الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

العرب والبرنامج النووي الإيراني

null
عبدالاله بلقزيز
حين نجحت باكستان في إنجاز برنامجها النووي، في ظروف دولية مواتية، وُجد هناك مَن قال إن المسلمين باتوا شريكاً في نادي الدول النووية، وبات دارجاً على ألسنة كثيرين عبارة “القنبلة النووية الإسلامية” كناية عن القنبلة الباكستانية! لم يتوقف أحد من اللاهجين بالعبارة اياها ليسأل نفسه إن كان المسلمون ـ دولاً وشعوباً ـ أنابوا باكستان عنهم لتصنع لهم درعهم النووي، أو إن كان أحد من المسلمين يرتضي أن تتحول باكستان إلى ناطق رسمي باسم العالم الإسلامي. وقطعاً لم يتساءل إن كان المسلمون مسلّمين بحق باكستان في أن تستعمل سلاحها النووي باسمهم جميعاً ضد الهند (وهي في أساس إقدام إسلام اباد حينها على إطلاق برنامجها النووي)، كما لم يتساءل عن مدى وجاهة نسبة ذلك السلاح إلى الملّة لا إلى الأمة (الباكستانية)، أو عن مدى اتصال عقيدة ذلك السلاح بقضية المسلمين الرئيسة (فلسطين) في وقت لا تكاد فيه باكستان تبدي اهتماماً بأمرها في سياساتها العليا المتعلقة بالأمن القومي.
تتكرر السابقة عينها بمناسبة الجدل الراهن اليوم حول البرنامج النووي الايراني. ثمة مَن يندفع إلى القول إن نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم وفي حيازة القدرة النووية ليس مكسباً استراتيجياً لإيران فحسب، بل للمسلمين عموماً: دولاً ومجتمعات، لأن ذلك سيوفر لهم درعاً أمنية استراتيجية في مواجهة ما يتهدد كياناتهم من أخطار عسكرية من مصادر مختلفة. وعليه، ينتهي القائل بهذا إلى الاستنتاج ان من مصلحة دول العالم الإسلامي ومجتمعاته ـ ومنها الوطن العربي ـ ان تساند إيران في مسعاها إلى استكمال برنامجها النووي، وفي مواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية عليها وقد بلغت عتبة مباشرتها إجراءات نقل لملف هذا البرنامج إلى مجلس الأمن.
فأما ان حيازة ايران قدرة نووية مكسب استراتيجي لها، فذلك مما ليس يقبل جدلاً. إذ الحيازة تلك ستكون طريق ايران نحو طفرة في برامج التنمية الاقتصادية والعلمية لديها، ونحو درع أمنية فعالة يقيها أخطار أي هجوم عسكري يستهدفها. وأما أن تكون (الحيازة تلك) مكسباً للمسلمين والعرب، فمسألة فيها نظر حتى لا نقول شيئاً آخر. وعلى الذين يعتقدون ذلك، أن يتمسكوا بالقليل من الرِّسْل والتريث قبل أن يندفعوا إلى ارتجال استنتاجات لا قرينة مادية عليها في الواقع. وعليهم، في الأثناء، أن يديروا أسئلة في رؤوسهم يقلبونها على وجوه الاحتمال كافة ـ مستعينين في ذلك بمقدمات العقل وخبرة التجربة الايرانية ـ قبل ان يضعوا على ألسنتهم اجوبة يقينية. واول ما عليهم أن يسألوا أنفسهم عنه هو “مفهوم إيران”، هل ايران دولة ذات مصالح أم رسالة ايديولوجية في عالم المسلمين المعاصر؟ وهل هي دولة قومية لأمة هي الامة الايرانية أم خلافة (إمامة) إسلامية تخطط لكل جغرافيا المسلمين وتدير امورهم وترعى مصالحهم؟!
إن النظر إلى إيران خارج محدداتها الطبيعية: الكيانية والقومية والجيو ـ سياسية، ليس يفضي إلى غير إنتاج فكرة ايديولوجية عنها غير مطابقة لشخصيتها وواقعها. قد تكون هذه الفكرة ثمرة وعي مخدوع بصورة نمطية عن ايران انطبعت في أذهان مَن تعاطفوا مع “الثورة الايرانية” (بعضهم على الأقل) وراهنوا على أن تكون “الجمهورية الإسلامية” ذلك المثال الطوبوي للدولة الإسلامية الذي خاتل مخاييلهم. وقد تكون (الفكرة) ثمرة مشايعة مذهبية لايران من قِبَل كثيرين في العالمين العربي والإسلامي، أو نتيجة مصالح جماعات سياسية تجد في طهران مصدر دعم لها. وفي الأحوال كافة، يذهل أصحاب هذه النظرة المثالية الانتظارية عن حقيقة لا تقبل الإنكار: ان إيران دولة قومية في المقام الأول، وذات مصالح مرتبطة بكيانها، وهي في سبيل حفظ تلك المصالح وصونها لا تجد حرجاً في التعاون مع “الشيطان الأكبر” ضد خصومها من المسلمين (نظام طالبان في افغانستان، نظام “حزب البعث” في العراق)!
مَن يضمن للمدافعين عن البرنامج النووي الايراني أن عوائده وفوائده ستعود بركات على المسلمين كافة في أقطارهم جميعاً؟ هل عادت فوائد نفطها ـ مثلاً ـ على المسلمين بشيء يشجع على المماثلة والبناء على السابقة؟ ثم مَن يضمن لهم ان سلاح إيران النووي سيكون ـ إن قام واستوى ـ في خدمة الأمن القومي للبلدان العربية والإسلامية؟ بل مَن يضمن لهم ان هذا السلاح لن يكون غداً أداة ابتزاز ضد دول الجوار العربية؟
لسنا نشايع الحملة الأميركية ـ الأوروبية ضد برنامج ايران النووي لأنها (حملة) تنطوي على مبدأ غير أخلاقي: تسويغ حق امتلاك القدرة النووية لاميركا ودول أوروبا وروسيا و”إسرائيل” وإسقاطه ـ في نفس الوقت ـ عن أي دولة من العالم الثالث فكيف إذا كان شعبها مسلماً، وهو عينه المبدأ الذي قامت عليه الحرب وقام عليه الحصار ضد العراق. ومع تسليمنا بحق ايران ـ مبدئياً ـ في حيازة قدرة نووية للاستخدام السلمي، من حقنا ان نخشى على أمننا القومي العربي، وعلى امن دولنا في الخليج العربي خاصة، من حيازة ايران لتلك القدرة. ولنا ـ نحن العرب ـ اسبابنا التي تدعونا إلى تلك الخشية من دولة ما تزال تحسب الخليج “فارسياً”، وتحتل جزراً عربية بالقوة وترفض التسليم بحقوق الإمارات العربية المتحدة فيها، وتتدخل في العراق وترعى مشروعاً مذهبياً تقسيمياً فيه، والأهم من ذلك ان مصلحتنا اليوم تقضي بجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ومن يبرّر لإيران حق امتلاك سلاح نووي ينسى انه يضفي الشرعية على سلاح “إسرائيل” النووي الذي ترفضه شعوبنا ودولنا.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى