حتى لا يكون الإسلاميون المتزمتون وريثا شرعياً للاستبداد في بلداننا
كامل عباس
نشر الصديق العزيز جورج كتن مقالا بعنوان – البديل المرشح لوراثة الاستبداد – في موقع النداء بتاريخ 11/3/2009,يحذر فيه من البديل للأنظمة القائمة في منطقتنا , ومما جاء فيه ((الناس في ظل أنظمة الاستبداد الراهنة، حتى مع حريتهم السياسية المفقودة، قد يتغاضون عنها كأهون الشرين لما توفره من بعض الحريات الاجتماعية، فالبديل الذي يهيأ نفسه لوراثتها يعد بإلغاء الموسيقى والرقص والغناء والرسم والشعر والصور وحفلات ملكات الجمال والأعراس المختلطة والبرامج والأفلام التي تظهر فيها المرأة سافرة ومواد التجميل وحلاقة الذقون وإطالة الشارب وارتداء البدلة وربطة العنق وشرب الخمور، والتصافح بين المرأة والرجل..) . حقا ان أنظمتنا العربية كان وما يزال فهمها للتاريخ انه – صراع على السلطة – ستخوضه حتى النهاية مهما كان في ذلك من خراب لمجتمعاتها ’ ولقد واتتها ظروف الحرب الباردة ولعبت على الحبال ونجحت من خلال وسائل قمعها وإعلامها وثقافتها في جعل شعوبها جاهلة ومتخلفة لدرجة يبدو ان أي بديل محتمل هو أسوأ منها , وهو ما يبدو جليا في اللحظة الراهنة ضمن كل البلدان العربية تقريبا .
يمثل المقال وجهة نظر تتقاطع مع الشريحة العظمى من المثقفين اليساريين السوريين والعرب الذين يروجون للديمقراطية العلمانية ويحاولون ترجمة ذلك بتشكيلهم ما يسمى تيار العقلانيين العرب ,
اختلفت مع الأستاذ جورج حول فهم الحركات الاسلامية في منطقتنا سابقا , وشّكل ذلك الاختلاف سحابة صيف في سماء صداقتنا العميقة ’ والآن آمل بردي هذا ان يكون فاتحة حوار هادئ وبناء مع الأستاذ جورج وأمثاله , نخرج منه بفهم أكثر مقاربة لواقعنا الاسلامي العربي المعقد .
سأحاول أن أبحث في هذا المقال عن جذور الخلاف مع هذه الرؤيا من الناحية النظرية
واترك الخلاف من الناحية السياسية الى مناسبة أخرى :
باعتقادي ان مصطلح الديمقراطية العلمانية او الديمقراطية المسيحية او الديمقراطية الاجتماعية, مصطلح خاطئ شاع فترة الحرب الباردة بقوة ايديولوجيا المعسكر الاشتراكي
ان الديمقراطية آلية في الحكم سواء كانت اسلامية ام مسيحية ام علمانية , والمصطلح يضمنها قدرا من العدالة الاجتماعية لاعلاقة لها به.
ان العلمانية شيء والديمقراطية شيء آخر , العلمانية سواء كانت مشتقة من العالم او العلم هي رؤية علمية للتطور سواء كان اجتماعيا ام طبيعيا , يقابلها في التاريخ الرؤيا الدينية للتطور ,
شخصيا ليس لدي أي وهم بصوابية الرؤيا العلمية وتقدمها عن الرؤيا الدينية , لكن هذا لا يعني أبدا ان تكون كذلك في الحقل السياسي والاجتماعي ’ وهنا مكمن الخطأ لدى اليسار الذي يريد دفع عربة التقدم الاجتماعي الى الأمام.
اذا كان همنا التطور الاجتماعي, والتنمية المستدامة , فيجب ان نقر بان الدين ما يزال يحمل طاقة ايجابية تساعدنا على ذلك اذا أحسنا فهمه , بدلا من النظر إليه بوصفه أفيون الشعوب, العمل من اجل الإنسان يحتاج الى تعاون المخلصين لقضيته في الجانبين ’ واستبعاد الانتهازيين والمنافقين من الطرفين . اما الانطلاق من الوعي وحده لتقييم من هو رجعي ومن هو تقدمي فهو أساس الخطأ السابق للاشتراكيين والذي لا يراكم في النهاية من اجل وعي ايجابي اذا صح التعبير .
على هذه الأرضية قرأت مقال الأستاذ جورج وفي اللب منه رؤيته لحزب العدالة والتنمية في تركيا . يقول الأستاذ في نهاية مقاله :
) نرى أنه لا استثناء في فشل تجارب الإسلام السياسي في المنطقة، فحزب العدالة والتنمية التركي الموصوف بأنه صالح بين الديمقراطية والإسلام، برأينا ليس استثناءاً بل خروجاً عن مفاهيم الإسلام السياسي، لتبنيه الديمقراطية العلمانية وحقوق الإنسان العالمية وتطبيقها بقناعة وجدية، فمنتسبوه يؤدون فرائضهم الدينية لكنهم لا يخلطون الدين بالسياسة، لذلك يمكن اعتبارهم منشقين عن الإسلام السياسي التقليدي وهم أشبه بالأحزاب الديمقراطية المسيحية الغربية التي لا تتبنى جعل الدين أساس الحكم.)
على الضد من رأي الأستاذ جورج انا أرى ان حزب العدالة حزب إسلامي بامتياز – يمثل الإسلام السياسي الواجب دعمه في كل ساحة بمواجهة الاستلام المتزمت الذي بنبذ الآخر ويحاول إلغاؤه – يخوض في الدين من اجل السياسة ولا يفصل بينهما ليجعل من الدين عبادات فقط ,وهو ما ينسجم مع الدين الإسلامي أكثر من الدين المسحي , فالمسلم مطالب بموقف سياسي على أرضية دينه , والفارق بين حزب العدالة والتنمية وبين غالبية الإسلام السياسي هو ديمقراطيته واعترافه بالآخر وفهمه العصري للإسلام .