بين أهل الجنة ( الإسلام السياسي) وأهل النار!
فلورنس غزلان
سعى العالم ويسعى لحل قضايا الساعة الملحة ، أي الأزمة المالية العاصفة بالكون والتي تنذر بتراجع في الاقتصاد والانتاج وازدياد مرعب في نسبة العطالة عن العمل ، وجاء مؤتمر قمة العشرين في إطار تلافي مضاعفات الأزمة، والعمل على ايجاد الحلول لنتائجها ، ورغم أن تمثيل عالمنا العربي جاء ضعيفاً ، واكتفي بالسعودية باعتبارها الوزن المنتج للطاقة والمُصَدر الأكبرلها ، كما تملك السيولة النقدية الأهم في صُرة المال العالمية، فيما استبعدت مصر والمغرب كوزن اقتصادي عربي ، واقتصر تمثيل القارةالإفريقية برمتها على جنوب إفريقيا!، ماقصدته من هذه المقدمة القصيرة، أن العالم يحاول أن يخرج من الأزمة ويحاول أن يجد الحلول وأن يضع القوانين المُلزمة كي لا تتكرر المحنة، بينما نغط نحن في عالمنا المسمى بالعربي…في سبات التكفير والفتاوى وتقسيم الكون على أساس كافر ومؤمن،أو مع السلطة وضدها، ثم نتفتق عن طروحات لا علاقة لها بالحياة ولا بالواقع بقدر ما تتعلق بالموت والغيب والماضي.
تتناحر القوى السياسية و مالكة القرار القصف الكلامي والإعلامي والقمعي لمواطنها الذي تعتبره المُهدد الأول للتطور والمُعيق الأكبر للتقدم ــ حين يحشر أنفه بما ليس فيه ــ ، أي بالسياسة التي تعتبرها خاصة السلطة وأجهزتها فقط!. وترتبط هذه السلطة بسلطة أخر ى تُمَكنها من تثبيت أقدامها في كراسي الحكم، ألا وهي سلطة الدين ورجاله، والتي نعرف أنها على مر العصور وخاصة الحديثة منها ومنذ الاستقلال تقريباً، لم تتوانَ عن الوقوف إلى جانب الأنظمة الشمولية، لأن هذه الأخيرة حسمت أمرها معها من خلال القمع والزج بعناصرها الفاعلة وراء القضبان ، أو بقطع شرايينها وجذورها كليا من المجتمع، والابقاء عليها شكلا لا فعلا، ومع هذا نجد أن عمليات القمع هذه لم تفلح فقط في تجميد حراك الإسلام السياسي، بل أفلحت في تجنيده لحسابها بصور شتى ومن خلال خطاب ممانع تارة ومقاوم أخرى، ومن خلال حجج مقاومة الطامع الغربي المهدد لاستقلال ووحدة الأرض وعودة المسلوب منها ومقاومة خططه الجهنمية وأطماعه في خيراتنا وثرواتنا ــ إن بقي منها شيءــ بعد أن نهبتها أنظمة الاشتراكية والقومية العربية المنادية بالوحدة والحرية ولا عجب أن تلتقي هذه اليوم مع الإسلام السياسي تحت اسم التحرير واسم الثوابت الوطنية !، وكأنهم حماتها وحراسها! علماً أنهم وبقياداتهم خسرنا جُلها وكل حروبنا مع العدو قامت تحت إمرة هذه الأنظمة بالذات،هل يعني أن بقية الأحزاب التي وضعت خارج قوس القومية والأسلمة تبيع أو باعت الثوابت الوطنية؟ وهل يعني أن من يصرخون ويزعقون بأعلى أصواتهم وقوة حناجرهم ولا يملكون سواها للنضال، هم الحريصون والمحافظون على الثوابت ؟
أين كانت هذه القوى في حروب سابقة ومواقف متجمدة لم تبدِ حراكاً تجاه المتحرك على الأرض والمُهَدد للثوابت والمقاومة؟ في الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، ثم في حرب تموز على لبنان.. وإبان مذبحة جنين وحصار المقاطعة..الأمثلة عديدة ومازالت حية في ذاكرة المواطن.
كيف تلتقي بربكم نُظُم تتخذ من القوانين الوضعية والمدنية و بعضها يدعي العلمانية مع أحزاب تعتمد الاسلام هو الحل وهو طريق الاصلاح والخروج من مآزق اقتصادية وسياسية دنيوية؟
ثم كيف يلتقي من يُكفِر العالم ومن فيه من بوذيين وهندوس ومسيحيين مع من يعتمد قيم الحياة المدنية ويعتقد أن الاصلاح الاقتصادي يقوم من خلال تجارب الشعوب والاستفادة منها ، لهذا يستقدم وفود وخبراء من دول الغرب لتحلل وتضع الخطط للخروج من الأزمات الادارية والعجز الاقتصادي..كيف سيتقاسم هؤلاء كعكة الوطن المنخور والذي يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ وماهي الأسس التي سيلتقون عليها، وهم في أعماق قناعاتهم الأيديولوجية يكفر كلا منهم الآخر ويضعه في خانة الخَوَّان والخائن لله ثم للأوطان؟
بالنسبة للاسلام السياسي، فإن حامليه يعتبرون أن الخراب جاء منذ ابتعد الحكام عن اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر لكل التشريعات!، والأنظمة بكل صورها الممانعة والمعتدلة تتأرجح بين استمالة هؤلاء أو التضييق عليهم لكن أيضا دون إغلاق الباب دونهم ، فقد أثبتوا نجاعتهم داخل المجتمعات باعتمادهم الدين كستار والإسلام كغطاء إلهي بأبعاد سياسية وأطماع دنيوية، وكلاهما استخدم ممارسة التجهيل والتثقيف الخاطيء بإبعاد الشعب عن الانفتاح وحرية الاعتقاد وحرية التحزب وحرية التثقيف، فالصراع قام عبر السنين الماضية بين طرف الحكم والسلطة وطرف الأسلمة على غسل عقل المواطن ومسخ دوره واستغلال جهله لخدمة مصالحه السياسية وتجييشه وتسخيره في خدمة أتباع الدين أو أتباع آل الحكم والسلطة.
وبما أننا لا نعتمد الغموض والالتباس نطرح أمثلة حية وواقعية، ففي مصر وبعد أن قمعت كل حركات اليسار إبان حكم عبد الناصر ثم عهد السادات وحتى مبارك ، وعلى رغم معاناة وقمع حركة الأخوان في فترة ناصر، لكن عاد لها نشاطها ومُنحت كل التسهيلات لتتمدد وتنتشر في عهد السادات، والنتيجة أنه قُتل على أيدي الإسلاميين، ورغم مايُبديه مبارك من حذر تجاه حركات الأسلمة التي ضربت في أكثر من مكان واستخدمت اساليب العنف والإرهاب في أكثر من مرة وهددت وحدة البلاد وأمنها، لكن يظل الباب دائما مواربا معها وباتجاهها ويخشى من بطشها، حتى صار حزب الأخوان المسلمين يشكل أكبر قوة بوجه الحزب الحاكم وسلطته ــ نحن لا ندعو هنا ولا نحرض كما نرفض أساليب التضييق على أي حزب حتى لو اختلفنا معه بعمق ــ ، لكنا نعتبر أن كل حرمان ثقافي وكل تضييق سياسي وكل انعدام للحريات يصب على الدوام في صالح فئات الأسلمة وأطرافها، خاصة في مجتمعات كمجتمعاتنا لم تصلها يد التطور ولم تفتح أمامها أبواب الثقافة العالمية الواسعة ، بل حوصرت واعتمد لها سياسة تعليم فوقي وحشو دماغي يرى بعين واحدة غايتها السلطة وافقار الشعب ليحلو لها إخضاعه لسياسة شمولية استبدادية وهذه النوعية تلتقي مع الإسلام السياسي المعارض إيديولوجياً للديمقراطية، والشورى بالنسبة له تعني مشورة الطبقة المفضلة وليس العوام، والاختيار لا يقوم إلا على أساس ديني ولمن ينتمي للإسلام وذكوره بطبيعة الحال!..
وإن قبلت بعض الأحزاب الإسلامية بالديموقراطية، فهي مجرد ديمقراطية الأكثرية المسلمة على الأقليات الأخرى، وديمقراطية استراتيجية للوصول إلى مقاعد الحكم.
الوضع في سورية، كان أشد سوءاً ، خاصة في عهد حافظ الأسد، حيث تركت حبال الانتشار للإسلام السياسي، إلى أن استخدم القوة من أجل الإطاحة بالنظام، وكانت ردود فعل النظام أكثر بطشاً وعنفاً، ولم يقتصر الأمر عليهم بل امتدت شرارة القمع لتطال المجتمع بكل أطيافه وفئاته السياسية والمدنية، وتم كم الأفواه وعاشت سورية أحداثاً لا يمكننا إلا وضعها في إطار” جونوسيد” مقصود من أجل حماية السلطة كما حدث في حماة وسجن تدمر..وحتى اليوم لم تجرِ أية مراجعة لما حدث في الثمانينات ولم تجر أي محاسبة لمرتكبي الجرائم ولم يحصل ذوو المفقودين على حق أو عدالة…حتى الاعتذار لم يأت على لسان من ارتكبوا جرائم القتل، سواء الأخوان المسلمين أم النظام ، وصدر بحق الأخوان قانوناً يحمل الرقم 49 مازال ساري المفعول حتى اليوم، رغم ما أبداه الأخوان من مرونة وفتح لكل الأبواب على مصراعيها بإتجاه المصالحة مع النظام في أيامنا الأخيرة هذه، وكي لا نستبق الحوادث علينا الانتظار فربما تحمل لنا الأيام أخباراً ، قد لا تثير دهشتنا وفضولنا بقدر ما تجعلنا لا نثق بالسياسة ولا بالقائمين عليها، خاصة في محيطنا السوري معارضا كان أم موالياً..فالمصالح تتغلب على المواقف والمساومات صارت تجارة رابحة في سوق السياسة كما هي الوساطات وقانون (خذ وهات) ولو على حساب أرواح بريئة وعائلات منكوبة قضت أو تشردت، دون أن تجد من يأخذ لها بحقها ، وخطيأتها أنها صدقت وآمنت ووثقت بمسؤوليها!.
خلافنا مع أي إسلام سياسي ، ليس أيديولوجيا بقدر ماهو رؤيا سياسية وممارسة ديمقراطية، ففي حين نعترف بهم وبوجودهم على الأرض ونناضل من أجل حريتهم في ممارسة ما يعتقدون به وحقهم الكامل في هذه الممارسة سياسيا وأخلاقيا وقانونيا، لكنهم وحسب طروحاتهم السياسية والمستقبلية يرفضون الإعتراف للعلماني بالجهر في علمانيته والاعتراف للديمقراطية بمعناها القانوني أي ألا تطغى فئة كبيرة على حق فئة قليلة وتهضمها حقها…من هنا نرى أن أهل الجنة المتمثلة بمن يحمل راية الإسلام والجهاد!، يصعب عليهم ويعتبر خرقا فاضحاً لمبادئهم وشرائعهم الاعتراف بالآخر المغاير والرافض لحل مشاكل الدنيا وقضاياها الراهنة من خلال نصوص ماضية وعمرها مئات السنين ، ويرفض أن تكون هي من يضمن الحقوق ويحقق العدالة الاجتماعية ويقرر نوعية العدالة ، بل يعتبر أن هؤلاء من أهل النار حكماً ويجب أن تقام عليهم الحدود!!…كيف يلتقي أهل الآخرة مع أهل الدنيا، أهل النار مع أهل الجنة؟ رغم أننا أبناء وطن واحد! سأدافع عن حقك في الوجود حتى لو كلفني حياتي، لكن لماذا ترفض حتى وجودي وتصدر حكمك التكفيري علي؟..ما أنت إلا بشر مثلي وماذا تملك ليجعلك قَيِّماً لديه الحق في تقرير موتي أو عزلي أو دفني في الحياة، لمجرد أني لا أتبنى طروحاتك أولمجرد أني لا أنتمي لدينك؟
ماذا تعني التراجعات والمصالحات بين النقيض والنقيض؟ هل سنرى قريباً تقاسم الكعكة بين أهل الجنة وأهل النار؟ ونحن لا قدم لنا هنا ولا هناك، أين سيكون موقعنا وكلا الطرفين يعتبرنا كفاراً؟
ثم أتساءل، لماذا يجعل أهل الأسلمة من الله بعبعاً مخيفاً، حين يحكمون أن كل من لا يعتنق الإسلام هو من أهل النار؟! وهل يعقل أن الرب سيدخل الكون برمته ماعدا بعض المسلمين إلى جهنم؟ وكم ستستوعب من مليارات البشر هذه الجهنم؟ كل البوذيين والهندوس والمسيحيين والعلمانيين وبقية الطوائف والشيع والملل وما أكثرها؟..أليس من الأفضل لعقولنا أن تعمل على حل مشاكل الفقر والمرض والجهل؟ ، حل قضايا الأرض والسياسة والمجتمع بدلا من الانطلاق من هذا كافر وذاك مؤمن؟ أو بدلا من إلهاء الناس بفتاوى يومية وكأنهم دون عقل وعلى الدوام يريدون استشارة آخر مثلهم وربما أكثر جهلا منهم إنسان يعتقد انه يملك الحقيقة…لأنه يطرح على نفسه لقب رجل دين؟!
أما آن الأوان لنخرج من ثوب نار وجنة وننظر إلى الجحيم الحقيقي واليومي الذي نعيشه ونخفف من آلامه علينا وعلى أطفالنا ؟ وإن أرادت بعض الحكومات أن تتصالح مع أعداء الأمس، أليس من الأفضل لها أن تتصالح كلياً مع شعوبها دون تمزيق واختيار وشروط؟
ــ باريس 10/4/2009
خاص – صفحات سورية –