الحرب غير الضرورية
سميح صعب
ستة أعوام بالكمال والتمام مضت على الحرب الاميركية على العراق. ماذا عسى جورج بوش ان يقول في الكتاب الذي يعتزم تأليفه عن أعوام حكمه والقرارات الرئيسية التي اتخذها خلالها؟ وكيف سيقوّم هذه الحرب؟ وهل ستكون لديه الجرأة للاعتراف بأن الحرب كانت فاشلة، وبأنه أزهق مئات آلاف أرواح العراقيين، وبأنه دمر بلداً بكامله بحثاً عن اسلحة الدمار الشامل التي تبين انه لم يكن لها وجود في مخيلة المحافظين الجدد ودعاة بناء الامم داخل ادارة اميركية اعتنقت التطرف الايديولوجي بامتياز؟
طبعاً سيقول بوش ان للحرب ايجابيات على رغم عدم العثور على اسلحة الدمار الشامل التي كانت الهدف الرئيسي للحرب. وسيقول أيضاً إنه جلب الحرية للعراقيين، لكنه سيتجنب القول انه دمّر العراق، بل سيقول ان العراق بات بفضله الجبهة المركزية في الحرب على الارهاب. لكنه سيتناسى انه قبل الحرب لم يكن ثمة وجود لـ”القاعدة” في العراق.
وسيقول ان العراق بات نموذجاً للديموقراطية في الشرق الاوسط، لكنه سيتناسى الثمن الباهظ الذي دفعه العراقيون في هذه الحرب، وكم عمقت الانقسام طائفياً ومذهبياً داخل البلد الواحد.
سيقول بوش ان العالم بعد حرب العراق بات أكثر أماناً، وان من الافضل لاميركا ان تقاتل المتطرفين الاسلاميين على ارضهم عوض ان تحاربهم على ارضها الى آخر ما يمتلك من عبارات ملَّ العالم من تردادها طيلة وجوده في البيت الابيض عن الخطر الذي كان يشكله العراق لو لم تقع الحرب.
ولا يهم هنا إن وقعت الحرب بشعارات كاذبة، كما لا يهم تضليل الرأي العام الاميركي من أجل تعبئته لتأييد الذهاب الى الحرب، كذلك يهم الضغط على اجهزة الاستخبارات كي تضع تقارير تتوافق مع العقل السياسي للادارة الاميركية، ليتبين ان بوش وديك تشيني كانا يخططان منذ اليوم الاول لوصولهما الى البيت الابيض لشن الحرب على العراق. وحتى الان يدافع تشيني عن نظريته بوجود علاقة بين منفذي هجمات 11 ايلول 2001 على نيويورك وواشنطن والنظام العراقي السابق على رغم ان هذا لم يثبت في أي تحقيق أجري حتى الآن.
كما ان بوش لن يقيم اعتباراً لحكم التاريخ، لا سيما بعدما عثرت كوندوليزا رايس على مخرج له بقولها ان التاريخ لن يكتب بعناوين الصحف الصادرة اليوم. ولئن يكن العراق الهاجس الاول لبوش فإنه ترك الحرب على “القاعدة” و”طالبان” في افغانستان في منتصفها وسارع الى ارسال جيشه الى بغداد. وماذا كانت النتيجة؟ تمكنت “القاعدة” و”طالبان” من بناء قوتهما في افغانستان وهما تملكان الان اليد العليا في القتال في افغانستان وحتى في باكستان.
ولا تقف انعكاسات حرب العراق عند هذا الحد. فقد باتت صورة اميركا أكثر بشاعة بعد الفضائح التي شابت الحرب، ولا سيما عمليات التعذيب التي عهد بها الى “القطاع الخاص” في سجن ابو غريب، فضلاً عن التجاوزات اليومية للمقاولين الامنيين وفي مقدمهم شركة “بلاك ووتر” سيئة السمعة التي قضى على يديها الكثير من المدنيين العراقيين.
كما ان حرب العراق حرفت انتباه الولايات المتحدة عن عملية التسوية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، واتاحت لاسرائيل الانفراد في قمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وجعلتها تسعى وراء الحلول الاحادية التي كانت الحرب على غزة آخر مآثرها.
هذا ما فعلته الحرب في العراق والمنطقة، ناهيك بتأثيراتها على الداخل الاميركي وعلى نمط الحياة الاميركية في السياسة والاقتصاد. وكم كانت الكلفة كبيرة بشرياً ومادياً، وكم بدا ملحاً للاميركيين ولا سيما لادارة الرئيس باراك اوباما البحث عن مخرج من هذه الورطة بأقل الاضرار الممكنة.
ربما كان أفضل تعريف لهذه الحرب ذاك الذي أطلقه اوباما قبل ان يصير رئيساً: إنها حرب غير ضرورية.