صفحات مختارةهوشنك بروكا

هل رأس كردستان هو رأس الفساد

null
هوشنك بروكا
القسم الأول
في سياق حملةٍ إعلامية تستعد لها مجموعة كبيرة من الصحفيين والمثقفين الكرد في إقليم كردستان، غايتها ممارسة الضغوط على المسؤولين الحكوميين والحزبيين في الاقليم للكشف عن ممتلكاتهم واموالهم وارصدتهم داخل العراق وخارجه، وتقديم اقرار رسمي بما في ذمتهم من اموال، يقول وزير الصحة في حكومة الإقليم زريان عثمان، وهو من أبرز الوزراء المشهودين لهم بالنزاهة والمهنية: “بقدر ما يتعلق الامر بي شخصيا، فانني مستعد منذ اللحظة وحتى آخر يوم من عمري للكشف عما في ذمتي من اموالٍ وممتلكات شخصية، بل انني وابنائي ايضاً مسؤولون جميعا امام الشعب والتاريخ عن اية مخالفة مالية، واعلن استعدادي للمساءلة ازاء اي مبلغ مالي مسجل باسمي غير ما تقاضيته رسمياً كمستحقات شرعية عن وظيفتي الرسمية. (…) انني افضل، بل ادعو جميع المسؤولين الحزبيين والحكوميين وحتى المديرين العامين الى الكشف عن ممتلكاتهم قبل المباشرة بمزاولة مهامهم الرسمية في الحكومة، كما ادعو الى تشكيل هيئة للنزاهة لتتولى القيام بهذه المهمة في اقليم كردستان، من خلال مقررات الذمة المالية لجميع المسؤولين قبل تسلم الوظائف وبعد مغادرتهم لها، واخضاعهم للمساءلة الدقيقة بغية معرفة اي مبلغ غير شرعي، وفي اعتقادي لو لم يتم اتخاذ مثل هكذا اجراءات فان الفساد المالي المستشري في الاقليم سوف لن ينتهي ابداً”(الشرق الأوسط، 20 مارس 2009).
رغم أنّ كلام الوزير، هو من حيث المبدأ، كلامٌ في علاج القادم من كردستان، أكثر مما يكون كلاماً في محاسبة السابق والراهن منها، وهو بالتالي كلامٌ يبحث عن حلولٍ ممكنة ل”كردستان الفاسدة” من الآن فصاعداً، وذلك “من خلال الكشف عن ممتلكات المسؤولين قبل المباشرة بمزاولة مهامهم الرسمية في الحكومة”. فهذه “الماقبل”، أي ممتلكات المسؤولين السابقين والراهنين(بكبارهم وصغارهم) القابضين على شئون الحكم والإدراة في كردستان، لم تخضع للكشف، قبل دخولهم إلى “تاريخ الكرسي”. وذلك لأكثر من سبب معروف. فلا حدود ممكنة، إذن، لمحاسبة ممكنة لهؤلاء المسؤولين، طالما ليس هناك جرد أو كشف للسابق من أموالهم، وطالما لاوجود لحدودٍ تفصل بين ملكهم في ماقبل الكرسي عن ما بعده.
ولكن الجديد الجريء في كلام الوزير، بإعتباره مسؤولاً رفيع المستوى في الحكومة، هو أنه يؤكد خلافاً ل”كلام المسؤولين” الكرد الكبار، بأنّ “الفساد عادة يبدأ من اعلى الهرم باتجاه القاعدة”. وهذا يعني أنّ أول الفساد قد بدأ في أعلى الهرم، وأعلى الفوق من كردستان، بإتجاه القاعدة والتحت منها.
فحتى الآن، الغالبية الساحقة ممن تناولوا قضية الفساد في كردستان(خصوصاً المحسوبين على السلطة وأحزابها)، سواء خبراً، أو تعليقاً، أو تحقيقاً، أو دراسةً، أو تحليلاً، إنما تناولوها ك”قصة متفق على وجودها وحضورها”، غير محددة، غير معلّمة، غير معرّفة، وكأنها “قصة نكرة”، أبطالها نكرة، وأحداثها نكرة، وأسبابها ودوافعها نكرة، تحدث في جغرافيا معرّفة اسمها إقليم كردستان.
