فصول متلاحقة من الكتاب الأميركي الجديد في لبنان والمنطقة
جورج علم
الأجواء الإقليمية و«النهج التوافقي» سيغرفان من 8 و14 آذار
لا تريد إدارة الرئيس باراك أوباما ان تدير المعركة الانتخابيّة للرئيس أحمدي نجاد، بقدر ما تريد أن تضع «مضبطة سلوك» للمرحلة المقبلة أيّاً يكن الرئيس الفائز في الانتخابات الإيرانيّة. وجاءت هذه الخلاصة نتيجة بحث معمّق شارك فيه الفريق الدبلوماسي الذي ترأسته وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون، والآخر الذي يعاون الموفد الرئاسي الاميركي السناتور جورج ميتشيل في مهمته لتحقيق تسوية في الشرق الاوسط.
وتروي جهات متابعة أنه بعد مشاركة وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون في مؤتمر الدول المانحة لإعادة إعمار غزّة في شرم الشيخ، وفي ضوء الانطباعات التي عادت بها بعيد جولتها السريعة على عدد من عواصم دول المنطقة، وبعد الجولة الأخيرة التي قام بها الموفد الرئاسي الأميركي لعملية السلام السناتور جورج ميتشيل، طرح على بساط البحث موضوع العقوبات الاقتصاديّة الاميركيّة على طهران، والجدوى من «التمديد» لها لعام واحد أو إلغائها «كبادرة حسن نيّة». إلاّ أن الفريق اللصيق بجولة كلينتون، لاحظ أن طهران تحاول التعويل على الأسلوب الذي كانت تعتمده دمشق في السابق، والدليل أنه عندما أقدمت القاهرة على احتضان مؤتمر الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني لتحقيق المصالحة، تمهيداً لبلوغ مؤتمر شرم الشيخ بنجاح، ردّت طهران بالدعوة إلى مؤتمر واسع تحت شعار التضامن مع غزّة، وكانت الغاية السياسيّة، إحباط الجهود التي كانت تقودها مصر لتضييق الهوة بين السلطة الفلسطينيّة ومنظمات الممانعة. وعندما وجهت كلينتون الدعوة (إعلاميّاً) الى طهران للمشاركة في المؤتمر الدولي حول افغانستان، والمتوقع ان يعقد في بروكسيل او هولندا نهاية هذا الشهر، سارعت العاصمة الايرانية للدعوة الى عقد مؤتمر عاجل للدول المحيطة بأفغانستان في ضيافتها للقول «إنها هي الرقم الصعب، وهي من يرجّح كفّة التوازن في هذه المعادلة».
اما المقاربة التي قدمها فريق ميتشيل، فكانت متنوعة من حيث الطرح، متكاملة من حيث النتائج، بمعنى أنه أوصى بتمديد العقوبات، ولكن ليس بأسلوب استفزازي، لأن الرئيس الإيراني سوف يوّظّف ذلك فوراً في إطار حملته الانتخابيّة، ويستقطب التعبئة الشعبية في وجه الإصلاحييّن. ولخّص الفريق العوامل المؤثرة بالآتي: إن الهدف من تمديد العقوبات ليس دعم خيار التطرف الذي يقوده بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته الجديدة وتحديد جدول أعمالها قبل الإعلان عن أسماء الوزراء، وتوزيع الحقائب، بل توجيه رسالة سريعة وبالغة الدلالة إلى كلّ تطرّف في الشرق الأوسط، سواء أكان إسرائيليّاً، أم إيرانيّاً أم أصوليّاً، مع التأكيد على ان إدارة أوباما التي قررّت التعاطي مع ملفات المنطقة عن طريق تفعيل «الدبلوماسيّة الدائمة والمستدامة»، لن تترك للمتطرّفين سواء أكان بنيامين نتنياهو، او أحمدي نجاد، أو أي تطرّف آخر ان يهدد بالحرب، او يراهن على حروب جديدة. وإن إدارة الرئيس أوباما لن تترك «العصا عندما تلوّح بالجزرة». والأمر الثاني والمهم، إن واشنطن في عهد الرئيس أوباما انتقلت من دور تلقي ردود الفعل، الى دور الفعل، خصوصا بعد وضع جدول زمنيّ للانسحاب من العراق، ودعا الى مؤتمر دولي حول أفغانستان، وبالتالي ليس المهم ان يستغل الرئيس أحمدي نجاد الموقف، ويوظف تمديد العقوبات الاقتصاديّة في حملته الانتخابيّة، بل المهم ان تقرأ طهران المؤشرات بتمعن، وتعرف كيف يجب التعاطي بحكمة وتعقّل مع اليد الأميركيّة عندما تصبح ممدودة، ليس لتغيير القناعات والخيارات بداية، بل للوصول الى تفاهمات حول «ضبط السلوك».
