مانويل كاستيلس: السلطة تخشى الانترنيت
أجرى الحوار: ميغيل بيريث أوليبا_ البايس الاسبانية
توطئة ( المترجم )
أحد عمالقة علماء الاجتماع اليوم، صاحب كتاب ” عصر المعلومات: الاقتصاد والمجتمع والثقافة ” ترجم الكتاب الى 23 لغة، البحث الذي تتناوله هذه المقابلة هو مشروع انترنيت كاتالونيا: خلال ست سنوات أشرف مانويل كاستيلس على بحث تناول التحولات التي يحدثها الانترنيت في الثقافة والتنظيم الاجتماعي من خلال 15000 مقابلة شخصية و40000 من خلال الانترنيت، في هذا الحوار يتحدث عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للانترنيت.
س1: هذا البحث يظهر أن الانترنيت لا يدعم الانعزال، كما يعتقد الكثيرون، وإنما الاشخاص الذين يستخدمون ” الشات ” اجتماعيون أكثر من غيرهم .
ج1: صحيح، ان هذا الأمر لا يشكل مفاجأة بالنسبة لنا، المفاجأة هي أن هذه النتيجة كانت مفاجأة، هناك حوالي 15 دراسة هامة في العالم تعطي النتيجة ذاتها.
س2: كيف تفسر سبب انتشار الفكرة المعاكسة ؟
ج2: وسائل الاتصالات عامل مهم، كلنا نعرف أن أكثر الاخبار هي أخبار سيئة، أنت تستخدم الانترنيت، وأبنائك كذلك، ولكن الاعتقاد بأنه مليء بالارهابيين، المواد الاباحية… التفكير بأنه عامل استلاب، يبدو أنه أكثر إثارة من القول: أن الانترنيت هو امتداد لحياتك، إن كنت اجتماعيا ستصبح اجتماعيا أكثر، وان لم تكن كذلك، الانترنيت يساعدك قليلا، ولكن ليس كثيرا، وسائل الاتصالات الى حد ما هي تعبير عن تفكير المجتمع (التفكير الجمعي): المسألة هي لماذا يفكر المجتمع هكذا؟
س3: بسبب الخوف من الجديد؟
ج3: بالضبط، ولكن، الخوف ممن؟ من المجتمع القديم تجاه الجديد، من الأهل تجاه أبنائهم، ممن يملكون السلطة الراسخة في عالم تكنولوجي، اجتماعي، وثقافي قديم، إزاء ما يأتي ، لا يفهمون ولا يسيطرون عليه فيرونه كخطر ، وفي العمق هو كذلك، لأن الانترنيت أداة للحرية و للاستقلال الذاتي، أساس السلطة كان دائما السيطرة على الافراد، من خلال المعلومات والاتصالات، ولكن هذا الامر انتهى، لان الانترنيت لا يمكن السيطرة عليه.
س4: نعيش في مجتمع حيث ” إدارة الرؤية ” في مجال وسائل الاعلام كما يصفها جون طومبسون، أصبحت الشغل الشاغل لأي مؤسسة، شركات ومنظمات، ولكن التحكم بالصورة العامة، يتطلب وسائل يمكن السيطرة عليها، و اذا كان الانترنيت ليس كذلك…
ج4:الانترنيت ليس كذلك، وهذا ما يفسر لماذا تخشى السلطات الانترنيت، لا اعرف كم عدد اللجان الاستشارية للحكومات والمؤسسات الدولية التي كنت عضوا فيها في آخر 15 عام، وأول سؤال تسأله الحكومات دائما هو : كيف نستطيع السيطرة على الانترنيت؟ الجواب دائما هو ذاته: لا يمكن، يمكن ان يكون هناك مراقبة، ولكن ليس سيطرة.
س5: اذا كان الانتريت الى هذا المدى محددا للحياة الاجتماعية والاقتصادية، هل الوصول اليه يمكن ان يكون العامل الرئيسي للاستبعاد؟
ج5: لا، الأهم لا يزال هو الحصول على العمل والوظيفة، وقبل ذلك المستوى التعليمي، لأنه، من دون التعليم، التكنولوجيا غير مفيدة، في اسبانيا، مايسمى ” الفجوة الرقمية “، من ناحية العمر، المعطيات واضحة جدا: بين من هم فوق ال 55 عام، فقط 9% يستخدمون الانترنيت، و 90 % بين من هم دون 25 عام .
س6: إذن هي مسألة وقت فقط؟
ج6: عندما يرحل جيلي، لن يكون هناك ” فجوة رقمية ” في استخدام الانترنيت، لكن، في مجتمع الانترنيت، الامر المعقد ليس التصفح، وإنما معرفة إلى أين أذهب، أين أبحث عما أريد ايجاده، وماذا أفعل بما أجد، وهذا يحتاج الى تعليم. في الواقع، الانترنيت يضخّم ” الفجوة الاجتماعية ” التاريخية، والتي هي مستوى التعليم، 55 % من البالغين في اسبانيا لم يكملوا الدراسة الثانوية، هذه هي ” الفجوة الرقمية ” الحقيقية.
س7: في هذا المجتمع الذي يميل إلى أن يكون ” سائلا ” إلى حد كبير، بتعبير زيغموند باومان، حيث كل شيء في تغير مستمر، وهو يتعولم بازدياد، هل من الممكن أن يزداد الشعور بالأمان؟ حيث العالم يتحرك تحت أقدامنا؟
ج7: هناك مجتمع جديد حاولت أن أعرّفه نظرياً ب ” مجتمع الشبكة “، وهو ليس بعيدا عن تعريف باومان، أنا أعتقد أنه أكثر من سائل، هو مجتمع عرضي ، وهناك سيطرة أقل من المؤسسات التقليدية.
س8: في أي معنى؟
ج8: تنتشر فكرة أن المؤسسات المركزية، الدولة، العائلة التقليدية، لا تعمل، اذن كل الارض تتحرك تحتنا في نفس الوقت، أولا الأفراد يعتقدون أن حكوماتهم لا تمثلهم وليست ذات مصداقية، نبدأ إذن، بشكل سيئ. ثانيا، يعتقدون أن السوق جيد لأولئك الذين يربحون،، وسيء للخاسرين، وبما أن الاغلبية تخسر، هناك عدم ثقة، بمنطق السوق المحض والقاسي، أن بإمكانه أن يفيد الناس. ثالثا، نحن معولمين، هذا يعني أن نقودنا هي في تدفق عالمي لا نتحكم به، والشعب خاضع لضغوطات هجرة قوية جدا، لذلك وبشكل متزايد يصبح من الصعب عزل الناس داخل ثقافة أو داخل حدود وطنية.
س9: ما هو دور الانترنيت في هذه المرحلة؟
ج9: من جانب، السماح لنا بالوصول الى كل المعلومات، يزيد عدم اليقين، ولكن في نفس الوقت هو أداة مفتاحية من أجل الاستقلال الذاتي للأفراد، وهو أمر أظهرناه لأول مرة في بحثنا، عندما يزداد الاستقلال الذاتي للفرد يزداد استخدامه للانترنيت، في بحثنا حددنا ستة أبعاد للاستقلال الذاتي، و تحققنا من أنه عندما يكون للشخص مشروع استقلال ذاتي، في أحد هذه الأبعاد، يستخدم الانترنيت بتكرار وكثافة أكثر، واستخدام الانترنيت يعزز استقلاله الذاتي في ذات الوقت، ولكن طبعا، عندما يتحكم الفرد بحياته بشكل أكبر، تقل ثقته بالمؤسسات.
س10: ويكون الاحباط الذي يتسبب به أكبر بسبب المسافة بين الامكانات النظرية للمشاركة وما يحدث في الممارسة، التي تقتصر على التصويت مرة كل أربع سنوات ، ألا تعتقد بذلك؟
ج10: نعم، هناك تفاوت هائل بين الامكانات التكنولوجية والثقافة السياسية، الكثير من البلديات وضعت مراكز وصول ويفي ” Wi-Fi ” ولكن اذا كانت في ذات الوقت غير قادرة على وضع نظام مفصلي للمشاركة، إنه مفيد لجعل الافراد ينظمون شبكاتهم الخاصة بشكل أفضل، ولكن ليس من أجل المشاركة السياسية. المشكلة هي أن النظام السياسي غير مفتوح على المشاركة، وعلى الحوار المستمر مع المواطنين، وعلى ثقافة الاستقلال الذاتي، ولذلك ماتفعله هذه التكنولوجبا هو زيادة عزل السياسة عن المواطنة.
هذا المقال صادر عن فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب www.3almani.org
ملاحظة
ولد مانويل كاستيلس في إسبانيا في عام 1942 وهو في الوقت الراهن أستاذ باحث في مجال مجتمع المعلومات في الجامعة المفتوحة بكتالونيا (برشلونة)؛ وهو أيضا أستاذ كرسي واليس أنينبرغ لتكنولوجيا المعلومات والمجتمع في جامعة كاليفورنيا الجنوبية (لوس أنجلوس)؛ وهو أيضا أستاذ زائر في التخطيط الحضري والإقليمي وعلم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا (بيركلي)؛ كما أنه أستاذ زائر بانتظام في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا. وعمل مستشارا في عدة حكومات، وكان عضوا في فريق الخبراء الرفيع المستوى التابع للجنة الأوروبية المعني بمجتمع المعلومات. وهو في الوقت الراهن عضو في المجلس الاستشاري الدولي لرئيس جنوب أفريقيا بشأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية. وكان أيضا مستشارا وخبيرا استشاريا لدى عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، والموئل، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وكان عضوا في المجلس الاستشاري للأمين العام للأمم المتحدة بشأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية العالمية، وهو في الوقت الراهن عضو في المجلس الاستشاري لفرقة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية العالمية. وكان الدكتور كاستيلس أستاذا زائرا في 15 جامعة في أمريكا اللاتينية وآسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا، وحاضر في أكثر من 300 مؤسسة أكاديمية في 43 بلدا. ودرس القانون والاقتصاد في جامعتي برشلونة وباريس، وحصل على درجتي الدكتوراه في علم الاجتماع، وفي العلوم الإنسانية من جامعة باريس “رينيه ديكارت – السوربون”. وحصل على دكتوراه فخرية من عدة جامعات، فضلا عن درجات شرف من عدة حكومات لإسهامه في الأبحاث في مجال العلوم الاجتماعية. وحصل أيضا على جوائز أكاديمية رئيسية، بما في ذلك جائزة س. رايت ميلز، وجائزة روبرتن وهيلين ليند، ووسام كاتالونيا الوطني للعلوم.(الأمم النحدة)
١٥ آذار (مارس) ٢٠٠٩، ترجمة ناجي نصر