صفحات العالم

الإستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة العربية والجوار

ريتشارد هاس، ومارتن إنديك
ترجمة شيرين حامد فهمي
قام  كل من مركز سابان(Saban Center) في مؤسسة “بروكينغز” (Brookings Institution)، ومركز “مجلس العلاقات الخارجية” (Council For Foreign Relations) – في خطوة وصفت “بالتاريخية”- بإعداد مشروع بحثي مشترك بينهما، كي تقدم مسودته للرئيس الأميركي الجديد (باراك أوباما) ومستشاريه، على أن تكون ركيزة أساسية في تعامل الإدارة الجديدة مع ملفات “الشرق الأوسط”. كما سيقدم المشروع النصائح والتوجيهات اللازمة لكل من الكونغرس والإعلام والجمهور الأميركي.
ولتحقيق هذه الغاية عكفت مجموعة خبراء مختارة من المؤسستين، ومن ضمنها مسئولين حكوميين سابقين، طيلة 18 شهرا وأنجزت أطروحات وحلولا مقترحة للتحديات التي سيواجهها الرئيس أوباما خلال فترة رئاسته حول:
1. كيفية مواجهة الطموحات النووية الإيرانية
2. كيفية تعزيز التعايش الوطني العراقي وكبح جماح الآثار المدمرة لعدم الاستقرار العراقي
3. كيفية حل الصراع العربي الإسرائيلي حلاً نهائيا
4. كيفية تعزيز الاستقرار في لبنان
5. كيفية مواجهة خطر الإرهاب الراديكالي الإسلامي
6. كيفية تعزيز الإصلاحات السياسية والاقتصادية بصورةٍ أكثر فعالية
وقدم رعاة المشروع وتحديدا كل من: مارتن إنديك مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنغز، وريتشارد هاس رئيس مركز مجلس العلاقات الخارجية، رؤية حول المهام والأعباء -ذات الصلة بالمشروع- والكيفية التي يجب على الرئيس الجديد أن يتعامل معها.
وقامت بنشرها مؤسسة بروكنغز كمقالة لهما على موقعها الإلكتروني تحت عنوان “إنه وقت التجديد الدبلوماسي، نحو إستراتيجية أميركية جديدة في الشرق الأوسط”، وكذلك نشرته مجلة فورن أفيرز (Foreign Affairs) على صفحات عددها وعلى موقعها الإلكتروني بعنوان”ما بعد العراق، إستراتيجية أميركية جديدة في الشرق الأوسط”.
*        *         *
يدعو التقرير للخروج من هيمنة المسألة العراقية على السياسة الخارجية الأميركية على ما هو عليه الأمر خلال السنوات الست الفائتة، والحد من دور القوات الأميركية القتالي هناك من خلال نقل المسئوليات إلى العراقيين، ولكن “بمنتهى الحذر والدقة والحيطة، حتى لا تذهب إنجازات الماضي أدراج الرياح”. لأن هذا الإجراء من شأنه تحسين الأوضاع في العراق بحيث يعطي الإدارة الأمريكية الجديدة الفرصة لتنقل تركيزها من العراق إلى إيران التي تسابق الوقت لتنجز مشروعها النووي “الخطير”.
وفي سياق الجهود لتطويق إيران تطالب الورقة أوباما بالاتصال مباشرة بإيران ودون أي شروط في محاولة لمنعها من تطوير قدراتها وإمكاناتها النووية، ولكنها تدعوه في الوقت ذاته إلى تنظيم الجهود الدولية لفرض عقوباتٍ قاسية عليها إذا ما أثبتت عدم رغبتها في تغيير مسارها الحالي.
كما لا تستبعد الورقة  شن حرب استباقية ضد إيران من قبل أميركا أو إسرائيل رغم تكلفتها الباهظة وما ستجره من ويلات وتهديدات، ولكن “كبديل أخير” عن “مخاطر” التعايش مع قنبلة نووية إيرانية. كما يتحتم على إدارة أوباما لتعزيز الخيار الدبلوماسي في هذا الصدد، “دعم قدرات إسرائيل الردعية من خلال مدها بصواريخ باليستية مضادة إضافة إلى ضمانات على الصعيد النووي.
وتواصل الورقة طرح مقترحاتها وتوجيهاتها وهو ما يبينه بقية النص أدناه.
1- السلام وعودة أميركا للمنطقة العربية
2- النفط والسياسة الخارجية
3- النظر إلى ما بعد العراق
4- التفاهم مع الدول الكبرى بشأن إيران
5- ضرب إيران والبدائل
6- الطريق الأقصر
7- الدولتان والمسار الفلسطيني
8- متطلبات النجاح
1
السلام وعودة أميركا للمنطقة العربية
يجب أن تبذل الإدارة الأمريكية الجديدة جهودا مركزة لإبرام اتفاقيات سلام بين إسرائيل وجيرانها العرب وخاصة سوريا، لأن أي اتفاق إسرائيلي سوري من شأنه أن يُضعف نفوذ إيران الإقليمي، وأن يُقلل تباعا الدعم الخارجي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” و”حزب الله”، وسيُحَسن من آفاق الاستقرار في لبنان.
أما على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية، فهناك حاجة ملحة لجهد دبلوماسي يحقق “حل الدولتين” في وقت لا تزال مثل هذه الفرصة متاحة.
وعلى الرغم من الانقسامات على الجانبين، والشكوك حول قدرة السلطة الفلسطينية على إخضاع المزيد من الأراضي لسلطتها ما يجعل من الوصول إلى اتفاقية سلامٍ دائم في الوقت الراهن أمراً غير ممكن، فإن كل ذلك يجب أن لا يكون ذريعة لتجاهل هذا المسار، بل يجب بذل المزيد من الوقت والجهد لإيجاد مناخ يساعد على إنجاح العملية الدبلوماسية في وقت لاحق.
وعلى العموم فإن الجامع بين هذه المبادرات هو التركيز مُجدداً على الدبلوماسية باعتبارها أداة للسياسة الأمنية الأميركية، حيث أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها دون الحصول على الدعم والمساندة من قبل حلفائها الإقليميين مثل روسيا وأوروبا والصين.
وقد يرى البعض أنه لا جدوى من بذل أي جهد أميركي في منطقة الشرق الأوسط حيث أولت إدارة “بوش” الابن هذه المنطقة الكثير من الجهد والاهتمام، بل وقدمت الكثير من الدم الأميركي في سبيل تغييرها وانتهى الأمر بالفشل. ويرى أصحاب هذا الرأي، أنه من الأجدى لإدارة “أوباما” أن تيمم وجهها نحو الداخل الأميركي، وإذا كان ولا بد من الاهتمام بالخارج، فليكن في منطقةً أخرى غير منطقة الشرق الأوسط.
وهذا الرأي مردود عليه ببساطة، أن ما يحدث في الشرق الأوسط لن يظل حبيس الشرق الأوسط، بدء من الإرهاب، مرورا بنشر السلاح النووي، انتهاء بأمن الطاقة، فهذه كلها تحديات عالمية راهنة لا يمكن إدارتها إلا بإدارة الشرق الأوسط.
استعادة النفوذ الأميركي في المنطقة العربية
أصبحت الولايات المتحدة القوة المهيمنة في الشرق الأوسط بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، إلا أن تأثيرها شهد تراجعا في الأعوام القليلة الماضية، بسبب فشلها في تحقيق تسوية دائمة للصراع العربي الإسرائيلي، ولفشلها في تحقيق النموذج العراقي الديمقراطي، ولأنها فشلت كذلك في إشاعة الديمقراطية في الأنظمة العربية الاستبدادية.
كما لم تقم أميركا إلا بالقليل إزاء الصراعات في المنطقة على مدى عقد من الزمان، مما أضر بسمعتها ووصمها بالتكبر وباعتماد معايير مزدوجة.
وعزز تراجع الولايات المتحدة دوليا تراجعها على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط، فقد نجحت إدارة “بوش” في إثارة شكوك وتوجسات حقيقية من نوايا الولايات المتحدة وأهدافها، وتعاظمت هذه الشكوك بفعل الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وبدت أميركا في صورة الدولة العاجزة عن تحقيق أيٍ من وعودها، بل في صورة الدولة التي تحيل الأمور دائما إلى الأسوأ.
إلا أنه على الرغم من كل ذلك، فإن معظم دول الشرق الأوسط لا زالت تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها الضامن الأكبر لأمنها، والقوة الأعظم لمساعدتها على تحقيق أهدافها، وما زال الكثير من الناس في الشرق الأوسط يحبون القيم الأميركية، ويتطلعون إليها، وإن انتصار “أوباما” في الانتخابات سيؤكد لهؤلاء الناس بأن تقديرهم للقيم الأميركية لم يذهب هباء، وإذا استطاع “أوباما” أن يكسب احترام الجماهير العربية والمسلمة، فحينها سيكون قادراً على إقناعها بتأييد حكامها ليتعاونوا مع الولايات المتحدة.
ويجب على إدارة “أوباما” الاستفادة من رغبة القوى العالمية والإقليمية في العمل مع الولايات المتحدة، بتجديد التزام واشنطن باعتماد الطرق الدبلوماسية في سياساتها.
والحقيقة، إن تجديد هذا الالتزام كان ملحوظا في السنوات الأخيرة من عهد إدارة الرئيس بوش، وذلك حينما شارك الدبلوماسيون الأميركيون في سلسلة من الجهود المتعددة الأطراف للتعامل مع إيران وكوريا الشمالية، ولإعادة بناء العلاقات الأميركية العابرة للأطلسي، ولدعم السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وكي تثمر هذه الجهود فعلاً، فإن دبلوماسيي إدارة “أوباما” بحاجة إلى المزيد من الدعم.
وكذلك على إدارة “أوباما” أن تخطط جيداً لإعادة تشكيل المحيط والإطار الإستراتيجي في الشرق الأوسط، حيث أن مناهضة الإرهاب تمثل جزءًا أساسياً وأصيلا في الإستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة ويجب أن يظل الأمر هكذا، إلا أننا ما عدنا بحاجة لكي تكون مناهضة الإرهاب محركا لتلك الإستراتيجية.
فإدارة “أوباما” مُطالبةٌ بالتركيز على دعم القدرات المحلية لمحاربة الإرهاب، وعلى منع إعادة ظهور “القاعدة” في العراق، وعلى تقوية شوكة المؤسسات في “الدول الفاشلة” التي تعتبر مرتعاً لبناء قواعد وجذور جديدة للقاعدة. وعلى “أوباما” أن يرسل رسالة واضحة إلى العالم الإسلامي يقول فيها إن الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام، ولكنها في حرب مع جماعات صغيرة متطرفة وعنيفة تتحرك ضد تعاليم الإسلام نفسه.
لا جدال في تمكن إدارة “بوش” من تحقيق بعض النقاط الإيجابية في العالم العربي، بفضل ترويجها الكبير لـ”أجندة الحرية”، إلا أن إصرارها على قيام انتخابات حرة في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية مكن الأحزاب الإسلامية، مع الميليشيات، من دخول العملية السياسية ما أدى إلى شلل هذه الأخيرة.
وكان قيام الإدارة الأمريكية بمقاطعة “حماس”، بعد فوزها في انتخاباتٍ فلسطينيةٍ حرة نزيهة، عاملا أساسيا في تمكين مناهضي الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي من رفع شعار المعايير الأمريكية المزدوجة، هذا فضلاً عن تخلي “بوش” عن مطالب جمهوره بفتح باب الحرية السياسية في كلٍ من مصر والسعودية، الأمر الذي أسقط مصداقية “مشروعه الديمقراطي” في المنطقة.
وبدلاً من نبذ تلك الجهود برمتها، على إدارة “أوباما” أن تحدث توازناً أكثر ملائمة بين المصالح الأمريكية من جهة، والقيم الأمريكية من جهةٍ أخرى. فالأنظمة القمعية المتجاهلة لمطالب جماهيرها المشروعة تسببت بظهور معارضة قوية منتمية إلى المسجد، وهو ما يتوجب إزالته.
فالحل لا يكمن في إجراء الانتخابات المبكرة، لاسيما إذا كانت “الأحزاب الميليشوية” هي المُرشحة للفوز، إنما يكمن في تعزيز الليبرالية التي ستطلق المجتمع المدني، وتفتح الفضاء السياسي، وستدعم شوكة القيم الديمقراطية التي تتضمن سيادة القانون والاستقلال القضائي وحرية الصحافة وحقوق المرأة وشفافية الحكومة.
وإضافة إلى كل ذلك، فإن الولايات المتحدة بحاجة لتركيز جهودها على بعث الأمل في قاعدة عريضة ومتعاظمة من الشباب العربي، وأيضاً على مد تلك الشبيبة بالعقل والمنطق لمقاومة تلك “الرؤى الظلامية التي ينشرها المتطرفون الدينيون”.
2
النفط والسياسة الخارجية
إن اعتماد الاقتصاد الأميركي على النفط هو السبب الرئيسي لقلق الولايات المتحدة، وهو الذي يجعل منطقة الشرق الأوسط من أولى أولوياتها، حيث أن الاستهلاك الأميركي للنفط يساعد “المتطرفين” في إيران وفي غيرها من البلدان، وقد تكمن المشكلة الحقيقية في الانخفاض الدراماتيكي الذي شهدته أسعار النفط في الآونة الأخيرة، مما يشجع الأميركيين على استهلاك المزيد من النفط.
فلو ظلت أسعار النفط مرتفعة كما كانت من قبل، لكان في إمكان الأميركيين تغيير عاداتهم الاستهلاكية، ومن ثم تفادي المزيد من الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط. وبما أن ذلك لم يحدث، فإن “أوباما” مُطالب بمضاعفة الجهود السابقة للتقليل من الاستهلاك الأمريكي للنفط مع البحث عن مصادر بديلة أخرى للطاقة، وهذه السياسات سيكون لها دور في تقليص الطلب على النفط، وستبطئ وتيرة تغير المناخ، كما ستحد من انتقال الثروة إلى دولٍ مثل إيران وروسيا وفنزويلا.