وتحت هذا العنوان العريض، يأتي الفرعي المتمثّل بفتح مكاتب السفارة اللبنانيّة في دمشق على وقع قراءتين: الأولى تفيد بأن هذه الخطوة هي بمثابة هديّة شاء أن يحملها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان الى صديقه الرئيس نيكولا ساركوزي كعربون شكر على الدور الذي قام به شخصيّاً وقامت به فرنسا في عهده لوضع العلاقات اللبنانية ـ السوريّة في مصاف النديّة التكامليّة على مستوى المصالح المشتركة بعد أن كانت على مستوى الكيديّة التصادميّة. أما الثانيّة فتنطلق من المثل الشعبي «الصيت لنا، والفعل لغيرنا»… والصيت لفرنسا، فيما الفعل للأميركيين، والدليل أن مساعد وزيرة الخارجية الاميركيّة لشؤون الشرق الاوسط بالوكالة السفير جيفري فيلتمان عندما مرّ ببيروت مع صديقه دانيال شابيرو، وهما في طريقهما الى دمشق، سمع «نقّاً» من بعض قوى 14 آذار حول السلوك السوري تجاه لبنان، وعدم الوفاء بالتعهدات والالتزامات، وخير دليل على ذلك عدم تعيين سفير سوري في بيروت، و»تمرير مسرحيّة التبادل الدبلوماسي» بموظف برتبة قائم بالأعمال، فيما رشح لبنان واحداً من خيرة سفرائه هو ميشال الخوري ليكون رئيساً للبعثة الدبلوماسيّة اللبنانية في العاصمة السوريّة». وسجّل فيلتمان هذه الملاحظة في مفكرته، وخلال اجتماع العمل المطوّل الذي عقده مع وزير الخارجيّة السورية وليد المعلّم أثار معه هذه النقطة بالذات، وسمع جواباً مفاده: «على الأقل بادرنا، وفتحنا أبواب السفارة في قلب العاصمة بيروت، وعيّنا قائماً بالأعمال تمهيداً لتعيين سفير، فلماذا لم يبادرونا بالمثل؟، وأين هو مبنى سفارتهم في دمشق؟، ولماذا لم يفتتحوها رسميّاً، ويعهدون بالأعمال التحضيريّة إلى فريق عمل برئاسة قائم بالأعمال كما فعلنا؟… وحين عاد فيلتمان إلى بيروت، وضع المسؤولين والمعنيين في أجواء هذا الانطباع، وغادر بعدما أخذ علماً بأن الجانب اللبناني سيُقدم سريعاً على اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه، ويبادر إلى فتح أبواب السفارة معاملة بالمثل، وإن المبادرة بتعيين سفير لبناني قبل أن تفعل دمشق ربما كانت خطوة متسرّعة بعض الشيء.
وبالطبع، لا يمكن التقليل من شأن «زيارة الدولة» التي يقوم بها الرئيس ميشال سليمان إلى فرنسا، ولا التقليل من قدر الرئيس ساركوزي، والدور المساعد الذي لعبه ولا يزال لإخراج لبنان من الهوّة التي يتخبط بها اقتصاديّاً وسياسيّاً وأمنيّاً. أما عناوين البحث فكثيرة ومتنوعة، إلاّ أن هناك من يعطي الزيارة طابعاً انتخابيّاً بحتاً، ومحاولة لتوفير دعم مؤثر لكل من رئيس الجمهوريّة ووزير داخليته التوافقييّن، لتكون استحقاقاً مهماً للبنان، وإنجازاً للرئيس سليمان في مطلع عهده. وهناك من يدعو اللبنانيين مرشحين ومقترعين إلى شدّ أحزمتهم جيداً، والتمعن بهدوء وبعد نظر الى التطورات المتسارعة دوليّا وإقليميّا قبل الصعود الى قطار الانتخابات، وإن التغيير الذي بدأت تهب رياحه مع وصول الادارة الاميركيّة الجديدة، وفي ظلّ الازمة الاقتصاديّة الخانقة، ستلفح بعض نسائمه ضفتي قوى 8 و14 آذار، وهناك من يتابع بتمعن ما يجري على جبهة المصالحات العربيّة ـ العربيّة، ويرصد تهافت قوى في 14 آذار على بعض العواصم الخليجيّة، على الرغم من التناقض الحاصل في المواقف والمقاربات السياسيّة، وكيف ان حبكة الاتصالات الامـيركيّة ـ الأوروبيّة ـ الإقليميّة تعززّ القناعة القائلة بأن هذا الرئيس التوافقي الذي جاء بإجماع عربي ـ إقلـيمي ـ دولي إلى الرئاســة الأولى، لا يزال الأولى بالثـقة من كل الآخرين المجـربين إن في صفوف 8 أو 14 آذار، وربــما كانت هناك قطـبة مخــفيّة من جانب المجتــمع الدولي، تشارك فرنسا ـ ساركوزي بعمليّة إخراجها في موسم الانتخابات، بحيث لا يبقى لبنان ضحية التجاذب ما بين 8 و14 آذار، بل موحدا وراء رئيس توافقي، ومجلس نيابي منتخب، وحكومة جديدة تعكس إرادة التغيير… لكن عن طريق الحوار والتفاهم…
السفير