فالمسؤولون الكبار أنفسهم، في الرئاسات الثلاث(البرلمان والحكومة والإقليم)، يبصمون بالعشرة على وجود سرطان اسمه الفساد، ولكن من هو القائم على أعمال الفساد؛ أين هو الفساد بالتحديد؛ وهو من أين إلى أين، من مًن إلى مَن؛ ما هي أدواته، ووسائله، وقنواته وشبكاته؛ وكيف السبيل إلى القضاء عليه، ولماذا لا تبدأ الخطوة الأولى لمعالجته، وذلك بتشكيل “هيئة للنزاهة” كأضعف الإيمان، لأجل الكشف عن المسؤولين المشتغلين بتدبير الفساد وعشعشته وتنظيمه وتسييره؟
هذه أسئلة، لا يقترب إليها المسؤول الكردي الكبير، ومن حواليه من أصحاب الشأن والقرار في كردستان. أسئلةٌ جوهرية كهذه، هي لا تزال بعيدة عن الطرح في ذهنية الفوق الكردي في المجمل، لأن أي اقتراب، برأيي، إلى السؤال عن رأس الفساد، سيكون اقتراباً من أعلى الهرم في الفوق الكردي المسؤول، المتقاسم مناصفةً بين الحزبين الكرديين الحاكمين، الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني.
عليه، لا يمكن الحديث، برأيي، عن الفساد في كردستان، هكذا وكأنها قضية هلامية في الفضاء، دون وضع النقاط على حروفه.
لا يمكن الحديث عن رأس الفساد، إذن، دون الحديث عن رأس كردستان.
والقصد من رأس كردستان، ههنا، هو كل الفوق في الحزبين المالكين لكردستان، بدءاً من مسؤول الفرع(اللق في الديمقراطي الكردستاني والملبَند في الإتحاد الوطني) إلى رأس الهرم الحزبي المتمثل بالرئيس أو الأمين العام؛ كل هذا الفوق “الكبير الكثير” هو فوق إما متورط وموقوعٌ في الفساد، أو موقعٌ وساكتٌ عليه. فهو في المنتهى، المسؤول الأول والأخير عن تفشيه وانتشاره كالسرطان في كل أرجاء كردستان.
ليس من قبيل الصدفة، ان تكون ملكية كل الشركات الكبيرة والمهمة ذات الشأن، عائدة لمسؤولين كبار ذات شأن. فالمسؤول “الرفيع المستوى”، هو “شريك صافي” في الشركات الكبيرة الكردية “الصافية”، لا لشيء سوى لأن كل شيء يجب أن يمر تحت توقيعه “الصافي”.
مام الإتحاد الوطني الكردستاني الرئيس جلال طالباني، تحدث قبل سنوات، مراراً عن “مليونيرية” مملكته، الذين تجاوز عددهم الثلاثة آلاف مليونير.
ندّه ومنافسه القوي، نوشيروان مصطفى رأس التيار الإصلاحي في الإتحاد الوطني، حصل بإعترف هذا الأخير، على عشرة ملايين دولار لإنشاء مؤسسة إعلامية، مقابل ابتعاده وتنحيه عن قيادة الحزب. وحين نشبت حرب كلامية بينه(مصطفى) والقيادي البارز في الإتحاد ملا بختيار، حيث عيّره هذا الأخير بصفقة الملايين العشرة التي حصدها من “مال الحزب”، ردّ عليه نوشيروان مصطفى بقوة، قائلاً: “الملايين العشرة التي حصلت عليها، هي حقي الطبيعي في حزبٍ كنت من مؤسسيه..هو حقي كحق كل الآخرين فيه”.
هذا هو كلام أبرز شخصية في كردستان يعوّل عليها الآن، ويُعلّق عليها الأمل ب”إصلاح” القادم من كردستان.
فالحزب وفق مبدأ “كبار إقليم كردستان” وزعماء أحزابه الكبيرة، هو “ماركة مسجلة” بإسم أولي أمره وصحابته و”أوليائه الصالحين”. فملك الحزب هو من ملك أصحابه، وما للحزب من أموالٍ وممتلكاتٍ، تعود في المنتهى إلى جيوب الكبار من فوقه!
