أزمة غذاء
ساطع نور الدين
أزمة الخبز التي تشهدها مصر، والتي تنتشر يوما بعد يوم في الشارع، ليست سوى مثال بارز عن أزمات غذائية مشابهة تواجهها معظم الدول العربية، حتى الغنية منها، وتتهددها باضطرابات شعبية متفاوتة، تثير قلقا عميقا ونقاشا جديا.. في اميركا، دولة الوصاية او الرعاية للوضع العربي بأدق تفاصيله.
الأزمة شاملة، ولا تستثنى منها دول الخليج العربي التي تواجه طبقتها الوسطى المستحدثة تحديات غير مألوفة، كما تتعرض عمالتها العربية والاجنبية الوافدة لضغوط اضافية، من اجل تلبية احتياجاتها المعيشية ومن اجل الوفاء بالتزاماتها الطارئة تجاه الاهل والاقارب في الوطن الام. وقد شهد بعض هذه الدول في الآونة الاخيرة أول احتجاجات عمالية من نوعها منذ اكتشاف النفط.
أما في بقية البلدان العربية، فإن الأزمة تكاد تتخذ شكلا واحدا: الحكومة ترفع الدعم عن الرغيف نتيجة الارتفاع الهائل في اسعار المشتقات النفطية، الذي زاد في كلفة جميع السلع الاستهلاكية من دون استثناء، فيغضب الفقراء اولا، ثم يعم الاستياء بقية شرائح المجتمع، ويقترب الجميع من حافة المواجهة المباشرة في الشارع.
وما عدا العراق، الذي يقع الآن خارج أي تصنيف طبيعي للدولة، ولا يعتبر الاحتلال الاميركي سلطة بل مجرد إدارة لفوضى وخراب عام، وفلسطين التي تخضع لعملية تجويع إسرائيلية منظمة، فإن أزمة الغذاء، التي انحدرت الى مكونها الاول والاهم، أي الخبز، تعبر عن نفسها في لبنان كما في سوريا والاردن وفلسطين واليمن والسودان.. وصولا الى المغرب وموريتانيا. وهي لا تشبه بأي حال من الاحوال تلك الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بين الحين والآخر بقية بلدان العالم، نتيجة انخفاض معدلات النمو او ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، او غيرها من الاسباب المستمدة من ارقام وبيانات محددة، ولا تؤثر في جوهر النظام السياسي ولا في اساس العقد الاجتماعي في تلك البلدان.
في العالم العربي، الازمة الغذائية هي، كما يحللها الاميركيون، اضافة نوعية خطيرة على معضلة الارهاب الاسلامي الذي ينتجه العرب، ويهددون به الامن الدولي.. وهي اساسا تنفجر داخل مجتمعات غير متماسكة وغير مستقرة، وفي وجه انظمة حاكمة غير مؤهلة لما هو اكثر من تولي مهمات الشرطة والاستخبارات اليومية، وفي لحظة سياسية حرجة جدا بالنسبة الى العالم كله، الذي يبحث عن سبل للتكيف مع الارتفاع المذهل لاسعار النفط.
اعادة توزيع جزء من الثروة العربية، ليست مطروحة في هذا النقاش، بخلاف ما كان يحصل في مرات عديدة سابقة، ربما لان الاميركيين انفسهم يحتاجون هذه المرة الى تلك الارقام الفلكية التي حققها العرب في الشهور الماضية. كما ان اطلاق جزء من مشاريع التنمية العربية لا يمكن ان يساهم في درء خطر داهم… ويمكن ان يتطور خلال اسابيع الى اشتباكات في شوارع مختلف العواصم والمدن العربية.
الازمة خطيرة جدا، ولم يعد اللجوء الى كتب ماركس ولينين مناسبا لمعالجتها.. كما لم يبق سوى انتظار ذلك النقاش الاميركي وما اذا كان سينتج افكارا وحلولا، ام اضطرابات وثورات.