لا حاجة لتكريس سجننا , المطلوب هو فقط تحطيمه
مازن كم الماز
يرى البعض في التعفف عن الانخراط في الصراعات الحالية بين ما يشبه الشرق و الغرب مرة أخرى حالة تردد أو شيء من اللا أدرية أي عدم القدرة على تحديد الصواب من الخطأ رغم كل القصف الإعلامي الموجه الذي تستخدمه الأطراف المتحاربة أو رغبة في الابتعاد عن قرف السياسة اليومي , لكن الحقيقة أن المشكلة هي في هذه الصراعات نفسها و أصحابها التي هي في واد و الناس أو البشر و عالمهم في واد , الصراعات على السيطرة بين الملوك و الأغنياء و الأباطرة و الأنبياء هي سمة التاريخ و جوهره حتى اليوم , الناس هنا يحضرون فقط كغنيمة يتناهشها هذا أو ذاك , يجب على الخطابات السائدة إذن أن تقدم لهؤلاء الضحايا ما يكفي من الأسباب ليفضلوا عبودية أحد هؤلاء عن الآخرين , و الخطابات السائدة بالفعل تعمل جاهدة على اختراع و تلفيق و صياغة هذه الأسباب بكل جدية و حماسة , الأكثر منطقية من جانب الناس العاديين هو أن يكنسوا كل هؤلاء و يصبحوا هم أنفسهم سادة مصيرهم , الخطابات السائدة مشغولة أيضا بخلق و سرد ما يمكنها من الحجج بهدف استبعاد حتى مجرد التفكير بهذا الحل , الذي يريدون مساواته بالفوضى تارة و الخراب الشامل مرة أخرى , فحسب هذه الخطابات السائدة ما أن يختفي السادة “الضروريون جدا” حتى يحل الخراب , مثلا لن تكون هناك حاجة إلى الحروب التي يموت فيها البشر العاديين في سبيل عظمة سادتهم و أمجادهم و مد هيمنتهم بعيدا , لن تكون هناك حاجة إلى قوانين وجدت لتنتهك , مرة من قبل السادة وسط تطنيش و صمت قوى حفظ “القوانين” بل و بحمايتها و مرة من قبل الضحايا ليلقوا أشد عقاب ممكن , طالما ارتبطت القوانين العوراء بالسلطة , التي خلقت القوانين كما أنها هي ذاتها نتاج لظهور مثل هذه القوانين العوراء التي تدعي تحسين حياة البشر بالتأكد من أنهم عبيد يحسنون التصرف بزعم أنهم لم و لن يبلغوا سن الرشد قط , هذا أيضا تراه الخطابات السائدة دلالة على الخراب القادم مع حرية البشر , كل البشر , فأي عالم نعرفه يعيش دون قوانين تفرضها قوى مدججة بالسلاح على كل البشر , إما أنه مستحيل أو بدائي , إن مبررات وجود السلطة هي ذاتها مبررات وجود الإله , لا بد من سلطة فوق البشر , دينية أو دنيوية , عسكرية أو مدنية , أصولية أو علمانية , بمجرد أن يعيش البشر بحرية فهم محكومون بالخراب , إذا لم يكن الله فهي الدولة التي تتقمص كل وظائفه و تزعم أنها مخولة بكل مهامه في حكم و توجيه البشر و عقابهم , لهذا كنا دائما ننجر وراء تجار بزنس من أنواع مختلفة , عندما صعد عبد الناصر و صدام و الأسد لم ننتبه إلى أن دعواتهم القومية كانت بزنس جيد جدا بالنسبة لهم , كان على القومية أن تعني سيطرتهم المطلقة على كل شيء , سيادة الصمت العام ( إن لم يكن سيادة الهتاف العام ) و اقتسامهم مع المقربين منهم أولا ثم مع أفراد أسرتهم كل شيء في البلد , الديمقراطية بزنس جيد جدا هي الأخرى , يستطيع اليانكي منذ قرون أن يواصل استخدامها كمبرر لسلب الهنود ثم المكسيكيين أراضيهم و من ثم قصف هيروشيما بالقنابل النووية و أخيرا سلب العالم كل شيء في سعادة و بهجة , الهدف الذي لم يحققه أي تاجر بزنس حتى اليوم , في بلادنا ما أن بدا أن بزنس المقاومة بدأ يبور أو أصبح مضروبا حتى بدا بزنس الديمقراطية مناسبا للجميع , في دارفور مثلا نسمع أصوات الجميع إلا أهل دارفور , و أصبح تمثيلهم , سواء من قبل نظام عسكر الجبهة القومية الإسلامية في الخرطوم بمسيرات الروح و الدم الإلزامية أو من “ممثليهم” المزعومين في العواصم التي تدفع , بزنس حقيقي و رائج , و العدالة التي يفترض أن تلاحق جلاديهم و قاتليهم تصبح مجرد جزء من لعبة تفوق الكاوبوي التي تستخدم لتبرير دارفوره الخاص هذه المرة باسم تفوقه الأخلاقي و التقني , المحكمة الوحيدة التي يجب محاكمة البشير أمامها هي محكمة أهل دارفور العاديين بل كل السودانيين العاديين البسطاء و الفقراء و المهمشين , الضحايا الفعليين لنظام البشير المجرم , كما هي محكمة أهل هيروشيما و التيبيت و فلسطين و كردستان هي وحدها التي تعني العدالة و المخولة بملاحقة المجرمين و القصاص منهم , لا أية محكمة ينصبها تجار بزنس آخرين بهدف الاستيلاء على بزنس البشير أو غيره بحجج مختلفة , لنضع الأمور بشكل مبسط جدا , دارفور و النفط الذي فيها , كما هو حال العراق و سوريا و مصر و إيران و أمريكا وأوروبا و حتى الخليج بلا صغرة , هي ملك للبشر الذين يعيشون فيها , و ليست بزنس ينتظر التاجر الشاطر القادر على الاستيلاء عليه بأية حجة كانت , ليعبدوا ربهم في مساجدهم أو في كنائسهم , أو ليكفروا به إذا شاؤوا , لكن لا علاقة لا لأرباب السماء و لا لأرباب الأرض و لا لتجار بزنس الدين أو الديمقراطية أو العلمانية بنفط العراق و دارفور و إيران و سوريا و لا بالغاز المصري و لا حتى بالنفط الفينزويلي أو الأمريكي , ليتجادلوا ما شاء لهم , و ليقدسوا ما شاؤوا أو لينكروا قدسية ما شاؤوا , لكن ما علاقة الديمقراطية أو رب السماء أو العلمانية باستيلاء أقلية معدودة على النفط و على نتاج عمل الملايين , ما علاقة أبو بكر أو عمر أو علي أو جيفرسون بنفطنا و تعب الفقراء و حاضرهم و مستقبل أطفالهم , هكذا نعود إلى حيث بدأنا , إلى الصخب الفارغ الذي يحيط بنا , حيث يجري العمل بهمة و نشاط على تبرير السجن الذي نعيش فيه , ما يهمنا هو تحطيم جدران هذا السجن و ليذهب السجانون إلى الجحيم………