أما آن الأوان لسورية أن تقول – كفاية -؟
فلورنس غزلان
دعاة الصيام ….معشر النيام، أما زالت لديكم القدرة على النظر بعيون صغاركم؟ ..ألا يرد أحدكم على صراخ بطونهم الجائعة؟ أتنتظرون موتهم ؟
كم من الوقت بعد أمامهم؟ …كم من الفرص سيمنحكم تاريخ سورية بعد؟
ألا تكفيكم أربعة عقود من الذل والانكسار والقهر والانهزام والتنكيل ؟ ألا تكفيكم كل هذي السنين من احتلال العدو لأرضكم وصراخ النساء فوق سفوح الجولان بحثا عنكم عن رجولتكم، عن الانتصار والثأر لكرامتكم ؟ …ألا يكفينا أن نشعر بذلنا أمام ما تُصَدرونَه للعالم من صور البؤس والضياع والخراب الفكري وتوقف العقول عن النمو والعمل؟
متى وكيف تعلنون الرفض ..؟ متى وكيف تغسلون العمش عن عيونكم …وتنظرون لبطون ضامرة في بيوتكم؟ …متى وكيف تقفون مع وطنكم ، مع ضميركم وتصرخون بوجه مستلبيكم كما فعل أخوتكم في مصر؟!…..
كفــــــايــــة……كفــــــــايـــــــــة…كفــــــــــــــــــــــــــــايــــــــــــــــــة..
هذه الأسئلة لن أطرحها أو أوجهها لأهل النظام…صناع الفاقة والجوع وسارقي رغيف الخبز… لن أوجهها لحزبهم القائد وجحافله في النهب والسلب والفساد…ولا لجبهته المُلحَقَة بإخطبوط يبلع ويتملق ويبحث، عن مناهج وتبريرات مؤدلجة لرعبه وخذلانه وخوائه أو انعدام حيلته وعجزه…ومع أنه لا يعترف ويبالغ ويغالط نفسه ويستمر في تحليلاته ….متناقصاً ….متضائلاً …، حتى ليكاد يختفي عن العيون…وليته يفعل لأراح واستراح على الأقل من عتب التاريخ، ولن أطرحها على جيش لم يحمل من هموم الوطن سوى تكريس الاحتلال وتأبيده…وتكريسه لسلطة دجنته لخطابها وحمايتها….
لكني أجد أن لا مهرب أمامي من اللجوء للمعارضة …رغم ضعفها وأكلها لحوم بعضها….لكنها بذرة في خضم بحر يتلاطم من المجتمع المُضَّيع الغارق والباحث عن نجاة…رغم أن الجميع غرقى …لكني معهم أبحث…و بينهم أبحث، عمن يتقن السباحة عكس التيار…عمن يمكنه أن يرتدي قبعة الإخفاء…أو الاتقاء…اتقاء العواصف وأمواج القادم….أبحث عمن يمكنه أن يسمع صوت الناس …عمن يضع الذات في الآخر…عمن يقرأ بعين تنحدر عميقاً …عمن يمكنه أن يتخذ مساراً يحمل بعض الأمل …يصنع سفينة نوح المنتظرة…لسورية المنكسرة….لسورية الجريحة….لسورية الأسيرة….لسورية تجوع…ويبشرون لها بجوع ليس بعيدا عنها …بل حسبما سمعته من بعض من يفهمون بالاقتصاد…أنه لا يبعد عنها أكثر من فرسخ قصير يفصلها عن عام 2010 …لو استمر الحال على هذا المنوال!!!. .
