الحركة الآشورية السورية ومتاعب المعارضة
سليمان يوسف يوسف
لم يعد يخفى على كل مهتم بالشأن الآشوري ما تعانيه”الحركة الآشورية”السورية من تشرذم وتراجع كبير في رصيدها الجماهيري وانحسار في قاعدتها التنظيمية،لأسباب وعوامل عديدة متداخلة.بعضها ذاتية، تخص الحركة وترتبط بطبيعة المجتمع الآشوري المنقسم على ذاته الى طوائف وكنائس متنافرة،تتبع السلطة وتخضع لأوامرها،تنبذ الفكر القومي وتكن العداء للأحزاب الاشورية.وبعضها الآخر موضوعية تتعلق بالواقع السيء للحريات والديمقراطية في سوريا.
طبعاً من غير أن نغفل أو نتجاهل تأثر”الشارع الآشوري” في سوريا،بخيبات الأمل السياسية والقومية الكبيرة على مدى القرن العشرين،كذلك بمناخات اليأس والاحباط الآشوري والمسيحي المشرقي نتيجة ما يحصل في العراق الغارق في حروب أهلية عبثية كادت أن تنهي ما تبقى من وجود آشوري ومسيحي على أرض الرافدين،الموطن التاريخي للآشوريين،مع غياب أي دور أو فعل مؤثر ودفاعي لفصائل”الحركة الآشورية” على اختلاف تسمياتها.في هذا المقال سنتوقف عند راهن”المنظمة الآثورية الديمقراطية”أكبر التنظيمات الآشورية وأقدمها في سوريا”تاسست 1957″وهي تستعد لعقد مؤتمرها العام الحادي عشر بعد تأجيلات متكررة.لما لهذا المؤتمر من أهمية خاصة ومتميزة، كونه يأتي أولا: بعد سلسلة أزمات وخضات سياسية وتنظيمية واجتماعية ضربت المنظمة الآثورية بالعمق في السنوات الأخيرة الماضية طالت كل الفروع والمناطق،تسببت في حصول انشقاقات وانسحابات جماعية من صفوفها.ثانياً: يأتي هذا المؤتمر بعد سنوات من العمل السياسي العلني للمنظمة الآثورية وانفتاحها على الأحزاب السورية وانضمامها الى “جبهة المعارضة السورية” بتوقيعها على “اعلان دمشق” للتغير الديمقراطي الذي تأسس في تشرين الأول 2005 ويضم غالبية قوى المعارضة العربية والكردية.
لهذا يرى البعض في أوساط “الحركة الآشورية” بأن المؤتمر العام القادم سيكون مفصلياً في تاريخ المنظمة الآثورية الديمقراطية.حيث ينتظر الكثير من الآثوريين انعقاده ليحسموا،في ضوء نتائجه، خياراتهم السياسية والحزبية. وعليه ستتوقف عملية ترميم البيت الآثوري المتصدع.وهذا يفسر ارتفاع نبرة ووتيرة النقاشات الدائرة بين الآثوريين هذه الأيام حول آليات انتخاب واختيار المندوبين للمؤتمر.فالمجموعات الآثورية المعارضة لنهج وسلوك القائمين على المنظمة حالياً يسعون الى جعل هذا المؤتمر”مؤتمراً غير عادياً”من حيث عدد ونوعية المندوبين، أملاً باحداث تغير ما في موازين القوى لصالحهم،تالياً انتخاب قيادة جديدة”لجنة مركزية”- التي منها ينبثق المكتب السياسي، السلطة الوحيدة في المنظمة- قيادة تخرج المنظمة من خندق المعارضة وتخلصها من سطوة “مجموعة انتهازية مناورة” تمكنت،عبر اساليب رخيصة وغير ديمقراطية،من خطف المنظمة الآثورية والاستئثار بقراراتها وجعلها مطية بين أيديهم على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي تسبب بحصول انقسامات وخلافات سياسية وتنظيمية وانفجار ازمات مازالت تعصف بالمنظمة وتهدد بقاءها.حقيقة،أن التحاق”المنظمة الآثورية”بصفوف المعارضين للنظام القائم في سوريا،بعد عقود طويلة من الانغلاق على الذات وغياب تام عن دائرة الشأن العام، شكل قفزة سياسية ونقلة نوعية ارتجالية للمنظمة الآثورية ومن غير أن تتهيأ لها. مازالت هذه الخطوة مثار جدل كبير وسجال حام داخل المنظمة،بين مؤيد لها ومعارض.
