سؤال إسرائيلي
ساطع نور الدين
لعلها المرة الأولى التي تبدو فيها إسرائيل دولة غريبة، معزولة، تسير عكس التيار الأميركي والغربي الذي ينشد الانفتاح «والانخراط» مع العالمين العربي والإسلامي، وتضع نفسها في حالة حرب تنتمي الى حقبة الرئيس جورج بوش التي هزت العالم طوال ثماني سنوات دامية، وكان نصيب لبنان منها حرب تموز العام 2006 المدمرة.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو هي أشبه بحركة انفصالية، أو بالأحرى حركة تمرد على ذلك النهج الذي تبنته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، واعتمدته بقية الدول الغربية، ويقضي بإنهاء الحروب الصليبية على عموم العرب والمسلمين ردا على هجمات 11 ايلول 2001 ، وإطلاق ما يمكن أن يسمى بالحروب الذكية على المتطرفين العرب والمسلمين، من دون أي ادعاءات أو أكاذيب سياسية مثل نشر الديموقراطية والإصلاح والتغيير.
الصدام حتمي بين تلك الحكومة الإسرائيلية وأميركا والغرب، برغم أن نتنياهو التقط الإشارات الأميركية والأوروبية وركز في خطابه أمام الكنيست لدى طلب الثقة بتشكيلته الوزارية الجديدة على خطر الإسلام الراديكالي وعلى السلاح النووي الذي يمكن أن يكتسبه نظام متطرف مثل النظام الايراني، وأعلن بذلك رغبته في الاندماج في الحرب الذكية المقبلة على التطرف الإسلامي.. أملا أن يحصل على هامش واسع في حركته تجاه الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين.
لكن هذه النوايا الحسنة التي أبداها نتنياهو في خطابه الأول، لا تلغي حقيقة أن إسرائيل كانت ولا تزال تلح على الأميركيين، منذ أن قرروا شن الحملة العسكرية الأوسع على العالمين العربي والإسلامي، لكي يحددوا موقعها ووظيفتها التي اقتصرت في الأعوام الثمانية الماضية على تنفيذ التعليمات الأميركية المباشرة بتصفية السلطة الفلسطينية ومحاولة إنهاء حزب الله وحماس باعتبارهما ذراعين لمشروع إيراني متقدم يتحدى أميركا ويطالبها بالاعتراف بإيران كقوة إقليمية كبرى.
كانت إسرائيل في السنوات الماضية آلة عسكرية كلّفها بوش بخوض المعارك على الجبهات الخلفية الأميركية التي باتت إدارة أوباما تميل الى إقفالها، والشروع في حوار يبحث عن شركاء مفترضين في الحرب الذكية على التطرف الإسلامي.. الذي كان المشروع الإسرائيلي بالتحديد أحد أهم مصادره أو أسباب ظهوره، كما كان أحد أهم مبررات إطلاق النظرية الأميركية القائلة بأن الدولة العبرية ستكون عبئا على أميركا وخطتها لإعادة تشكيل العالمين العربي والإسلامي وتنظيم علاقاتها معهما.
هي لحظة مراجعة أميركية ايضا للعلاقة مع إسرائيل، لا تقتصر على الإعلان الصادر عن البيت الأبيض امس عن أن إدارة أوباما تنوي سؤال نتنياهو قريبا عن موقفه من السلام ومشروع الدولتين، بل تشمل الرد على السؤال الإسرائيلي الضاغط عن دور الدولة العبرية في الحملة الاميركية المتجددة على العالمين العربي والاسلامي، وهل تقتضي تلك الحملة استئناف تدمير المجتمع الفلسطيني، أو استكشاف فرص السلام مع سوريا، وما يتطلبه ذلك من ضغوط سياسية وغير سياسية على لبنان؟
الرد الأميركي على هذا السؤال الاسرائيلي الذي تطرحه حكومة نتنياهو اليمينية الجديدة، سيرسم معالم الطريق الفلسطيني واللبناني والسوري للسنوات الأربع المقبلة.