القطاع الهام من هذا الشعب ، والذي يمكن ومن الضروري التوجه إليه ليكون المحرك الفاعل والمحور الركيزة…هو قطاعات الشباب والنساء…العمال والفلاحين…أي القطاعات التي تعرضت عبر أربعة عقود من تاريخ سورية الأكثر مرضاً…للتهميش والإقصاء ، أو للتجييش والتطنيش …مع الإنهاك والإلغاء لدورها وفاعليتها وتخليصها وسلبها من إمكانياتها على الحركة، وتقليص مساحات حريتها العامة وحتى الفردية..هذه الشرائح الأكثر التصاقا بالوطن …بالحياة…والأكثر معاناة من سلبيات واستلابات الممارسة السلطوية، وعليها تقع أكبر النتائج لأنها مركز الثقل المجتمعي، لأنها مصدر الغد والمستقبل …لأنها من يخلق وينتج الطاقة البشرية المحركة والبناءة…هذه الشرائح…فقدت الثقة بالسلطة ـــ اللهم إلا المستفيد والطفيلي فيها وهذا لا نُعَول عليه لأن نسبته الأضعف والأقل ـــ كما أنها فقدت الثقة أيضا بجيش الوطن، الذي خذلها في أكثر من معركة مع استمرار الجولان محتلاً لأربعة عقود خلت، ويدفع من عمره ومن مستقبله ما يساوي ثلاث سنوات من خدمة العلم ومن أموال الوطن وقوته، دون أن تتمكن من نصر صغير يحي فيها الأمل والثقة ويعيد لكرامتها بعضا مما فقدت …ولم تستطع بعد أن تلتحق بخطاب المعارضة أو تجد هذه المعارضة صداها في هذه الأوساط …لأنها وخلال عقود طويلة من التدجين والتلقين وسياسة التخويف و القمع وكم الأفواه… تأكلها الخشية وينهشها الرعب ويبعدها انعدام الثقة ، لأنها تؤمن بالملموس ، وما تريده مختلف عن الخطاب…لا تريد كلاماً وتنظيراً…تريد فعلاً …خبزا…بيتاً…ماء …مازوتا وكهرباء …وصحة…الخ
يجب أن تأتي المعارضة إليها…يجب أن تتبنى مصالحها..أن تتبنى مشاريعها المستقبلية …طموحاتها وأحلامها… تتبنى قضاياها….تأخذها على عاتقها وكهمها الأول …والبحث الفعلي من خلال دراسة لمختصين ومفكرين في حقول العمل المجتمعي عن طريقة التخلص من السلبية حيال ما يحدث ويجري في المجتمع السوري…عن طرق العلاج …رغم ضيق مساحة الحرية للحركة وللقلم والفكر…لكن الفكر بشكل عام يمكنه أن ينفذ ويدخل من أضيق الأبواب وأن ينتشر بسرعة البرق بفعل عوامل التواصل العصرية وسرعتها …حتى لو حوربت.
على المعارضة أن تأخذ هَم هذه القطاعات في برامجها اليومية وتبحث عن كيفية تشكيل طرق التواصل الإنساني.
إنه واجب المعارضة ودورها ، أن تبحث مع المواطن عن طريقة تحصيله لرغيف من الخبز الصالح للاستهلاك….وعن تدفئه تقيه وأولاده المرض و رعب البرد…أن تبحث ما يريده المواطن العادي غير المثقف….ما هو ملموس ومحسوس من حاجة اقتصادية….عليها أن تخرج عن المألوف…عن المعتاد …عن النظريات المغرقة في التأويل والتحليل…أن تبحث عن بساطة تصل لقلب وعقل المواطن المتعب
أن تبحث عما يجمعها معه لأنها جزء منه ..دون أن تلقي عليه بعظات سبقه وأبدع فيها النظام القديم الجديد ، أن تكون بصيرته …حين تدخل لعمق الأسباب التي تدفع هذا المواطن لاحتمال الجوع، واحتمال المرض، واحتمال الفساد ، رغم أن رائحته تزكم الأنوف وتسد عليه منافذ الهواء؟…أن تعيد النظر بطرقها ….بوسائلها ، رغم أنها مشلولة الحركة…لكنها ليست مشلولة الفكر ، ولا تفتقر لمفكرين، أن تسأل نفسها لماذا…يرضى المواطن بكل هذا الذل، وبكل هذا الموت البطيء؟ ، لماذا وصل خنوعه لدرجة تصديقه للبروباغاندا التدجيلية للسلطة؟…
هذه السلطة ، التي تحرمه الحياة…والعيش الكريم …تحرمه الحرية، تحرمه الهواء والفضاء …والنطق…تحرمه التفكير …تحرمه القراءة …تحرمه الكتابة…تحرمه حتى من طريقة تربيته لابنه أو ابنته…تعتبره قاصراً في كل شيء وهي الوصية الإلهية عليه!!
تسرقه…وتسرق غذاءه …تسرق الوطن …ولا تشبع…وتترك له فتات مائدتها… كرماً وسخاءً منها!…ومع هذا يرضى بكل هذا الذل؟!
لم تصل به النخوة والحمية ، ولم يدفع به الجوع إلى الحد الذي بلغه عند أخيه في مصر، حين كفر بالنظام وانتفض يبحث عن خبزه بيده ، ويقول لمجوعيه:ــ …توقفوا عن سلبنا.. كفاكم ….كفى!!!.
ستقولون ، أن الأوضاع تختلف ، ومصر رغم بؤسها…ما زالت تحتمل الرفض والمعارضة لما تريده السلطة ولو شكليا !..نعم هذه حقيقة…فما عندنا مختلف النوع…والأسلوب وغارق في مستنقعاته التي صنعها لنفسه وللوطن، لكني أرى أن هذه المستنقعات هي المصيدة التي يوقع النظام نفسه في شراكها، وعلى المعارضة أن تتقن لعبة الفرص …أن تتحمل قسطاً من مسئوليتها أمام المواطن، أن تعترف بالتقصير عن استيعابها للهموم الاقتصادية بالدرجة الأولى، وعن هموم شرائحها المهضومة قانونيا وعلى رأسها، المرأة والشباب.
أين هي من هَم المرأة وقضاياها؟
وما يرتكب بحقها من جرائم مجتمعية وقانونية تسلبها إنسانيتها وتشيئها؟
أليست المرأة نصف هذا الوطن؟
هل تقوم قائمة لنظام دون امرأة؟…هل تقوم دولة ، أو حكومة …أو بلد بالذكور فقط؟
كم تبلغ نسبة النساء والدم الجديد في المعارضة؟ ….أو في أحزابها…ولماذا؟.
كي نخرج المواطن من عالم صمته المطبق ومن خوفه المستديم ، ومن مآزقه المتراكمة وأوضاعه المزرية والتي يرضاها مكرها ويحني رأسه لعواصفها منتظرا معجزة ما من عالم لم يعد للمعجزات فيه ممر…
على المعارضة بالذات تقع مسؤولية تحريره…
نعم تحرير عقله من المألوف …تحرير عقله من المعتاد…من الموروث المغرق في الخطأ الواضح بالتجربة ومن خلال ما أثبته التاريخ…من تربية الحزب القائد …وتربية الانتماء لأصغر حلقة اجتماعية( الطائفة، القبيلة، العائلة) وتقوقعه فيها لأنها ملاذه الوحيد والنهائي ، الذي ساقتها الظروف السياسية وحيدة الجانب مفردة المنحى ودفعته إليها دفعاً…لأنها أحد أسباب حياة السلطة وبقاءها.
على المعارضة تقع مسئولية بناء قدراته الذاتية وإعادة ثقته بمن يتبنى قضاياه ويرفع صوته …
انتظرنا وانتظر معنا المواطن أشواطاً طويلة وعقوداً مديدة…وفي لحظة الحاجة برق الأمل متمثلاً بإعلان دمشق…ليكون الإطار الحلم ، الذي يجمع ويثبت ويبني القدرة المجتمعية ويحرك ساكنها ..لكنه حوصر وحورب ويُحارب ويُضرب بكل هيئاته…لأنه مَثَّل هذا الأمل وهذه الرؤيا…ربما نُحَمِله الكثير…لكن لا مهرب له من مطالبنا …وعليه أن يكون بمستواها…وبمستوى الفعل…
إنه الحاجة الماسة للمواطن السوري…وعليه أن يثبت أنه سيتسع ليحضن كل حاجات الوطن والمواطن…عليه أن يصبح حقله وحديقته…ساقيته…وجبله الذي يصمد بوجه الريح مهما كانت عاتية…ولنا في صمود رموزه القابعين في سجون النظام يدفعون ثمن المحاولة خير مثال….لكننا ننتظر أكثر ، خاصة ممن خيبوا الأمل وغادروا عند.الضربة الأولى ، أداروا ظهرهم لدرب بنوه وصنعوه، لرفاق يدفعون الثمن وهم ينعمون بين عائلاتهم…نأمل أن تعود لهم بصيرة المصلحة العامة…قبل الذاتية، أن تعود لهم مشاعر الديمقراطية والقبول بها حتى لو خسروا موقعاً …أليس الوطن همهم الأول؟…ننتظر طرقاً وأساليباً تفهم المرحلة …هي الأصعب والأدق والأحرج….فهل يمكن لآمالنا وطموحاتنا أن تكون بمحلها؟.
خاص – صفحات سورية –