وليس من قبيل الصُدفة، أن يُقلص القادة الإيرانيون من نشاطهم الخارجي في التسعينيات، حينما كان سعر البرميل لا يتجاوز عشرة دولارات، وليس من قبيل الصُدفة أيضاً أن يزداد نشاطهم الخارجي في هذا العقد، حيث وصلت أسعار النفط إلى أوجها.
وبما أن أسعار النفط قد هبطت حالياً مرةً أخرى، فإن الرئيس “محمود أحمدي نجاد” لم يعد بوسعه تمويل مغامراته الخارجية، لاسيما في ظل سوء إدارته للاقتصاد الإيراني الذي أدى إلى خيبة أمل سياسية في الداخل.
فالدرس واضح وضوح الشمس: التقليل من استهلاك النفط بإمكانه تغيير البيئة الإستراتيجية في الشرق الأوسط، ومن ثم، فسياسة الطاقة هي السياسة الخارجية.
3
النظر إلى ما بعد العراق
من أهم الخطوات التي يتوجب على إدارة أوباما القيام بها هي توسيع مجال الرؤية في واشنطن ليشمل ما بعد العراق، ولقد أسهم زيادة عدد القوات الأميركية والتغير الملحوظ في الأساليب المعتمدة، ورغبة زعماء السُنة والشيعة في حفظ الاستقرار في “مجتمعاتهم”، أسهم هذا في إيجاد فرصة للولايات المتحدة كي تكرس اهتمامها لقضايا إقليمية أخرى.
فقد تم تحجيم العنف الطائفي في البلاد بشكل فعال، كما أن سطوة تنظيم القاعدة في العراق قد ضعفت بصورة جذرية، إلا أن الوضع لا يزال هشا، والحاجة إلى القيام بالمزيد من المهام ستحول دون إجراء تخفيضات متواضعة في القوات الأميركية خلال العام 2009. ومع ذلك، فبحلول منتصف عام 2010، ينبغي على إدارة أوباما أن تكون قادرة على تخفيض عدد القوات الأميركية بشكل ملحوظ، إلى نصف ما كان عليه الأمر قبل الزيادات الأخيرة في عدد الجنود، “وهذا يتسق مع الاتفاق الذي يحكم وجود القوات الأميركية والذي يجري التفاوض بشأنه حاليا بين الولايات المتحدة ومسئولين عراقيين”.
وفي غضون ذلك، سيكون تعزيز المصالحة بين الطوائف، والتوزيع العادل لعائدات النفط، من أهم الأولويات السياسية. ومن الناحية الدبلوماسية، على إدارة “أوباما” إقناع الدول العربية السُنية المجاورة للعراق بالعمل مع حكومة في بغداد يترأسها شيعي.
ويجب مقاربة توقيت الانسحاب من العراق بحذر شديد، فالتخفيض السريع لعدد الجنود الأميركيين يمكن أن يُفضي من جهة إلى إلى استعادة ما كان عليه الوضع سابقا من عدم استقرار وخلق أجواء مواتية لإيران وتنظيم القاعدة، بينما سيترك التخفيض البطيء القوات الأمريكية أسرى لقضية العراق، وسيمنعهم بهذا من ممارسة أي مهام في مناطق أخرى.
ومن ثم فإن “أوباما” بحاجة إلى سحب الجنود بطريقة تمكنه من نقل المسئولية إلى السلطات العراقية على الملأ وبجلاء أمام القادة العراقيين والدول المجاورة، وكذلك أمام الشعب الأمريكي الذي يريد التأكد أن بلاده في طريقها للخروج نهائيا من “ورطة العراق”.
وعند تنفيذ هذا الإجراء بصورةٍ تدريجية فلا ولن يحط من مصداقية واشنطن التي قدمت الكثير خلال العامين المنصرمين من أجل دعم استقرار العراق، وإعادة حياة العراقيين إلى طبيعتها.
4
التفاهم مع الدول الكبرى إيران
وفي الوقت ذاته، فإن إدارة أوباما تحتاج إلى توجيه اهتمامها نحو إيران، حيث تشعر الحكومات العربية بأن التاريخ يكرر نفسه، وأن المحاولة الفارسية للسيطرة على منطقتهم قد تجددت، وتتخوف هذه الحكومات من أن تلهم الجماعات الشيعية الصاعدة حديثا بدعم إيراني في العراق ولبنان، الجماعات الشيعية التي ظلت في بلدان أخرى تحت القمع لفترات طويلة مثل البحرين والمملكة العربية السعودية.
وصحيح أن إدارة “بوش” نجحت في ضرب “طالبان” و”صدام حسين”، ولكنها قامت أيضاً بإزالة أعتى أعداء طهران، وفتحت الباب على مصراعيه من غير قصد أمام إيران للتفرد بالزعامة الإقليمية للمنطقة، الأمر الذي يثير قلق الحكومات العربية التي تشعر أنها أمام مشهد تاريخي يكرر نفسه، حيث تعود “المحاولات الفارسية القديمة للهيمنة على منطقتهم”، كما تتوجس تلك الحكومات العربية من القوى الشيعية في العراق ولبنان “والتي صعدت بدعم إيراني”، من أن تشكل حافزا ملهما لجماعات شيعية أخرى في المنطقة قد “هُضمت حقوقها”، مثل البحرين والسعودية.
وترى قوى عربية إقليمية ومعها تركيا وإسرائيل، في إيران دولة تسعى بكل قوة للحصول على قدراتٍ نووية، يبدو أن المجتمع الدولي يقف حيالها عاجزا، هذا إضافة إلى ما حققته إيران من تقدم -وبمساعدة من “وكلائها” حماس وحزب الله- على صعيد  ترويج الحُجة القائلة بأن العنف الراديكالي هو السبيل لتحرير فلسطين وتحقيق الكرامة والعدل للعرب والمسلمين.
وفي الوقت ذاته، دفع التحدي الإيراني دولا أخرى فاعلة في المنطقة إلى بدء التنسيق مع الولايات المتحدة واللجوء إليها من أجل الدعم والمساعدة. فعلى الرغم من نمو الشعور بخيبة الظن لدى مصر والسعودية تجاه الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة، إلا أن الدولتين ما زالتا ترحبان بدورٍ أمريكيٍ فعال في المنطقة.
حتى سوريا المتحالفة مع إيران، لم تتخلف عن الركب الأمريكي إذ دخلت هي الأخرى في مفاوضات مع إسرائيل بهدف تحسين علاقتها مع واشنطن من جانب، وبهدف تجنب حشرها في الصف الشيعي ضد الصف السُني، من جانبٍ آخر.
وهنا يأتي دور “أوباما” الذي يستطيع أن يبين للجميع بأن هناك مكافآت وتعويضات حقيقية لمن يختار طريق التفاوض والتقارب والاعتدال والإصلاح، وإذا استطاع “أوباما” أن يفعل ذلك، فإن عودة التأثير الأميركي إلى المنطقة ستكون أكيدة.
وفي حال أحرزت طهران خلال العام الأول من فترة ولاية “أوباما” تقدما في جهودها الرامية إلى تخصيب اليورانيوم، فإنه بإمكانها تخزين كمية من اليورانيوم المُخصب بما يكفي لإنتاج موادٍ مُهيأة لصنع سلاح نووي، قد تُستخدم لاحقاً في تصنيع قنبلة نووية واحدة، على الأقل.
وصحيح أن القدرات النووية الإيرانية لن تكتمل قبل عامٍ أو عامين، إلا أنه بمجرد وصول إيران إلى تصنيع عدد كبير من تلك المواد فإنها ستكون بذلك قد تجاوزت المحظور، مما سيُجبر جميع جيرانها، وكذلك الولايات المتحدة، إلى تغيير حساباتهم الأمنية.
وإسرائيل التي احتفظت باحتكارها النووي في المنطقة من خلال ضرباتها الاستباقية ضد العراق وسوريا لن تتوانى عن فعل الأمر ذاته مع إيران، وإذا أقدمت على هذه الخطوة فإن انتقام إيران سيُشعل بدوره حرباً في لبنان وسيؤدي إلى إغلاق مضيق “هرميز”، وسيرفع دراماتيكيا أسعار النفط، فضلا عن تعرض القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق إلى هجماتٍ شرسة.
وفي وسط كل هذا ستسرع دولٌ أخرى مثل مصر والسعودية وتركيا من وتيرة تطوير برامجها النووية، وبمجرد أن تجد إيران نفسها أمام رادع نووي فإنها ستشعر بضرورة تصعيد جهودها للهيمنة على المنطقة، ومن غير المستبعد على الإطلاق أن تقوم طهران بمد أي من المنظمات الإرهابية التي تدعمها بمواد نووية توفر لها الأسس لبناء “القنبلة القذرة”.
فهذه العواقب الوخيمة من شانها أن تنبه إدارة “أوباما” إلى ضرورة السعي بجدية للتوصل إلى تفاهم مبكر مع القوى الكبرى من أجل العمل سوياً على كبح التقدم النووي الإيراني.
ولسوء الحظ، فإن تجنيد روسيا لهذا الأمر بات ضرباً من المستحيل، بعد استعمالها القوة في جورجيا منذ أغسطس/آب 2008، فمن المُلاحظ حالياً أن روسيا تجنح إلى تبني منهجها القديم خلال حقبة الحرب الباردة، حيث كانت تدعم القوى الانقلابية في الشرق الأوسط سواء عبر الدعم العسكري أو الدبلوماسي.
وقد يبدو ثني روسيا عن لعب هذا “الدور القذر” أمراً مستحيلاً، إلا أن الوضع الحالي يُحتم علينا الانتظار حتى تظهر موسكو حسن أو سوء نواياها، ومن ثم يجب اختبارها حتى ينكشف حقيقة مسلكها في منطقة الشرق الأوسط.
وبالطبع، سيتطلب جذب روسيا نحو تأييد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، تنازلاتٍ من قبل واشنطن فيما يخص القضايا الحساسة التي تتعلق بموسكو.
بمعنى آخر، يجب على “أوباما” إعادة النظر بشأن أولويات العلاقة الروسية الأميركية، فصحيح أن واشنطن لن تستطيع نبذ الاتفاقيات الملزمة التي وقعتها مع دول شرقي أوروبا، وصحيح أنها لن تستطيع التضحية باستقلال”جورجيا” أو “أوكرانيا”، إلا أنها تستطيع أن تقدم لروسيا من الإغراءات والمحفزات التي سيسيل لعاب موسكو من أجلها.
منها على سبيل المثال، تأييد انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية، الحد من المنشآت الصاروخية البالستية في أوروبا، الإبطاء من عملية توسعة “حلف شمال الأطلسي”، ومنها أيضا منح روسيا بعض الامتيازات المالية والتمويلية، مثل افتتاح بنك روسي للطاقة النووية.
وسيساهم وضع روسيا على قائمة المؤيدين لاتخاذ موقف مشترك من إيران، في استحضار الصين هي الأخرى لتصير ضمن هذه القائمة، لاسيما أن بكين لن تُفضل أبداً الانعزال عن اتفاق دولي مثل هذا، إلا أن المشكلة مع بكين تكمن في كونها مرتبطة ارتباطاً شديداً بالنفط المتدفق من الخليج العربي، فمصلحتها في الحصول على ذلك النفط تتعاظم يوماً بعد يوم، خاصة في ظل ازدياد متطلباتها للطاقة.
ومن ثم، فإن بكين تُفضل اليوم الاحتفاظ  بمصالحها الاقتصادية مع إيران على فرض ضغوط اقتصادية عليها، ولهذا فإن التحدي الذي تلاقيه إدارة “أوباما” سيتمثل في كيفية إقناع قادة بكين بأن الأزمة الأميركية الحالية مع إيران سوف تترك أثارا سيئة على الاقتصاد الصيني، مما سيؤثر سلبا على استقرارها السياسي.
5
ضرب إيران والبدائل
على إدارة أوباما الاتصال مباشرة بإيران من أجل تغيير مسلكها، خاصة على الصعيد النووي. ولكن لماذا؟
لأن البدائل الأخرى ليست مُشجعة على الإطلاق، فلا الاحتواء ولا العقوبات استطاعا أن يُغيرا من المسلك الإيراني، وتوجيه ضربة استباقية لمنشآت إيران النووية لن يُسفر إلا عن تأجيل البرنامج النووي بضعة أعوام، مع تعريض إسرائيل والقوات الأميركية في أفغانستان والعراق إلى ضربات انتقامية.
أما فكرة إسقاط النظام الإيراني سواءً عبر تحرك عسكري أو عبر دعم معارضات داخلية، فإنها فكرةٌ تفتقد إلى الواقعية والقدرة على التطبيق. ومن الناحية الأخرى، لا توجد ضمانات تقول أن الاتصال مع الحكومة الإيرانية سوف يأتي بنتائج أفضل مما أتت به السياسة الحالية، إلا أن محاولتنا الجدية للاتصال-حتى ولو فشلت- ستُظهِرنا بصورةٍ إيجابيةٍ في أعين الجماهير الأميركية وفي أعين المجتمع الدولي، فجميعهم سيرون أننا فعلنا ما في وسعنا، ومن ثم لن يلومونا إذا ما اضُطررنا بعد ذلك إلى اللجوء للخيارات القاسية.
إن أي مبادرة أميركية تجاه إيران سوف تكون محفوفة بتعقيداتٍ عميقة، وهو تحدٍ سيزداد شدة بفعل الطبيعة الوظيفية المُعقدة لدى مؤسسة صناعة القرار في طهران، وأيضاً بفعل رغبة النظام في تحقيق المصالح القومية الإيرانية والمصالح الإسلامية الثورية في آنٍ واحد.
فصحيح أن الدولة الإيرانية قادرةٌ على المساومة، إلا أن الثورة الإيرانية غير قادرة على ذلك، لأنها ترى الولايات المتحدة في صورة “الشيطان الأكبر”. وفي الماضي، حينما كان القادة الإيرانيون مُجبرين على الاختيار، كان هؤلاء القادة يختارون الدولة فوق الثورة، أما الآن، فقد تغير الوضع.
وبناءً على ذلك، يصير واجب “أوباما” البحث عن طريقة لمخاطبة إيران في مصالحها القومية، بعيداً عن النبضات والخلجات الثورية.
ويجب أن يكون توجه إيران في المفاوضات المباشرة مع أميركا مركز حول كيفية جذب طهران إلى نظامٍ إقليميٍ جديد، وإقناعها بالاندماج مع جيرانها، مع تعزيز تأثيرها عبر وسائل سلمية لا عبر المواجهة والإذعان والانتشار النووي.
ولن يكون تحقيق النجاح في هذا الصدد سهلاً، بل سيكون صعباً إلى أقصى درجة، وستحتاج الولايات المتحدة إلى فعل الكثير في سبيل تحقيق بعض النجاح، وستحتاج إلى تفعيل “الجزرة” و”العصا” معاً، فأما “الجزرة” فستتمثل في تخفيف العقوبات، ومنح الضمانات الأمنية، وتطبيع العلاقات بين إيران من جهة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي من جهةٍ أخرى. وأما “العصا”، فستتمثل في التهديد بفرض مزيد من العقوبات (بما يتضمن من عقوباتٍ مالية أكثر وطأة، وحظر استيراد إيران للغاز).
ولكن قبل توجه إدارة “أوباما” نحو ذلك، عليها أولاً ضمان التأييد العربي والإسرائيلي والتركي. فمصر والأردن وجميع الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” كلهم يخافون أن يُضَحى بمصالحهم إثر التقارب الأمريكي الإيراني. وفي سبيل تبديد تلك المخاوف، يتحتم على واشنطن أن تعامل جميع هذه الدول كشركاء كاملين في هذه المبادرة، وأن تستشيرهم بصفةٍ دورية، وأن تُعرِض عليهم الضمانات النووية، في حالة فشل محاولة الحد من برامج إيران النووية.
قد تدرك إسرائيل جيداً العواقب المترتبة على حربٍ استباقيةٍ ضد إيران، خاصة إذا كانت إسرائيل ستقوم بتلك الضربة وحدها. ومن ثم، فهي تُحبذ أو تميل أكثر إلى دعم جهودٍ دبلوماسية تستطيع أن تمنع إيران من اجتياز المحظور النووي.
وقد تدرك إسرائيل أيضاً مدى استفادتها من التسوية السلمية، خاصةً مع سوريا، كوسيلةٍ لكسب اليد العُليا على إيران، إلا أن قابلية تل أبيب للقبول بهذا الخيار أقل بكثير من قابلية واشنطن، وهو أمرٌ قد يرجع إلى حقيقة القدرات الردعية الإسرائيلية التي تُعتبر أقل من نظيرتها الأمريكية، مما يجعل إسرائيل أكثر حيطة وتخوفاً من المقاصد الإيرانية.
فإسرائيل لم تتعود من قبل على وجود قوةٍ نوويةٍ أخرى في منطقتها، خاصةً إذا كانت تلك القوة “تهدد وجودها مباشرة”، علماً بأن صغر “مساحة إسرائيل وتكدس سكانها” في تلك المساحة سيجعلان الخسارة فادحة من نتائج أي ضربةٍ إيرانية على إسرائيل.
ومن أجل إتاحة وقتٍ أكثر للعمل على الصعيد الدبلوماسي، فعلى “أوباما” إقناع إسرائيل بعدم ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما سيتطلب تحسين القدرات الردعية والدفاعية الإسرائيلية، عبر إمداد إسرائيل بضمانات نووية، وكذلك عبر إمدادها بدفاعاتٍ صاروخية بالستية إضافية وأنظمةِ إنذارٍ مبكر، بل يجب أن يشمل تقديم ضمانات نووية إسرائيل فحسب، بل لا بد أن يمتد إلى الحلفاء العرب بالمثل.
بالطبع، سيُعد ذلك تحركاً جريئاً جداً من قبل واشنطن، إلا أنه لا مفر من اعتماده في سبيل منع تحقق البرنامج النووي الإيراني.
خطوات لمبادرة جديدة
والخطوة الأولى، لمبادرة أمريكية جديدة تجاه إيران تتمثل في قيادة المفاوضات الأمريكية الإيرانية في ظل إطار متعدد الأطراف، والنموذج المرشح لهذه الغاية هو المحادثات الحالية للأطراف الستة، التي يشارك فيها العديد من اللاعبين الإقليميين، هذا بالإضافة إلى توفير مظلة لتواصل مباشر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
ثانياً،
على واشنطن التنازل عن طلبها بخصوص تخلي طهران عن برنامجها للتخصيب كشرط للمفاوضات الرسمية. فليبدأ الطرفان المفاوضات وإذا ما أوقفت إيران برنامجها للتخصيب أثناء المفاوضات، فعلى “الأمم المتحدة” وقف العقوبات. وإذا أصرت إيران على استكمال برنامجها، فإن “الأمم المتحدة” ستقوم حين ذلك بتغليظ العقوبات.
ثالثاً،
على واشنطن أن تناقش إيران – باعتبارها مُوقعة على “اتفاقية حظر الانتشار النووي” – حول ما يتعلق بزعمها في “حقها” بتخصيب اليورانيوم. وقد يكون الاعتراف بهذا الحق ضرورياً، ولكن شريطةً أن توافق إيران على تحديد برنامجها للتخصيب في ظل قواعد تمنعها من تطويره إلى قدرات “خارقة” قد ينتج عنها تصنيع كمية كبيرة من اليورانيوم المُعد للسلاح.
هذا مع مراعاة نقطةٍ في بالغ الأهمية، وهي إعطاء الفرصة لإيران لكي تكسب هذا الحق بنفسها، لا أن تتفضل عليها واشنطن بهذا الحق، وإلا ستُضمر إيران ذلك في داخلها، مما يجعلها تستمر في عنادها وإصرارها على تطوير اليورانيوم المُخصب للتصنيع إلى يورانيوم مُخصب للتفجير.
أخيراً،
لابد من وجود مفاوضاتٍ ثنائيةٍ موازيةٍ حول تطبيع العلاقات الأميركية الإيرانية، وحول دعم إيران لكلٍ من “حماس” و”حزب الله”، وحول معارضة إيران لعملية السلام الإسرائيلية/ الفلسطينية، وحول دور إيران في العراق.
ولكن على الولايات المتحدة أن تحذر من ربط هذه القضايا ببعضها البعض. بلغةٍ أخرى، عليها أن تُعَلِق بعضها بالسلوك الإيراني في المجال النووي فقط، بينما تُعلق البعض الآخر بسلوكها الكلي في جميع المجالات.
شفافية التفاوض وتلويح بالقوة
ويجب نشر وإعلان تفاصيل هذه المبادرات، حتى يصير الإيرانيون والأمريكيون على بينةٍ من الأمر، حيث أن إبراز مثل هذه الشفافية سوف يتطلب قيام الحكومة الإيرانية بالدفاع عن مواقفها التفاوضية أمام الدوائر المحلية، وسوف يساعد الإدارة الأمريكية على حشد تأييدٍ لها في الداخل والخارج معاً، في حالة حدوث بعض الضغوط.
أما خيار الرد العسكري – سواءً انطلق من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل – فهو بحاجةٍ للبقاء في الخلفية مؤقتاً؛ لأنه بدون وضع ذلك الخيار في الحُسبان، يمكن لإيران استغلال المبادرة الدبلوماسية المُقدمة من قبل رئيسٍ أمريكيٍ شابٍ جديد، وذلك عبر استخدام فترة المبادرة واللعب في الوقت الضائع للوصول إلى المحظور النووي.
وإذا ما أثبتت إيران سوء نواياها، بعدم رغبتها في التفاوض مباشرةً مع الولايات المتحدة وبعدم رغبتها في وقف برنامج اليورانيوم المُخصب حالياً، فإن “أوباما” سيُواجَه بخيارٍ صعبٍ جداً.
ولكن قبل أن يأخذ قراره بصدد ضرب إيران أو عدم ضربها، فهو مُلزم بفتح قنوات اتصالٍ، خاصة مع القائد الإيراني الأعلى “آية الله علي خامئني”، مُحذراً إياه من المخاطر التي سيجلبها على بلاده ونظامه إذا استمر في مساره النووي المناهض لرغبة المجتمع الدولي.
وفي الوقت ذاته، على “أوباما” أن يصدر بياناً صارماً، يوضح فيه – بمنتهى الصراحة والقوة – أن أي استخدام أو نقل لأسلحةٍ أو موادٍ نووية من قبل إيران سوف يُفضي إلى عواقب مُدمرة.
ولأن الوقت يمثل أهميةً قصوى في هذا الصدد، فعلى “أوباما” أن يحذر كل الحذر من التباطؤ في تحقيق تلك المبادرة، أو إرجائها إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران 2009، ظناً منه أنها ستسفر عن ظهور قيادة أكثر عقلانيةً ومنطقية، فالتجارب الأمريكية السابقة التي مرت – باللعب على الديناميكيات السياسية الداخلية الإيرانية – قد أثبتت جميعاً فشلها وأدت إلى نتائج مُضادة.
والحق يُقال، إن الولايات المتحدة تفتقد العلم والمعرفة للقيام بتلك الإستراتيجية، وإن ما نطرحه الآن هو تواصل “أوباما” مع طهران، من خلال فتح قناِة اتصالٍ فاعلةٍ مع الحكومة لا مع أي فصيلٍ في إيران.
6
الطريق الأقصر: دمشق
إن إطلاق مبادرة سلميةٍ إسرائيليةٍ عربيةٍ ستساعد على جذب اهتمام طهران، وإن إحراز أي تقدم على صعيد العملية السلمية، خاصةً على المستوى السوري، من شأنه أن يُقلق طهران وستكون هيمنتها الإقليمية عرضة للتلاشي، مع انخفاض حاد في الوقت نفسه في أسعار نفطها الذي يعتبر المؤشر الثاني لقوتها.
وتمثل سوريا الدولة المحور في دعم وتعزيز التأثير الإيراني في لبنان والأراضي الفلسطينية، وبموجب المفاوضات الإسرائيلية السورية، وبإبعاد سوريا عن إيران، سيتهدد الوضع الإيراني في المنطقة، وستُحرَم طهران من وجود وكلاء لها هناك، حماس وحزب الله. بمعنى آخر، سيضعف التأثير الإيراني على المنطقة، مما سيُقلل من الإمدادات الخارجية لكلٍ من “حماس” و”حزب الله”، الأمر الذي سيُفضي إلى تحسن آفاق الاستقرار في لبنان.
كانت ترى إيران في الماضي أن تقدمها يكون بالعمل بمعزل عن الساحة العربية الإسرائيلية، وباستخدامها الناجح لوكلائها في المنطقة كيفما تشاء، وربما ستحاول تكرار ذلك الآن، إلا أن المختلف هذه المرة أن هناك خيارا أمريكيا ماثلا أمام القيادة الإيرانية سيطرَح عليها حفظ مصالحها الأمنية القومية من قبل الولايات المتحدة كمكافأةٍ على ارتباطها مع واشنطن.
ومن المفترض أن تصير المفاوضات السلمية مع سوريا أقل تعقيداً من حل المشكلة الفلسطينية. فليس لدى الإسرائيليين شكوكُ كبيرة في الحكومة السورية، وفي مقدرتها على الإيفاء بالتزامات الاتفاق.
وأكبر دليل على ذلك ما فعله “إيهود أولمرت” (رئيس الوزراء الإسرائيلي) حينما عرض على الرئيس السوري “بشار الأسد” انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من مرتفعات الجولان، وكذلك ما فعله “بنيامين نتنياهو” و”إيهود باراك” (قادة أكبر حزبين إسرائيليين) حينما عرضا نفس العرض على الرئيس السوري الأب “حافظ الأسد” في التسعينيات.
خلاصة القول، إن معظم القضايا العالقة والشائكة بين إسرائيل وسوريا قد تم حلها في بداية عام 2000، في ظل رئاسة “بيل كلينتون”.
فالإسرائيليون كانوا في الماضي يراهنون على مرتفعات الجولان مقابل السلام، إلا أنهم كانوا يتشككون في مدى عمق التزام سوريا بتطبيع العلاقات. أما اليوم، فقد تغيرت المعادلة، إذ باتت إيران تُشكل تهديداً حقيقياً على إسرائيل، مما دفع الأخيرة إلى الارتماء في أحضان سوريا، وتفضيلها في كل الأحوال على إيران.
مرةً أخرى، إذا ما أثبت الرئيس السوري “بشار الأسد” حسن نواياه في إحداث تلك النقلة الإستراتيجية، فإنه سيُحدث بذلك ضربًة قاسمة ضد إيران، وضد تدخلها عبر الحدود الشمالية والجنوبية الإسرائيلية.
تركيا: عامل مساعد للسلام
وتستطيع تركيا لعب دورٍ محوري في هذه العملية، وذلك على أساس كونها عضواً في “حلف شمال الأطلسي”، وكونها تقع جغرافياً على حدود إيران والعراق وسوريا، وكونها محتفظة بعلاقاتٍ إستراتيجيةٍ طويلة المدى مع إسرائيل. ولقد استطاعت الحكومة التركية الراهنة – التي يقودها الحزب الإسلامي المعتدل “العدالة والتنمية” – أن تحظى بمصداقيةٍ عظيمةٍ في أرجاء العالم العربي، وهو الأمر الذي جعلها تستفيد من ذلك خير استفادة، وتوظفه في أكثر من جهة.
فاستطاعت أن تأخذ مكان إدارة “بوش” في التفاوض مع سوريا، عبر فتح مفاوضات غير مباشرة بين دمشق والقدس، واستطاعت أن تساهم بقواتها في قوات حفظ السلام بلبنان، هذا فضلاً عن إبداء استعدادها للمشاركة بقواتها في غزة والضفة الغربية. ومن ثم، فعلى “أوباما” أن يطرح مشاركة تركيا في تعزيز السلام الإسرائيلي السوري، متحركاً بذلك تجاه التحدي القادم من إيران.
وإن سلاماً أميركياً بين إسرائيل وسوريا من شأنه إنهاء عداء سوريا، وإحداث هوة عميقة في التحالف الإيراني السوري، غير أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا بتدخل إدارة “أوباما” في المفاوضات.
وسوريا لا ولن تضحي بعلاقتها الإستراتيجية مع إيران إلا إذا أيقنت بأن تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة بات مؤكداً، كما أن فتح صفحة جديدة مع سوريا سيُمكن “أوباما” من إقناعها باحترام الاستقلال اللبناني، وبمراقبة حدودها مع العراق بفاعليةٍ أكثر.
وأخيراً، فإن الدفع الأميركي للمفاوضات الإسرائيلية/السورية سوف يساعد أيضاً على تغيير الديناميكيات المصاحبة للجهود السلمية الكبرى الأخرى التي يجب أن يأخذها “أوباما” في الحُسبان.
7
الدولتان والمسار الفلسطيني
ستبقى المأساة الفلسطينية قضيةً ذات حساسيةٍ كبيرة في أجواء العالمين العربي والإسلامي. وللأسف، فقد تم “استغلال القضية” من قبل الإيرانيين الذين مضوا في ادعائهم – غير المنطقي – بقيادة الشرق الأوسط الكبير، مستخدمين هذا الادعاء في دعم حُجتهم التي تقول أنه لا تحرير لفلسطين إلا عبر “العنف والإرهاب”، مما يضعف من مكانة أولئك القادة العرب الذين يريدون التعاون مع الولايات المتحدة والتفاوض مع إسرائيل لحل القضية.
وكان تجاهل إدارة “بوش” الابن لهذه القضية سبباً في دفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً في المنطقة، وهو أمرٌ قد اعترف به “بوش” في وقتٍ متأخر جداً من ولايته، حينما بدأ في عملية السلام بـ”أنابوليس” في عام 2007.
ولا يزال البعض يرى في دفع عملية السلام خطأ يجب الكف عنه، على اعتبار أن القلة فقط من زعماء المنطقة هي التي تعنى فعلاً بعملية السلام، وعلى اعتبار أن اتفاقية الوضع النهائي لن تتمكن من حل الإشكاليات المستفحلة بالمنطقة.
إلا أن هذا الرأي يتجاوز آراء الأغلبية الإسرائيلية الضجرة من الحِمل الثقيل الذي خلفه الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم ترى في عملية السلام المخرج الوحيد، كما يتجاوز آراء ملايين العرب والمسلمين الذي ينظرون إلى القضية الفلسطينية باعتبارها رمزاً للذل والهوان.
مستويات الاستفادة من أنابوليس
يجب على “أوباما” الاستفادة من الإطار الذي أوجدته عملية “أنابوليس”، وذلك من خلال التحرك على أربعة مستويات متداخلة ومترابطة.
أولاً،
لابد من الاستمرار في المفاوضات، مع الإبقاء على مذكرة التفاهم التي تفيد بوجوب التوصل إلى اتفاقية للوضع النهائي، في أسرع وقتٍ ممكن، بينما تعطى مُهلة للتنفيذ، ليأخذ وقته على مراحل متعددة.
وعلى الرغم من تضييق الفجوات بين الطرفين على صعيد القضايا الكبرى (الحدود، اللاجئين، القدس)، إلا أن الولايات المتحدة ما زالت مُلزمة ببناء الجسور بين الطرفين المختلفين، وبطرح الحلول – وليس فرضها – عاجلاً وليس آجلاً، فيكفي ما أمضاه الطرفان المتنازعان من وقتٍ في المفاوضات.
ويتحتم على “أوباما” وضع خطوط عريضة مع بعض التفصيلات، لتحديد رؤيته حول المبادئ التي يجب أن تستند عليها اتفاقية الوضع النهائي.
ثانياً،
على “أوباما” أن يُشجع الفلسطينيين على تقدير واحترام التزامهم بمكافحة الإرهاب، وتشجيع الإسرائيليين على تقدير واحترام التزامهم بتجميد الأنشطة الاستيطانية. فقد أخذ الطرفان خطواتٍ جادة لتنفيذ تلك الالتزامات في ظل “خارطة الطريق لحل الدولتين” التي كانت قد طرحتها “الرُباعية” (الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، روسيا).
وقد قامت السلطة الفلسطينية بنشر قوات للشرطة -المُدربة أردنيا- في مدن الضفة الغربية من أجل حفظ الاستقرار، إلا أن القوات الفلسطينية ما زالت في حاجةٍ إلى مزيد من الدعم المالي والتدريب لكي تتمكن من مواجهة “الجماعات والعصابات الإرهابية” التي ما زالت تنتهج منهج “العنف” ضد إسرائيل.
وبما أن ذلك الدعم سيأخذ وقتا حتى يصل إلى القوات الفلسطينية في الضفة، فإنه يتعين على الرئيس الأميركي الجديد أن يسرع في البدء بنشر قواتٍ دولية (يفضل أن تكون قوات عربية أوإسلامية أو كلتاهما معاً)، تصير شريكة للقوات الفلسطينية، حتى تتمكن الأخيرة من تأمين أراضيها بنفسها.
وبالنظر إلى الأنشطة الاستيطانية، نستطيع القول إن “أولمرت” قام بتقليل عدد البنايات الجديدة خلف العازل الأمني، إلا أنه قام أيضاً بالسماح بإنشاء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في داخل المستوطنات المتواجدة في داخل القدس الكبرى، مما أثار غضب الفلسطينيين والقادة العرب.
وسيكون “أوباما” بحاجةٍ إلى الوصول لتفاهمٍ، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، مفاده تجميد جميع الأنشطة الاستيطانية لفترةً مُحددة (من ستة إلى اثني عشر شهراً)، في الوقت الذي يتم فيه توصل المفاوضين إلى رسم الحدود النهائية لدولةٍ فلسطينية، بحيث تُستأنف الأنشطة الاستيطانية فور الوصول إلى اتفاقٍ حول الحدود.
بمعنى آخر، سيتم استئناف بناء المستوطنات فقط في المناطق التي سيتم إلحاقها بإسرائيل بعد حل القضايا العالقة باتفاقية الوضع النهائي.
ثالثاً،
على “أوباما” أن يساعد على تحسين الأوضاع في الضفة الغربية عبر توفير المزيد من الإعانات والمساندات، تسهيلاً لتدفق البضائع والبشر. وفي هذا الإطار، فقد قام بالفعل كلٌ من “سلام فياض” (رئيس وزراء السلطة الفلسطينية) و”توني بلير” (المبعوث الخاص للرُباعية) بالبدء في إطلاق مشاريع اقتصادية محلية، مع إزالة بعض نقاط التفتيش الإستراتيجية.
وإنه لفي غاية الأهمية أن يتلقى الطرفان يد العون من قبل إسرائيل والدول العربية على السواء، فالتعاون الأمني يكون من قبل إسرائيل، والتعاون التمويلي يأتي من قبل الدول العربية.
رابعاً،
يتعين على “أوباما” السعي نحو إشراك وإدخال الدول العربية من جديد في داخل العملية السلمية، وذلك بعد الفشل الذي شهدته مفاوضات “أنابوليس” نتيجة لاستمرار إسرائيل في أنشطتها الاستيطانية.
فمن جانبها، كانت الدول العربية قد طرحت -مقتفية الطرح السعودي- التوقيع على اتفاقياتِ سلامٍ وتطبيعٍ للعلاقات مع إسرائيل، على أن تقوم الأخيرة بالانسحاب من حدود ما قبل يونيو/حزيران 1967، وبالموافقة على إنشاء دولةٍ فلسطينية، إلا أن كل ذلك قد ذهب أدراج الرياح بعد “أنابوليس”.
وما دام الاستعداد العربي موجوداً، فإن تجديد إدماجه في داخل العملية السلمية سيكون سهلاً، خاصة إذا ما أدركت الدول العربية أن وتيرة المفاوضات تتقدم، وأن الأنشطة الاستيطانية تتوقف. كذلك يجب الضغط على الحكومات العربية لكي تؤدي تعهداتها المالية للسلطة الفلسطينية، ولكي تتعامل مع إسرائيل بصورةٍ أكثر وضوحاً، ليس في نهاية العملية السلمية فقط، ولكن في أثنائها أيضا.
إن “أوباما” بحاجةٍ إلى اتخاذ قرار فيما يتعلق بما فعلته “حماس” في يونيو/حزيران 2007، حينما استولت على غزة “بانقلاب عسكري”، وأيضاً بما فعلته في يناير/كانون الثاني 2006 حينما كسبت الانتخابات الفلسطينية.
إن “حماس” ترفض حق إسرائيل في الوجود، كما ترفض الاتفاقيات التي تمت بين الفلسطينيين وإسرائيل، وفوق ذلك، تؤيد ممارسات “العنف والإرهاب” (التي تُسميها “مقاومة”) ضد إسرائيل. على الرغم من ذلك، فإنه لا مفر من حقيقةٍ واقعةٍ لا محالة، وهي: أن أي عملية سلام تُخرج “حماس” من المعادلة سيكون نصيبها الفشل، وذلك لأن “حماس” تسيطر على غزة، وتلقى تأييداً من قبل ثلث الفلسطينيين على الأقل.
إن الطريق الوحيد للخروج من هذا الطوق هو توضيح الأمر على حقيقته: أن “حماس” هي المسئولة عن مصير غزة، وليس الولايات المتحدة. وإن قادة “حماس”، الذين يحكمون غزة الآن، عليهم الاختيار فيما بين إطلاق الصواريخ والهجمات الإرهابية على جنوبي المدن الإسرائيلية وبين سد احتياجات الفلسطينيين وإمدادهم بالمعونات الخارجية.
وإذا ما اختارت “حماس” الخيار الثاني، فعليها أخذ الخطوات اللازمة لجذب تلك المعونات، ومن ضمن تلك الخطوات التوقف عن استخدام الأنفاق لتهريب السلاح، وإعادة الأسير الإسرائيلي “جلعاد شاليط”.
وإذا كانت “اتفاقية وقف إطلاق النار” – التي تفاوضت بخصوصها مصر في الآونة الأخيرة – قد كُتب لها التماسك لبعضٍ من الوقت، فإن ذلك كان راجعاً إلى اختيار قادة “حماس” سد احتياجات شعب غزة قبل اختيارهم مصلحة “حماس” في “المقاومة”.
والولايات المتحدة مُطالبة بتشجيع تلك التطورات، على أن تترك الفرصة لمصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية كي يديروا علاقاتهم مع “حماس”.
فإذا ما كُتِب الاستمرار لاتفاقية التهدئة بين إسرائيل و”حماس”، وإذا ما كُتب الظهور لتقاربٍ بين السلطة و”حماس”، فإن “أوباما” سيكون مُكلفاً حينذاك بالتعامل مع القيادة الفلسطينية الموحدة، وبفتح اتصالات بين المسئولين الأمريكيين ومسئولي “حماس” في غزة.
أما إذا ما كُتِب عكس ذلك – سقوط اتفاقية التهدئة وعودة الاقتحام الإسرائيلي لغزة – فإن “أوباما” سيكون مُطالباً حينها بالعمل مع الآخرين في سبيل إيجاد قواتٍ دوليةٍ (بإدارة عربية) لإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية وإجبار إسرائيل على الانسحاب.
نحن لا نأمل، بالطبع، في تحقق السيناريو الأخير، ومن أجل منعه من التحقق، توجد الكثير من الوسائل، ومن ضمنها، العمل على إيجاد تقدمٍ ملموس في المفاوضات، تقدم يُشعر “حماس” بالضغط من قبل شعب غزة للحاق بقطار السلام الذي سيبدأ تحركه من الضفة الغربية.
متطلبات النجاح
من أجل إنجاح تلك المبادرات جميعاً، يتعين على “أوباما” أن يوليها أولويةً خاصةً وشخصية، رغم أن وزير الخارجية مُكلف بقيادة الجهود الدبلوماسية، فمع وجود أجندة طموحة جداً للشرق الأوسط ومع وجود متطلبات مُلحة للتفاوض مع عدة أطراف في وقتٍ واحد، فإنه يتعين على “أوباما” تعيين مبعوثَين متميزين لإدارة المبادرتين الإيرانية والعربية الإسرائيلية، على أن يقوموا بإرسال تقاريرهم إلى الرئيس عبر وزير خارجيته.
ولا يمكن إملاء توقيت المفاوضات من قبل واشنطن، إلا أنه في بعض المجالات يصير التوقيت ذا أهميةٍ أساسية. فالمبادرة الإيرانية -على سبيل المثال- بحاجةٍ إلى الانطلاق في أقرب وقتٍ ممكن، من أجل وقف برنامج التخصيب قبل فوات الأوان.
كذلك يعتبر الوقت قصيراً ومُلحاً بالنسبة للمبادرة الإسرائيلية الفلسطينية، لاسيما بعد تبخر التأييد الإسرائيلي والفلسطيني لحل الدولتين، فالوصول إلى اتفاقٍ فلسطيني -على دُفعةٍ واحدة – لن يكون متاحاً، فالمتوقع هو إحراز ذلك الاتفاق على مراحل متعددة.
أما بالنسبة للاتفاق الإسرائيلي السوري، فإنه على النقيض من ذلك، ويمكن تحقيقه سريعاً، والمطلوب هو السير في جميع هذه الاتجاهات سوياً، إذ أن تحقيق أي تقدم في اتجاهٍ ما، سوف يصب بالضرورة في تقدم الاتجاهين الآخرين.
إن تجديد الدبلوماسية في الشرق الأوسط سيكون بمثابة المطلب الشاق – بل الشاق جداً – بالنسبة للرئيس الأميركي الجديد، لاسيما أن الشرق الأوسط ينتظره بمفاجآتٍ بغيضةٍ، لا حصر لها.
وستظل فرصة نجاحه الوحيدة منحصرةً في أخذه بإستراتيجيةٍ متداخلةٍ، إستراتيجية تُبقيه على المسار المطلوب على الرغم من التشويشات الكثيرة التي ستحاول أن تثنيه عن ذلك المسار.
مركز الجزيرة للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى