صفحات أخرى

استحالة القضاء على التطرف في بلدان النزاعات العرقية والدينية

null
عمر كوش

يكشف هذا الكتاب تفاصيل مهمة حول المعركة الدائرة على “جبهة باكستان” ما بين الجنرال برويز مشرف، الرئيس الباكستاني ومن معه من الاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني، وبين المتشددين الإسلاميين وحلفائهم وأنصارهم. ويتطرق الكتاب إلى كيفية تحوّل الجنرال برويز مشرف، رئيس باكستان، إلى جانب سياسات الولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد ما تسميه “الإرهاب” بعد أحداث 11/9/ 2001 والأسباب الكامنة وراء أهمية هذا التحول. كما يهتم بالقوى المعادية لمشرف من “المجاهدين” وحلفائهم.

ويعتبر المؤلف أن باكستان كانت على الدوام تمثل مقراً وملاذاً آمناً للجماعات المتشددة والإرهابية في العالم، وهناك من يعتقد أن أسامة بن لادن نفسه يختبئ في المناطق الحدودية المتاخمة لأفغانستان، حيث يتوارى عن الأنظار. وقد تحولت باكستان بعد 9/11 من بلد منبوذ دولياً لدعمها المديد لحركة طالبان إلى شريك رئيسي في الحرب الأميركية على الإرهاب. الفاعل الرئيسي في هذا التحول هو الجنرال برويز مشرف، الذي تعهد بتقديم دعم منقطع النظير إلى الولايات المتحدة الأميركية في حربها. ومنذ أن اتخذ قراره بالتحالف مع الأميركيين، بات مشرف هدفاً تتم ملاحقته واغتياله، فحولت الجماعات الإسلامية، التي تلقت تدريباتها على أيدي جهاز الاستخبارات الباكستاني ISI ، أسلحتها نحو الجنرال الذي اعتبرته خائناً أدار ظهره للمبادئ التي كان يؤمن بها من قبل.

وبدأ تحول الجنرال مشرف بعد يومين من أحداث 9/11 ، حيث تلقى رسالة أميركية، سلمها له ويندي تشامبرلان، السفير الأميركي في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وكانت تتضمن جملة من المطالب الأميركية، أهمها منع مرور السلاح والدعم اللوجستي إلى حركة طالبان عبر أفغانستان، وإيقاف عمليات القاعدة على الحدود الباكستانية، وإعطاء الطائرات الأميركية حق التحليق في المجال الجوي الباكستاني وحق الهبوط، وكذلك استعمال القواعد البحرية والجوية والحدودية الباكستانية، والحصول على معلومات فورية من الاستخبارات الباكستانية، ومساعدة الولايات المتحدة في تدمير شبكة القاعدة، ومنع كل مظاهر الدعم المحلي للإرهاب ضد الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها، وقطع إمدادات الوقود والطاقة عن طالبان، ومنع المتطوعين الباكستانيين من الذهاب إلى أفغانستان، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة طالبان. وقد رضخ الجنرال مشرف لمطالب الإدارة الأميركية، وأكد استعداده لتلبيتها جميعاً خلال لقاء جمعه بالرئيس جورج دبليو بوش.

وقد أصدر الجنرال برويز مشرف بعد أربعة أشهر من أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، وبالتحديد في 12 يناير كانون الثاني من عام 2002، قراراً يحظر فيه نشاط خمس جماعات إسلامية باكستانية متشددة، هي: عسكر طيبة، وجيش محمد، وحركة الجهاد الإسلامي، وجماعة الأنصار. وهي مجموعات كان هدفها الأساس هو تحرير إقليم كشمير مما تعتبره احتلالاً هندياً، وإقامة حكم إسلامي بشتوني في أفغانستان، وبعضها قام بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية في الهند. وقد أصابت التطورات الدراماتيكية الجيش الباكستاني في أعقاب التحول المثير الذي قاده الجنرال مشرف.

ويرى المؤلف أن ثمة ما يدعو إلى قراءة مواقف الرئيس الباكستاني بشكل متأن. والسبب في ذلك هو أن سياسته المعلنة، على هذا الصعيد، تختلف عن مواقفه المضمرة، حيث يعتقد أن هناك علاقة مشبوهة جداً بين المجاهدين الباكستانيين من جهة، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من جهة أخرى، خصوصاً وأن الأخيرة استغلت، في ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، حماسة المجاهدين للقتال في أفغانستان ضد جيش القوات السوفييتية، وللقتال لاحقاً في إقليم كشمير. إضافة إلى أن العشرات من ضباط الاستخبارات الباكستانية عملوا إلى جانب طالبان، وساعدوها في التدريب والتخطيط والمشورة لعملياتها وسياساتها، وكان العقيد سلطان إمام ينسق ويدير هذه العمليات، وأسند إليه منصب قنصل باكستان في قندهار. لكن الاستخبارات الباكستانية تجاوزت في رعايتها وعلاقاتها مع الجماعات المسلحة أفغانستان إلى كشمير والهند وكوسوفو والبوسنة، إلى جانب رعايتها حركة طالبان منذ نشأتها حتى صعودها.

ويستند المؤلف في كتابه إلى جملة المقابلات والحوارات التي أجراها مع لاعبين أساسيين، بمن فيهم الجنرال مشرف وبعض قادة جماعات “المجاهدين”، حيث كان خلال عمله الصحافي يتابع باستمرار تفاصيل الحرب الدائرة على جبهة باكستان، وأراد لكتابه توضيح حقيقة حرب باكستان على الإرهاب، آملاً في أن يجسر بعض الفجوات التي تركتها الرواية الرسمية للأحداث.

ويتناول المؤلف بعض عمليات المجاهدين ومصادر تمويلهم، وعلاقاتهم مع جماعات متعددة الجنسيات، مثل تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. ولأجل ذلك كان عليه أن يجتاز بصعوبة فائقة الممرات الجبلية في إقليم وزيرستان، والجلوس إلى مائدة ضباط وقيادات عسكرية متعددة في منطقة روالبندي، وأن يتسلل إلى المدارس الدينية المغلقة في البنجاب ليستكشف عن أرض الواقع جملة التحديات التي تواجه الجنرال مشرف، والتحقق الميداني من امتلاكه الفعلي للسلطة في باكستان.

أخيراً، تمكن المؤلف من تبيان تداعيات أحداث الحرب الأميركية على الإرهاب على باكستان، بما فيها القصف الجوي الأميركي على مواقع نظام طالبان في أفغانستان، وتفاقم التناقض في مواقف برويز مشرف، وفشله في اقتلاع التطرف والقوى الجهادية، بسبب عدم الثبات في سياساته، وافتقار معظم أعماله للالتزام، والضغوط الهائلة التي يتعرض لها من طرف الولايات المتحدة. ويشير المؤلف إلى عوامل خارجية لها الدور الكبير في تشكيل مصير باكستان بسبب موقعها الاستراتيجي، ويرى بأنه يمكن خوض الحرب ضد التطرف والجماعات المتشددة بإشاعة الديموقراطية. لكن حكم مشرف المستبد أحبط أي آمال في بناء عملية ديموقراطية ثابتة الجذور. وقد فاقم دعم مشرف للحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب، وتعاونه الإستراتيجي مع جماعات مسلحة بعينها، ورفضه نشر الممارسة الديموقراطية، الخلافات الاجتماعية والعرقية والدينية في المجتمع الباكستاني.

المستقبل – الاحد 2 آذار 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى