المغنية السورية سهير شقير: سماسرة الفن سبب هبوط مستواه والإعلام يتوجه لجماهير الغوغاء!
حسين الطود
دبي ـ ‘القدس العربي’ صوتها نادر، غناؤها متفرد، ظهورها قليل، هي المطربة السورية سهير شقير، التي أرتبط اسمها بالمهرجانات لأنها المكان الوحيد الذي يحمل المناخ المناسب لما تقدمه من غناءٍ راقٍ. في غنائها تدافع عن حالة ثقافية، لهذا لم يتوجه إليها سماسرة الفن، وهي التي اعتبرتهم سبب الهبوط بمستواه. تغني من داخل روحها لتحاكي الوجدان ولترقى بالكلمة. من أجل ذلك، اختارت الغناء الصعب. في حوارها التالي مع ‘القدس العربي’ تحدثت سهير عن أن أسباب عدم انتشارها كما يليق بصوتها وغنائها، وتكلمت أيضاً عن تجربتها مع أخوها سميح شقير.
صوتك نادر، لماذا تواجدك في الساحة الفنية نادر أيضاً؟
ارتبط وجودي دائما بالمهرجانات، لأنني بحاجة إلى مكان يحمل المناخ الذي أقدمه، والذي يناسب طبيعة غنائي بسبب الجماهيرية الكبيرة التي تتلقى شيئاً جديداً. يُفترَض أن يكون بعد ذلك السعي إلى الانتشار أكثر، لكن هذا ما لم يحدث في معظم الأحوال لأكثر من سبب.
بصراحة، ممن التقصير المنتجين أو الملحنين أو منك أنت؟
دعنا لا نقول أن هناك تقصيراً، بل هناك ذائقة فنية متواجدة بقوة وهي الحس الفني للمتلقي. الذي يُصَعّب الأمر هم سماسرة الفن الذين جعلوا للغناء قانوناً، يضعون الفن من خلاله في قوالب لا تتناسب أبداً معي أو مع غيري ممن يقدمون هذا النوع من الغناء. هذه القوالب تجعلنا نغرد خارج السرب، لهذا لا تتوجه إلينا أنظار الإعلام كما يجب، لأنه يتوجه للشكل السائد والغوغاء الجماهيرية. بالإضافة إلى أن المنتجين يهدفون إلى الربح المادي ومن الصعب الحصول على جماهيرية عالية من الشكل الغنائي الذي أقدمه. السماسرة يحددون هذه الذائقة الفنية ويهبطون ولا يرتقون بها وبالفن. أنا لا أقول في نفس الوقت أن كل الموجودين من التافهين والسطحيين. كما أنه من الضروري أن يكون هناك الأبيض، والأسود، والرمادي وكل الألوان ليظهر المتميز.
هل يمكن القول أن هذا النوع من الغناء لا يستهوي الجمهور؟
الجمهور يُلقن خطأ، وكما يُعطى يَأخُذ. الغناء الذي أقدمه كيفي. منذ بدايتي مع أخي سميح شقير، صاحب الفن المتزن والموجه والهادئ والذي أصبح رمزاً لهذا الشباب، وأنا أرى أن ما أقدمه هو شكل ثقافي. نحن ندافع عن حالة ثقافية راقية، ترقى بالكلمة، والحس، والمزاج الغنائي، وكيفية توظيف التطريب في الغناء. كما يوجد أيضاً مغنيات جميلات يغنّين بطريقة جميلة، وساحرة، وشفافة، وعذبة، لكنهن لا يقتربن من هذا النوع من الغناء، بالرغم من أنه يجب أن يكون موجوداً لأن الساحة الفنية تفتقد لهذا النوع. غنائي يشبهني من الداخل، أنا في الحياة لا أتعامل أبداً بشكل سطحي مع الأشخاص، وأي يشخص يقترب من دائرتي يكون ذلك بشكل حقيقي في التعامل، وبشفافية عالية، وهكذا شكل غنائي. لا يمكن أن أغني من الخارج، أو ان أكون استعراضية. لهذا غنائي يخرج من داخل روحي.
