الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

محنة الشيعة العروبيين مع إيران

زين الشامي
يعتبر الشيعة في سورية أحد مكونات النسيج السوري المتعدد والمعروف بغناه الثقافي والحضاري والديني، ومثلهم مثل بقية الطيف الاجتماعي لم يعرف عن الشيعة التعصب أو التطرف، بل غالباً ما اختاروا الوسطية والاعتدال في التعامل مع شؤون دينهم ودنياهم، لكن ذلك كان مقدراً له أن يتغيّر بعد عام 1979، أي بعد الثورة الإسلامية في إيران.
ورغم أنهم ليسوا بالعدد الكبير، إذ يقدرهم مرجع شيعي سوري بنحو نصف مليون نسمة، فقد عرف عنهم نشاطهم في الشأن الوطني العام وبرز منهم الكثير من الساسة وضباط الجيش ورجال الأعمال والفن والإعلام.
الشيعة في سورية يتوزعون على العديد من المحافظات السورية، غير أن أكبر تجمع سكاني لهم هو في الشمال، حيث تضم مدينة الفوعة في محافظة أدلب نحو 30 ألف نسمة، وهناك قرية كفريا، التي تقع بمحاذاتها، وهناك حي في مدينة معرتمصرين في محافظ إدلب أيضاً جله من الشيعة. أيضاً يتواجدون في محافظة حمص في تجمعات البلوز والبياضة والبويضة والمشرفة والمخرم وغيرها. كذلك هم يتوزعون في بعض أنحاء مدينة بصرى الشام في الجنوب، أما البقية فتنتشر في مدينة دمشق العاصمة، وفي أحياء عدة أشهرها «حي الأمين» الذي استقي اسمه من العلامة السيد محسن الأمين، اللبناني الأصل، والذي عاش فيه ردحاً طويلاً. كذلك هم يتواجدون في مدينة السيدة زينب في جنوب دمشق، وفي حلب في منطقتي نبل والزهراء.
وكما أسلفنا، لم يكن للشيعة السوريين أي علاقة تذكر مع إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية، كانت هناك فقط اتصالات محدودة وضيقة على مستوى علماء ورجال دين، وكانت مرجعية الشيعة في سورية تدير أمورها من دون تدخل من أحد، وكان هناك توحد واتفاق في ما بينهم على التفاصيل كلها، فكانت اعيادهم واحدة، في الفطر والأضحى وغيرها من المناسبات الدينية، رغم أن ذلك تغير اليوم على خلفية علاقة بعضهم بإيران.
منذ عام 1925 وحتى عام 1952 كان السيد محسن الأمين هو المرجع الروحي لجميع الشيعة السوريين، وكان الأمين رجلاً وطنياً بامتياز، فعنده كان يجتمع رجال الثورة السورية و«الكتلة الوطنية»، ومن خلال منزله كانت تتخذ القرارات المصيرية، مثل «الإضراب الكبير» أو «إضراب الـ45 يوماً» الذي جرى في فترة الاحتلال الفرنسي، وكدلالة على وطنية السيد الأمين، مازال أرشيف مجلس الشعب السوري يحتفظ بوثيقة للسيد الأمين يرفض فيها توزيع مقاعد المجلس على أسس طائفية بحيث يخصص للشيعة بعض منها، إذ اعتبر الأمين أن الشيعة لا يختلفون في شيء عن بقية السوريين.
بعد عام 1952 تسلم السيد حسين مكي المرجعية، وبقي حتى وفاته عام 1978 ليخلفه من بعده ابنه السيد علي مكي، ولا يزال إلى اليوم مرجعاً للشيعة السوريين، لكن ثمة متغيراً حصل عام 1985 حين حوصر السيد علي مكي وأُهمل في ركن قصي حيث بدأت السفارة الإيرانية بالتعاون مع جهات داخلية عليا في السلطة السورية تعمل على تلميع رجل آخر ودعمه. لا بل يسجل مرجع شيعي سوري أنه ومنذ ذلك العام بدأ تهميش الشيعة السوريين العروبيين كلهم، والذين لهم مواقف وطنية في مواجهة المد الإيراني، إذ يقول هذا المرجع: «بدؤوا بتلميع عبد الله نظام كزعيم جديد للطائفة، وهو رجل لا تاريخ له، كما دعموا نبيل حلفاوي ومحمد حسين تقي في شمال سورية». وقدر هذا المرجع ثروات هؤلاء وغيرهم بملايين الليرات السورية، واعتبر أن الانقسام في صفوف الشيعة بدأ على أيديهم، وهم يدينون بولائهم كاملاً لإيران.
لكن رغم ذلك بقي قسم كبير في الضفة الأخرى وعلى مسافة من المد الإيراني، هؤلاء يعرفون بالشيعة السوريين العروبيين، وهناك قسم ليس مع هذا ولا ذاك، لكنه بقي بعيداً من إيران، وعرفوا «بالشيعة اليساريين». أما القسم الرابع فهو قسم معتدل ومتأثر بدعوة رجل الدين اللبناني السيد محمد حسين فضل الله.
يعود المرجع الشيعي السوري للحديث عن حقبة تشتيت الشيعة فيقول: «لعب السفير السابق حسن أختري دوراً على هذا الصعيد، وهناك دور للقنصل السابق عبد الصاحب الموسوي، وهو دور مازال مستمراً، إذ بقي هذا الرجل في سورية رغم انتهاء مهامه، وافتتح مركزا ثقافياً في حريتان في حلب شمال سورية، وهناك تجري عملية تشييع ملحوظة، وهذا الرجل الإيراني يمتلك ميزانية صرف ضخمة تقدر من ستة ملايين إلى عشرة ملايين ليرة سورية شهرياً، وعنده الكثير من الموظفين والأتباع وله معارف وعلاقات نفوذ مع مسؤولين سوريين، وهو يشرف على عمليات التشييع في سورية، لكن غالبية ممن تشيعوا أخيراً هم من الباحثين عن المال والعاطلين عن العمل والذين ليست لهم مبادئ».
وتتفق دراسة أشرف عليها ومولها الاتحاد الأوروبي منذ نحو عام مع ما ذهب إليه هذا المرجع، إذ تشير إلى أن نسبة المتشيعين مازالت قليلة إذ بلغت نحو 62 ألفاً خلال عشرين عاماً (1985 – 2006)، غالبيتهم الساحقة من أبناء الطائفة العلوية، ولا تتجاوز نسبة المسلمين السنة فيهم 1500 مواطن! ويشير البحث إلى أن عدد الأسر «العلوية» التي تشيعت خلال الفترة المذكورة بلغ 8783 أسرة، بينما بلغ عدد الأسر الإسماعيلية المتشيعة نحو 1200 أسرة، أي نحو 7400 شخص. واستناداً إلى هذه الأعداد تكون نسبة المتشيعين في كل طائفة – مذهب خلال الفترة المذكورة 85 في المئة في الوسط العلوي؛ 13 في المئة في الوسط الإسماعيلي؛ و2 في المئة فقط في الوسط السني.
أما آخر ما وصلته محاولات التضييق على التيار العروبي من الشيعة فتتمثل في حصول عبد الله نظام على رخصة من الجهات الرسمية تسمح له بهدم أربعة من أجمل بيوت دمشق القديمة ليقيم عليها مسجداً لا يبعد سوى مئة متر عن مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي مدحت باشا العريق، وهو المسجد الأكبر للشيعة في سورية وفيه يقيم المرجع السيد علي مكي.
لم تنته الأمور هنا، فالتيار الإيراني يسعى إلى تشويه السيد محسن الأمين وأتباعه العروبيين كلهم، من خلال الربط بين السيد علي الأمين في لبنان والنائب سعد الحريري، وهما من خصوم سورية وإيران سياسياً في لبنان.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى