واشنطـن تبحـث خطوتهـا التاليـة: مهمـة ميتشـل فلسطينيـة أم سوريـة؟
زياد حيدر
ما زالت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لا تعرف تماما ما هي الخطوة التالية. فقد دفع الرئيس الجديد بعد أيام من تنصيبه بجورج ميتشل إلى موقع اتخاذ المبادرة في استكشاف آفاق العملية السلمية في الشرق الأوسط. وأرسل ميتشل إلى إسرائيل والضفة الغربية والتقى بمسؤولين مصريين وسعوديين وأتراك. لكن بقي العمل بعد مرور ما يقارب الشهر في إطار الاستكشاف، فيما لم يحسم الجدل في واشنطن حول أولوية أي مسار على الآخر، وذلك في الوقت الذي تتطور فيه العلاقات الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة بمعزل عن هذا الجدل.
وعلى الرغم من أن فريق ميتشل الضئيل ما زال يشكو من قلة الكوادر، وتأخر التعيينات، ولا سيما تسمية الباحث فريدريك هوف رئيسا لفريق ميتشل، بسبب تعقيدات بيروقراطية، يشهد الكونغرس الأميركي ودوائر وزارة الخارجية نقاشا عما إذا كانت مهمة ميتشل يجب أن تكون في الجانب الفلسطيني أم السوري.
ولهذا الجدل مبرراته الكثيرة. يقول باحثون في مراكز أبحاث تمثل وجهة نظر اليمين الأميركي إن المفاوضات الوحيدة التي يمكن أن تجري الآن هي تلك التي تجري بين حماس (بالوكالة) وإسرائيل لتثبيت التهدئة. واعتبروا أن تحقيق ذلك سيكون إنجازا بحد ذاته ولا يجب الالتفات إلى أكثر من ذلك. ويحاجج هؤلاء بأن أيا كان في إسرائيل لن يكون قادرا على التفاوض مع جسم متناقض الوظائف والأهداف كالجسم الفلسطيني حاليا، لذا فمن الأفضل العمل على المسار السوري من تضييع الوقت على الضفة الفلسطينية.
ويضيف هؤلاء سببا آخر يرتبط بوجود حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو في إسرائيل لن تكون راغبة بالتقدم خطوة واحدة على هذا المسار. وهو رأي يخالفه إلى حد ما هوف الذي سألته «السفير» عما إذا كان من موقعه كباحث (لم يتم تعيينه رسميا بعد كرئيس لفريق ميتشل) يرى أن الأفضلية يمكن أن تمنح لمسار على حساب آخر، فيقول إن «الولايات المتحدة يجب أن تتحرك حيث هناك فرصة جاهزة» للسلام، معتبراً أن الحجة الفلسطينية في تقديم المسار الفلسطيني على بقية المسارات مع تعقيداته غير ملزمة بالضرورة، ولكن مع الإعلان عن قناعته بأن تعيين ميتشل بتلك السرعة التي تم بها ذلك يعني بأن إدارة أوباما «تنظر إلى المسار الفلسطيني على أنه طارئ أكثر، وأن الإدارة تضع أولوية على المسار الفلسطيني».
ويأتي كلام هوف بعد إعلانه عن ورقة بحثية ترسم خطا ثالثا للتفاوض في الجولان السوري المحتل غير خط الرابع من حزيران والخط الدولي وتدعو لإقامة حديقة مفتوحة للطرفين في الهضبة بعد إعادتها لسوريا. وهو نشاط ينظر إليه مراقبون بحكم ترشيح هوف على أنه نوع من التحفيز لفكرة تفضيل مسار سهل تسمح به الظروف على مسار معقد تزيده الظروف الحالية تعقيدا. وتلقى هذه الفكرة ترحيبا في الكونغرس أكثر من أي مواقع أخرى، وذلك «بسبب طبيعتها السهلة» وفق موظفين في الكونغرس لـ«السفير».
ويفسر هذا المنطق الزخم على خط الزيارات إلى دمشق لـ»استكشاف فرص هذا المسار»، سواء كان ذلك عبر الزيارة السابقة لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هوارد بيرمان أو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري وآخرها الزيارة التي ستقوم بها رئيسة وفد لجنة الاستخبارات في الكونغرس دايان فاينستاين إلى دمشق قريبا.
فثمة تخوف في الأوساط السياسية الأميركية من «صدام مبكر» بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو التي تظهر «خيبة مضمرة» وأحيانا معلنة من وجودها في هذا التوقيت الحرج. ولذا يرى الأستاذ الجامعي في جامعة جورج واشنطن مارك لينش، الذي سبق وعمل مع فريق أوباما الانتخابي على ملفات الشرق الأوسط، أن «هذا يدفع عدداً من الناس للنظر إلى المسار السوري على أنه قابل للإنجاز بشكل أسرع بحيث يمكن تحقيق تقدم»، وذلك تفاديا لإحراج رئيس الحكومة الإسرائيلية على المسار الفلسطيني.
ويشير باحثون وسياسيون التقت «السفير» بهم في مواقع مختلفة إلى أن ثمة عوامل ممكنة يمكن أن تساعد في توفير زخم للمسار الفلسطيني إذا أصرت إدارة أوباما على تفضيله على غيره من المسارات. ومنها المصالحة العربية التي يمكن أن تقود إلى تفاهم عربي على مسار الخروج من الأزمة الفلسطينية وتشجع الفلسطينيين على تشكيل حكومة وحدة قادرة على إجبار حكومة نتنياهو على الخوض في مفاوضات، وتسريع وتيرة العمل الدبلوماسي بين سوريا والولايات المتحدة والاستعانة بالشركاء الإقليميين كتركيا في محاورة القوى الممانعة كحماس وتوفير أجواء تهدئة عامة. ولا يذكر هؤلاء عامل «ضرورة الضغط على إسرائيل» لدفعها للقبول بالتفاوض، وإن كان ثمة من يرى أن أي حكومة إسرائيلية لن تستطيع الصمود طويلا (في الحكم) إذا لم تحصل على التشجيع اللازم من الولايات المتحدة، وهو تشجيع ثمة تشكيك كبير في إمكانية توفيره في الوقت الحالي.
السفير