أما خزينة كردستان فهي خزينة متقاسمة مناصفةً، ككل ما فوقها وتحتها، بين الحزبين، فيفتي فيفتي. وأقرب مثال طازج على ذلك، هو الخلاف الذي نشب بين جناحي “الصقور” و”الحمائم” أو “المقاتلين” و”المقاولين” في الإتحاد الوطني، حيث أنّ بعض المصادر تعيد أحد الأسباب المباشرة لعودة هذه الخلافات التي كانت قائمة أصلاً، إلى اختفاء 800 مليون دولار حصة الإتحاد من واردات النفط واستثماره التي بلغت مليار وستمائة مليون دولار. فالوارد القادم من النفط وعقوده التي يتقاتل عليها فوق كردستان في هولير مع فوق عراق المركز في بغداد، يعود في النهاية إلى “الخزينة الحزبية المقدسة”، التي إليها تعود كل ملكية كردستان.
وحول “مشكلة النفط وعقودها” في إقليم كردستان، يتفق كل من المستشار الاقتصادي جاك باسكال والخبير الدولي كريك موتيت على أن العقود التي أبرمتها حكومة الإقليم ستتسبب بأزمة اقتصادية، الأمر الذي ركز عليه جاك باسكال في التقرير الذي أعده بالقول، “بحسب تقرير مجموعة قيران النفطية، بسبب عدم تصدير النفط من إقليم كردستان بطرق سليمة، فإن حكومة الإقليم تتكبد يومياً خسائر تبلغ 7،1 مليون دولار، أي 620 مليون دولار سنوياً”(مؤسسة ثروة، 16 مارس 2009).
لهذا طالبت كتلة كوسرت رسول، التي هددت طالباني ب”الإستقالة”، آنذاك، ب”الشفافية” في التعاطي مع “مال الحزب”. والقصد من هذه الشفافية، على ما يبدو، هو “الشفافية الداخلية”، أي داخل البيت الحزبي، على مستوى كباره، لدى تقاسم الثروات والأموال، لا الشفافية المؤمّل فيها، بين الحزب كسلطة والشعب كمتسلط عليه!
وعلى حد قول آري هارسين، وهو أحد المناضلين في صفوف البيشمركة سابقاً، والذي عمل صحفياً في صحيفة أوينة، لاحقاً، ف” إن كردستان تبدو احيانا وكأنها دويلة مافيا، “حيث لا وجود للشفافية. إن الحزبين الرئيسين يقتسمان ميزانية الاقليم بينهما، إذ يستحوذ الديمقراطي الكردستاني على 52 في المئة منها بينما تكون حصة الاتحاد الوطني 48 في المئة. إنها لديمقراطية غريبة حقا”(البي بي سي، 11 يناير 2008).
في تقريره الشهير عن أحوال السلطة والملك والفساد في كردستان، والذي صدر كدراسة من معهد سياسي قريب جداً من مصادر القرار الأمريكي، يحدد الخبير الأمريكي ثروة البارزاني والطالباني ب 2 مليار و400 مليون دولار على التوالي.
ويقول الخبير: “وفي الوقت الذي يصطرع فيه أعضاء القيادات السياسية على المكاسب التي يجنونها من وراء مناصبهم، فإنّهم باتوا يخلطون بين مالية أحزابهم ومالية الحكومة الإقليمية الكردية وبين مالياتهم الخاصة. وعملياً لا فرق حتى عند البارزاني أو الطالباني بين حساباتهم الفردية وحسابات أحزابهم أو حسابات حكومة كردستان”.
إثر هذا التقرير الذي أثار جدلاً كثيراً في داخل وخارج كردستان، أقدم الرئيسان الطالباني والبارزاني على رفع دعوى قضائية ضد مايكل روبن في أمريكا وصحيفة هاولاتي الكردية(تصدر في السليمانية)، التي في 13 يناير 2008(عدد387)، على ترجمة ونشر مقتطفات من التقرير، فوُصفت الصحيفة من قبل إعلام الحزبين، آنئذٍ، ب”المدسوسة والمروّجة لمعلومات كاذبة”، فيما وًصف مايكل روبن ب”العميل للأجنبي”، ما أدى إلى رد هذا الأخير عليهم بقوة قائلاً: “لو كنت عميلا لقوى اجنبية فان الذين يكتبون تقارير المديح هم ايضا عملاء للاتحاد والديمقراطي وان كردستان ينبغي لها ان تكون ديمقراطية اكثر مما هي عليه الان، وان تتقبل النقد لأن الاتحاد والديمقراطي انجزا امورا ايجابية لاتنكر ولكن لو رفضا قبول النقد فانهما سيعجزان عن تحقيق المزيد. وفي معرض رده على سؤالٍ للصحيفة حول دواعي نشر الاعلام الغربي للتقارير المكثفة عن حالات الفساد في اقليم كردستان يقول روبن: لأن هناك فساداً مستشرياً في ذلك الاقليم، لذا ينبغي لحكومة الاقليم ان تسعى لتطويق الفساد واظهار قدر اكبر من الشفافية عوضا عن ترهيب الكتاب والصحفيين الاجانب، واضاف انا ارفض كل اشكال الترهيب والتهديد وعلى حكومة الاقليم ان تدرك بانني سازور كردستان قريباً وسوف لن تسطتيع ان تمسني بسوء لأنني على حق(قدس برس، 20 يناير 2008).
للآن، يبدو روبن منتصراً في تقريره، وواثقاً مما نشره، أو “على حق” كما قال، بدليل أنّ فوقي الحزبين لم ينجحا للآن بعد أكثر من سنة على رفع الدعوى، من كسب القضية لصالحهما.
الضحية هنا كانت من أهل الدار، أي صحيفة هاولاتي التي نقلت المعلومات.
قبل أيام طالعتنا الصحف بخبرٍ مفاده “أن صحيفة هاولاتي قد خسرت القضية، وتم تغريم رئيس تحريرها ب3 مليون والصحيفة ب10 مليون دينار”(أصوات العراق، 15.03.09).
فالرئيسان الطالباني والبارزاني وحزباهما بدلاً من أن يقاضوا روبن “العميل”، على حد وصفهم، كما وعدوا “اكرادهم الشفافين”، وذلك عبر “محاكمة شفافة”، و”كشف شفاف” عن حقيقة أموالهم وممتلكاتهم، و”ما لهم وما عليهم “، قاموا ب”تغريم صحافتهم” الناقلة للخبر بذريعة أنها “نقلت أخباراً كاذبة”. هكذا بجرة قلمٍ من قاضٍ لا يمكنه، بطبيعة الحال، الخروج على أمر الرئيس، اتهمت المحكمة الصحيفة ب”الترويج للكذب”، رغم علم القائمين على شئون “الحكم القضائي” هذا، ناهيك عن القائمين على شئون شئونهم، حق العلم والمعرفة، بأن “ناقل الكفر لا يمكن اعتباره كافراً”، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه حكم الكافر، كما هو معروف في البعض من شرع الله.
والسؤال الذي يقذف بنفسه في وجه “كردستان الفاسدة”، هو: لماذا ربح روبن “العميل”، “المدسوس”(أصل التقرير “الكاذب” عن أحوال كردستان، بحسب فوقها الحاكم) القضية، فيما خسرتها هاولاتي، ناقلة “بعض الكذب” الذي ارتكبه بطله “الكذاب” بحق الفوق الكردي “الصادق جداً” و”ملكهم الأصدق”؟
القسم الثاني
في أول ردة فعلٍ على دعوة النزاهة العراقية مسؤولي إقليم كردستان للكشف عن ذممهم المالية، قال عماد أحمد القيادي في حزب الطالباني، والنائب الجديد لرئيس حكومة إقليم كردستان: “نحن نرحب بذلك، ولكن وطبقاً لمضامين الدستور والقانون المتبع في العراق، فإن صلاحيات عمل هيئة النزاهة لا تشمل إقليم كردستان، وتقتصر على المناطق الخاضعة لإدارة الحكومة العراقية”.
كلام غريب، “مضحك مبكي”.
حين يتعلق الأمر بما تسمى ب”مخصصات الإقليم”(لأنها في الواقع، مخصصات للحزبين أكثر مما تكون للإقليم)، والتي تشكل 17% من ميزانية عموم العراق، تكون كردستان جزء لا يتجزء من العراق، وتريد حصتها بالتمام والكمال، أما حين يأتي الكلام على السؤال عن “الذمم المالية للمسؤولين الكرد”(من أين لكم هذا؟)، فإنّ القانون العراقي لا يشملهم!!!
كان من الممكن بالطبع أن يتغاضى المراقب الطرف عن هذا السؤال، فيما لو كان هناك بالفعل “شفافية كردية” في تعاطي الفوق الكردي مع المال العام. ولكن ليست هناك لا شفافية، ولا شبيهاتها ولا هم يحزنون.
بعد اخراج النفقات السيادية والحاكمية من الميزانية الاتحادية، كانت وزراة المالية قد أعلنت عن الميزانية الاتحادية للعام 2009 والبالغة اكثر من 78.88 مليار دولار (94 ترليون دينار)”. حصة إقليم كردستان من هذا المبلغ تبلغ 9.16 مليار دولار (10 ترليون و928 مليار و239 مليون و478 الف دينار)”(أصوات العراق، 18.09.08).
وبلغت ميزانية الإقليم للعام الماضي(2008) حوالي تسعة مليارات دولار(8.758 مليار دولار)، أي أكبر من ميزانية الأردن التي بلغت 7.3 مليار دولار، وقريبة من حجم ميزانية دولة غنية مثل الإمارات، التي بلغت 9.5 مليار، حيث كانت أكبر ميزانية في تاريخ هذه الدولة.
والسؤال الكبير، الذي يطرح نفسه، في كردستان، هو:
أين تُصرَف ميزانية كبيرة بهذا الحجم؟
هل تُصرف في بناء البنى التحتية لكردستان مثلاً؟
بالطبع كلا.
فواقع الحال الكردي يقول، أنها تُصرَف في البنى الفوقية للحزب، لأجل زج كردستان عاطلة عن العمل، في المزيد من التبعية الحزبية، والمزيد من المعاش الحزبي، العاطل، المعطل، الكسول، وغير المنتج..اللهم خلا إنتاج المزيد من الكسل.

يقول التقرير الذي أعده فريق إعمار إقليم كردستان حول الأوضاع الاقتصادية والمعنون بـ(تقييم التنمية في الإقليم)، إن تأخر التطور الاقتصادي في إقليم كردستان يعود إلى انتشار الفساد. ويرى جاك باسكال كاتب التقرير، أن الفساد تحول إلى عائق كبير أمام التطور الاقتصادي في الإقليم. وأوضح باسكال أن الفريق ينوي إعداد تقرير في المستقبل حول طرق صرف ميزانية الإقليم وتسليط الضوء على بعض الخفايا في عملية صرف الميزانية.
وانتقد باسكال غياب الخطط الحكومية في تعيين الموظفين قائلاً، “إذا ما تحدثنا عن قطاع الزراعة مثلاً، ففي ولاية أريزونا الأميركية، على سبيل المثال، يبلغ عدد الموظفين في وزارة الزراعة (600) موظف، وكذلك في ولاية كاليفورنيا التي تعد أكبر ولاية زراعية في أميركا، يبلغ عدد الموظفين الزراعيين (1600) موظف، بينما نجد أن وزارة الزراعة في الإقليم يعمل بها (13000) موظف”. مضيفاً “أنه في أي دولة كانت، إذا صرفت نسبة 65%_70% من الميزانية كرواتب للموظفين، فسيكون الإنتاج الاقتصادي معدوماً، لأنه كلما زاد عدد الموظفين، انخفضت التنمية الاقتصادية”.
ويقول باسكال، إنه من كل 5 أشخاص في الإقليم، 2 منهم موظفين لدى الدولة، لذلك فإن حكومة الإقليم تصرف رواتب مليون ونصف المليون موظف، في حين أن عدد سكان الإقليم هو 3.757.058 نسمة”(مؤسسة ثروة، 16 مارس، 2009)
حسب إحصائية نشرتها صحيفة “الصباح الجديد” البغدادية فإن نسبة الموظفين في المحافظات الثلاث بالإقليم تشكل 34% من مجموع عدد الموظفين في جميع المحافظات العراقية. وبحسب النسبة العالمية فإن 15-25% من الميزانية تصرف للموظفين، في حين تصرف 65% من ميزانية اقليم كردستان كرواتب للموظفين(الصباح الجديد، 02.08.08).
وفي حوارٍ سابقٍ له مع جريدة الصباح الجديد، يقول نائب رئيس الإقليم كوسرت رسول: “في إقليم كردستان هنالك مشكلة كبيرة في عدد الموظفين، الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة، وهذا العدد كبير، ولا وجود له في أية دولة أخرى، وهو يمثل أكثر من 70% من النفقات كرواتب من ميزانية الحكومة، وهذا الأمر نشأ بسبب الوضع والاقتتال الداخلي، وبسبب عدم وجود تخطيط وخطة في وزارة التخطيط بخصوص الملاكات، لهذا أصبح هذا الأمر مفروضا على الحكومة”.
طبعاً هذا هو رأي غالبية الفوق الكردي، الذي يعيد أسباب هذا “التوظيف الهائل” إلى ظروف كردستان “الإستثنائية”، لا سيما تلك التي نجمت عن سنوات الإقتتال الداخلي(1994ـ1997).
ولكن الحقيقة، كما تقول كردستان وظروفها نفسها، هي ليست كذلك.
فالتوظيف عبر قناة الحزب، بتلك الوسائل والسبل التي يرتكبها الحزبان الحاكمان، هو، على ما يبدو، أقصر وأسهل الطرق إلى الملك والإستبداد في كردستان، والقبض تالياً على إرادة أكرادها.
فهو حجر حزبي تحت التصرف والطلب، إذ يمكّن الحزبين من قتل أكثر من “عصفور كردي” به، فضلاً عن أنه طريق سالك بسهولة، لشراء جيش من الموظفين المريدين والخدم(العاطلين عن العمل فعلياً)، والذين يكونون رهن بعض إشارةٍ من اصبع الحزب، عند الحاجة والطلب.
فالحزبان يتقصدان، برأيي، في شراء ذمم أكرادهما، بالمال العام، كي يتسنى لهما المزيد من صناعة الإستبداد في الحاضر من كردستان، بمالها.
والحال، فإنّ الحزبان الحاكمان يشتريان الحاضر من سلطتهما، بالمال العام، على حساب القادم من كردستان، والقادم من مستقبل أكرادها.
في تصريحٍ سابقٍ له، وصف رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، شعبه الكردي ب”الشعب الكسول”. ولكن دولة الرئيس لم يبحث لنا عن الأسباب التي حوّلت أكراده، من “شعب الإنتفاضات”، و”شعب الثورات” و “شعب البيشمركة”، و”شعب الجبال الصعبة”، و”شعب الشهادة الصعبة”، و”شعب الهجرات المليونية الصعبة”، فضلاً عن “الكيمياء الصعبة” و”الجينوسايد الأصعب”، إلى هكذا “شعبٍ كسول”.
لماذا لا يكون العكس هو الصحيح مثلاً؟
لماذا لا تكون الحكومات الكردية، هي الكسولة؟
في الحكومة الكردية الموحدة الراهنة، والتي يترأسها بارزاني نفسه، هناك 9 وزارات للإقليم(للترضية والديكور فقط)، هي معطلة كأرقامها التي تختفي وراءها(من الرقم 34 إلى 42 حسب تسلسل التشكيلة الوزرارية)، وعاطلة عن العمل بالكامل(لا شغلة ولا عملة)، حيث لا يتجاوز مساحة عمل كلٍ منها مساحة كرسي الوزير الذي يساوي كل الوزارة؛ فهو العامل والموظف والمدير والوزير، من تحت الوزارة إلى فوقها!!
فما هو اختصاص ومجال عمل هؤلاء “الوزراء الإقليميين” التسع؟
توجد وزارة كهرباء، لكهرباء مقطوعة في كردستان.
هناك وزراة صناعة، من دون صناعات.
هناك وزارة حقوق إنسان، ونصف سكان كردستان من النساء هن بلا حقوق فعلية، حيث المرأة هي ظل الرجل من البيت إلى البرلمان، وحالات ما تسمى ب”قتل الشرف” لا تزال في إزدياد، وحوالي 60% (حسب تقريرٍ منظمة وادي الألمانية لحقوق الإنسان) من النساء الكرديات في كردستان العراق(من سن العاشرة فما فوق) يتعرضن لعمليات الختان.
هناك وزارة تجارة، ولكنها للتجار الحزبيين الكبار، وعملائهم فقط.
هناك وزراة بيئة، ووزارة تخطيط، ووزارة للموارد المائية، بلا بيئة، وبلا تخطيط، وبلا مياه للشرب، ولا هم يحزنون…إلخ.
بإختصار شديد جداً، أس الحكومة وأساسها، يكمنان في تلك الوزارت المختلف على توحيدها، بين الحزبين، حتى اللحظة، وهي المالية والداخلية والبيشمركة.
فمن هو العاطل والمعطلّ، الكاسل والكسول: الشعب أم الحكومة المحروسة؟
تأسيساً على كل ما سبق، يمكن القول، أنّ صناعة الفساد في كردستان، هي صناعة حزبية محلية بإمتياز، تدخل في صلب استراتيجية الحزبين الحاكمين، بالتالي فإنّ كل خطوة نحو تفعيل الفساد الذي سيؤدي بالأكراد ك”شعب معطّل” في المنتهى إلى “كردستان معطلة”(حكومات وبرلمانات معطلة، مؤسسات معطلة، حقوق معطلة، حريات معطلة، صحافة معطلة…إلخ) هي خطوة نحو المزيد من تسلط واستبداد الحزبين، والمزيد من الخنق على الخلق، والمزيد من القبض على كردستان.
تفعيل الفساد، كردياً، إذن، هو تفعيلٌ لقبضة الحزب من جهة، وتعطيل لكردستان وإرادة أكرادها من جهةٍ أخرى.
قبيل مغادرته قصر الرئاسة، في بلاده، يوم 16 مايو 2007، بعد أن قضي فيه 12 عاماً، نشر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، قائمة بممتلكاته في الصحيفة الرسمية، حسبما يقضي القانون بذلك. وكانت قائمة تضم عقارات يملكها مع زوجته، قيمتها 580 ألف يورو، ويملكان بيتاً في مسقط رأسه، قيمته 500 ألف يورو، بالإضافة إلى سيارة بيجو 205 قديمة(موديل1984). أي أنّ كل ممتلكاته قدرت، آنذاك، بقيمة مليون و400 ألف يورو، علماً أن الرئيس كان قد أعلن في عام 1995، عندما تم انتخابه للمرة الأولى، رئيساً لفرنسا، بأنه يملك 1.3 مليون يورو. وعند إعادة انتخابه أعلن شيراك في 10 مايو/أيار 2002 أنه يملك 1.7 مليون يورو.. قبيل تسليمه لمفاتيح قصر الأليزيه، ذكرت تقارير آنذاك “إنّ شيراك وعقيلته سينتقلان للعيش في شقّة من 180 مترا مربعا من طابقين قريبة من اللوفر في باريس”. (CNN، 24.04.07).
لا أعتقد أن مسؤولاً كردياً من الدرجة العاشرة، في كردستان العراق، سيرضى بحال شيراك، الذي شغل منصب الرئيس 12 عاماً، لواحدةٍ من أكبر الدول ذات الشأن في العالم.

بالطبع، أعلم أن كردستان ليست فرنسا، وباريس ليست هولير، فلا أحد يطلب من أهل الفوق الكردي القابض على شئون الحكم في كردستان، أن يكونوا كشيراك، ولا ثقافتهم، تساعدهم، بكل تأكيد، إلى ذلك سبيلاً.
ولكن أليس من حق الكردستانيين وصحافتهم، كحد أدنى، أو كأضعف الإيمان، أن يسألوا عن سبب اختزال كردستان المال العام، إلى “كردستانات خصوصية” مملوكة للمتنفذين القائمين على شئون الحزبين الحاكمين فقط؟

أليس من حق الشعب، الذي من المفترض أن يكون هذا الفوق هو “ممثله الحقيقي”، كما يتبحج به “منظروا الفوق الضروري”، أن يسأل الحزب “الكبير” الذي بات يكبر الوطن بكثير، والذي “يفرّخ” المليونيرية الجدد، و”البيشمركة الجدد”، فضلاً عن تفريخه ل”مظاهر البؤس السري، بين أكثرية سكان كردستان العراق”، حسب تعبير روبن، أليس من حق الكرد، الموقوعين المبتلين ب”كردستانهم الفاسدة” هذه، أن يسألوا أهل أحزاب الفساد الكبير، من هولير إلى السليمانية:
من أين لمسؤوليكم ورؤسائكم وأمنائكم العامين، وأعضاء مكاتبكم السياسية، ولجانكم المركزية، ورؤساء فروعكم، هذه الملايين الكثيرة؟
أليس من حق الشعب الكردي أن يسأل القائمين على شؤون كردستانهم:
من أين لكم هذا يا سادة الفوق الكريم؟
أم تراكم اختزلتم، كأي ديكتاتور آخر، كل الشعب، وكل الوطن، وكل الدولة، وكل القانون، وكل الحق، وكل الحرية في أنواتكم: أنا هو الكل، والكل هو أنا، وعلى ال”نحن” وكردستانها السلام؟
هوشنك بروكا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى