مصالحة تموت وأخرى تولد من رحم الخلافات ، فالناظر للسماء العربية سيجدها ملبدة في هذا الوقت وفي كل الأوقات بغيوم الخلافات وسحبها التي تزيد المشهد سواداً ، ونادراً ما تغدو على صفائها الحقيقي ، والسبب في مصدر تلك الخلافات شديدة التنوع والتعقيد ، أن بعضها من داخل البيت ، والآخر يجري تصديره أو ترحيله إلينا من الجوار المحيط ، ولا يختلف هذا عن ذاك ، من حيث صعوبة حله وعلاجه الذي يحتاج إلى وقفة طويلة لسبر أغواره وتبيان أخطاره .
لو تساءلنا بداية ، لماذا المصالحة ومع مَن ؟ لقيل لنا ديبلوماسياً وإعلامياً ، لتنقية الأجواء العربية من الشوائب وإعادة العجلة إلى مسارها الصحيح بما يعزز آلية العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات ، وهذا يستدعي سؤالاً آخر وهو ، مَن الذي حرف العجلة عن مسارها ، وعلى مَن تقع مسؤولية تسميم الأجواء ؟ الإجابة على هذين السؤالين سيفضي من دون شك إلى إطالة أمد أي مصالحة مرتقبة لكي لا نقول سيزيل الخلافات من جذورها .
والعقبة الكبرى أن الإجابة عن السؤالين أعلاه ، سيحمل المسؤولية دائماً على الجميع ، الأمر الذي سيؤدي إلى التعمية على المتسبب الحقيقي وتحميل الآخر وزر غيره ، علماً أن مسؤولية الخلافات في أساسها فردية – شخصية وليست جماعية ، والراجح أن جهة تختلف مع جهات أخرى وليس العكس ، وهو ما يحتم وضع الإصبع على موقع الخلل ، ولتتضح معالم الصورة أكثر ، ستبين لنا أن جهات المصالحة الأساسية هي ، سورية ومصر والسعودية ، والسؤال الأشد تعقيداً حتى الآن ، مَن صالح مَن أولاً ؟.
إذا كانت سورية هي مَن شرعت في طلب المصالحة ، فهذا دليل على الاعتراف بأخطائها تجاه غيرها ، أما إذا كانت مصر والسعودية هما مَن بادر في المصالحة ، أيضاً هو دليل اعتراف آخر ، والواقع لا يسجل أن أحداً يقر بأخطائه تجاه الآخر مهما كانت النفوس صافية .
مرة أخرى ، لماذا المصالحة الآن ، ألم تتأكد للمتصالحين حقيقة استحالة استمرار مصالحتهم ، طالما سارت مصالحهم في خط يتصادم مع خط الآخر ونهجه ، ثم لماذا التصالح مع النظام السوري وحده من دون غيره ، وهو الذي استبق المصالحة في إعلان موتها ، هل لستراتيجية النظام في التشهير والتقليل من قدر الآخر دور في دفعه إلى طلب المصالحة ورجائها معه ؟.
يبدو أن عمر هذه المصالحات بعمر بياناتها التي سرعان ما تتبخر ويجف حبرها ليلاً ، فطي صفحة الماضي ، التي أعلنت عنها قمة الرياض الرباعية ، لن تستمر طويلاً ، وهذا ليس من باب المراهنة ، لأننا تعودنا على مشاهدة دراما المصالحة العربية من حين لآخر ، وعلى أهل المصالحة ودعاتها أن يتحملوا ثمن دعوتهم هذه ، عندما تحين ساعة مباغتتهم سياسياً وإعلامياً ، ليكتشفوا أن الحال لم تتغير مع نظام يرفض أن يتغير ، لأنه هو – هو قبل المصالحة وبعدها .
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى