بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد في سورية
ياسين الحاج صالح
المعرفة الاقتصادية والسلطة السياسية
للعلاقة بين المعرفة الاقتصادية وقضايا السياسة والسلطة في سورية وضع خاص، بل فريد. فالاقتصاديون المحترفون قلما يدرجون في مقارباتهم عناصر تحليلية تتصل ببنية النظام السياسي ونمط ممارسة السلطة، مع ما هو معروف من الطابع السياسي جدا للاقتصاد في سورية، بحكم الصفة “الاشتراكية” له وللنظام السياسي. بالمقابل من قد يدرجون مسائل السلطة في تحليلاتهم، أي المعارضون، قلما يحوزون تأهيلا يمكنهم من مقاربة مثمرة للمسائل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وليس كاتب هذه السطور، وهو من معارضي النظام، خارج هذا الشرط. إلا أنه تسنت لي في السنوات الأخيرة فرصة اهتمام أوسع بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية التي يمتنع أكثر وأكثر تحليل السياسة في سورية، وصوغ رؤى سياسية ديمقراطية ومعارضة، دون إلمام واسع بها.
من ناحية ثانية، وهذه فكرة أساسية في هذه الورقة، ليس النظام السياسي في البلاد محايدا اجتماعيا. ليس لأنه “اشتراكي” كما لا يزال ينص الدستور الدائم الصادر عام 1973، بل إن حالة الاستثناء المفروضة منذ 45 عاما، وهي الدستور الحقيقي للبلد أو “دستور الدستور”، أسست لموازين قوى اجتماعية وسياسية، أتاحت تكون طبقة جديدة في كنف النظام وبحضانته هي ما أسميه البرجوازية الجديدة التي تشغل اليوم موقعا نافذا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية في البلاد.
لهذين السببين، علاقة السياسة بالاقتصاد وبالمعرفة، ستكون الورقة هذه “سياسية” جدا، لكن ليس دون تعديل لمفهوم السياسة، على الأقل في تداوله الشائع في سورية. وإن كان لي أن أقرب تصور السياسة في هذه الورقة للقارئ فسأطلب منه أن يربط فورا بين كلمة سياسة وبين ملايين ومليارات الدولارات. السياسة مسألة ملايين ومليارات قبل كل شيء.
يبقى أن أقول إني مصدر معلوماتي الأهم هو تصريحات عامة للسيد عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ثقة مبدئية بما يقول من جهة، ويقينا بكفاءته ونزاهته من جهة ثانية، لكن اعتراضا على الوجهة العامة التي تندرج فيها السياسات الاقتصادي التي يحامي عنها.
العقد الشعبوي
عرفت سورية التي يحكمها” حزب البعث العربي الاشتراكي” منذ عام 1963 تحولات اقتصادية اجتماعية سياسية تندرج تحت ما يسمى “العقد الاجتماعي الشعبوي”. وبموجب هذا الضرب من “التعاقد” يفرض على السكان التخلي عن حقوقهم السياسية وينفرد الحزب الحاكم بالسلطة العمومية مقابل تطبيق سياسات اجتماعية تلبي مصالح شرائح نيا من الطبقات الوسطى (“البرجوازية الصغيرة”) في الأرياف والمدن. لقد أمم الحكم البعثي المشاريع الصناعية والمصارف واحتكر التجارة الخارجية، وأجرى إصلاحا زراعيا تستفيد منه قطاعات من الفلاحين والعمال الزراعيين، كما احتكر التعليم والإعلام وقمع النشاط السياسي المستقل.
بيد أن من شأن استعارة العقد لوصف هذا النظام أن تكون مضللة. فنحن حيال نظام استثناء، أظهر على الدوام عداء صريحا للمبادرات الاجتماعية المستقلة. واستطاع في غير مناسبة أن يحطم خصومه السياسيين بعنف حاسم. ولم نتكلم على “عقد” و”تعاقد” إلا من باب تقريب “القانون الأساسي” للحكم البعثي من الأفهام.
ينحدر أكثرية أعضاء حزب البعث من أصول فلاحية، وقد اصطبغ المجتمع السوري الذي حكموه بصبغة ريفية، مع ما هو معلوم من أن الريف السوري كان خزانا للسخط لكونه مهمشا سياسيا ومفقرا اقتصاديا ومزدرى ثقافيا في سنوات ما بعد الاستقلال [1]. إن معظم موظفي الدولة، وبخاصة الجيش وأجهزة الأمن وكادرات التعليم، من أصول ريفية. وهذا ينطبق على العهد البعثي الثاني (1966 -1970) أكثر من الأول. لقد سهلت سردية المظلومية الشائعة وسط جمهور الفلاحين (كان نحو ثلاثة أرباع السوريين من سكان الأرياف حتى مطالع ستينات القرن العشرين) والإيديولوجية الاشتراكية المهيمنة في وعي الشباب المتعلم حينها من جهة ثانية، وهشاشة التشكل الوطني السوري من جهة ثالثة، وأخيرا ضعف أخلاقيات المسؤولية لمصلحة أخلاقيات الاعتقاد المناسبة للقبلية والحزبية المنغلقة، سهلت أمر الانفراد بالحكم ومحو الحدود بين المصلحة العامة والانتفاع الخاص في إدارة الموارد العامة بأقل قدر ممكن من الوساوس.
ورغم أن الرئيس حافظ الأسد استهل العهد البعثي الثالث بانفتاح على المدن وطبقتها التجارية [2] إلا أن الانفتاح هذا اقتصر على المجال الاقتصادي ولم يترافق بأي انفتاح سياسي أو قانوني. وفوق ذلك لم يلبث أن تلاشت مفاعيله “الليبرالية” في النصف الثاني من السبعينات حين أمن النظام إلى رسوخه (حرب أكتوبر والتدخل السوري المغطى أميركيا وعربيا في لبنان)، وتوفرت بيده أموال ريعية مصدرها بلدان النفط العربية.
في هذه الفترة تكونت شريحة ثرية من بيروقراطيي الحكم ونافذين عسكريين ومدنين فيه [3]. لقد أتاح انشغال النظام بأمنه وبقائه تقدم علاقات الولاء والمحسوبيات على الكفاءة والمسؤولية العامة. وأخذت تتدنى أهلية الكادر الإداري والاقتصادي في شتى المجالات بسبب غياب المنافسة والرقابة الاجتماعية. وكان السيد رفعت الأسد هو الرمز الأكبر لرجل السلطة الذي يراكم ثروة مهولة عن طريق القسر السياسي لا الاقتصادي.
في النصف الثاني من الثمانينات عرفت البلاد أزمة اقتصادية خانقة، أسهمت في خفض الدخل الحقيقي لأكثرية السكان وفي انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار بحدة. وتحسن الوضع بعد حرب الخليج الثانية بسبب تدفقات مالية من دول الخليج إثر مشاركة سورية في الحرب ضد العراق، وبدء تصدير النفط السوري. لكن الركود عاد يبسط ظله على اقتصاديات البلاد في النصف الثاني من التسعينات [4].
“التراكم الأولي” و”البرجوازية الجديدة”
وما نريد استخلاصه من نظرة إجمالية إلى عهد الرئيس حافظ الأسد الذي استمر جيلا هو أن الطابع التسلطي المفرط للنظام قد أهّل تشكل موازين قوى اجتماعية مناسبة لتكون مرتبة جديدة من الأثرياء الذي حازوا ثروات باهظة بآليات “تراكم أولي”، إن استعرنا اللغة الماركسية، أي بالاستفادة من “نظام الاستثناء”، ومن التوسع في وسائل القسر والسيطرة الاجتماعية التي بلغت في ثمانينات القرن العشرين ذرى مرعبة. إن “الفساد”، أي التصرف غير المقيد بأموال عامة ووضع اليد واستخدام النفوذ لمصالح شخصية..، آليات تراكم أولي تعكس موازين قوى محابية للحائزين على السلطة والنفوذ ومقيدة لمجتمع العمل.
ومراتب الدخل الجديدة هذه هي التي ستتحول إلى طبقة، “البرجوازية الجديدة”، في سنوات حكم الرئيس بشار الأسد. نتكلم على طبقة لنقول إن الأمر لا يتعلق بثروات هائلة تحصلت في الغالب بوسائل سياسية على أيدي رجال الجيل البعثي الثاني (جيل السلطة ورجال الرئيس؛ الجيل الأول هو جيل المؤسسين الذي قضي عليه عام 1966) الراسخين في الأمن والاقتصاد والجيش، ويديرها رجال الجيل الثالث أو جيل الأبناء، وهم ذوو تنشئة مدينية وحائزون على شهادات جامعية في الغالب.. ويتوزعون اليوم على السلطتين السياسية والاقتصادية؛ ولكن كذلك لنشير إلى ظواهر جديدة تتصل بسلوك هذه الطبقة. منها ظهور محسوس لها ولمشاريعها في الحياة العامة، ومنها امتلاكها وسائل إعلامية “مستقلة” (صحف، مجلات، أقنية فضائية..) تعبر عن ولاء سياسي مفرط للنظام يزايد حتى على قاعدته الاجتماعية المعتادة. لكن الشيء الأساسي هو علاقتها الوثيقة بالسلطة السياسية، وهي تعود إلى الأصل المشترك في الجيل البعثي الثاني لأهل السلطة والثروة اليوم. وهذا يفسر أن الطبقة هذه لا تطمح إلى لعب دور سياسي مستقل عن النظام، ولا تعترض على دوام حالة الاستثناء التي تحصلت على ثرواتها في ظلها، والأنسب من غيرها لإدامة موازين القوى الاجتماعية والسياسية المناسبة لنمط تراكمها الأولي.
من “التطوير والتحديث” إلى “اقتصاد السوق الاجتماعي”
لكن لنعد إلى مطلع العهد الحالي. إن الرئيس بشار الأسد ولد عام 1966 ووالده وزير دفاع سورية، وكان في الرابعة من عمره حين صار والده رئيسا. هو من ناحية لم يعرف بؤس الحياة الفلاحية، ومن ناحية ثانية لا شك تتملكه رغبة في تحديث بلده. في السنوات الأولى من عهده جرى الكلام على إصلاح اقتصادي أو على “التطوير والتحديث” تجنبا لتضمينات كلمة إصلاح. لكن وُضع هذا الكلام في سياق رفض أولوية الإصلاح السياسي الذي دعا إليه مثقفون وناشطون معارضون، فلم يكن له مدلول إيجابي. وفي عام 2003 انصرف التركيز أكثر إلى الإصلاح الإداري الذي لم يثمر عن شيء بدوره.
لكن تواطأت في عام 2005 ظروف متنوعة للدفع نحو إصلاح اقتصادي أكثر جدية، سيعي نفسه تحت اسم اقتصاد السوق الاجتماعي.
أول تلك الظروف إدراك متنام في أوساط نخبة السلطة العليا بأن البلاد قد تعاني من كارثة اقتصادية إن استمرت في نظامها الاقتصادي الموروث الذي ينخره الفساد والتخلف التقني والبيروقراطية وفائض العمالة، بينما يتدنى الريع النفطي بسرعة [5]. وثانيها مصالح البرجوازية الجديدة المكونة من جيل الأبناء وشركاهم، والتي يستجيب تحرير التجارة وإنهاء احتكار الدولة للعمل المصرفي وإطلاق يدها في مجال الأعمال مع الاستمرار في تقييد مجتمع العمل وحظر جميع أشكال الانتظام الاجتماعي المستقل، يستجيب لمصالحها وتطور أعمالها. وثالثها الهوية الإيديولوجية المعلنة للنظام، الاشتراكية لا تزال، والتي دفعت نحو تقييد شكلي لاقتصاد السوق بصفة الاجتماعي التي لا تنفر المستثمرين من ناحية (خلافا للاشتراكية)، وتذكر كتلة العاملين عند الدولة بخاصة، نحو مليون ونصف، بالأمن الاجتماعي الذي كانت تؤمنه لهم الاشتراكية البعثية. تفاديا للأزمة منحت الأولوية للاقتصاد، وتلبية لمصالح البرجوازية الجديدة اتخذ الإصلاح الاقتصادي وجهة ليبرالية تيمم صوب السوق، ولا يُستغنى عن الاجتماعي من باب الإرضاء الرمزي للقاعدة الاجتماعية البعثية التقليدية. وهكذا فإن مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي المتوفر في السوق الإيديولوجية منذ أشاعه الألمان بعد الحرب العالمية الثانية هو عز الطلب السوري. وقد أقره كـ”برنامج متكامل للإصلاح” [6] مؤتمر حزب البعث الحاكم في حزيران 2005 لأنه يلبي في آن ضرورة اقتصادية أكيدة وتسوية اجتماعية من نوع ما.
الشهور الأربعين المنصرمة شهدت تحريرا واسعا للاقتصاد السوري من القيود القانونية والإدارية الاشتراكية”. لقد جرى تسهيل الاستيراد قبل أن تحرر التجارة الخارجية في عام 2008 هذا[7]. كما رفع الدعم عن الوقود في أيار من هذا العام نفسه [8]، ما أثار تذمرا اجتماعيا مسموع الصوت. ورغم أنه لم تجر خصخصة أية مشاريع حكومي [9] إلا أن وزن القطاع الخاص في الناتج الوطني الإجمالي يحاذي الثلثين اليوم[10]، ويزيد على 80% إن استثنينا النفط [11]. وتقيد الحكومة استخدام عاملين وتمتنع عن تثبيت المؤقتين منهم [12].
لقد تخلت السلطات السورية عمليا عن العقد الاشتراكي دون أن تتنازل ولو عن قسط قليل من احتكارها السياسي وكونها المرجع الحصري المهيمن على جميع الفاعلات الاجتماعية. وهكذا أخذ يظهر النظام ملامح تسلطية تجمع بين لبرلة الاقتصاد والاحتكار السياسي. وأبرز الملامح الاجتماعية لهذا النموذج أن السلطات ضعيفة أمام الأقوياء النافذين من أصحاب الثروات المحليين والأجانب، وقوية في مواجهة الضعفاء الاجتماعيين والسياسيين.
تحدثت باحثة سورية مقيمة في انكلترا عن “بيرتة دمشق” [13]. المقصود نزوع العاصمة السورية إلى مشابهة بيروت من حيث كثرة المصارف وتوفر بنية سياحية وخدمية يجد فيها أصحاب الثراء ما يلبي طلبهم، وقد نضيف عشرات ألوف السيارات الحديثة في الشوارع، التي ربما لا يتجاوز متوسط عمرها ثلاث سنوات أو أربعة، بعد أن كان متوسط عمر السيارة في الشوارع السورية ينوف على عقدين. ولعل تدهور العلاقات السورية اللبنانية في السنوات الأخيرة (عقد مؤتمر حزب البعث الاخير بعد ستة أسابيع من استكمال الانسحاب العسكري السوري من لبنان) قد أفضى إلى سحب أموال سورية من لبنان وإلى خلق ضرورة ونجوع اقتصاديين للبيرتة. قد نلاحظ أيضا بروز ضرب من الوطنية السورية العالية النبرة التي تستجيب في آن لغضب سوري من الخروج غير الودي من لبنان، وإلى حاجة متنامية إلى تغطية التحولات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية. فجرعة عالية من الوطنية قد تكون أكثر ما يسع طاقم السلطة تقديمه لجمهور تتدهور مقدراته وتتراجع سيطرته على شروط حياته. والملحوظ أن المنابر الإعلامية المرتبطة بالبرجوازية الجديدة تسوق هذا الخطاب الوطني الهائج أكثر من وسائل الإعلام الرسمية، إلى درجة تبيح وصف هذه بالرصانة قياسا إلى تلك.
الوجه الأخر للبيرتة هو التهميش: بالمعنى المكاني أولا عبر طرد أصحاب عقارات من مواقع حيوية في مركز المدينة إلى الضواحي بدوافع تنظيمية وعمرانية واقتصادية مألوفة الظهور في أوقات اللبرلة السريعة؛ وبالمعنى الاجتماعي من حيث تكون أحزمة بؤس في بعض الأحياء المحيطية للمدينة وأريافها [14]. ومن هذه البيئة يعتقد أن التيار السلفي الجهادي يجد أنصاره. وإلى جانب التهميش ثمة البطالة التي تقرر الجهات الحكومية أنها لا تتجاوز 8,5% عام 2006 و7,5 عام 2007، لكن بعد أن تعرف العاطل عن العمل بأنه من اشتغل لمدة ساعة في الأسبوع السابق للسبر [15]. أما اتحاد العمال فيضاعف الرقم ويجعله بين 14 و16% [16].
يضاف إلى البطالة والهامشية مستوى معند من الأمية يبدو أنه يمتنع على التقليص[17] ومستوى من الفقر لا ترشحه طبائع الليبرالية الاقتصادية لغير الازدياد [18]. يضاف إلى ذلك قطاع غير نظامي كبير الحجم، يتجاوز حجمه 40% من الاقتصاد المحلي [19].
إذن بينما ينمو الفقر المادي يثابر المجتمع السوري على كونه واحدا من أفقر مجتمعات العالم سياسيا. وكنت اقترحت مفهوما لخط الفقر السياسي يمتد بين الحق في حرية التعبير والحق في التجمع الطوعي المستقل. وهما حاجتان حيويتان أكثر مما هما حقان، وقد ينبع أولهما من دافع الصراخ ألما أو طلبا لنجدة، والثاني من دافع الاحتشاد لرد خطر أو التعاون لتحقيق مصلحة مشتركة. حرمان السوريين منهما معا بينما تمعن اللبرلة الاقتصادية في إضعافهم ماديا نذير بلجوئهم إلى أشكال “غير شرعية” من المقاومة. منها التحايل على السلطات وقواعدها في السكن والخدمات [20]، لكن قد يبرز منها تمردات اجتماعية قد تأخذ شكلا دينيا، ومنها في تقديري أيضا اللوذ بالأسرة الممتدة والعشيرة والطائفة[21].أضع عبارة “غير شرعية” بين قوسين لأن صيغة الشرعية التي يوفرها نظام الاستثناء يجري تحويره في اتجاه نيوليبرالي هي المشكلة.
إلى جانب الإيديولوجية الوطنية التي كانت عالية النبرة دوما في سورية (بصورة ربما تتصل بقلق الكيان السوري وفتوته..وبالنظام السياسي “العقائدي”) وازدادت نبرتها علوا بفعل التحولات الجيوسياسية الخطرة منذ احتلال الأميركيين للعراق، ثم الانسحاب السوري القسري من لبنان، وهي تعلو أكثر اليوم بموازاة لبرلة الاقتصاد، تسوق السلطات مؤشرات ماكرواقتصادية إيجابية لتسويغ سياستها الاقتصادية والاجتماعية. منها مثلا ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 5,1% عام 2006 و6,5% عام 2007 [22]. ومنها ارتفاع الصادرات[23] وتعويضها عن انخفاض الدخل النفطي. ومنها ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي [24]، ومنها أخيرا انخفاض نسبة البطالة [25] والتضخم [26].
ومن المؤشرات الاجتماعية وحده السيد عبدالله الدردري يؤكد اتساع الطبقة الوسطى في البلاد. يقول إن نسبة السوريين ممن يعملون لحسابهم ارتفعت من 26% إلى 29% بين 2006 و2007 [27]، لكنها يعرفها كالتالي: “الفئة القادرة على تأمين مستوى حياة كريمة، [و]هي متعلمة ومثقفة تستطيع أن تعطي المبادرة والفكر المنفتح ذاتهما”، قبل أن يقرر أن “الطبقة الوسطى العاملة في الدولة ثبتت على [نسبة] 28% من قوى العمل” [28]. لكن متوسط الأجر الشهري لهذه “الطبقة الوسطى العاملة في الدولة” لا يتجاوز 120 دولارا أميركيا شهريا، و70% منها لا يغطي دخله تكاليف الإنفاق على المواد الغذائية![29] ولا داعي لقول شيء عن تحليها بـ”المبادرة والفكر المنفتح”!
تحرير اقتصادي وتقييد سياسي
ألمحنا إلى أن الإطار السياسي للتحرير الاقتصادي في سورية لم يتغير. لقد أظهر استعدادا سبق أن رأينا مثله في مصر وفي الجزائر وفي روسيا يلتسين.. إلى لبرلة الاقتصاد دون لبرلة السياسة. وليس ثمة صعوبة في شرح ذلك. فالمستفيدون من التحرير الاقتصادي هم من مقربي النظام وأهل ثقته وشركاهم بصورة أساسية. والبرجوازيون الجدد هؤلاء، بالنظر إلى مصادر ثرواتهم وآليات تراكمهم، أشد تمسكا بنمط ممارسة السلطة الراهن وآلياته الضبطية المتشددة. بالمقابل إن المستفيدين المحتملين من التحرير السياسي هم معارضون متنوعون وجمهور محروم من التنظيم سيعمل على إسماع صوته والضغط باتجاه أوضاع أكثر استجابة لمصالحه. وهذا منبع الخشية الأساسية لحكم نخبة السلطة والثروة في البلاد التي تبدي حرصا منهجيا على تفكيك كل أشكال المبادرة والانتظام المستقل، وإبقاء المجتمع السوري دون خط الفقر السياسي.
وللمقارنة فقد أضحى من السهول بمكان استخراج الوثائق اللازمة من أجل مشروع تجاري، لكن الحصول على ترخيص لجمعية مهتمة بالبيئة مثلا أو عقد اجتماع لمنظمة حقوقية مستحيل. وبينما تعلن السلطات في صحيفة عربية واسعة الانتشار أن أي “مسؤول سيقول: لا للمستثمر، سيفقد منصبه” وأن الحكومة “لم تعد تسمح، سواء عن سوء فهم أو عرقلة أو فساد، بعرقلة عملية الإصلاح وتدفق الاستثمارات”[30]، فإن المبادرين إلى تشكيل جمعية غير ربحية قد يفقدون حريتهم.
والواقع أن أصوات الاعتراض التي قد يسمعها المرء راهنا هي تلك التي تصدر من جهات في صلب القاعدة الاجتماعية التاريخية للنظام. وأبرزها الاتحاد العام لنقابات العمال الذي احتج غير مرة على سياسات الحكومة بما فيها رفع الدعم عن الوقود، وقيل إنه لم يوجه دعوة للحكومة لحضور اجتماع مجلسه العام الذي يبدو أنه عقد صيف عام 2008[31]، كما امتنع عن مخاطبة الحكومة في كتبه ومراسلاته وتوجيهها إلى مكتب العمال والفلاحين في القيادة القطرية، وذلك بعد أن كانت الحكومة قررت إبعاد اتحاد العمال واتحاد الفلاحين عن اجتماعات اللجنة الاقتصادية[32].
وتسمع أصوات متذمرة في الصحافة الرسمية التي تعبر عن مطالب العاملين بأجر عند الدولة الجمهور وتشكل أداة تعبير البعثي المعتاد في الحزب والبيروقراطية والتعليم والجيش عن شكاويه ومطالبه[33]. ومثل ذلك يمكن سماعه أيضا في إعلام أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ومن في حكمها، الشيوعية منها بخاصة. هذا الجمهور الذي تعلم في مدارس حكومية ولا يتكلم غير العربية وتوقف مستوى تأهيله عند ما كان عليه قبل عقدين أو ثلاثة هو المتضرر الأول من تحرير الاقتصاد. فالمشاريع الجديدة تطلب تأهيلا أفضل ومعرفة أفضل بلغات أجنبية ونشاطا أكبر مما تتسم به قوة العمل في “القطاع العام”.
خلاصات
محتوى الإصلاح الاقتصادي في سورية نيوليبرالي بلا جدال[34]. هذا ليس مرده نوعية الإجراءات الإصلاحية التي تندرج عموما ضمن ما يدعى “وفاق واشنطن”، بل بالخصوص إلى محاباة أصحاب المشاريع والثروات وحرمان مجتمع العمل من تنظيم ذاته والدفاع عن نفسه. وما يقوله السيد الدردري من أن اقتصاد السوق الاجتماعي السوري يختلف عن الاقتصاد الليبرالي والنيوليبرالي بوجود “تدخل إيجابي للدولة لمعالجة قضايا الفقر وعدالة توزيع الدخل والمساواة في الفرص”، مع عدم الاكتفاء “بانتظار الأثر التسلسلي للنمو”[35] يهمل أن الفقر وتوزيع الدخل هي مسائل موازين قوى اجتماعية، أي سياسية، وأن حرمان المجتمع من المبادرة والتنظيم وتمثيل نفسه لا يمكن إلا أن يفضي إلى تدهور معيشته في شروط التحرير الاقتصادي، حتى لو حسنت النيات. إن التخلص من الفقر مسألة تمكين اجتماعي وسياسي وليس مسألة تدخل أبوي لدولة، تتدخل أكثر لمصلحة المستثمرين [36].
وإذا كان العاملون بأجر (نحو 63% من مجموع العاملين) ينالون نحو 25% من الدخل الوطني فقط حسب الاقتصادي البعثي إلياس نجمة بعد أن كانوا ينالون 43% حين كانوا 30% من العاملين (ينالون 65 إلى 75% في البلدان الرأسمالية حسب نجمة نفسه) فإن هذا يشير إلى وزن مجتمع العمل في النظام الكلي، وبالخصوص إلى تقييده السياسي في رأينا[37]. المسألة مرة أخرى ليست مسألة تنمية ودخل، ولا حتى اقتصاد، إنها مسألة سياسة وموازين قوى اجتماعية وسياسية.
وبينما لا يستغنى عن إصلاح اقتصادي يوسع هامش مبادرة السوريين ولا يمكنه إلا أن يكون باتجاه ليبرالي، فإن الجدوى الاقتصادية بالذات لهذا لإصلاح مرهونة بتوسيع هوامش مبادرتهم الاجتماعية والسياسية أيضا. أي تمكينهم من تنظيم قواهم والتعبير عن مطالبهم والتفاوض الجماعي.
ينزع المجتمع السوري اليوم إلى التشكل في صورة ثنائية اجتماعية واقتصادية مألوفة في البلدان التي تنفتح اقتصاديا بينما تثابر نظمها السياسية على انغلاقها [38]. من جهة قطاع حديث (مصارف، شركات تجارية، وكالات لشركات أجنبية، جامعات خاصة، منتجعات وأندية وأماكن لهو مغلقة أو شبه مغلقة..[39])، منفتح على العالم، عالي الدخول، تأهيل العاملين فيه مقارب لتأهيل نظرائهم في البلدان الأخرى؛ وقطاع قديم متداع، متدني الأجور والتأهيل، متوسط عمر العاملين فيه مرتفع، ولا مستقبل له، لكن يحافظ عليه لدواعي الاستقرار الاجتماعي والسياسي[40].
وعلى الهامش، وخارج القطاعين معا، هناك البؤس والعزلة، حياة الناس الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم ويقدرهم السيد الدردري بنحو 0,6% من السكان فقط[41]. لكن المرء لا يستطيع إلا أن يلاحظ أن أعداد من يبحثون في القمامة عما قد ينتفع به أكبر من أي وقت، وأن حول معظم المدن أحياء وقرى تغرق في بؤس عميق.
من غير المرجح أن تفضي أية تغيرات اجتماعية مترتبة على التحرير الاقتصادي إلى تحولات سياسي. نحن في الشرق الأوسط حيث يتيح كل من التدويل العميق للمنطقة وبناها الأهلية القلقة، بما فيها في أيامنا حركة الأسلمة الغامضة والمتشنجة، هامشا واسعا للسلطات للمناورة على الداخل والخارج معا.
تبقى ملاحظات قد تكون بعيدة المدى.
أولا، توحي الصورة التي حاولنا رسمها هنا بأن القاعدة الاجتماعية للحكم البعثي تتخلخل بفعل لبرلة الاقتصاد، وان التناقضات الاجتماعية الاقتصادية تنحو إلى مطابقة التناقضات السياسية المتصلة بقضية الديمقراطية. هذا يقتضي نشاطا وحيوية أكثر من قبل المعارضة التي لا يكاد يسمع لها صوت في الشأن الاجتماعي الاقتصادي. إن تثبتها على مسألة السلطة يفوت عليها أكثر وأكثر تبين أن منابع السياسة والصراع السياسي المستقبلية في سورية تجنح أكثر وأكثر نحو “المسألة الاجتماعية”، وتغير تاليا معنى الديمقراطية ليصبح أقرب إلى تمكين مجتمع العمل من تنظيم نفسه والدفاع عن حقوقه الاجتماعية والسياسية.
لقد لاحظنا تحفظات غير مسبوقة من قبل اتحاد العمال وفي المنابر الحكومية التي تعبر عن شرائح دنيا من الطبقة الوسطى ترى نفسها مهددة بالفقر والهامشية بفعل تحرير الاقتصاد. بالمقابل نعتقد أننا نتبين مستوى متقدما من العلاقة بين السلطة والثروة يقارب الاندماج. بيد أن هذا التطور لا يمر دون ممانعة. اقتبسنا في هوامش الورقة كلام أعضاء في قيادة حزب البعث الحاكم يوحي بما هو أكثر من التحفظ على سياسات التحرير الاقتصادي والفريق الاقتصادي الداعم لها. لكنها أصوات تستعيد خطابا قديما ولا تراهن على غير العودة إلى الوراء، إلى مزيج الاستبداد والاقتصاد المدول. هذا لا يجدي، وهو برهان على أن حزبيي البعث وبيروقراطييه فقدوا القدرة على المبادرة الفكرية والسياسية. ما قد يجدي ليس ممانعة تحرير الاقتصاد (انتقائيا، بصورة تنضبط بمقتضيات التنمية الوطنية) بل تعزيزه وموازنته بتحرير السياسة وتحرير المجتمع. أي بالديمقراطية. إذ لا ينبغي أن تنحصر خيارات السوريين بين استبداد شبه شمولي يسيطر على الاقتصاد، وبين تسلطية تحرر الاقتصاد لمصلحة الأغنياء. الخيار الديمقراطي هو الذي يعارض النيوليبرالية المحابية للأقوياء والتسلطية في الوقت نفسه، أي يقاوم الإفقار السياسي والإفقار الاقتصادي في آن معا. ليس الدردري أو الفريق الاقتصادي هو المشكلة، المشكلة هي حالة الاستثناء كواسطة نقل للثروة وقابلة لتشكل طبقي جديد.
“لا إصلاح بدون آلام” حقا كما قال السيد الدردري، لكن لماذا ينبغي أن يكون الألم من نصيب الضعفاء والفقراء دوما؟
ورقة قدمت في ندوة عقدت في المعهد الدانمركي في دمشق عن “ملكية الاقتصاديات العربية: التبعات السياسية والاجتماعية، وتمثيلها في وسائل الإعلام العربية والأوربية”، يومي 11 و12 تشرين الثاني 2008.
وكنت آمل أن أتمكن من توسيع الورقة لتغطي الآثار المحتملة للأزمة الاقتصادي والمالية العالمية على سورية، كما لتوثيقها بصورة أفضل، إلا أن هذا متعذر حاليا.
________________________________________
[1] تثير كلمة ريف وريفي وريفيين حساسيات غير مبررة في سورية، قد تكون اغتذت من استخدام غير حذر للمفهوم على يد بعض مستخدميه. ليس هذا مجال التوسع في هذه النقطة، لكن سنقول بخشونة إن ريفيين لا تعني علويين. وإن البنية الريفية لعضوية حزب البعث تنحدر من ثلاثة مناطق في سورية هي الساحل وحوران ودير الزور أساسا، وإذا كان متحدرون من المنطقة الأولى انتزعوا قصب السبق لأنفسهم في الحزب ثم في السلطة فبفضل حضورهم القوي في المؤسسة العسكرية المتولد هو ذاته عن فقر ريف الساحل من ناحية وعن إلفة بالمؤسسة العسكرية تعود إلى أيام الانتداب الفرنسي من ناحية ثانية. انظر كمثال على تلك الحساسية كتاب محمد كامل الخطيب: وردة أم قنبلة: إعادة تكوين سورية، الطبعة الأولى، منشورات 0021، دمشق، 2006. بخاصة ص 19-22.
[2] باتريك سيل، الأسد والصراع على الشرق الأوسط، الطبعة الثامنة، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2002، ص ص 273-279.
[3] يذكر سيل، المصدر نفسه، أنه كان في سورية 55 مليونيرا عام 1963 فصاروا 2500 عام 1973. ص 517. ويضيف أنه قبل حرب تشرين كانت الحكومة والتجارة منفصلتين، لكن بعدها “أصبح من الصعب معرفة أين ينتهي مجال عمل الحكومة ويبدأ مجال العمل التجاري. فقد تداخل الشيئان بشكل متشابك، وأصبح من المستحيل عمليا عقد صفقات من أي حجم دون ارتباطات حكومية وحصص تعطى للموظفين”، الصفحة نفسها.
[4] من أجل تلخيص سريع لكن مفيد لمراحل تطور الاقتصاد والسياسة الاقتصادية السورية بعد عام 1970، انظر: التقرير الوطني الاستشرافي الأساسي الأول لمشروع سورية 2025، محور الاقتصاد والإنتاجية، مسح المسارات الاقتصادية الكلية وتحليل اتجاهاتها الأساسية في سورية (1970-2005)، المشاهد المستقبلية: المرجعية، الليبرالية، التنموية. والتقرير صادر هذا العام بالتعاون بين الحكومة السورية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ومعده الرئيس هو الباحث السوري محمد جمال باروت. .
[5] يسوغ عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، سياسة الإصلاح الاقتصادي بأنها جنبت سورية النتائج الكارثية لارتفاع أسعار النفط. الدردري يغازل العمال: لن نتآمر عليكم في السر ولا في العلن، بل سنزيد رواتبكم، كلنا شركاء، 15/4/2008. وقالت هبة صالح من الفايننشال تايمز إن “سورية أجبرت على تحرير جوانب من اقتصادها للتعويض عن عائدات النفط التي تتدهور بمعدل 10% سنويا”. Heba Saleh: Syria sees benefits of liberalization, Financial times, 18/6/2008. وفي سياق آخر قال الدردري: “لو لم نقم بالإصلاحات الاقتصادية خلال السنوات السبع الماضية لكنا اليوم غير قادرين على فتح مدارس وجامعات ومشاف بكل بساطة”، ولبلغت قيمة الدولار 150 ليرة سورية وانعدم احتياطي البلاد من النقد الأجنبي عام 2010”. الثورة، 22/5/2007.
[6] حسب عبارة السيد عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وفقا لما نقلته عنه سعاد جروس في جريدة الشرق الأوسط، 19/9/2008.
[7] ذكر تامر قرقوط في صحيفة النور أن 200 ألف سلعة قد حرر الاتجار بها منذ آب 2006. قرقوط: تحرير التجارة الخارجية تم بقرار: الاقتصاد السوري على طريق التحول إلى اقتصاد استهلاكي وخدمي، النور 28/5/2008.
[8] عوضت السلطات برفع رواتب العاملين في الدولة بنسبة 25% وببيع ألف لتر من المازوت سنويا لكل أسرة بأسعار مدعومة. وكان الدردري قال إن كلفة الدعم السنوية تصل إلى 200 مليار ليرة سورية، تعادل 12% من الناتج الوطني الإجمالي. وارد في مقالة لحسان الشامي بعنوان ثمار الإصلاح نضجت، كلنا شركاء، 3/4/2007.
[9] نسبت وكالة آكي الإيطالية للأنباء إلى “الحكومة السورية” قولها إنها “لن تبيع القطاع العام الاقتصادي والخدمي، وإنما ستقوم بمنحه لمستثمرين لفترات زمنية محددة، مع إفساح المجال للقطاع الخاص للتوسع والدخول في مجالات كانت محتكرة من قبل القطاع العام”، وكالة آكي: سورية تشرع بتخصيص القطاع الخدمي وتبدأ بقطاع الكهرباء، 18/7/2008. وقال تيسير الرداوي رئيس هيئة تخطيط الدولة التابعة لمجلس الوزراء إن هناك قطاعا عاما هامشيا [ يشكل] عبئا يجب تصفيته بشجاعة.
[10] فراس حداد: مؤشرات اقتصادية متفائلة لعام 2007، سورية الغد، 28/4/2008.
[11] يسوغ الدردري اقتصار الدولة على توظيف بين 40 و50 ألفا من الداخلين إلى سوق العمل سنويا ووجوب استخدام الباقين من قبل القطاع الخاص بقوله إن هذا طبيعي، فالقطاع الخاص ينتج 80% (غير النفطي على الأرجح) من الناتج المحلي الإجمالي. الثورة، 22/5/2007.
[12] داود ألماني: عطري: أقولها بصراحة…لم ولن نتحمل تثبيت 200 ألف عامل مؤقت…، سيرياستبس، 8/7/2008. وينسب الصحفي نفسه إلى رئيس الوزراء قوله: نعمل على تعزيز شركات القطاع العام وتقويتها، لكن أكثريتها لا فائدة منها بل خاسرة. سيرياستبس 6/4/2008.
[13] هي ريم علاف، الباحثة في معهد تشاتهام هاوس البريطاني، انظر: Deborah Amos: Once Socialist Damascus Display New Wealth Glitz, NPR, February 5, 2008.
[14] يراجع فراس محمد علي: أحزمة البؤس حول دمشق، كلنا شركاء، 20/9/2008.
[15] الحياة، الدردري للحياة: على سورية تحرير اقتصادها، 8/3/2008. والأرقام هنا مختلفة. فهي 12,5% عام 2004 و8,1% عام 2007.
[16]
[17] 14% للذكور و26% للإناث فوق 15 عاما. تشرين، 30/7/2007.
[18] لكن الدردري يقول إن نسبة المواطنين تحت خط الفقر الأدنى انخفضت إلى 10,5% عام 2007 بعد أن كانت 11,4 % عام 2004. البيان الأماراتية، 2/2/2007.
[19] تقرير أحمد كامل سليمان: 40% من اقتصادنا يعمل في الظل والحاجة ملحة لتنظيمه، سانا، 6/7/2008. وكان تدولت أنباء عن استعانة الحكومة السورية بالخبير الاقتصادي هرناندو دو سوتو لتنظيم القطاع غير المنظم بتمويل من الاتحاد الأوربي. جوني عبو: وكالة الأنباء الألمانية، 16/9/2008. ويبدو أن تقريرا صادرا عن اتحاد العمال يقدر “اقتصاد الظل” أو “الاقتصاد غير الرسمي” بين 40 و50% من الاقتصاد السوري، سيرياسبتس، 21/6/2008. ويبدو أنه يشغل 42% من قوة العمل السورية.هزاع عساف: الثلاثاء الاقتصادية تناقش البطالة… الثورة، 10/4/2008.
[20] انظر المقالة الممتازة لعبد الحي سيد: المجتمع وحالة الاستثناء، السفير، 29/9/2008.
[21] انظر مقالة لكاتب هذه السطور بعنوان: في مفهوم خط الفقر السياسي، الحياة، 5/12/2004. وكذلك مقالتي الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وكحدٍّ له، الحياة، 27/1/2008.
[22] يرجح تقرير The economist intelligence unit, outlook for 2008-2009 أن نسبة النمو كانت بالأحرى 4,3%، ويورد أن مصرف النقد الدولي يقدرها بما لا يتجاوز 3,9% ، ويقدر معدل التضخم في 2008 بنحو 16,8%، لكنه يتوقع أن ينخفض إلى 10,2% عام 2009. أما الإسكوا فتقدر معدل النمو 2007 ب4,5%، وتتنبأ بانخفاضه عام 2008 إلى 4,3%. داود ألماني، سيرياستبس، 10/4/2008.
[23] قال السيد الدردري إن حجم الصادرات الصناعية السورية بلغ اكثر من 6 مليار دولار عام 2007. سانا، 15/5/2008. ونسبت إليه في جريدة الحياة (1/8/2007) قوله إن حجم الصادرات عام 2006 بلغ 10,7 مليار دولار، 40% منها فقط للنفط. بيد أن هناك مشكلة معرفية وسياسية حول الأرقام في سورية. من أجل مقاربة متشككة للأرقام التي تستخدم سلاحا للدفاع عن السياسات الاقتصادية المتبعة، انظر مطانيوس حبيب: ارقام ملتبسة وتساؤلات بريئة، كلنا شركاء، 19/11/2008.
[24] قال الدردري إنه يبلغ 20 مليار دولار عام 2007. البيان الأماراتية، 2/2/2008.
[25] يرى الدردري أن البطالة انخفضت من 12,5% إلى 8,1% بين 2004 و2007. ابراهيم حميدي: هل تتآكل الطبقة الوسطى؟.. الحياة، 1/3/2008. وكذلك الحياة 8/3/2008 حيث يصرح الدردري لمراسل الجريدة في دمشق أن “على سورية تحرير اقتصادها”.
[26] تقدر المصادر الرسمية التضخم بنحو 5,5% هذا العام، لكن دراسات غير رسمية ترى اأن يبلغ 15%. Oxford business Group, Syria commited to reform, May 13, 2008. . غير أن إيهاب سمندر منسق مجموعة الاقتصاد الكلي في رئاسة الوزراء يرى أن التضخم ارتفع من 10% في 2006 إلى 14,25% في 2007. نور الدين الأعثر: التضخم يؤدي إلى تدهور المعيشة: متوسط الأجور [الشهرية] في سورية 120 دولارا.. معظمها ينفق على الغذاء” الحياة، 2/5/2008. لكن جريدة القبس الكويتية نسبت للدردري نفسه أن التضخم كان 10,6% عام 2006 وتدنى إلى 4,4% في 2007. القبس، 29/3/2008. أما نبيل سكر الاقتصادي الليبرالي السوري فقدر التضخم ب15% عام 2007 وليس ب6,7 %حسب الرقم الحكومي! الأسواق. نت، دبي، 11/3/2008. ويقول سكر أيضا “إن أغلب الاقتصاديين يتحدثون عن بلوغ البطالة 20%”.
[27] ويضيف إن سلة السلع المستهلكة ارتفعت من 250 إلى 750 سلعة. ولا نرى أيا من هذين برهانا مقنعا على توسع الطبقة الوسطى. كلامه ورد في ابراهيم حميدي: هل تتآكل الطبقة الوسطى؟.. مصدر سبق ذكره.
[28] الحياة، 8/3/2008.
[29] نور الدين الأعثر: الانفتاح في سورية يعمق الهوة بين الأسعار والأجور، الحياة، 18/2/2008
[30] سورية: نحو حملة جديدة على الفساد وتقارير دورية عن مستواه واستمارة تحدد ملكيات المسؤولين، ابراهيم حميدي، الحياة، 23/06/08. وكذلك زياد حيدر: ألف مرسوم في أربع سنوات، سورية تصلح اقتصادها لتستقطب الاستثمارات؟، السفير، 14/6/2008.
[31] فادي مطلق: التهرب الضريبي 200 مليار يشكل 40% من حجم الموازنة العامة، “الوطن” السورية، 22/8/2008. كذلك نقل موقع سيرياستبس أن اتحاد العمل يشعر بالصدمة بسبب تصريحات لناجي العطري رئيس الوزراء يعلن فيها “عدم وجود نية لدى الحكومة من أجل تثبيت العمال المؤقتين في الدولة”. وكذلك عرضه “الشركات الخاسرة في القطاع العام الصناعي للاستثمار، وذلك في ملتقى الاستثمار السياحي، هذا بدلا من أن تتخذ الحكومة “أية خطوة جدية لإصلاح شركات القطاع العام من جهة توفير السيولة اللازمة لاستبدال وتجديد آلياته وآلاته أو لتأمين المواد الأولية ليعطى معاملة أو حل المشاكل الإنتاجية والتسويقية التي يعاني منها”، هذا فضلا عن امتناع الحكومة عن إصدار أي قرار بشأن “التأمين الصحي والرعاية الصحية للعاملين في القطاع العام”، سيرياستبس: سببها الصدمة من تصريحات رئيس الوزراء: اتحاد العمال يصعد لهجة خطابه ضد الحكومة، 12/7/2008.
[32] بوادر حرد بين الحكومة واتحاد المال.. والبداية بانقطاع الكتب والمراسلات، سيرياستبس، 28/3/2008.
[33] في تصريح نادر من حيث معناه أثنى محمد سعيد بخيتان، الأمين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم، على منظمتي اتحاد الفلاحين واتحاد المال ووصفهما بأنهما “منتجتين”، قبل ؟أن يمضي إلى حد القول إن “اقتصاد السوق الاجتماعي غير مقدس إذا كان لا يخدم مصالح شعبنا وأمتنا”، وأكد أن القيادة تعمل على “حماية الفلاحين والعمال وصغار الكسبة”، وهذا خطاب محافظ و”حافظي” إن صح التعبير، يندر أن يسمع مثله حاليا. الثورة، 7/4/2008. ويبدو أن أسامة عدي عضو القيادة القطرية لحزب ابعث ورئيس مكتب العمال والفلاحين القطري يشارك بخيتان تحفظه على “الفريق الاقتصادي” ورئيسه الدردري. انظر داود ألماني: رد على عبدالله الدردري دون أن يسميه، أسامة عدي: من في الحكومة لا يستطيعون الخروج على القرار السياسي بشأن القطاع العام، سيرياستبس، 30/3/2008.
[34] نسبت مجلة “نضال الفلاحين” في آب 2008 إلى السيد الدردري الذي ينال ثقة ودعم رئيس الجمهورية قوله في مدينة السويداء: “إن سياستنا الاقتصادية تعتمد اقتصاد السوق، ولا يوجد اقتصاد اجتماعي، إنني أتبنى هذه السياسة وأنا مسؤول عنها.. لقد أتوا بكلمة اجتماعي وهي إضافة لا لزوم لها”. ويبدو أن الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري، حنين نمر، يحتج على التصريح نفسه: انظر: الشيوعي السوري في اجتماع مركزيته: هل النائب الاقتصادي مفوض بتغيير توجه البلاد؟ النور، 20/8/2008.
[35] راما نجمة وموريس عايق في حوار مع الدردري بعنوان لا إصلاح بدون آلام، مجلة المجتمع الاقتصادي، شباط، 2007.
[36] استندت إلى هذا التفكير تقارير التنمية الإنسانية العربية، وبخاصة أولها الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 2002، ولعل مرجعيته تعود على الاقتصادي الهندي الأصل أمارتيا سن في كتابه التنمية حرية، ت: شوقي جلال، عالم المعرفة، الكويت، 2004.
[37] الدكتور إلياس نجمة: الاقتصاد السوري بين سندان البيروقراطية الجامدة ومطرقة الليبرالية الجامحة، جريدة المحرر، 17-23/ تموز 2004.
[38] يرى صافي شجاع مدير المركز الاقتصادي السوري أن 70% من الناتج الوطني الإجمالي في سورية يذهب إلى 30% من السوريين. Oxford business Group, Syria commited to reform, , May 13, 2008 . بالمقابل لا تكفي أجور 70% من موظفي القطاع العام للإنفاق على متطلبات المعيشة. نور الدين الأعثر: سورية: غالبية موظفي القطاع العام لا لاتكفيها الأجور ورفع الدعم عن الرغيف والمحروقات يثير بلبلة، الحياة، 10/5/2008. أما قدري جميل وهو زعيم تنظيم شيوعي نصف مستقل فيشخص خللا مستعصيا بين الأجور والأرباح: 75% ارباح و25% اجور من الدخل الوطني حسب تقديراته: قدري جميل: السائد في بلادنا هو اقتصاد السوق المشوه، كلنا شركاء، 23/4/2008. وترى شذا الجندي مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية أن الشريحة الأفقر (20%) من السوريين تصرف 7% من الإنفاق العام فيما تنفق الشريحة الأعلى 45% منه. سيريانيوز 11/4/2007. وفي مقال له يورد نبيل مرزوق، الاقتصادي الشيوعي، أن العشر الأفقر من السكان أنفق 3% من إجمالي الإنفاق، فيما صرف العشر الأغنى 30% في عام 2004. د. نبيل مرزوق: وجهة نظر في السياسات الاقتصادية الليبرالية، كلنا شركاء، 7/1/2007.
[39] دشن مشروعان سياحيان بقيمة 380 مليون دولار أميركي باسم تلال الياسمين في يعفور قرب دمشق وتشرف عليه شركة بالميرا للتطوير العقاري السورية الإماراتية، وابن هانئ شمال اللاذقية الذي تتعهده شركة الديار القطرية. وقد رأى رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري أن “وجه سورية سيتغير حتى 2010 نتيجة الاستثمارات السياحية الكبيرة التي تشهدها حاليا”، اما فراس طلاس، ابن وزير الدفاع السابق والمدير التنفيذي لمشروع تلال الياسمين، فقال إن “المشروع يستهدف في الدرجة الأولى جيل الشباب من ذوي الدخل العالي الذين ينشدون الراحة والأمان خارج مدينة دمشق”. نور الدين الأعثر، الحياة، 24/3/2008.
[40] تامر قرقوط: 8% من عمال (العام الصناعي) مرضى ومعاقون، صحيفة النور (ناطقة باسم أحد تنظيمين شيوعيين في “الجبهة الوطنية التقدمية”)، 10/9/2008.
[41] لكن تقريرا عن الفقر في سورية بالتعاون مع الأمم المتحدة يظهر أن 11,4% من لسكان، أي نحو مليونين عام 2004 لا تكفيهم دخولهم للحصول على الحاجات الأساسية، بينما وضع التقرير 5,3 مليون شخص تحت خط الفقر الأعلى (ما يلزم للمعيشة والسكن)، أي نحو 30% من السكان. انظر: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: الفقر في سورية 1996-2004، حزيران 2005. والأرجح أن الحال ساء أكثر بتأثير التحرير الاقتصادي الذي يزيد عادة الأغنياء غنى والفقراء فقرا.
خاص – صفحات سورية –