لقد أجبتني على جزء من السؤال الذي كنت أريد أن أطرحه و هو لماذا اخترت هذا النوع من الغناء؟
لأنه يشبهني، أنا حسية وأتأثر كثيراً بكل ما يحصل حولي، لهذا أتألم. حالة الألم في غنائي نابعة من كل شيء أراه مؤلماً لأن غنائي يخرج من الداخل كما سبق وذكرت. هو غناء فيه تحد، لأن تربية صوتي بدأت مع الغناء الصعب. كنت أسمع دائما لأسمهان، وأسرني الغناء الصعب. أسَرَتني الجملة الصعبة والمعقدة والتي تحتوي على وجدان عال، فصرت لا أتوجه بسماعي إلا لهذا النوع من الغناء. بدون شك، لسميح مساهمة في كل هذه المرحلة حيث كان يصقل هذا الشكل الصعب الذي يحاكي الوجدان من الداخل.
هل يمكن أن نقول أيضاً أن هناك أزمة ملحنين يجدون صعوبة في تلحين هذا النوع من الغناء؟
بدون شك، أحد أصدقائي، المتحمسين لصوتي، كان موجوداً مع مجموعة من الموسيقيين، أسمعهم بعض المقاطع من غنائي مما ترك فيهم أثرا، عندها سألوه ماذا أفعل، قال لهم أن هناك أزمة ملحنين، فأجابه أحدهم ‘صوتها أكبر منا وإذا لحنا لها سيكشفنا’. لكنني ألان لست يائسة، لأنني مررت في هذه الفترة من قبل وهضمتها. أنا ألان متصالحة مع هذا الوضع. عندما أشارك في المهرجانات، يكون هناك رد فعل جميل يرضيني ويعطيني حقي المعنوي بالاعتراف بهذه الخصوصية للصوت.
هل يمكننا أن نقول أن هناك قلة حظ؟
دعنا لا ندخل بقصة الحظوظ كثيراً لأننا سندخل بمزاج آخر.
لماذا هذا النوع من المغنيات مثلك ومثل مشلين خليفة وأميمة الخليل لا يستمر؟
أعتقد أن مشلين بدأت الغناء أو بدأت تظهر وهي في سن الأربعين. في مرحلة معينة من العمر، الصوت لا يساعد صاحبه. أنا أيضاً لست صغيرة، لكن ربما لأنني بدأت الغناء وأنا صغيرة ومازلت أمرن صوتي، استطعت الحفاظ عليه. هناك مرحلة يُجهَد فيها الصوت بدون شك. أنا أظن أنه مازال أمامي عشر سنوات لأغني بشكل جيد قبل أن تقل مرونة الصوت بسبب تصلب الحبال الصوتية. بالنسبة لأميمة، وجودها مع مارسيل أعطاها بقدر ما حَجَّمها، بقيت مكانها لأنها ارتبطت به حتى عندما حاولت أن تغني منفردة. أنا أيضاً مررت في حالة الانضواء مع سميح، لكنني استعذبت هذا الانضواء لأنه عبّر عني وعن روحي ومشاعري، كما أنه أعطاني ألحانا أحبها ولطالما اعتبرتها كبناتي. أنا وسميح الآن أمام مشروع لتشكيل تفرد عن هذه التجربة، يعني أنا سأنفرد قليلاً عن تجربته لكن بنفس الروح. خلال الشهور الستة القادمة ستظهر لنا أول مجموعة غنائية جديدة.
كان هناك مشروع تعاون مع فنان نمساوي لتشكيل ‘فرقة سيمفونية عربية’ أين أصبح؟
صحيح، الفنان النمساوي أتى إلى الإمارات وبدأنا في المشروع. قدمنا أكثر من عرض مهم في دبي. لكن الفنان تعرض لنكبات مادية حيث عجز عن تأمين التمويل من النمسا، مما أدى إلى توقف المشروع.
مع من تعاملت من الملحنين من غير سميح؟
تعاملت فقط مع سميح.
لماذا كنت دائماً مع سميح؟
كانت نقطة عليه لأنه يلحن كل أغانيه، وله لأنه يقدر أن يعبر أكثر عن ما يريد، وإيصال أغنيته بلحنه وكلماته. نفس الشيء ينطبق علي.
لماذا تركت العمل معه لفترة طويلة؟
أبداً، أنا فقط أتيت إلى دبي منذ ست سنــــوات وهـــذا ما منعني من التواجد في كل حفلاته. لكن عندما تسمح الظروف للتواجد في نفس المكان، لا أتردد في الذهاب إليه.
لماذا أتيت إلى دبي طالما كنتما ناجحين كثنائي؟
بالنسبة لي، العمل الموسيقي ليس مشروعي الحياتي، لدي عمل أكسب منه. أنا إعلامية، توجهت إلى الإعلام منذ فترة طويلة. بدأت كمذيعة، ثم معدة برامج، ثم مذيعة إخبارية، ثم معدة تلفزيونية، والآن أنا منتجة في تلفزيون أبو ظبي.
لماذا توجهت إلى حقل آخر طالما لديك الصوت الجميل؟
أنا لم أحترف الغناء لكل الأسباب التي ذكرتها سابقاً. أنا أغني عندما أريد أن أغني.
لكن عندما يمتلك الإنسان صوتا رائعا لا يصبح ملكه وحده؟
صحيح، لكن أنا أصر على أن لا أطلق صوتي إلا كما يليق. لا أستطيع أن أضعه في غير مكانه.
ما هو شعورك عندما ترين كل ‘ما هب ودب’ يغني؟
أضحك من كل قلبي، لكن وجودهم ضروري في الوسط الفني.
البعض يعتبر أن الفن المحسوب على اليسار يهمش دائماً، ما تعليقك؟
قد يكون هذا صحيح، لكني لم ألمسه بشكل مباشر أو ربما أنا حسنة النية كثيراً.
اتجهت إلى الإعداد ثم إلى الإنتاج، يعني بعيدة عن الأضواء، لماذا؟
يبدو أنني في طبعي لست شخصية استعراضية. أنا لا أحب أن أكون تحت الأضواء وهذا ليس هدفي. أول ما دخلت مجال الإعلام، كنت مذيعة في إذاعة رأس الخيمة، أحببت هذا العمل كثيراً، وأحببت التعامل مع الناس من وراء الميكرفون، لأن لعبتي هي لعبة الصوت. أنا أتلقى صوتاً وأطلق صوتاً، هذا الشيء كان يتوافق مع مزاجي العام. أيضا، أحسست أن لي فسحة لإعطاء السمة الثقافية على البرامج التي كنت أقدمها مما أسعدني أكثر، فأخلصت لها كثيراً وأصبح الإعلام مهنتي التي أستطيع أن أقول من خلالها ما أريد.
عندك هدهدات للأطفال، لماذا اخترت هذا التوجه ؟
أنا أم، لهذا غنيت كثيراً لابنتي، هذا النوع من الغناء يتوافق مع شرقنا الحزين. أنا أخذت كثيراً من هذا الشرق.
لماذا تعتبرينه حزين؟
هناك شيء في روحنا لا يمكننا إزالته، لا أعرف لماذا، لكنه متأصل وعميق في أرواحنا.
ما السبب برأيك؟
أرجعه إلى التاريخ.
لكن هناك أمجاد في الشرق، وليس كله حزين.
فعلياً، ارتبط الشرق ‘بالشرق الحزين’، كلمتان توأمان نحن نبالغ في مشاعرنا؛ إذا حزنا نحزن كثيراً، وإذا فرحنا نفرح زيادة عن اللازم، وإذا غضــبنا نصبح عنيفين. هدهدات الأطفال كانت ضمن مشروع بيني وبين شاعر إماراتي معروف هو الدكتور محمد السويدي. هو حالة ثقافية متميزة في الإمارات، كان عنده رغبة بإنشاء موقع إلكتروني لهدهدات الأطفال من كل أرجاء الوطن العربي.
بالتالي، كان يحاول أن يلتقي بأصوات لتعبر عن هذه الهدهدات. أنا كنت أغني في أكثر من مكان ومحافظة في سورية، لهذا غنيت بأكثر من لون. أحببت هذا العمل كثيراً، لكن إذا سمعته ستلمس الحزن العميق الذي كنا نرضعه من أمهاتنا مع الحليب. فالأم عندما كانت تهدهد لولدها كانت تنوح في معظم الأحيان.
ما الكلمة التي تودين أن تقوليها عن تجربتك أنت وسميح في نهاية هذا الحوار؟
أتمنى أن ينصف الزمن تجربتنا لأنها غير مُنصَفةَ. كان دائما الرهان على أيام قادمة بأن تكون أكثر جمالا. لا أريد أن أقول أن هناك رهان على حصان خاسر، لكن هناك أمل جميل. فكما يقول سميح في كلمات لأحدى أغانيه الجميلة ‘لوما الأمل شو بتنكسر لرواح’ فلولا الأمل لانكسرت أرواحنا منذ زمن.