اذ لاقت رفضاً واعتراضاً من قبل غالبية الآثوريين، وتركت استياءً في أوساط المنظمة،باعتراف واقرار القائمين عليها أنفسهم.كما أوضحوا ذلك في مشروع مسودة “البرنامج السياسي” الذي اعدوه لعرضه على المؤتمر العام المزمع عقده. ورد في مسودة البرنامج:”ورغم أهمية بعض النجاحات التي حققها،نهج الانفتاح والعلنية للمنظمة الآثورية، الا انه اصدطدم بعقبات وعراقيل عديدة حدت من انطلاقته وزخمه بعضها ناجم عن النظام الشمولي القائم في سوريا.وبعضها الآخر ناجم عن عدم جاهزية معظم كوادر المنظمة للعمل العلني والتكيف مع متطلباته،ووجود تيار ما زال متأثراً بحقبة العمل السري ويتبنى رؤية حذرة ومتحفظة حيال اي انفتاح أو انخراط في الحراك السياسي الوطني العام،لا سيما المعارض منه“….
طبعاً،من الخطأ الظن أو الاعتقاد بأن التيار الرافض لانضمام المنظمة الآثورية الى جبهة المعارضة هو تيار موال للحكم القائم في سوريا.فانصار هذا التيار يقرون بالطبيعة الاستبدادية والشمولية للنظام السوري وتنكره لحقوق الآشوريين السوريين.لكنهم في ذات الوقت يشككون بشعارات ومواقف الكثير من أحزاب المعارضة السورية فيما يخص قضية الديمقراطية وحقوق الآشوريين السوريين.كما أنهم لا يجدون في المنظمة الآثورية والحركة الآشورية في سوريا عامة القدرة على تحمل اعباء وتبعات العمل المعارض وعواقب معاداة السلطة الاستبدادية القائمة.لهذا فهم يرون في انضمام المنظمة الآثورية الى قوى”اعلان دمشق” خطوة في غير صالح قضية الآشوريين السوريين.وهنا يبدو التناقض واضحاً في الموقف السياسي لدى انصار هذا التيار، فهم كمن يدور في حلقة مفرغة.
في ضوء معرفتي العميقة والقريبة بالمنظمة الآثورية وتجربتي الطويلة فيها، استبعد أن يتمكن التيار المعارض للنهج الحالي للمنظمة من احداث أي تغيير جوهري ومهم لصالح توجهاته في المؤتمر العام القادم وانقاذ المنظمة الآثورية من المحنة والأزمات التي تتخبط فيها و ابعادها من شبح حصول انشقاقات وانقسمات جديدة.فالقائمين على المنظمة وعبر اساليبهم البدائية المعروفة،وعلى طريقة البعثيين، ابعدوا معظم خصومهم السياسيين عن طريقهم وأقصوا كل من ليس معهم،كما أنهم نسجوا شبكة من العلاقات الخاصة،المنافية للأخلاق السياسية والروح القومية،تضمن لهم وصول من يدور في فلكهم الى المؤتمر القادم.فهم لن يتخلوا عن مواقعهم في المنظمة ولن يرضخوا لأي ضغوط حتى لو أدى ذلك الى حصول المزيد من الانشقاقات والانقسامات في المنظمة الآثورية،طالما أموالها وممتلكاتها هي تحت تصرفهم وفي خدمتهم. واذا ما ادركوا حصول تغيير ما في موازين القوى داخل المؤتمر في غير صالحهم سيبحثون عن ذرائع وحجج لتأجيل المؤتمر العام مرة أخرى وحتى اشعار آخر.
الى حين يتعب المعترضون عليهم ويترك المنظمة من يترك أو يستسلم.فالقائمين اليوم على المنظمة الآثورية لا يعيرون أي اهتمام أو وزن للمعترضين،خاصة وأن المعترضين ليسوا بتيار متماسك ومنسجم وفاعل داخل المنظمة وفي المجتمع الآشوري بالرغم من غلبتهم العددية،واحتجاجاتهم تكاد تكون غير مسموعة داخل المنظمة وبين رفاقهم ولا صدى لها في الأوساط القومية. كما أنهم يفتقرون الى رؤية سياسية واضحة ومحددة للمرحلة المقبلة التي تتطلب أساليب وآليات عمل سياسية حديثة وجديدة تواكب ظروف المرحلة وتأخذ بعين الاعتبار التحولات الثقافية والفكرية والاجتماعية التي حصلت في المجتمع الآشوري والسوري عامة.أنهم مجرد مجموعات مستاءة من الوضع القائم،تلاقت على ضرورة ابعاد المنظمة الاثورية عن خط المعارضة والتركيز على الشأن القومي أولاً،لكن من غير أن يكون لديهم خطط وأجندة عمل مدروسة تمكنهم من احداث التغيير المنشود وقلب الطاولة.وان كان موقف هذه المجموعات الآثورية المعترضة، أو التيار الاصلاحي أو المحافظ “سياسياً” – اذا جاز التعبير- والمعترض على انضمام المنظمة لقوى المعارضة السورية،قد تعزز وقوي عشية انعقاد المؤتمر العام، وذلك باعتقال عضو المنظمة الآثورية”اسامة” في شباط الماضي -على خلفية مقال كتبه ينتقد فيه سياسات الحكم في سوريا- والطريقة التي افرجت السلطات السورية عنه. وحصول مسؤول المكتب السياسي للمنظمة السيد”بشير سعدي” مع افراد اسرته على الجنسية الامريكية.فقد زاد هذان الحدثين، من مشاعر الاستياء لدى الآثوريين وفي الشارع الآشوري،وتسببا في تفجر مزيد من الخلافات والتناقضات داخل المنظمة الآثورية.
اذ مازال الكثير من الآثوريين يعتبر هجرة الآثوري المتلتزم سياسياً من المحرمات القومية ويضعها في خانة الخيانة، فكيف اذا اقدم عليها عضو قيادي ومسؤول له عقود وهو يدعي الدفاع عن حقوق وقضية الآشوريين السوريين.جدير بالذكر أن “الحركة الآشورية” في الوطن،على اختلاف اتجاهاتها وتلاوينها تزعزت مصداقيتها السياسية والقومية وخسرت من رصيدها الجماهيري بسبب هجرة الكثير من اعضاءها بينهم قياديين الى امريكا والدول الأوربية. حيال هذ المشهد الآشوري المتأزم، والذي هو في النهاية جزء من المشهد السياسي السوري العام المتأزم هو الآخر،من غير المستبعد أن يقرر القائمون على المنظمة الآثورية، الانسحاب من”اعلان دمشق” بعد المؤتمر العام القادم والتهرب من المعارضة.وما يرجح مثل هذه الخطوة الآثورية التراجعية في هذه المرحلة السياسية الجديدة،هو تعرض المعارضة السورية الى حملة اعتقالات واستدعاءات واسعة طالت غالبية اعضاء”الأمانة العامة للمجلس الوطني لاعلان دمشق”فضلاً عن أن أطراف اساسية ومؤسسة للاعلان جمدت أو علقت عضويتها فيه على خلفية خلافات سياسية وتنظيمية برزت في اجتماع المجلس الوطني.ما يدفعنا الى مثل هذا الاعتقاد السياسي هو أن القائمين على المنظمة الآثورية لم يكونوا منذ البداية بالجدية الكافية والحماسة السياسية في توقيعهم على”اعلان دمشق”.فهم لم يوقعوا الا بعد أن فشلوا في التوصل مع اطراف سياسية سورية أخرى بعد أشهر من النقاشات الى تشكيل ما سمي بـ”اعلان حلب”.كما ان توقيعهم على” اعلان دمشق” تم لاعتبارات شخصية بحتة أكثر مما هو خيار سياسي استراتيجي للمنظمة الآثورية.
يشار هنا الى ان الموقع الكتروني للمنظمة، والذي يعبر عن موقفها السياسي، رفض نشر مقالات كتبها آثوريون ابدوا فيها تعاطفهم وتضامنهم مع رفيقهم فترة اعتقاله.في ضوء هذه القراءة لراهن”المنظمة الآثورية الديمقراطية” أرى بأنها ستبقى عرضاً لمزيد من الانشقاقت والأزمات على خلفية التناقضات الكامنة فيها والتي تنام عليها. فأزمة المنظمة هي ازمة “بنيوية” مرتبطة بتركيبتها الاجتماعية.فهي “خليط قومي” غير متجانس المزاج والذهنية. تضم من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية ومن مستويات ثقافية مختلفة،غير منسجمة في تفكيرها وتتباين في تطلعاتها السياسية والقومية الى درجة التناقض.
ما من شك، بأن تدهور حال “المنظمة الآثورية الديمقراطية” وتفككها سيؤثر سلباً وبشكل كبير على مسار الحركة الآشورية السورية عامة.فهل من “معجزة” قبل المؤتمر العام القادم تنقذ “المنظمة الآثورية الديمقراطية”من خطر التشرذم والتفكك والسقوط في مستنقع التناقضات. معجزة تعيد ترميم “البيت الآثوري” المتصدع وتعيد للمنظمة الآثورية مكانتها في المجتمع الآشوري وفي الساحة الوطنية السورية، في هذا الزمن السوري الصعب والمرحلة الثقيلة جداً على الشعب الآشوري”سريان/كلدان” في عموم المنطقة.؟. أم أن المؤتمر العام القادم،كما في كل المؤتمرات السابقة، سيكون مناسبة لخروج مزيد من الآثوريين من صفوف المنظمة الآثورية؟
سليمان يوسف يوسف
سوريا
ايلاف
2008 الثلائاء 8 أبريل