الإخوان المسلمون لا ينظرون في المرآة!..
فاضل الخطيب
من ينظر إلى وجه سوريا، يجده مثقلاً، متعكراً، ومتنكراً، ويسأل: أين سوريا؟. إلى أين يتجه الوطن؟. هذا الواقع المؤلم الصامت، قد يكون سكون ما قبل العاصفة؟ قد يكون هناك ما يوحي بشيء من الثقة نحو المستقبل؟
علينا أولاً أن نفهم سوريا، ونتفق، ونبحث عن أفضل الطرق للوصول إلى إقامة الحلّ المنشود.. نحتاج إلى المعرفة.. وبلا خيال وسراب لا يمت للواقع بصلة.
لماذا لم يتكلموا بنفس اللغة، ويلبسوا نفس الوجه؟. من كتب مفرداتهم الجديدة؟.
تراتيل جديدة.. طقوس جديدة..
لا تبحث عن أجوبة.. لا تطرح أسئلة..
لملم حروف كلماتك.. اصنع منها جملة..
امح أرقام هواتفك.. واكتبها في صفحة جديدة..
تعلّم جيداً دورك.. والبس وجوهاً جديدة..
أهم تقصير نقوم فيه عندما نحاول تشريح نظام بشار الأسد ونهمل دراسة وتشريح نظام والده, هناك يجب البدء.
إن سقوط نظام بشار الأسد هو “شرعيته” التي أخذها من نظام أبيه, أي عدم شرعيته، وعدم طلاقه من والده.!
ماذا تستطيعون تقديمه كبدائل أكثر مصداقية للمنطقة وللعالم؟.
القرن العشرون يبتعد عنا، وأحياناً بسرعة، وتبتعد معه الأماني والطموحات. بعد الساعة 24 يأتي يومٌ “جديد”، فهل يعرفون كم الوقت الآن؟
كنت من أكثر المتحمسين لخلق أوسع تحالف معارض, لكن بعد 7 يناير – أو ما يمكن تسميته بالحركة التصحيحية للأخوان المسلمين -، صار من الضروري التوقف عند الحقائق لا الشعارات، ومن أجل ذلك لابد من وقفة جريئة مع الحاضر. لابد من مواجهة النقاشات بصراحة, لابد من طرح الأسئلة ومحاولة الرد عليها من زاوية أخرى ومن وجهة نظر أخرى أيضاً..
كيف أحييهم إذا التقيت بهم “أحييهم كنصف أصدقاء، لأن نصفهم الآخر صار فعل ماضي ناقص”.
نعم يعرفون الجواب ولا يعرفون السؤال، يقولون الجواب قبل أن نطرح عليهم السؤال. السادة في جماعة الأخوان المسلمين يريدون تحرير دمشق عبر غزة، والنظام يريد تثبيت سلطته في دمشق من خلال غزة، مصادفة؟ لكنها تجبر الإنسان على طرح أسئلة قد لا تكون بريئة..
مشكلة الديمقراطية عندنا، هي أن بعض رموز “المعارضة الموسمية” غير ديمقراطيين، ومشاعر مجتمعنا تتقبل العداء للديمقراطية وتتعايش معها. وأعتقد أيضاً أن مشكلة الديمقراطية عندنا، أو عند “النخبة” السياسية، هي التأرجح بين استنساخ الديمقراطية الأوربية، وبين رفضها بالكامل على أساس أنها لا تصلح لمجتمعاتنا..
بعض السوريون يقول دائماً أشياء كبيرة، ويكررها ويرتلها وفي آخر المطاف يصدّق الوهم الذي اخترعه…
يصنع البعض من سائق التراكتور رائد فضاء..
في حوار بين باحث اجتماعي وبين رجل دين مسيحي وأمام جمهور من المتابعين قال رجل الدين: أستطيع النقاش معك لسنوات عن أسئلتك التي تشكك في صحة ومنطقية بعض المفاهيم الدينية، لكن رغم ذلك أنا أحب الكتاب المقدس لأنه يقرّبني من الله..
يفتقد البعض إلى ثقافة الحوار البناء، إننا نحتاج إلى نبذ ثقافة الإقصاء، لأنها ليست ثقافة.
إذا كانت ثقافة تعليق معارضتهم، لا تعني أكثر مما كتبوا عنها، فهذا يعني أنها ليست ثقافة معارضة. لكن إذا كانت ثقافتهم أقل مما كُتب عنها، فهذا خللٌ كبيرٌ وأزمة. أعتقد أنه عند البعض معاناة من خلل الشكلين..
مأساة عصرنا بالنسبة لشعوب المنطقة، هي أنه نعيش بين نظامين تخطاهما الزمن، وهما الديكتاتوريات الشمولية، وعمائم ووصفات القرون الوسطى، وهما يتصارعان من أجل المحافظة، أو الحصول على مفاتيح السلطة، وطبعاً باسم الصمود ومقاومة إسرائيل وممانعتها. وفي كلتا الحالتين، يكون الوطن الضحية.
ستارة مخفية تسقط عن مسرح الحياة..
الوداع قطعة شخصية واحدة..
في مكان ما، يكتب القدر بضع كلمات..
في مكان آخر لا تعرف السبيل للمعرفة..
شيءٌ واحدٌ تعرفه، وأشياء أكثر يعرفها قلبك..
من درجة إلى درجة، يظهر للعيان، وفي هذا المسرح الغنائي، أن هذا الصوت وفي أكثر تردداته هو صوت مشوّه، لأنه يغرّد خارج سرب الوطن، الوطن الضحية، سوريا أولاً وثانياً. ولا يمرّ من دمشق غير بردى، ويخطئ من يعتقد غير ذلك..
المتابع لعلاقة بعض المعارضة السورية الموسمية مع غيرها – نجدها تبحث عن كبش فداء وهميّ في الطرف الآخر، عن كذبة جديدة، وهي أنه لست أنا، آخرون كانوا، هم كانوا، هم قاموا بها، لسنا نحن الذين نهرب للكذب والتهرب عن الرد الواضح الصريح.
بذكاء وحنكة، بمساومات، بالبحث عن الخيوط والخطوط، يتشكل نظام بدون مصداقية، جهاز آليّ فوق – تحت، ورشات صغيرة تتوسع وتزدهر سورية – غير سورية.
إن ما كان يطرحه الأخوان المسلمون قبل انقلابهم الأخير، هو إجماع في جبهة الخلاص على استحالة إصلاح النظام والحوار معه، لقد تبخر ذلك بين نضالات القرضاوي من قطر، وصواريخ الممانعة لمشعل في دمشق، وبسرعة ظهر على السطح ما كان الإخوان يضمروه.
إن أساطير القرضاوي وأشباهه، والحكايا ذات الكود الذي لا يعرفه غير المقربين من القاعدة، كلها كشفت وتكشف ما كان مستوراً، إن خط الانكسار الذي تسلقه الإخوان المسلمون يشير بوضوح إلى مصداقية تعاملهم، إن المرحلة تتطلب التعامل بوضوح، وتحديد كيفية المتابعة بمنتهى الوضوح.. كي نستطيع الحديث وبوضوح عن وطن واحد، عن سورية واحدة، وكي نستطيع العمل بوضوح من أجل وطن واحد، من أجل سورية واحدة.. إنني أرى بوضوح أن سوريا التي يناضل من أجلها الأخوان المسلمون، تختلف عن سوريا التي أعرفها بحدودها وجغرافيتها وهمومها..
الشعور بالحرية قضية داخلية. لا يمكن لنا المنافسة في هذا الشعور من خلال اجترار كلمات التاريخ الغابر، كما أنه لا يمكن كسب حب أي بنت إذا كان عليها التخلي عن شخصيتها مقابل أن يقول لها شخصٌ ” أنا أحبك “، ماذا تستطيع قوله أكثر؟ ماذا يستطيع الأخوان المسلمون تقديمه؟ لا شيء، لا شيء. لا يجوز لنا مدح الحرية بشكل رخيص، من خلال بربغاندا رخيصة، نحن نريد أن نؤثر على الشعب بقضية الوطن وليس بالشعارات والتراتيل، نريد شعباً يستعمل عقله قبل أذنيه، نريد شعباً يستطيع اتخاذ القرار في دمشق.
السياسة أكثر من أن نقول، نحن يدعمنا الصامتون، وأكثر من أن تقولوا أن الساكتين هم رافضون لسياستنا..
الوداع دورٌ صعبٌ..
الرياح تتأبط نهاية الكلمات..
قرأت بيانهم، وسمعت شروحاتهم..
أنصاف كلمات.. ما عادت تنفع شكوى، ما عادت تضر اتهامات..
شهورٌ، سنواتٌ، اعتقدتّ وهماً، أو خانوا العهد ثانيةً..
العالم يعيش اليوم، وعلينا التوجه نحوه، والعالم اليوم ليس القرضاوي، ولن يكون القرضاوي هو عالم الغد…
5 / 4 / 2009
خاص – صفحات سورية –